Iraq News
























مواقع إخبارية

سي أن أن

بي بي سي

الجزيرة

البشير للأخبار

إسلام أون لاين



الصحف العربية

الوطن العربي

كل العرب

أخبار اليوم

الأهرام

الوطن

القدس العربي

الحياة

عكاظ

القبس

الجزيرة

البيان

العربية

الراية

الشرق الاوسط

أخبار العراق

IRAQ News




فضائيات



قناة طيبة

قناة الحكمة

قناة اقرأ

قناة الشرقية

قناة بغداد الفضائية

قناة البغدادية

قناة المجد

وكالات أنباء

وكالة أنباء الإمارات

وكالة الأنباء السعودية

المركـز الفلسطينـي

وكالة أنباء رويترز

وكالة الانباء العراقية


تواصل معنا من خلال الانضمام الى قائمتنا البريدية

ادخل بريدك الألكتروني وستصلك رسالة قم بالرد عليها

Reply

لمراسلتنا أو رفدنا بملاحظاتكم القيمة أو

للدعم الفني

راسل فريق العمل

إنظم للقائمة البريدية


اخي الكريم الان يمكنك كتابة تعليق وقراءة آخر عن ما ينشر في شبكة أخبار العراق من خلال مساهماتك في التعليقات اسفل الصفحة



Website Hit Counter
Free Hit Counters

الاثنين، 19 نوفمبر 2007

صحيفة العراق الالكترونية الافتتاحيات والمقالات الأثنين 19--11 -2007


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
1
المتنبي هل يعيد الاستقرار للعراق؟
صالح إبراهيم
الجمهورية مصر
ماتزال رياح المجهول تحيط بأرض الرافدين من كل اتجاه.. الصراع بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية ومنها الحصول علي تأييد البرلمان لتسليم عناصره المسلحة وقياداته علي الأقل أو الدخول في حرب بالشمال لإيقاف حركة التمرد.. مجهولة النتائج.. من يدري ماذا ستؤدي إليه وهل ستقتصر علي حركة تأديبية يعود بعدها الجنود إلي قواعدهم داخل الأراضي التركية.. ويعطون فرصة جديدة لترسيخ الكيان الكردي بالشمال الذي أقام حكومة وانشأ برلماناً ورفع علما وأصبح له فضائية تدافع عن مبادئه.. أم يطمع الجيران الطيبون في مساحة من الأرض العراقية.. يعلمون انها تسبح تحت بركة بترول.. وأسعار البرميل في تزايد "93 دولارا لحظة كتابة هذه السطور" وهناك خطر المهجرين المنتظرين للعودة علي الحدود السورية أو الأردنية.. إذا ما شعروا بملامح الاستقرار وعددهم بمئات الآلاف.. وربما تجاوز إلي الملايين.. وهناك احتمالات خطر المواجهة الإيرانية الأمريكية علي الرغم من تناقص العد الزمني لإدارة الرئيس بوش.. وبالونات الاختبار التي تشير إلي أن إدارته تنهبت مؤخرا إلي دجاجة الذهب.. القضية الفلسطينية المحورية الأولي.. وانه من الممكن أن يقدم خدمة العمر للصديق الاستراتيجي إسرائيل.. بأن يجعل مؤتمر سلام الخريف المرتقب يرسي أساسا للتفاوض الجاد حول إقامة الدولة الفلسطينية علي الأرض مصحوبة بالاعتراف المتبادل.. خاصة بعد بالونات الموافقة.. اقتصار عودة اللاجئين إلي الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية فقط.. تحريك حدود 67 بما أطلق عليه تبادل "الأراضي لتحتفظ إسرائيل بمستوطناتها الكبري داخل أراضيها بعد رفض أبومازن لمبدأ تأجير الأرض" وربط الضفة الغربية بممر آمن لغزة يقتضي تعديل خط الحدود الذي أعلن أيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل انه سيعلن عن حدود رسمية للدولة اليهودية لأول مرة منذ إنشائها في عام ..2010 ومن هنا ركزت الساحرة السمراء كوندليزا رايس في جولاتها المكوكية علي عقد مؤتمر غير بروتوكولي في الخريف.. يوافق علي إعلان مباديء وضعه مفاوضون فلسطينيون وإسرائيليون.. تبدأ بعده مرحلة التفاوض الشاقة للوضع النهائي وفقا لخريطة الطريق.. المطلوب إخراجها من مقابر الصدقة إلي النصب التذكاري لحدث عالمي.. وتتفرغ إدارة بوش علي المسار الخارجي بالمعاونة في هذه المرحلة بعد أن لمست رغبة جديدة من الطرفين في هذا الخصوص.. وبالطبع سيكون المسار الداخلي مختصا بالعملية الانتخابية التي يدخلها الديمقراطيون بكل قوة لاسترداد حكم الدولة الأكبر والأعظم بالعالم.
ومن هنا تحاول كوندليزا رايس.. خلق مرجعية قوية لمؤتمر الخريف باشتراك سوريا ودول الجوار.. والتفاهم سلفا علي كل النقاط وبالطبع فإن هذا التوجه يسانده أي تقدم علي الأرض العراقية نحو الاستقرار وتراجع الصواريخ والسيارات المفخخة وهدوء بين السنة والشيعة.. وتخفيفا للعمليات الانتقامية التي تنظمها القوات الأمريكية بمساعدة شركات الحرب المتخصصة.. في الأقاليم العراقية خاصة مع تزايد اعلان التحالف الانسحاب من العراق في تواريخ قريبة.. هي بالتأكيد قبل انتهاء ولاية بوش وانسحابه من دائرة صنع القرار بعد أن فقد أصدقاءه المقربين في بريطانيا وإيطاليا.. وربما تكون استراليا قادمة علي الطريق ويهم الإدارة الأمريكية ان تستمع بأذن صاغية إلي نصائح الأصدقاء بأن يأتي الانسحاب بعد إعادة بناء الجيش والشرطة العراقيين.. لتولي المسئولية وحتي لا تترك البلاد في فوضي مختلفة عن الفوضي الخلاقة بحال.
ولسنا ندري ماذا سيكون تعليق الجنرال جون أبوزيد القائد العام السابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط وحتي مارس الماضي وصاحب رؤية ان القوات الأمريكية قد تبقي خمسين سنة أخري في المنطقة علي الأقل.. ونأمل مشاركة دول أخري في التحالف تخفيفا عنها.. نبحث عن تعليقه عما حدث في جولة قام بها نائب رئيس وزراء العراق في شارع المتنبي بمناسبة اعتزام الحكومة إعادة اعماره ووضع حجر الأساس د.برهم صالح الذي نقلت وكالات الأنباء صورته وهو يشتري أقلام حبر من إحدي المكاتب وتظهر الصورة تواجدا كبيرا للحراسة.. المناسبة رمزية جدا وتلمس قلوب المثقفين قبل عقولهم وأقلامهم.. قال د.برهم: شارع المتنبي كان ومايزال واحة للمثقفين والسياسيين العراقيين ومعلما يقصده زوار العراق وان استهداف الشارع من قبل الإرهابيين أعداء الحياة كان قمة الشر والإجرام كونهم اعتقدوا انهم سيوقفون شريان الثقافة والحضارة والمعرفة ونحن من خلال عزمنا علي إعادة اعماره نؤكد علي ان هذه الجريمة لن تثني من عزمنا علي دحر الإرهاب.. واقتبس من المتبني قوله: علي قدر أهل العزم تأتي العزائم.. وأقول ان أهل بغداد هم أهل العزم وعزمهم كبير وأقوي من الإرهابيين وللتذكير بما حدث للشارع من هجوم مسلح في مارس الماضي أودي بحياة عدد كبير من باعة الكتب وأصحاب المكتبات ازيح الستار عن النصب التذكاري تكريما لضحايا الجريمة بحضور مسئولين ومثقفين وأعلن تخصيص 7 مليارات دينار لإعادة اعمار الشارع خلال 180 يوما.
وبالطبع فإن مثل هذه الخطوة لها دلالات مهمة.. ونستشرف بإيجابية عواطف الناس المتشوقين املا إلي احياء مكانة العراق ضمن الأحداث الثقافية للأمة العربية ونتمني أن تلقي التجاوب بتفاهم حقيقي بين خيارات الطوائف والجماعات والأحزاب.. أو ما استقر تسميته.. الضيف العراقي.. خاصة وان الدول العربية والجامعة ودول الجوار لم تقصر في متابعة واقتراح وعقد الاجتماعات لمساعدة الشعب العراقي وتخفيف معاناته الإنسانية خصوصا.. لكن الرياح الساخنة والسحب السوداء مازالت تثير زوابعها محتمية بعلم الطائفية البغيض وإلي الدرجة التي اقتحمت فيها الطائفية القرارات العامة في وزارة الصحة حيث ارتكب مسئولون في الشيعة جرائم قتل بحق أطباء من السنة وأصدروا شهادات وفاة مزورة.. اخفوا الضحايا في مقار وزارة الصحة والغريب ان الذي أعلن عن القضية مستشارون أمريكيون للنظام القضائي العراقي وضمن عمليات المطاردة التي تقودها القوات الأمريكية بمشاركة عراقية تحمل أسماء معبرة نفذت عملية المطرقة الحديدية في محافظات صلاح الدين وكركوك ونيتول وديالي بحجة ملاحقة عناصر القاعدة الذين يحاولون التحرك واكتشاف مناطق جديدة كملاذ آمن.. ومازالت تركيا القوية تضغط علي حكومة المالكي لاتخاذ إجراءات ملموسة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني الذي تصفه بالإرهابي وسبق لها بالفعل اختراق الحدود الشمالية بحجة قصف قواعد هؤلاء المسلحين.. لكن بغداد تؤكد انها لا تستطيع تسليم القيادات المطلوبة لتركيا.
وتلعب شركات الأمن الأجنبية التي تستعين بها القوات الأمريكية والحكومة العراقية دورا قلقا في الملف الأمني.. حيث تشعر دوائر كثيرة بالخطر من التعامل مع مرتزقة يسعون للقتل والتدمير بسكين باردة بعد ما نفذه مقاتلو بلاك ووتر وقدمت طهران القريبة جدا من الملف العراقي "رغم نفيها المتكرر توجيه الشيعة ببلاد الرافدين" ورقة عمل في مؤتمر دول الجوار باسطنبول ركزت علي معالجة مشكلة المجموعات المسلحة وطرد شركات الأمن الأجنبية ومهلة عامين لتسوية الملفات الخلافية في كركوك.. رفضها نائب رئيس الوزراء العراقي فورا واعتبره تدخلا في شئون العراق الداخلية طبقا للمادة 140 من الدستور التي تنص علي حل هوية كركوك عبر ثلاث مراحل تبدأ بالتطبيع ثم الاحصاء السكاني ثم الاستفتاء علي هويتها.. بينما يصر الأكراد علي اعتبار المدينة الغنية بالنفط هي عاصمة اقليم كردستان.
ولكن القضية لا تتعلق بتدمير شارع المتنبي.. أو إعادة اعماره فقط.. فالأساس هنا هو العدوان الأمريكي الذي انزلقت به واشنطن إلي المستنقع العراقي وعجزت بكل أسلحتها وقوتها ومستشاريها من التوصل لخطة مناظرة لخطة العدوان وما صاحبها من تعتيم ودفع للرأي العام العالمي بأنه صدام و نظامه خطر علي البشرية والمجتمع الدولي يحتضن الإرهاب ويفرقهم والقوات الأمريكية مصرة علي التدخل في الاحتفال الشيعي.. أو الشيعي السني.. تنتقل بطائراتها وقواتها من الشمال إلي الجنوب.. وراء أصوات الطلقات والرصاص.. وتتعقب الأشباح الذين يرتكبون الحوادث المسلحة لتجد نفسها غير قادرة علي حماية المنطقة الخضراء.. ومنع المسلحين لاختراقها.
الأمريكيون يعترفون بأن القتلي خلال شهور هذا العام بلغ 852 في عام واحد.. والعراقيون يقولون ان الذين طردوا من منازلهم في بغداد فقط خلال سبتمبر الماضي بلغ 40 ضعفا من النازحين منها في مارس العام الماضي ويقولون ان جولة نوري المالكي في شارع أبونواس ببغداد.. استمرت نصف ساعة فقط وتحت الحراسة المشددة.. وانها لم تقنع الذين راقبوها بأن الوضع الأمني قد تحسن في عاصمة الرشيد.. المطلوب إنقاذ العراق من براثن الاحتلال.. تقوية الجيش والجهاز الأمني مع بدء اعمار حقيقي يستوعب النازحين ويكون دافعا لهم علي العودة للوطن للمشاركة في البناء ورفع أعلام الاستقرار وليت الجميع يستفيدون من مهلة 180 يوما المفترض خلالها اعمار شارع شاعر العرب الكبير المتنبي.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
2
شعوذات اليسار الرجعي
د. غسان الرفاعي
صحيفة تشرين دمشق

ـ 1 ـ بعد أن ظلت صفة مثقف ملازمة «لليساري التقدمي» لأكثر من ربع قرن، إذ كان يجب على غلاة الرجعيين أن يرشوا عقولهم بعطر يساري، قبل أن يقبلوا في «فردوس الثقافة»، حدث، في السنوات الأخيرة، ما يمكن أن يسمى الانقلاب الأسود، إذ أصبح اليساريون التقدميون يهرعون إلى قلاع الرجعية للحصول على براءة ذمة ثقافية.

كان من المألوف أن نرى فيلسوفاً ذائع الصيت مثل جان بول سارتر، أو شاعراً عالمياً مثل اراغون، يوزعان المناشير في الشوارع، ويهتفان ضد الممارسات الإجرامية للجيش الفرنسي في الجزائر، وضد الحرب الأميركية القذرة في فيتنام، ولكن لا يتورع فرسان الرجعية الثقافية الجديدة من تبرير انقلابهم بالحرص على الصراحة والنزاهة، والرغبة العارمة في قول الحقيقة، والعزم على مجابهة كراهية الغرب، وانتشار الإرهاب والعنف. ‏

ـ 2 ـ ‏

هؤلاء المثقفون الرجعيون الجدد متخاصمون، متنابذون، يتعذر «تعليبهم في صندوق» متجانس واحد، ولا تنتظمهم إلاّ فكرة واحدة، ولدت بعد 11 أيلول 2001 وتقوم على ضرورة صياغة «انجيل واحد» جديد لحماية الحضارة الغربية من مخالب بربرية حاقدة، ترفض العلمانية، وتسخر من الديمقراطية، وتتسلح بالإرهاب، وتخوض «صراع الحضارات» كما تنبأ صموئيل هنتنتغتون بأن هناك قواسم مشتركة تجمع بين شتات المثقفين الرجعيين الجدد: ‏

أولاً: الزعم أن الغرب هو في «حالة حرب» وان هذه الحرب بدأت في 11 أيلول 2001، ولا يجوز أن تنتهي إلاّ بالنصر الساحق. لقد انطلقت في هذا التاريخ حركة عدوانية ضد الحضارة الغربية، والقيم المسيحية ـ اليهودية، وليست القاعدة إلا الواجهة المعلنة، في حين تختبئ وراءها قوى متسترة في العراق وأفغانستان وفلسطين وبلاد الشيشان وفي الفضاء الإسلامي الواسع في كل مكان. ‏

ثانيا:ً هناك طابور خامس متحالف مع هذه الحركة العدوانية هو يسار مزيف نجح في اتخاذ قرارات معادية للصهيونية والفاشية في دوربان، كما نجح في تأجيج كراهية سوداء ضد الرئيس بوش الذي يتزعم حماية الحضارة الغربية بكل شجاعة، غير مكترث بالهستيريا التي أججها المتخاذلون ضده في كل مكان، وليس موقف المهادنة الذي نادى به بعض زعماء أميركا اللاتينية وبعض المتخاذلين في أوروبا الغربية إلاّ استسلاماً مرفوضاً، لأنه «استقالة وطنية» وهروب من المقاومة الشريفة، ولا يقتصر الطابور الخامس على هؤلاء المهادنين وإنما هو مجسد، وبشكل فاقع بالجيل الجديد من المهاجرين الأفارقة والعرب الذين يحيطون بالمدن الغربية الكبيرة، وهؤلاء لايخفون عداءهم للغرب والسامية ولا يمكن امتصاص عدوانيتهم بالاندماج أو بمعاملتهم على قدم المساواة مع المواطنين الأصليين. ‏

ـ 3 ـ ‏

ولكن هناك «أغبياء نافعون» في هذه الحرب الكونية يتصنعون العطالة الذهنية والملائكية والإيمان الساذج بالإنسانية المفرطة، وهؤلاء يرفضون أن يعترفوا بوجود هذا الشر البربري ولا يكترثون بخطر الأصولية الشمولية التي تفوق الأصوليات الغابرة تطرفاً ورعباً، وهؤلاء لا يقدرون حق التقدير الدور الطليعي الذي يلعبه بوش، ومن ورائه المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية في قيادة الحرب، وقد يرتكب بوش بعض الهفوات ولكنه يظل ملاكماً عنيداً لا تنطلي عليه بهلوانيات المتخاذلين والمنادين بحوار الحضارات، لقد دأب الأغبياء النافعون على نشر «ثقافة الاعتذار» بين جماهير الناس حتى تولد عند الجميع الشعور بالإثم، وكما قال روجيس دوبريه: «حينما تتلامح أمامي الجرائم التي اقترفناها في الجزائر وفيتنام ورواندا والشرق الأوسط، أشعر بالإثم وتستبد بي الرغبة في أن أطالب شعوب هذه البلدان بالصفح والغفران، والسمة الرابعة التي تجمع بين هؤلاء المتنابذين هي قناعتهم أن السياسيين «الأغبياء النافعين» الذين يرفضون المجابهة يصرون على حوار الحضارات، ولكن هؤلاء يتسترون على مصيبة أوسع: إنهم بعملهم الجبان يضعون نهاية للتقدم والازدهار في الغرب، ويفسخون القيم الغربية ـ اليهودية، ويتآمرون على الديمقراطية ويحولونها إلى فراغ لا بد من أن ينتهي بانحطاط الغرب. ‏

ـ 4 ـ ‏

على أن السؤال الكبير الذي يطرحه كل المفكرين: «ما الذي حدث حتى غرق العالم في الانتهاكات المخالفة لكل القيم والمقاييس المعترف بها؟ لقد حدثت عدة تطورات متلاحقة فرضت اصطفافاً جديداً للقوى الفاعلة والهامشية معاً، ولم يعد بالإمكان الابتعاد أو الوقوف على الحياد. ‏

أهم هذه التطورات ظهور الإمبراطورية الأميركية المستفردة، واغتصابها حق التدخل المباشر في شؤون العالم، لقد تعهد الرئيس بوش بعد انتخابه للمرة الأولى بالتخلي عن فرض إرادته على العالم، والتفرغ لبناء الأمة الأميركية، ولكن المحافظين الجدد الذين يحيطون به، أقنعوه بعد 11 أيلول على تغيير موقفه بشكل جذري، وإظهار عضلات بلاده بفظاظة وقسوة، بول كريستول رئيس تحرير «ويكلي استاندرد» هو الذي طرح فكرة امبراطورية الخير، وألح على ضرورة التخلي عن السياسة الخارجية «المتطهرة» التي رسمها الرئيس كارتر، وتصدير ما يسمى «الديمقراطية الأميركية» إلى العالم بالقوة على غرار ما فعلته بريطانيا في عهد جورج الثالث، وألمانيا في عهد بسمارك، ومكافحة «الدول المارقة» بلا هوادة، ومن هذا المنطلق يجب على الولايات المتحدة أن تعمل تحت راية مارس إله الحرب والجبروت، لا تحت راية فينوس آلهة الحب والسلام. ‏

إن المبدأ الذي يفاخر به المحافظون الجدد في إدارة بوش هو «تحقيق المصالحة بين الديمقراطية والعصا الغليظة»، ولهذا يجب أن تتحرر الولايات المتحدة من التزامات النظام العالمي لعام 1945، والمتجسد بالأمم المتحدة وأن تلجأ إلى «الحروب الاستباقية» لحماية هيمنتها المطلقة غير عابئة بالاعتراضات ولا بالانتقادات، إن الحرب على العراق لم تكن تستهدف الإطاحة بالنظام الديكتاتوري وإنما إعادة تشكيل الشرق الأوسط. ‏

ـ 5 ـ ‏

يحاول جيل من المثقفين «القراصنة» في الغرب أن يسطو على الفضاءات والمنابر وأن يمارس هواية الحفر في التضاريس التاريخية لاستخراج ما يمكن أن نسميه «الأمة الغربية» بحجة أن إنقاذ الإنسانية يتوقف على انتصار الغرب أمام «البربريات الشرقية» التي تزحف من كل مكان حاملة معها الهوس الديني والجنون الاثني والإرهاب الحضاري. ‏

وفي حين يتفسخ «الشرق الغامض» دولاً وأقاليم وكيانات، وتتصاعد في أرجائه الدعوة إلى رفض الآخر بل إلى تصفيته، ومحاصرته في غيتويات اسمنتية مسيجة، تتلامح «الأمة الغربية» بعد صراعات ونزاعات دامية استهلكت شعوبها، وتجتاح الدعوة إلى الوحدة الغربية الدول والأقاليم والكيانات، أليس من المذهل أن يسعى الكل في الغرب إلى التجانس، وتذويب الفوارق، على الرغم من اختلاف اللغات والخصائص التاريخية، في حين يتفانى الكل في الشرق إلى التشظي والانقسام والتفتت، قومياً، وطائفياً وعرقياً، على الرغم من وحدة اللغة والتاريخ والرؤية؟!. ‏


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
3
ثمن السياسات الرديئة
د. محمد السعيد ادريس
الخليج الامارات
لم يعد هناك أدنى شك في حقيقة الاختيارات الأمريكية عندما تجد واشنطن نفسها في مأزق التناقض بين شعارات “الديمقراطية” التي تحرص على ان تجمل بها الوجه القبيح لسياساتها وبين مصالحها الحيوية والاستراتيجية، فالاختيار دائماً يكون الانحياز المطلق للمصالح من دون أي اعتبار لانتهاك الحرمات الديمقراطية، بل ان الديكتاتورية تكون الحليف الأصدق الذي يعتمد عليه في تأمين تلك المصالح.

التجارب التي انحازت فيها الولايات المتحدة للانقلابات العسكرية ضد الديمقراطية كثيرة وشملت العديد من دول العالم الثالث على وجه الخصوص. فعلت ذلك في آسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا لذلك فإن الانشغال بالموقف الأمريكي من الأزمة السياسية الراهنة في باكستان ليس في موضعه اذا كان هذا الانشغال يتعلق بالاجابة عن سؤال: أين ستقف واشنطن مع الجنرال مشرف أم مع القضاة والمحامين ومجمل القوى السياسية الرافضة لقرار فرض حالة الطوارئ والاحكام العرفية واعتقال افتخار محمد شودري كبير القضاة بوضعه تحت الاقامة الجبرية بعد اقالته، واعتقال ربع المحامين في البلاد، وفرض الاقامة الجبرية على بينظير بوتو زعيمة حزب الشعب لمنعها من قيادة مظاهرة “مليونية” وعدت بها لإنهاء العمل بحالة الطوارئ؟.

مجمل تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين خاصة الرئيس بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تقول ان واشنطن اختارت الجنرال، لكنها حريصة على تجميل قراراته واكمال الصفقة السياسية بينه وبين بوتو على أمل أن تؤدي هذه الصفقة، التي ترمي الى تقاسم السلطة بينهما. بوتو هي الأخرى حريصة على أن تضع معارضتها لإجراءات مشرف ضمن الضوابط المحكومة التي لا تؤدي الى اعطاء الفرصة للأحزاب والقوى والجماعات الاسلامية لتفجير الحياة السياسية واسقاط حكم مشرف واضاعة فرصتها للعودة مجدداً الى رئاسة الحكومة في باكستان، والتي تحفظ ماء وجهها أمام مؤيديها كزعيمة معارضة يجب أن تكون على رأس الانتفاضة الشعبية ضد اجراءات مشرف.

الرئيس الأمريكي قال في حضور رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في تعليقه على تطورات الأوضاع الباكستانية “أوضحنا للرئيس (مشرف) بأننا نأمل ان يعلق اجراءات حالة الطوارئ التي أعلنها. أملنا الآن أن يسرع بإجراء الانتخابات، وفي الوقت نفسه نريد مواصلة التعاون معه في قتاله ضد الارهابيين والمتشددين”. كما أسرعت رايس بالترحيب بتعهد مشرف إجراء الانتخابات، لكنها تطالب صراحة بإنهاء حالة الطوارئ قبل إجراء هذه الانتخابات وكل ما أبدته هو “القلق” من عدم تحديد مشرف موعداً لإعادة العمل بالحريات الدستورية وهذا هو الفارق الوحيد بينها وبين موقف بوتو التي رحبت هي الأخرى بوعود مشرف لإجراء الانتخابات”، لكنها أشارت الى انها “تبقى ناقصة ما لم تتزامن مع رفع حالة الطوارئ التي ستمنع جميع المرشحين من القيام بحملاتهم الانتخابية”، لكنها لم ترفض صراحة إجراء الانتخابات في ظل استمرار حالة الطوارئ، ما يعني أنها جزء أساسي من اللجنة الحالية، وتدرك أن هذه اللجنة هدفها اجراء انتخابات “نظيفة” خالية من الاسلاميين، كي تكون عودتها الى السلطة مريحة من دون معارضة قوية مقلقة.

هذا الارتياح من جانب الامريكيين ومن جانب بوتو لما فعله مشرف ليس مأموناً لأن رد الفعل الشعبي قد يفلت من يد الرئيس وليس هناك من في مقدوره أن يحدد كيف ستتطور الاضطرابات نظراً لدقة وخطورة المرحلة التي تواجه باكستان، وليس هناك من في مقدوره أن يضمن كيف سيكون حال الجيش إذا أفلتت الاحداث من يد الرئيس. هل سيبقى موقف الجيش موحداً الى جانب الرئيس أم يمكن أن ينقلب على نفسه وينقسم وفقاً لانتماءاته العرقية والمناطقية حيث هشاشة البنية الاجتماعية والروابط بين مقاطعات باكستان الخمس (البنجاب، أفغانيا، كشمير، السند، وبلوشستان) حيث النزاعات الانفصالية وتناقضات المصالح تتزايد؟.

هنا بالتحديد يتجلى المأزق الأمريكي في ظل الهاجس القاتل الخاص ب “أمان السلاح النووي الباكستاني”. تقييم رايس لخطورة انفلات الأحداث في باكستان مؤشر دقيق لهذا القلق. رايس قالت في اسطنبول، على هامش حضورها مؤتمر دول الجوار العراقي في معرض تعليقها على قرار مشرف بإعلان حالة الطوارئ، “الآن ستكون أزمة العراق أشبه بمزحة حين تقارن بأزمة باكستان”.

الكل يعلم ان “الجحيم” هو السيناريو الذي سيفرض نفسه في حالة فلتان الأحداث التي لن يستطيع أحد تصور هولها، لذلك يجد الأمريكيون أنفسهم في موضع لا يحسدون عليه بين الاستمرار في دعم الجنرال مشرف لأنه عصاهم الغليظة للقضاء على “الارهابيين” ليس فقط في افغانستان بل وأيضاً في باكستان، وبين إجباره على التراجع عن قراراته غير الديمقراطية إنقاذاً للبلاد من الانهيار وتعريض السلاح النووي الباكستاني للخطر.

جون بولتون، المندوب الأمريكي السابق في مجلس الأمن وضع اصبعه على موضع الخطر عندما شرح ان “ترسانة باكستان ربما تكون تقنياً في مأمن، الا أن القضية ليست تقنية بل سياسية.. اذا أخفق الجيش أو انقسم فالغطاء التقني لن يحمي تلك الأسلحة” وأكمل “لا مجال للالتباس هنا: الوضع بالغ الخطورة”. وأيده ريتشارد هولبروك، المندوب الأمريكي الأسبق في مجلس الأمن في عهد الرئيس بيل كلينتون قائلاً “الأمر يجب أن يكون مصدراً للقلق، فهذا وضع متقلب بصورة استثنائية، لا نريد أن نرى باكستان وقنابلها، تقع في أيدي أشخاص مثل (الرئيس الايراني) محمود أحمدي نجاد”.

مأزق أمريكي صعب، أهم ما فيه أنه يكشف ان عصر “الخيارات الأمريكية المريحة” لم يعد له وجود وأنه على الامريكيين الاستعداد لدفع أثمان باهظة لسياساتهم الرديئة.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
4
البديهي الذي لا يتطلب تجاوزاً. . المقاومة والاحتلال وألف باء الوطنية
علي الصراف
اخبار العرب الامارات
أ ب ت ث، كلنا وطنيون. هكذا، خبط لزق. لا أحد تذهب به الوقاحة إلى حد القول انه غير وطني. وعندما تسخن حديدة المجادلات، فان الوطنية سرعان ما تصبح تاجا على رأس مدّعيها. وككل تاج فانه لا يجلس إلا على رأس واحد. ما يعني أن حامل التاج، في نظر نفسه، هو الوطني الوحيد، أو الوطني الأكثر إخلاصا. وهذا من أول اللاوطنية. الوطنية شراكة. المرء لا يكون ’’وطنيا’’ في بيته ومع أولاده. لماذا؟ لأنه يملكه و’’يملكهم’’ بمفرده. ولكن البيت شيء، والوطن شيء اَخر. الشراكة في الوطن ليست خيارا، ولا ’’ضرورة’’ ولا ’’واجبا’’. إنها شيء نولد عليه، لنراه في العلاقة مع الغير. فالوطن هو الاَخرون الذين يعيشون فيه. انه ملك الجميع. وهو لا يعود وطنا إذا صار ملكا لأحد، أو إذا زعم هذا الأحد انه ’’وطني’’ فيه أكثر من غيره. الوطن هو غيرك أولا، ومصالحه هي مصالح الاَخرين. والوطنية هي، بهذا المعنى، العقد الضمني الذي تعقده مع نفسك على خدمة غيرك; على مراعاة مصالحهم وتصوراتهم وأفكارهم ووجهات نظرهم; على أخذهم في نظر الاعتبار عند كل تصرف; على مشاورتهم في ’’الأمر’’، إنما من دون ان تتعالى عليهم بوطنيتك الزائدة، ومن دون أن تنكر عليهم وطنيتهم التي تبدو لك ناقصة. ’’عنطزة’’ المزاعم الوطنية ليست تعبيرا عن الوطنية. أنها تعبير عن اللاوطنية. لأن الوطنية هي في اَخر الأمر تواضعُ أمام الاَخرين، وخشيةُ منهم، وخوفُ من إيذاء مصالحهم، وحذرُ من خدش مشاعرهم. والوطنية لا تصدر بقرار من أحد. وهي لا توهب. كما أنها ليست شهادة تخرج يمكن منحها للناجحين في الامتحان. وهي ليست استثمارا، ولا رزقا لمرتزقة. لهذا السبب، فان الوطنية تضحية (بالنفس للاَخرين). إنها نوع من أنواع الأذى المقبول الذي يقدم عليه ’’الوطني’’ وهو يشعر بالسرور والسعادة. الوطنية أمرُ مسبق. استنتاجُ جاهزُ أو مُعد سلفا. . . حتى يثبت العكس . والعكس لا يثبت إلا أمام محكمة الواقع، عبر سلسلة مترابطة ومتواصلة من أدلة السلوك والممارسة التي تثبت الخروج عن جادة الصواب الوطني. وهكذا، فليس لأنك تقول رأيا مختلفا، تصبح لا وطنيا. وليس لأنك ترتكب زلة، تصبح لا وطنيا. وليس لأنك تنتمي إلى حزب اَخر تصبح لا وطنيا. الميل إلى مصادرة وطنية الاَخرين يعني انك تملكها. وانك تملك الحق في منحها أو سحبها. وهذا من أول اللاوطنية. ولكن لماذا نختلف في الوطنية؟ لأنها عُرف. لأنها شيء مشاع. ولأنها لغة سابقة على الأبجدية. وضع دستور لقواعد الوطنية قد يكون شطحة من شطحات الفكر تبدد طبيعتها ’’البرية’’ و’’البدائية’’ وتضع حواجز على المعروف والمسبق. إلا أن ذلك لا يغني، في فوضى الأزمات العنيفة، عن معايير وقيم معلنة. وعندما يكون لدينا عملاء رسميون يتواطئون مع الاحتلال الأجنبي لوطنهم أو يستفيدون من وجوده لكسب سلطة، ويقولون في الوقت نفسه انهم ’’وطنيون’’، فهذه إهانة للمشاع وللعُرف، تكشف أن الوطنية يمكن أن تكون دعارة رسمية أيضا. هل يمكن رسم خط للتمييز ما بين الوطنية واللاوطنية؟ ربما. ولكنه خط معايير جامعة أيضا. خط سلوك يقتفي أثر المعنى الخام والبدائي و’’المتوافق عليه’’ للعيش مع الاَخرين. أي انه خط ما قبل أيديولوجي. خط سابق على البعث والشيوعية والقومية والاسلاموية والتقدمية والرجعية، وكل أنماط الإنحيازات القبلية. خط يقوم على احترام حق الاَخرين في الوجود والتفكير والتمايز والاختلاف، ولكن ليس على حساب قيم العيش المشترك. يستطيع أي كان اَن يقول انه ’’وطني’’. وفي بلد مثل العراق يستطيع نوري المالكي وجلال الطالباني ومسعود بارزاني وعبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر وطارق الهاشمي واحمد الجلبي ان يقولوا انهم ’’وطنيون’’،. ولكن الضمير الجمعي يستطيع ان يميّز. ولذلك فلا داعي للقلق من هذه الناحية. خط المعايير مطلوب أكثر بين الوطنيين أنفسهم. وفي ظروف محن عصيبة كالتي يمر بها العراق يصبح احترام الخط ضروريا بل مقدسا، لأن عواقب تجاوزه، حتى ولو عن حسن نية، قد تكون أمرا ضارا وباهظ الكلفة. ولعلنا في مواجهة فاشيست امبرياليين تتوفر لديهم قدرات تأثير ضخمة، فان التمسك بمعايير أخلاقية صارمة سيثبت انه خندق دفاع لا يمكن التراجع عنه. الرجوع عن هذا الخندق ليس شطارة. والتلاعب به ليس ’’تكتيكا’’. والتخلي عنه ليس سوى مشروع للهزيمة. لا أحد يستطيع ان يقرر للوطنيين معاييرهم. ولكن الحس والمنطق والبداهة قد تكفي لالتقاط المعنى السليم من تلك اللغة السابقة على الأبجدية. والوطنية غير قابلة للشرح، ربما، وتعسر على التفسير أحيانا، ولكن يمكن الحديث عنها دهرا. وعلى رغم كل ما تبدو عليه من تعقيد، فان مسالكها بسيطة. إنها شيء من قبيل: ما يجوز وما لا يجوز، مما يتوافق مع البداهة البدائية لحماية الاَخرين والدفاع عن حقهم المشترك. إنها بعبارة بسيطة، مدونة سلوك تجسد كلمات وحروف العقد الضمني بين الوطني ووطنيته. إنها الاَخرون أولا. التضحية من أجلهم أولا. الإصغاء إلى رأيهم أولا. اتقاء إيذائهم أو خدش مشاعرهم أولا. وعندما تكون المعركة بين الوطنية واللاوطنية عنيفة وقاهرة، فان خندق السلوك والقيم قد يغرق بالكثير من الدم إذا ما أجاز أحد لنفسه عبوره، أو التخلي عنه. وهذه عروة وثقى: في كل معركة، هناك عدو رئيسي واَخر ثانوي; هدف أساسي واَخر فرعي. والوطني لا يخلط حابلها بنابلها. ولا يضحي بالأساسي لكسب الثانوي. التركيز على الهدف. . لا يقل أهمية عن الهدف. لماذا؟ لأنه قد تمكن إصابة الهدف بهذه الطريقة او تلك، ولكن تحقيقه عفو الخاطر، لا يحمي من المخاطر الناجمة عن رميه عشوائيا. والوطني لا يرفع سلاحا على وطني من دون أن يخون نفسه. وهو لا يصادر حقه في الوجود من دون أن يهين وطنيته ذاتها. والوطني لا ينتقد وطنيا في صفّه على تفاصيل أو صغائر. وقد ’’تعظم في عين الصغير صغارها’’، ولكن هذا لا يفضي إلى فائدة. وسوى إحباط المعنويات وتشتيت الانتباه عن الهدف، مما يخدم العدو المشترك، فان تصيد التفاصيل والصغائر يدفع إلى خوض ’’معركة داخل معركة’’.

والوطني لا يخطو خطوة في اتجاه العدو قبل أن يعترف هذا العدو بالهزيمة. لأنه بتلك الخطوة يعطيه نصرا مجانيا، ويهزم رفاقه في الميدان بباهظ الكلفة. والوطني لا يتصرف في شؤون الاَخرين بمفرده. قد لا يخونهم إذا فعل، ولكنه يخون نفسه، ويبرر للاَخرين تخوينها. وهذا زائد عن ’’الحاجة’’. انه تعبير عن اضطراب في الذهن، قبل أن يكون تعبيرا عن اضطراب في السلوك. والوطني لا يقدم فائدته على فوائد الاَخرين، لان وطنيته لا تعود ’’تضحية’’ بل مشروعا لمكسب، أو لاستثمار تجاري. والوطني إذا احتاج، فمن رفاقه يطلب، لا من أعدائهم. والوطني إذا عجز، فانه ينسحب بصمت، لكي لا يضر بالذين لم يعجزوا بعد. والوطني لا يقول لرفاقه في الميدان ’’إذا مت ضمانا فلا نزل القطر’’، لأن المبدأ هو ان يموت ويجعل من دمه فداء لقطرهم. والوطني يتواضع ويحن ويعطف ويتنازل ويتسامح ويغفر لكل أولئك الذين يشاركونه في دفع ضريبة الوطنية. لماذا؟ لانه هو نفسه سيحتاج تواضعهم وحنوهم وعطفهم يوما. والوطنية مسؤولية. والمسؤولية تعني الحساب على النتائج. ولكنها ليست ’’موقعا’’ يكسبه الوطني بالتعالي على الاَخرين. والوطني يدفع دماً في وجه الاحتلال، من اجل أن يكسب الحرية، لا من اجل أن يقبض سلطة. الحرية شيء. والسلطة شيء اَخر. معركة الحرية غير معركة السلطة. الركض وراء السلطة او وضعها نصب العين قبل الحرية، مشروع لخسارة المعركتين معا. والوطني يُعلي غيره لكي يعلو به ومعه، ولكي يجعل العلاقة مع رفاقه فخرا وعزّا وقوة مشتركة. ولا يفعل العكس لأنه هو الذي سيخسر. والوطني يتوسل حبّ رفاقه واحترامهم توسلا، ولا يفترضه جاهزا ومسبقا. وهو يصدقهم القول والعمل لا لكي يثبت جدارته بينهم، بل لكي يرسيها على قاعدة متساوية، فتكون سباقا نحو الأفضل. إثبات الجدارة شيء مهم ربما، ولكن عوائدها أهم. والوطني قد يظلم ويقسو ويتجبر على عدوه، ولكنه على رفاقه لا يفعل، ويعتذر لهم ويتسامح مع قسوتهم عليه ويعفو عنهم لكي يبقيهم في جواره جنودا وسندا. والوطني لا يكسر عصا الجماعة، ولا يُخرج عوده من بين عيدانهم، حتى ولو من اجل فوز عظيم. فالفوز، مهما صغر، يعظم بوحدة الجماعة، ويصغر من دونها حتى لا يعود فوزا. والوطني قد يخطو، في مقبول أعماله، لوحده، ولكنه يسير مع الجميع. والوطني يقدم حزب الاَخرين ويبتهج بأعماله، لأنه ضروري لنصره هو، وللتخفيف من أعبائه هو، فيكون قادرا على حملها أسهل. والتحرير ’’مسيرة’’ لأنه شراكة مع اَخرين، بالضبط مثله مثل الوطنية. وفي كل هذا، والكثير من أمثاله، هل ثمة ما يوحي بأننا نعيد اختراع العجلة؟ بالطبع، لا. وحدهم فقط يعيدون اختراع العجلة أولئك الذين لم يلاحظوا ان الوطنية هي ذلك المعروف والبديهي والمشاع الذي لا يحتاج اختراعا ولا يتطلب تجاوزا. إنها لا شيء سوى: ا ب ت ث، وحسب. إنها المرء أمام ضميره، وحسب. إنها ذلك الأذى الذي نرتكبه ضد أنفسنا حباً وطواعيةً من اجل الاَخرين، وتنازلا مُخلصاً ومجرداً لهم وحسب.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
5
دلالات أزمة التمويل
وليد الزبيدي

الوطن عمان

عندما يعترض المواطن الأميركي على هدر المزيد من الأموال على الجيش الأميركي في العراق، فإن الاعتراض ينطلق من بديهية لاتحتاج إلى المزيد من التدقيق والتمحيص والبحث، لأن الإجابة على السؤال، الذي يقول الى اين يسير الأميركيون في العراق ، وما هو هدفهم من كل هذا الهدر الخطير بالأرواح والأموال.
ان الاجابة الصريحة ، يقدمها الآن كبار كتاب الرأي والباحثون والمفكرون الأميركيون، ومهما حاول بعض الساسة أن يفلسف الأمر ، فهو غير قادر على إقناع الآخرين بما يقول، وعلى الطرف الآخر، نجد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يتحدث بمرارة عن واقع ومستقبل القوات الأميركية، التي ستكون بلا تمويل في العراق خلال النصف الاول من العام المقبل، فهو يتحدث عن اضطرار وزارته إلى الاستغناء عن عشرات الالاف من المتعاونين والمتعاقدين والعاملين مع القوات الأميركية في القواعد والمعسكرات المنتشرة في العراق.
ان موقف الكونجرس من عملية تمويل هذه القوات، لا ينطلق من مسألة مزاجية أو قضية عاطفية، بل هو خلاصة لما يراه المواطن الأميركي البسيط، من عملية هدر خطيرة لأرواح الأميركيين وأموالهم التي يدفعها الأميركي من دخله الشخصي، وبنسبة عالية جدا من الضرائب المفروضة عليه حسب القوانين الأميركية، كما أن المزاج الأميركي العام يتجه إلى رفض الحرب في العراق وأفغانستان، ويتأكد للأميركي أنه لا يخسر أمواله وأرواح ابنائه فقط، بل ان أميركا تخسر هيبتها الكبيرة ، التي وصلت إلى أعلى درجاتها بعد الانتصار على الاتحاد السوفيتي السابق في الحرب الباردة ، والنتائج العسكرية الباهرة التي حققتها في حربها ضد العراق ربيع عام2003، وبداية الالفية الثالثة التي أطلقوا عليها(العصر الأميركي)، الذي سرعان ماأخذ بالتآكل والتهاوي، بسبب أوضاع الأميركيين في العراق، حيث تتواصل هزائم هذه القوات أمام المقاومة في العراق وضرباتها القاسية والكبيرة، ما جعل الصورة الأميركية تنهار من أعلى القمة إلى درجات متدنية، وهذا يدركه الأميركي أكثر من سواه، لأن هناك الكثير من الشامتين بأميركا والحاقدين عليها، والأسباب معروفة.
إن الحقيقة المعروفة للجميع أن الكونجرس ومعه صناع الرأي العام وانتهاء بالمواطن الأميركي البسيط،، لم يعترضوا على الميزانيات الهائلة، التي تم إقرارها، خلال فترة الاستحضار لغزو العراق، بل إن الجميع دعم مشروع الغزو، وانطلق هؤلاء من قناعة تامة، تقول إن الهيبة الأميركية ستزداد، وإن العصر الأميركي سينطلق بقوة في بداية الألفية الثالثة، لكن الصورة انقلبت، وغاصت أميركا في الوحل العراقي، وبدلا من وصول دفعات من الهيبة الأميركية المضافة، تواصلت عملية إرسال جثث القتلى من الجنود والضباط في الجيش الأميركي، كما أن أعداد المعاقين والمجانين بازدياد، ما أكد الخسارة الأميركية الشاملة.
لذلك فإن خطوة محدودية التمويل، هي المؤشر على انتهاء المشروع الأميركي في العراق والعالم.
wzbidy@yahoo.com



ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
6
إسألوا العراقيين
لورنس رايت
مجلة ذي نيويوركر

منذ وقت مبكر للغاية يرجع إلى أغسطس من عام ،2003 أي بعد خمسة أشهر فقط من الغزو، تبين من استطلاع أجرته مؤسسة زغبي أن ثلثي العراقيين يريدون أن تخرج القوات الأمريكية والعراقية في غضون عام، وأن أكثر من النصف أعرب عن رغبته في ترك العراقيين وشأنهم في تشكيل حكومتهم. وبعد عامين من ذلك، وبينما كان العراقيون موشكين على التصويت في أول انتخابات ديمقراطية يشهدها بلدهم، قال ثلثا العراقيين إنهم يرغبون في انسحاب فوري لقوات التحالف أو بمجرد تشكيل الحكومة الجديدة.
في الانتخابات الرئاسية القادمة، سوف تتاح الفرصة أمام الأمريكيين للاختيار بين مرشحين يقترحون انسحابا فوريا من العراق (ريتشاردسن) أو تخفيضات سريعة لأعداد القوات (إدواردز وأوباما) أو التزاما مفتوحا بالحرب (جيلياني، رومني، ماكين) أو الوقوف في أرض وسط مثل هيلاري كلينتون التي تعترف بأن الاحتلال سوف يستمر على الأرجح حتى نهاية الفترة الرئاسية القادمة مهما يكن الحزب الذي سيكون في البيت الأبيض.
أما الشعب العراقي فليس لديه مثل هذه الخيارات، برغم أن مستقبل هذا الشعب هو صلب الموضوع، وبرغم أن تحويل العراق إلى جمهورية ديمقراطية يحدد فيها العراقيون مستقبلهم كان هدفا مؤكدا من أهداف الحرب. ستغادر القوات الأمريكية ـ حسب ما قال الرئيس بوش ـــ في أي وقت يطلب فيه العراقيون ذلك «فهذا خيار الحكومة» كما قال بوش، «فإن قالت الحكومة اخرجوا، فسوف نخرج». ولكن بينما الحكومة العراقية تعاني الانقسام والتخبط بشأن وجود قوات الاحتلال، فإن رغبة الشعب العراقي كانت واضحة منذ البداية: إن الشعب العراقي يريد انسحاب القوات.
منذ وقت مبكر للغاية يرجع إلى أغسطس من عام ،2003 أي بعد خمسة أشهر فقط من الغزو، تبين من استطلاع أجرته مؤسسة زغبي أن ثلثي العراقيين يريدون أن تخرج القوات الأمريكية والعراقية في غضون عام، وأن أكثر من النصف أعرب عن رغبته في ترك العراقيين وشأنهم في تشكيل حكومتهم. وبعد عامين من ذلك، وبينما كان العراقيون موشكين على التصويت في أول انتخابات ديمقراطية يشهدها بلدهم، قال ثلثا العراقيين انهم يرغبون في انسحاب فوري لقوات التحالف أو بمجرد تشكيل الحكومة الجديدة. (كان النموذج الذي يروق لأغلب العراقيين هو نموذج الإمارات العربية المتحدة، وهو اتحاد فيدرالي من سبع إمارات لكل منها حاكم ولها جميعا رئيس واحد). في عام 2006 وعندما كانت الحكومة العراقية تمارس مهامها، أجرت جامعة ميريلاند استطلاعا للرأي تبين منه أن سبعين في المائة من العراقيين يريدون من حكومتهم أن تطالب القوات الأمريكية بالرحيل في غضون عام، كما أعربت نسبة أكبر عن استبعادها لأن توافق أمريكا على الطلب.
وفي الشهر الماضي، أي بعد خمسة أشهر من زيادة القوات، نشر استطلاع للرأي (أجرته شبكات آيه بي سي نيوز الأمريكية، وبي بي سي، وإن إتش كيه اليابانية) وتبين منه أن قرابة نصف العراقيين يؤثرون انسحابا فوريا للقوات الأمريكية، بينما قال أربعة وثلاثون في المائة من العراقيين (وأغلبهم من الأكراد) إن الولايات المتحدة ينبغي أن تبقى «إلى أن يستتب الأمن». أما بين الشيعة فإن أربعة وأربعين بالمائة قالوا إنهم يؤثرون انسحابا فوريا، في حين وصل الرقم إلى اثنين وسبعين في المائة بين السنة. بل إن نسبة العراقيين الذين يقبلون بممارسة العنف ضد القوات الأمريكية قد وصلت إلى سبعة وخمسين في المائة متجاوزة ما وصلت إليه في أي وقت من قبل، وبذلك تتضاءل الفرصة في استعادة النظام طالما بقي الاحتلال.
قد يذهب البعض إلى أنه إذا استطاعت القوات الأمريكية أن توفر للعراق المزيد من الأمن، فقد يتقبل العراقيون فكرة الوجود الأمريكي. ولكن الشاهد يقول بعكس ذلك. فالقادة الأمريكيون يقولون إن زيادة القوات نجحت في تقليل الهجمات الطائفية إلى أقل مستوى لها منذ ما يزيد على العام، ومع ذلك فإن عدد العراقيين الراغبين في انسحاب الولايات المتحدة ارتفع بمقدار اثني عشر بالمائة في الفترة نفسها. بل إن محافظة الأنبار (التي زارها الرئيس الأمريكي مؤخرا بعد أن حققت زيادة القوات أفضل نجاحاتها فيها) هي المحافظة التي يتركز فيها أعلى نسبة ممن يقولون لا للوجود الأمريكي في العراق ويطالبون بالرحيل الفوري للقوات.
أما الحكومة العراقية فتتبنى رؤية مناقضة تماما لرؤية الشعب العراقي للاحتلال. حيث يجاهد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وكذلك البرلمان ـــ من داخل المنطقة الخضراء ـــ للتعامل مع مشاعر ناخبيهم بدون اللجوء إلى مطالبة الأمريكيين فعلا بالانسحاب. وفي يونيو قام مقتدى الصدر ـــ الزعيم الدوجماتي الذي يرأس أحد أقوى الأحزاب العراقية ـــ بدعم قرار يطالب الحكومة باستئذان البرلمان قبل أن تطلب من الأمم المتحدة تجديد التفويض بوجود قوات أجنبية في العراق. وتم تمرير القرار بعدما حصل على تأييد من السنة أنفسهم بمن فيهم محمود المشهداني رئيس البرلمان الذي سبق له أن دعا الأمريكيين إلى البقاء في العراق لمدة عقد كامل أو إلى «حين تصحح ما خربته». غير أن الصدر نفسه لم يكن يضغط من أجل انسحاب فوري، وإنما من أجل «جدول زمني» للانسحاب.
هذا التناقض بين النواب العراقيين لا يعني اختلافا بينهم وبين الشعب العراقي. فبرغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الأغلبية الساحقة منهم تطالبه بالرحيل إلا أن تقارير عديدة تشير إلى وعي العراقيين الحاد بالمخاطر التي يستتبعها الانسحاب. فقد قال طالب في السابعة والعشرين من عمره يدرس الموسيقى لصحيفة واشنطن بوست في العام الماضي إن «الأمريكيين إذا غادروا الآن، فسوف تقع مذبحة في العراق»، وذلك رأي شائع بين العراقيين، وأضاف الطالب قائلا أنهم «لو لم يغادروا فسوف تقع مشاكل أكبر، ستكون هناك بحار من الدم». وقال شاب آخر «إننا نريد بالطبع أن يغادر الأمريكيون بلدنا، ولكنهم إن فعلوا، فسيكون ذلك وبالا علينا».
وبعيدا عن مخاطر المذابح الطائفية، هناك احتمال أن تسارع دول أخرى في المنطقةإلى فرض نفوذها مما يضعف حكم العراقيين لأنفسهم. كما أن الأكراد والشيعة في المناطق النفطية سوف يناضلون من أجل تقسيم العراق. ولكن مجرد وجود القوات الأمريكية في حد ذاته دافع على العنف، ومعطل لتكوين سلطة مدنية شرعية في العراق. وطالما نحن باقون هناك، فسوف يشعر الشعب العراقي أنه خاضع لقوة أجنبية. وإذا قدر للعراقيين أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، ويغمسوا أصابعهم في الحبر القرمزي، ويختاروا بين بقاء الأمريكيين أو رحيلهم، فسيكون عليهم أن يصلوا إلى صيغة توفيقية بين اشمئزازهم من الاحتلال وروعهم من تبعات نهايته.
وفيما ينخرط الجمهوريون والديمقراطيون في نقاشهم حول ما إذا كان ينبغي لنا الانسحاب الآن أو قريبا أو في غضون سنوات، فعليهم أن يتذكروا أن القرار ليس لأمريكا وحدها. إنا لم نأخذ رأي العراقيين فيما إذا كان ينبغي أن نغزو بلدهم، لم نأخذ رأيهم فيما إذا كان ينبغي أن نحتله، وها نحن اليوم لا نسألهم إن كان ينبغي أن نتركه. ومهما يكن السبيل الذي سوف نسلكه في نهاية المطاف، علينا أن نتذكر الشعب الوحيد الذي يعيش وسوف يعيش في العراق هو الشعب العراقي، وأن قرار خروجنا المحتوم ينبغي أن يكون قرارهم بقدر ما هو قرارنا.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
7
طريق الأفول للامبراطورية الأمريكية
أحمد منصور
الشبيبة عمان
حينما سألت المؤرخ الأمريكي البارز بول كيندي حول السبب الأول الذي يقود الأمبراطوريات إلى نهايتها قال لي: الأنفاق على التوسع العسكري وتكاليف الحروب وهذا ما تسير فيه الولايات المتحدة ليس اليوم ولكن منذ أن بدأت برامجها المكلفة عسكريا في حرب النجوم في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وهذا ما جعل كيندي قبل عشرين عاما يقول قولته الشهيرة إن الأمبراطورية الأمريكية ستبدأ في الأفول بدءا من العام 2010، لكنه لم يكن في حسبانه حينما أطلق مقولته تلك أن الولايات المتحدة سوف تتورط في حربين مكلفتين هما حربي العراق وأفغانستان، ورغم مساعي الأدارة الأمريكية للتخفيف من تكاليف الحربين وأن ما ينفق عليهما هو من أجل أمن الولايات المتحدة وسلامتها إلا أن التقارير التي تتوارد يوما بعد يوم تتحدث عن أرقام مالية مفزعة ستقود الأمبراطورية الأمريكية حتما إلى حتفها في وقت أبكر كثيرا من توقعات المؤرخين، ففي آخر دراسة أعدتها لجنة ديمقراطية تابعة للكونجرس الأمريكي ونشرت في 14 نوفمبر الماضي أشارت إلى أن التكاليف الأقتصادية التي تكبدتها ا لولايات المتحدة حتى الآن في حربها على العراق وأفغانستان قد بلغت واحد ونصف تريليون دولار، وهذا المبلغ يعتبر ضعف المبلغ المعلن عنه رسميا من قبل البيت الأبيض والذي يصل إلى 804 مليار دولار، وأشارت الدراسة التي تقع في 21 صفحة تحت عنوان التكاليف السرية للحرب على العراق أن تكاليف الحرب تشمل نفقات الجرحي من قدامي المحاربين وارتفاع أسعار النفط، وفوائد القروض التي تسندينها واشنطن من الخارج من أجل الحروب، ولتبسيط الأمر فقد أشارت الدراسة إلى أن الحرب تكلف كل عائلة أمريكية تتكون من أربعة أفراد أكثر من عشرين ألف دولار، وبالتالي فإن هذه الأموال التي توجه لأدارة الحرب في أفغانستان والعراق قد أضرت بشكل كبير بفرص التنمية والأنتاج وقطاع الأعمال في الولايات المتحدة، وكانت دراسة أخري أعدها مكتب الموازنة في الكونجرس الأمريكي و نشرت في 25 أكتوبر الماضي أشارت إلى أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان قد تكلف دافعي الضرائب في الولايات المتحدة 2.4 تريليون دولار وذلك بحلول العام 2017، وقد توصل مكتب الموازنة في الكونجرس ـ وهو مكتب مستقل عن تأثير الحزبين الديمقراطي والجمهوري ـ إلى هذا التقدير من خلال حساب تكلفة أسعار الفائدة الباهظة التي تمول بها هذه الحرب لأنه هذه الحرب تمول بالقروض وليس من فائض الميزانية، ومن ثم فإن الأجيال القادمة في الولايات المتحدة ستظل تدفع قيمة حرب بوش ربما لعقود قادمة، ورغم محاولات الديمقراطيين عرقلة خطط الرئيس بوش بشأن الحرب، أو ربط التمويل بتحديد موعد لبدء الأنسحاب من العراق أو أفغانستان إلا أن الرئيس الأمريكي جورج بوش أعلن في إبريل الماضي أنه سيقوم بنقض أي تشريع يصدره الكونجرس يربط تمويل العمليات العسكرية في العراق بانسحاب مبكر للقوات الأمريكية، واتهم الديمقراطيين آنذاك بأنهم يريدون تقييد أيادي الجنرالات الأمريكيين، وقد رد عليه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد قائلا: إذا رفض الرئيس تغيير الاتجاه فإن أمريكا تواجه خطر الغرق في وحل العراق لسنوات لا لأشهر ومع ذلك فإن بوش يرفض تغيير الأتجاه، ومن الطبيعي أن تقود الحروب التي تقودها الولايات المتحدة إلى إنفاق مزيد من المليارات في عمليات تطوير الأسلحة، وهذا ما تقوم به وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بالفعل إذا أنها تسعي لتطوير أسلحة جوية من أجل مواجهة الأخطار من الدول التي تصفها واشنطن بالمارقة مثل كوريا الشمالية وإيران، علاوة على مواجهة القوة المتنامية عسكريا للصين، ولعل أكثر خطط الولايات المتحدة طموحا في هذا المجال هو إنتاج طائرة فالكون فائقة السرعة والقدرة العسكرية، حيث يمكن لهذه الطائرة التي تبلغ سرعتها ستة أمثال سرعة الصوت أن تسقط 12000 رطل من القنابل في أي مكان في العالم خلال دقائق، لكن مشروع هذه الطائرة المذهلة التي ستكون أقوي وأسرع المقاتلات في العالم يصل إلى 221 مليار دولار، كل هذه التكاليف بالديون والفوائد عالية القيمة، تلك الديون التي لا يأبه لها جورج بوش وإدارته الآن لكن الجميع سيتكلم عنها حينما تعجز الأمبراطورية الأمريكية عن الوفاء بالتزاماتها المالية و تبدأ بالأفول.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
8
أمريكا.. هي الخاسرة في حرب العراق

بهاء الدين أبوشقة
الوفد مصر
مشكلة بوش أنه »عنيد« فرغم خسائره الفادحة في العراق فإنه لايزال يكابر.. ويصر علي أن النصر آت لا ريب فيه.. وبينما هو في واد.. يقف شعب بلاده في واد آخر.. ويتغافل أن حبل النصر في العراق أوهي من شعرة معاوية.. لقد خرج تقرير من الكونجرس يؤكد أن تكاليف الحرب علي العراق بلغت تريليون و600 مليون دولار.. وهذا المبلغ لو أحصيناه دولاراً.. دولاراً.. فربما نقضي نصف أعمارنا أو كلها حتي نصل لهذا الرقم المخيف

.. ولكم أن تتخيلوا لو أن هذا المبلغ تم إنفاقه علي الدول الفقيرة.. ماذا كان سيحدث؟.. طبعاً كان سيتغير وجه الكرة الأرضية وستهتف شعوب هذه الدول: عاشت ماما أمريكا.. وكانت أمريكا ستضمن وقتها اختفاء وحش الإرهاب الذي صنعته وتربي تحت عباءتها.. لكن ماذا تقول في تصاريف الإدارة الأمريكية.. لقد كان العالم يعيش آمناً شبه مطمئن إلي أن جاءت الأقدار ببوش الابن.. فأشعلها ناراً.. بمجرد أن تعرضت بلاده لأعمال إرهابية وقيل في العلن إن بن لادن وراءها.. وفي الباطن أشارت بعض الأصابع إلي دور اللوبي اليهودي وأنه شارك في إذكائها.. المهم أن بوش الابن لم يتعامل مع تلك الأحداث بهدوء ولم يعالجها بحكمة.. وتصرفت أمريكا وقتها بمنطق الأسد الجريح.. وراحت تعاقب شعوباً لا ناقة لها ولا جمل فيما جري.. ووجدها بوش الابن فرصة للثأر من »صدام« الذي دبر محاولة اغتيال فاشلة لبوش الأب أثناء زيارته للكويت.. وراح يجمع مستشاريه وقال في صوت حاسم »فتشوا« عن »صدام« في أحداث سبتمبر.. وجاء الرد.. لا توجد علاقة لصدام فيما جري أو حدث.. لكن »بوش« أصر ورأسه مليون سيف.. أن صدام وراء كل المصائب.. وأنه يمثل خطراً داهماً علي الأمن القومي الأمريكي بل وصل خياله إلي الأمن العالمي، وراح يتهم »صدام« بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل.. رغم أنه يعلم وجهاز مخابراته أن صدام لا يهش ولا ينش وأنه بكاش، ودخلت أمريكا العراق بمساعدة حلفائها.. وأوهمت جنودها أنهم في نزهة.. وصدق الجنود التمثيلية وسكروا بها حتي الثمالة.. ولم يقتصر الأمر علي ذلك.. بل أوهمت أمريكا العالم شأنها شأن أي استعمار تقليدي أن الجنة التي تجري من تحتها الأنهار في انتظار الشعب العراقي المغلوب علي أمره.. وأن الديمقراطية أصبحت أقرب إلي العراقيين من حبل الوريد.. وطبعاً لم يصدق أحداً هذه الأراجيف والدعاوي الكاذبة.. فالديمقراطية لا يمكن أن تبزغ وتزدهر تحت نير الاحتلال.. ولا يمكن أن يظهر نورها الوهاج تحت سنابك الديناميت.. المهم أن المقاومة خرجت من مرقدها وراحت تحصد أرواح الجنود الأمريكيين دون هوادة.. وذاق الشعب العراقي الذل والهوان والعذاب وتم الكشف عن معتقلات أبوغريب التي أنشأتها قوات الاحتلال.. وتعرض فيها الأبرياء لانتهاك آدميتهم.. ومن هولها.. شاهد الضحايا ما لا رأت عين.. ولا سمعت أذن.. وانتشرت الحرب الطائفية بين أبناء الشعب الواحد.. وكذلك عمت الانفجارات كل مكان.. واعتقد الناس أن أمريكا ستعود إلي رشدها.. وسيأمر بوش قواته بأن تحمل عصاها علي كاهلها.. وترحل عن بلاد الرافدين.. خاصة بعد أن اكتشفوا عدم صحة أقوال بوش بادعائه بامتلاك أسلحة دمار شامل.. لكنهم فوجئوا بأن »بوش« مازال يتمسك بالعراق حتي آخر نفس.. وكأنه بينه وبين الشعب العراقي وكذلك جنوده ثأر بايت.. فهو لا يهمه تدمير الشعب العراقي.. الذي تم تشريد أكثر من أربعة ملايين نسمة فروا من جحيم الاغتيالات وهاجروا إلي الخارج.. وكذلك أرواح جنوده.. وها هو الشعب العراقي يعيش أتعس أيام حياته.. ويكفي أن منظمة الصحة العالمية حذرت الدول المجاورة للعراق بالاستعداد لاحتمال انتقال وباء الكوليرا من العراق إلي أراضيها.. وأشارت المنظمة إلي أن هذا الوباء انتشر حالياً في تسع محافظات عراقية.. وأكدت أن دائرة انتشاره آخذة في الاتساع وأوضح بيان المنظمة أن 14 شخصاً توفوا في العراق بسبب الوباء وأن عدد الإصابات المؤكدة بلغ 3315 حالة.. وأضاف أن أكثر المناطق إصابة هي مدينة كركوك، حيث يبلغ عدد حالات الإصابة 2309 حالات وفي السليمانية وصل عدد الحالات إلي 870 حالة. وأكدت المنظمة أن هناك ثلاثين ألف شخصاً يعانون إسهالاً حاداً في العراق وهو أول أعراض الإصابة بالكوليرا. وقالت المنظمة إن الحكومة العراقية شددت علي تدابير الوقاية، إلا أن سوء حالة شبكات المياه والصرف الصحي يساعد علي سرعة انتشار المرض.. أرأيتم ماذا أحدث الاحتلال في بلد كان آمناً رغم أنه كان يعيش تحت حكم طاغية.. أليست ناره أفضل من جنة الاحتلال.. أما علي الجانب الأمريكي.. فقد كشف تقرير أعدته منظمة (أطباء من أجل مسئولية اجتماعية) أن إجمالي تكلفة علاج الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب العراق بعد عودتهم إلي بلادهم ستفوق الإنفاق علي العمليات الحربية في العراق.. »يعني خراب من كل ناحية«.. وأوضح التقرير أن التكلفة المالية طويلة المدي للرعاية الصحية ورعاية الإعاقات بين الجنود الأمريكيين ستصل إلي ما يزيد علي 650 مليار دولار. واعتبر التقرير الصادر بعنوان »الصدمة والرعب يضربان الوطن« أن الصدمة الفعلية والاجتماعية من حرب العراق ستظل ملازمة للجنود الأمريكيين الجرحي طوال حياتهم.. ويقول د. إيفان كنتر معد التقرير.. إن تقريره ينبغي أن يمثل صيحة تحذير للأمريكيين ولهذه الإدارة.. ففي حين أننا نتجادل إلي ما لا نهاية عما نربحه من العراق فإن مئات الآلاف من الجنود وعائلاتهم يسقطون ضحية الموت وصدمة ما بعد الحرب والمعاناة طوال الحياة مع الجروح النفسية والبدنية باعتبارها تركة لهذه الحرب.. ليس هذا فقط.. فقد رفض أحد قضاة ولاية واشنطن احتمال إجراء محاكمة ثانية لأول ضابط أمريكي يرفض الذهاب إلي العراق للقتال هناك.. يحدث كل ذلك.. ومازالت إدارة بوش تتحدث عن حربها ضد الإرهاب.. إرهاب إيه.. معرفش.. يا ريت يفضوها سيرة.. ويعترفوا بأنهم صناع الإرهاب ربما يغفر لهم التاريخ قبل شعبهم كل خطاياهم..



ت
عنوان
المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
9
كابوس كردستان

إبراهيم الإبراهيم
القبس الكويت

للجغرافيا ضريبة تدفعها الشعوب التي تجد نفسها ممرا للغزاة او جارة للامبراطوريات المتوسعة. حصل هذا مع العرب والفرس وآخرين. كما حصل مع الاكراد. فقد ظلت هذه المنطقة من وسط آسيا الى البحر المتوسط معبرا للاجتياحات والترحال حتى استقرت تحت سلطان الاسلام الذي دخله الاكراد في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد منحتهم الدولة العباسية حق اقامة اماراتهم المحلية مقابل دفاعهم عن الحدود. وعندما تقاسمتهم الدولتان العثمانية والصفوية في القرن السادس عشر الميلادي التحقت غالبية الاكراد (من السنة) تحت طاعة السلطان العثماني الذي منحهم مجموعة امارات وصل عددها 16 حكومة. ولم يمنع ذلك من قيام الكرد بانتفاضات عصيان متفرقة في العهد العثماني الطويل الى ان ضعف وتداعى بعد منتصف القرن التاسع عشر واصبح يعرف ب'الرجل المريض' فبدأت القوميات الخاضعة له مثل العرب والاكراد والارمن بالتحرك للحصول على استقلالهم واقامة دول خاصة بهم. الاكراد (عام 1880) سبقوا اليهود بحوالي 17 سنة في عقد مؤتمر اممي لهم يطالب بدولة مستقلة ضمن اراضي الدولة العثمانية التي كانت مطروحة للتقسيم والوراثة. لقي الاكراد دعما من يهود اوروبا لكن مؤتمرهم لم يلق ما لقيه مؤتمر بازل الصهيوني من دعم ومتابعة ومقايضة مع الدول الكبرى.
بعد الحرب العالمية ومعاهدة سايكس بيكو التي قسمت الشرق الاوسط وجد الاكراد انفسهم موزعين بين اربعة بلدان هي :تركيا والعراق وسوريا وايران. ممثلو الحلفاء فرضوا على الحكومة العثمانية المنهزمة معاهدة سيفر (1920) ومن مقتضاها اعطاء الاكراد نوعا من الحكم الذاتي شرق الفرات بعد استفتاء اهل المنطقة. لكن تركيا كانت اقوى من تلك الاتفاقية وعقدت معاهدة لوزان (1923) التي تجاهلت وانهت حلم الاكراد بدولة مستقلة. خلال القرن العشرين قاموا بعدة انتفاضات اسفرت عن اربع تجارب حكومية صغيرة لم يبق منها سوى الحكم الذاتي في شمال العراق. مملكة كردستان التي اقامها في السليمانية عام 1922 شيخ الطريقة الصوفية محمود البرزنجي قمعت على يد بريطانيا. المملكة الكردية الثانية اقيمت عام 1925 في تركيا بولاية ارضروم، لكنها سحقت سريعا. وبعدها اقام الاكراد جمهورية صغيرة في جبال ارارات بشمال شرق تركيا بدعم من شاه بلاد فارس الذي عاد في النهاية وتخلى عنهم.
الدولة الكردية الوحيدة بالمعنى الحديث كانت جمهورية ماهاباد (نسبة لناحية ماهاباد شمال غرب ايران) والتي اقيمت عام 1946 في الاراضي التي احتلها الاتحاد السوفيتي اثناء الحرب العالمية الثانية. دامت تلك التجربة اقل من سنة وانتهت بإعدام رئيسها الشيخ قاضي محمد شنقا اما قائدها العسكري الملا مصطفى البرزاني فقد هرب والتجأ الى موسكو. وبعودته للعراق بعد انقلاب 1958 انشأ الحزب الديموقراطي الكردستاني وقاد عام 1961 عصيانا مسلحا ضد الحكومة استمر بين مد وجزر حتى عام 1974 عندما انهزم البرزاني والتجأ الى ايران، اما تجربة الحكم الذاتي في العراق والذي تحقق لهم قانونيا عام 1970 تحت ضغط السوفيت فقد بقيت تجربة هشة الى حرب الخليج الثانية عندما اصدر مجلس الامن قراره باعتبار منطقة الحكم الذاتي الكردي منطقة محظورة على الطيران العراقي، اي بمنزلة الكيان المستقل بصلاحيات وسعوها بعد حرب الخليج الثالثة 2003 بعلم ونشيد وطني وجيش من البشمركة يساند القوات الاميركية، حتى اصبحت كردستان العراق توقع الامتيازات النفطية السيادية رغم معارضة الحكومة المركزية في بغداد، كما حصل الاسبوع الماضي، وهي في ذلك تلقى الدعم والتبني من المحافظين الجدد المسيطرين على الادارة الاميركية باجندات صليبية لا تخفي برامجها لتقسيم المنطقة على قواعد عرقية ودينية ومذهبية.
الدرس الاشد خطورة الذي كان الملا مصطفى البرزاني خرج به بعد عودته من موسكو اواخر خمسينات القرن الماضي هو استبدال التحالف المتذبذب مع الدول الكبرى بالتنسيق السري مع اسرائيل التي اتخذت قرارها مبكرا بالعمل على تجزئة الدول العربية وتشجيع بعض الاقليات، وفي مقدمتهم الاكراد للمطالبة بإقامة دولهم الانفصالية باعتبار ان تقسيم العراق واستنزاف المنطقة فيهما حماية لها ـ اي لاسرائيل ـ بأكثر مما تحميها القوة العسكرية.
موضوع العلاقة الكردية مع اسرائيل صفحة شديدة الغموض والخطورة، لم تتكشف تفاصيلها إلا أخيرا لتثير كوابيس اقليمية .

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
10
الفشل الأميركي في العراق!
سعود عبدالعزيز العصفور
الراي العام الكويت

الخبر الذي أوردته قبل أيام جريدة «الواشنطن بوست» عن ازدياد نسبة الجنود الأميركيين الذين يفرون من مناطق عملهم في الجيش بأكثر من ثمانين في المئة مقارنة بأعدادهم في بداية حرب العراق الأخيرة، يدل دلالة أكيدة على حجم المأزق الكبير الذي وقعت فيه الولايات المتحدة في العراق بعد أربعة أعوام من بدء حربها لإسقاط نظام حزب «البعث» هناك.
وحسب مصادر الجيش الأميركي فإن تسعة من كل ألف جندي فروا من وحداتهم العسكرية في العراق خلال هذا العام، أي ما يقارب خمسة آلاف جندي في أرض المعركة، وهذا رقم كبير بالنسبة إلى عدد القوات الأميركية المتواجدة هناك. هذا الرقم وإن لم يصل إلى أرقام الجنود الفارين إبان حرب الولايات المتحدة في فيتنام إلا أنه في ازدياد عاماً بعد عام، وإذا طال الأمد بالقوات الأميركية في العراق فقد يقارب عدد جنودها الفارين من أرض المعركة في العراق عددهم في حرب فيتنام.
الفشل الأميركي في العراق أصبح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، رغم نجاح العملية العسكرية هناك في إسقاط أحد أسوأ الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، إلا أن تخبط الإدارة الأميركية وعدم استعدادها للوضع في ما بعد سقوط النظام البعثي، جعل المحاولة الأميركية لخلق «عراق ديموقراطي» تفشل فشلاً ذريعاً، فبدأت بتقسيم البلد تقسيماً طائفياً مزقت به العراق، وأتبعت ذلك التقسيم بعمليات نهب وسلب لثروات العراق تحت غطاء مشاريع إعادة الإعمار التي أوكلت إلى شركات أميركية معينة اتضح مع مرور الوقت حجم الفساد المالي والإداري المستوطن فيها وتواطؤ بعض القيادات العسكرية في العراق معها.
هذا الفشل من المتوقع له أن يستمر حتى وإن رفعت الولايات المتحدة من عدد قواتها في العراق أو دعمت هذا الفصيل أو تلك الطائفة، فالوضع في العراق لا يتوقع له أن يستقيم مادام قائماً على نظام «المحاصصة الطائفية»، ومادامت القوات الأمنية والعسكرية فيه تدين بولاءات متعددة الكثير منها يفوق الولاء للوطن الواحد. كما أن تقسيم العراق، كما طالب الكونغرس الأميركي بذلك منذ فترة، لن يحل مشاكله، بل سيعقدها ويدخل العراق وباقي المنطقة في صراعات عرقية وطائفية لا تنتهي ولا رابح فيها. لن يكون أمام العراقيين إلا الاعتماد على أنفسهم أولاً قبل اعتمادهم على الآخرين بما فيهم الولايات المتحدة التي تفتقد لأي تصور واضح للخروج من مأزقها هناك، وبداية طريق الحل تكمن في الاعتراف بالفشل الأميركي في خلق نظام عراقي قائم على مبدأ المحاصصة الطائفية.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
11
الكويت حجر الأساس في سياسة الولايات المتحدة الخليجية (1)
ديفيد بولوك
القبس الكويت
في ربيع ،2007 سئل وزير خليجي كان يزور واشنطن كيف تحافظ دول الخليج العربية على الهدوء فيها بالنظر الى الاضطرابات الرهيبة في العراق والعاصفة التي تهدد ايران، فجاء الرد شاعريا على نحو غير متوقع، قال الوزير: 'تخيلوا بجعة تعوم وسط بركة من الماء. فكل شيء يبدو على السطح هادئا، اما تحت الماء فهي تتحرك بأقصى سرعة كي تحافظ على مسارها'. وينطبق هذا الوصف على الكويت، وانما لاسباب غير التي يؤتى على ذكرها دائما، فالعديد من التحليلات الاخيرة ركزت على قضايا غير ذات صلة او هامشية بالنسبة للكويت، مثل تدفق اعداد كبيرة من اللاجئين والارهابيين والمتمردين او حتى الجيوش الغازية من خارج العراق. وتعتبر الكويت في الواقع، مراقبا شديد الانتباه، لكن لاسباب مختلفة، وترتبط بقضاياها الداخلية وتأثيرات غير مباشرة لازمة العراق على ايران، احدى جارات الكويت القريبة.



أساس الأمن
ان الموقع الجغرافي الذي تتبوأه الكويت على طول فم الخليج الغني بالنفط بين المملكة العربية السعودية والعراق وايران، يجعلها اشبه بحجر الاساس لأي مفهوم واقعي للأمن الاقليمي. فقد كتب صحافي سعودي بارز في ابريل 2007 يقول ان 'الكويت هي المنصة التي يمكن للمرء ان يرى منها اشجار النخيل المحترقة في العراق والمفاعلات الايرانية التي توشك على الاحتراق، فضلا عن رمال الجزيرة العربية التي اعتادت على الهدوء وابتلاع كل الاخطار ثم تعود الى سكونها مرة اخرى'.
وفي ظل هذه البيئة المختلة التوازن، فإن الترابط بين استقرار الكويت وصداقتها مع الولايات المتحدة امر مفروغ منه، ولكن يجب الا يكون الامر كذلك، ففي الكويت حركة اسلامية على نمط حركة الاخوان المسلمين، واقلية شيعية كبيرة، وحركة قوية للمطالبة بحقوق المرأة، نسبة العمالة الوطنية الى الاجنبية واحد الى اربعة وكانت عرضة للعدوان والارهاب من العراق وايران خلال العقدين الماضيين.

مبيعات الاسلحة
وقد اعادت التقارير التي شاعت في صيف عام 2007 عن مبيعات اسلحة للسعودية، ودول الخليج ومنها الكويت، بقيمة 20 مليار دولار، تركيز الانتباه على هذه القضايا، ولم تنشر تفاصيل الصفقة بالنسبة لكل دولة، لكن من المؤكد ان تصل حصة الكويت الى عدة مليارات دولار، وكانت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليسا رايس قد اعلنت انها تهدف الى تعزيز قوة المعتدلين ودعم استراتيجية اوسع لمواجهة التأثيرات السلبية لتنظيم القاعدة وحزب الله وسوريا وايران، اما نظيرها الكويتي الشيخ د. محمد الصباح فكان اكثر تحفظا حين قال ان 'كل المعاهدات العسكرية الموقعة مع الدول الصديقة هي لاهداف دفاعية، ولا تستهدف اي دولة اخرى'.
لاعب ثانوي
وتعتبر الكويت مقارنة بدول المنطقة الاخرى لاعبا ثانويا في الشأنين العراقي والايراني، وفي الغالب ما تكون الطرف المجني عليه اكثر من كونها الجاني، انها دولة صغيرة بحجم نيوجرسي، ومواطنوها لا يناهزون المليون نسمة (40 في المائة منهم دون سن الخامسة عشرة) فبعد حصولها على الاستقلال عن بريطانيا مباشرة عام 1961، واجهت الكويت التحدي من دكتاتور العراق عبد الكريم قاسم، وحينها عادت القوات لردع العراقيين، وبعد ثلاثين عاما تعرضت الكويت للغزو الصدامي الذي طرده التحالف، واليوم، هناك الآلاف من الجنود الاميركيين الذي يرابطون في الكويت دعما للحكومة العراقية الجديدة.
ممر استراتيجي
لقد احجمت المملكة العربية السعودية وتركيا لاسباب داخلية، عن قبول قواعد عسكرية اميركية في اراضيها، كما ان بعد المسافة بين الاردن والعراق، ناهيك عن مخاطر المرور عبر محافظة الانبار، ومواقف سوريا وايران العدائية من الولايات المتحدة، كل ذلك جعل من الكويت ممرا مهما، الى اجزاء مركزية من العراق، وعنصرا حاسما في التخطيط السياسي الاميركي للمنطقة، بمعنى اخر، فان الكويت، وكما ورد في وثيقة لوزارة الخارجية في يوليو 2007 'توفر الدعم الذي لا غنى عنه من حيث السماح باستخدام منشآتها ومواردها واراضيها للعمليات العسكرية في العراق' فالقوات الاميركية والمقاولون الاميركيون يتمتعون بحرية استخدام مطارات الكويت وموائنها الرئيسية.
وورد في وثيقة 2004 ذاتها: ان الكويت سارعت لبناء قاعدة عسكرية اميركية دائمة في جنوب مدينة الكويت (معسكر عريفجان)، وسلمتنا القاعدة جاهزة قبل ثلاث سنوات من موعد انجازها، وسلمت الكويت اجزاء مهمة من اراضيها لقوات التحالف في عام 2003 من أجل تنفيذ عملية تحرير العراق، وأعلنت تلك الأراضي مناطق عسكرية مغلقة'.
ووفقا لإحدى وثائق الكونغرس فإن هذه الأراضي تناهز ال 60 في المائة من أراضي الكويت التي هي - في معظمها - صحراء خالية من السكان. ويرابط في الكويت باستمرار أكثر من مائة ألف جندي أميركي.
كما تتمتع الكويت بقيمة عالية في أوقات الحرب، وقيمة أقل إذا كنا سنحكم على الأمر من الزاوية الاقتصادية فقط. ففي السنة الأولى من الحرب على العراق ،2004/2003 قدمت الكويت دعما للعمليات العسكرية الأميركية بقيمة 266 مليون دولار على شكل قواعد ومعدات ودعم شخصي ومواد غذائية ووقود، وفي كل عام بعد ذلك، كان إسهام الكويت أقل، لكنها تحملت نفقات غير محسوبة جراء الأضرار التي لحقت بالطرق والموانئ والجوانب الأخرى في البنية التحتية جراء استخدام القوات الأميركية لها.
وعلى الرغم من صغرها وضعفها تظل الكويت تتمتع ب 'أهمية استراتيجية كبرى كقوة نفطية' على حد تعبير انطوني كوردسمان. فهي تحتوي على 10 في المائة من احتياطي النفط العالمي المعلن عنه، وإنتاجها اليومي من النفط اليومي يصل إلى 2.5 مليون برميل، يظل أكبر ويمكن الاعتماد عليه أكثر من الإنتاج العراقي، وكانت هذه الجائزة التي خاضت الولايات المتحدة الحرب من أجلها ضد صدام، في الحرب الأولى عام 91 شكلت الكويت خط الدفاع الأول عن المملكة العربية السعودية أيضا. وبالنظر إلى قلة عدد السكان، فإن الجيش الكويتي لا يزيد تعداده عن 15 ألف جندي وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بالعراق أو إيران.
المسألة الرئيسية
ولكن المسألة الرئيسية الآن ليست ما الذي يمكن أن تفعله الكويت للعراق أو ضد إيران، بل كيف يمكن النأي بها (أي الكويت) عن الفوضى والعنف الدائرين في العراق أو الطموحات الإقليمية لإيران، وطالما توفرت لها الحماية فإن الكويت تمثل جسرا لا بديل له إلى العراق وشريكا رئيسيا في إمدادات الطاقة العالمية و'إعادة التدوير' العالمية للبترودولار.
هذه الحقائق تثير سؤالا حول سبل توفير الحماية لهذا البلد الذي يشكل رصيدا حيويا (للولايات المتحدة) وسط هذه المنطقة التي تعج بالاضطرابات والفوضى. هذا البحث يتعاطى مع العديد من الأسئلة الرئيسية حول مستقبل الكويت في المدى المتوسط مثل: ما آفاق الاستقرار أو الإصلاح في هذا المجتمع الآخذ في التطور، لكنه في الأساس تقليدي، وكذا في نظام الحكم؟ وكيف ستتعاطى الكويت مع التحديات الديموقراطية والديموغرافية أو الاسلامية المستقبلية؟ وهل ستكون الثروة النفطية عنصر تماسك أو تفكيك للمجتمع الكويتي؟ وما تأثير الأزمة العراقية وبروز النفوذ الإيراني الإقليمي عليها؟ وماذا يمكن للكويتيين وحلفائهم أن يفعلوه حيال هذه الأخطار التي يمثلها البلدان؟
وبشكل خاص، كيف تتصرف الكويت حيال البرنامج النووي الايراني؟ وهل هناك أي دروس لدول الشرق الأوسط الأخرى، أو لجوانب أخرى من السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة؟
ان الاجابة عن هذه التساؤلات يتطلب تحليلا للساحة الداخلية في الكويت والذي يهيئ المسرح السياسي والاقتصادي لاستكشاف الوضع الراهن وآفاق السياسة الخارجية والأمن للكويت. وسيكون التركيز الرئيسي منصبا على التطورات الأخيرة والراهنة، وليس على المراحل السابقة من تاريخ الكويت. ولابد من ايجاد تفسير مقنع للعوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتلك ذات الصلة بالسياسة الخارجية التي جعلت من الكويت نموذجا ناجحا. ويظل السؤال قائما عما اذا كانت الكويت حالة خاصة أم يمكن ان تشكل درسا لدول أخرى في المنطقة، وسيتم التطرق اليه في ختام هذا البحث.

السياسات الكويتية
تخيم على الحياة السياسية في الكويت شأنها شأن معظم النظم الملكية احتمالات وجود حاكم يرحل فجأة ليترك أزمة خلافة بعده. وقد واجهت الكويت هذه الازمة بالتحديد، في مطلع عام 2006 عند رحيل أميرها الشيخ جابر الاحمد الصباح الذي حكم البلاد لثلاثة عقود، لكن ولي العهد الشيخ سعد العبدالله كان يعاني من مرض خطير منذ سنوات طويلة، وقد اعترض شيوخ بارزون ومنهم اشقاء وابناء عم له، على تسميته أميرا. وعقد كبار اركان عائلة الصباح اجتماعات مغلقة غداة وفاة الشيخ جابر من أجل الاتفاق على خليفة له ولتسوية الخلافات داخل الاسرة. وقدمت عائلات التجار البارزين نصيحتها خلف أبواب مغلقة أيضا، وركز رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي على الاجراءات الدستورية الصحيحة لإضفاء الشرعية على الاجماع بشأن انتقال السلطة. وفي هذه الأثناء، ثارت التساؤلات في المجتمع الكويتي، وبصورة علنية غير معهودة في مثل هذه الحالات، حول سبل الخروج من هذا الوضع.
يحدث للمرة الأولى
ولكن الأسرة الحاكمة، تمكنت من التوافق خلال عدة أسابيع، على تسمية رئيس الحكومة الشيخ صباح الأحمد (76 عاما) أميرا. ودعي مجلس الأمة للانعقاد في جلسة خاصة صادق فيها بالاجماع، على هذا الاختيار في نهاية يناير ،2006 وكما كتب أحد الخبراء الأميركيين آنذاك، فإنه 'للمرة الأولى يحدث في ملكية عربية ان يتخذ مجلس منتخب قرارا بتنحية حاكم وتسمية آخر من دون ان تطلق رصاصة واحدة'.
ومن أجل ضمان الانتقال السلس للسلطة مستقبلا، أعلن الأمير الجديد عن استمرار العمل بنظام فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء المعمول به منذ عام 2003 فقط، وعين للمنصبين شخصيتين من فرع الجابر لكلا المنصبين بعد ان كانت تنتقل بالتناوب مع فرع السالم على مدى العقود الماضية.
وهذا عززحظوظ فرع الجابر في الخلافة مستقبلا، وقد اختار الأمير شقيقه الشيخ نواف الأحمد (68 عاما) لولاية العهد وابن أخيه الشيخ ناصر المحمد (65 عاما) لرئاسة الوزراء، لكن فرع السالم يحتفظ بمنصب مهم هو وزارة الخارجية للشيخ محمد صباح السالم الصباح.
انتصار المنطق
وقد نظر إلى هذه النتيجة باعتبارها انتصارا للمنطق، وأظهرت ان النخبة الكويتية قادرة ـ عند الضرورة ـ على التوافق على خيار مقبول بالرغم من الخلافات داخل الأسرة الحاكمة والمجتمع عموما.
لقد أثبتت النخبة الكويتية حرصها والتزامها بأمن الكويت وعلاقاتها بالولايات المتحدة التي تمثل 'بوليصة التأمين' لأمن البلاد، ولكنها وازنت ذلك بانفتاح على الجماهير الإيرانية والإسلامية والعربية.
وعلى مدى العامين الماضيين منذ وفاة الشيخ جابر، عادت الحياة السياسية الى سابق عهدها، حيث هجوم اعضاء مجلس الأمة على عدد من الوزراء ومنهم شيوخ بارزون، لكن من دون ان يشكل ذلك تهديدا أساسيا لسياسات الحكومة الأساسية أو الأسرة الحاكمة.
ويلخص رئيس مجلس الأمة الذي يسدى اليه الفضل على نطاق واسع بالمساعدة في إدارة الأزمة الأخيرة لانتقال السلطة من خلال التأكيد على دور النواب المنتخبين، في مقابلة اجريت معه في يوليو ،2007 حين قال: 'في حال نشوء خلاف سياسي، فإنني على ثقة بأن سمو الأمير وسمو ولي العهد يمكنهما إدارتها بحكمتهما المعهودة'.
ولكن هذه ليست الصورة الكاملة، فالانتخابات البرلمانية ومظاهر الحياة السياسية الأخرى، التي تقترب من الملكية الدستورية الديموقراطية تلعب أيضا دورا مهما في كويت اليوم. ويؤمن هذا البعد من الحياة العامة في الكويت مقرونا بالرخاء الاقتصادي، صمام الأمان في تخفيف ما يمكن ان يكون في حالات أخرى، أمن مضطرب وتوترات اجتماعية وطائفية وأخرى ذات صلة بالسياسة الخارجية، تكمن تحت السطح في الكويت.

تأليف:ديفيد بولوك
زميل زائر في معهد واشنطن ومستشار سابق لشؤون الشرق الاوسط في وزارة الخارجية تقلد قبل ذلك العديد من المناصب الاستشارية في الوزارة منها خبير للتخطيط السياسي لمدة اربع سنوات.
حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد، وعمل محاضرا فيها ثم استاذا مساعدا في جامعة جورج واشنطن.
من ابرز مؤلفاته دراسة لمصلحة معهد واشنطن بعنوان 'الشارع العربي: الرأي العام في العالم العربي' عام 1993.

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
12
إلي متي يصبر الأكراد؟
سمير عواد
الراية قطر
مرة جديدة انشغلت السياسة الدولية بنزاع لم يحل حتي اليوم وهو النزاع الكردي والذي كان علي وشك التسبب بحرب جديدة في الشرق الأوسط.

وهذا النزاع من جملة النزاعات الموجودة في المنطقة، لا تقل خطورته أبدا عن خطورة النزاع بين العرب وإسرائيل. لكن حين تجري حاليا مفاوضات لهدف التوصل إلي تسوية نهائية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وبعد أن شغل هذا النزاع المنطقة علي مدي ستة عقود تقريبا، فإن أحدا لم يهتم بوضع تصورات حل للنزاع الكردي وتلبية مطالب الشعب الكردي بتأسيس دولة مستقلة. لكن هذا ليس هدفا سهلا.

الصعوبة تكمن في طبيعة النزاع نفسه، فالنزاع الكردي غير محدد وليس نزاعا بين طرفين خلافا للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي أو العربي الإسرائيلي، وإنما النزاع الكردي يشمل مجموعة كبيرة من الأطراف.

إلي جانب فئة كبيرة من الجماعات الكردية هناك تركيا في المقام الأول، ثم العراق وإيران وسورية، إضافة إلي أقليات تعيش في دول أخري في الشرق الأوسط مثل لبنان، وفي القوقاز، وفي عدد كثير من الدول الأوروبية من إيطاليا إلي السويد.

ويعتقد أن أكبر جالية كردية تعيش في الخارج تلك الموجودة في ألمانيا إذ فيها 2.6 مليون تركي بينهم نصف مليون كردي. والنزاع الكردي مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي حصل نتيجة انهيار الأمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولي.

فالنظام الجديد الذي وضعته الدول الاستعمارية في المنطقة بعد تلك الحقبة، أدي لنشوء أزمات قائمة حتي اليوم. فقد تقاسم البريطانيون والفرنسيون المناطق وقسموها حسب أهوائهم ومصالحهم واستعمروها مثلما حصل في فلسطين سورية والأردن ولبنان.

بينما منح الفرنسيون لبنان استقلاله وأقاموا فيه نظاما طائفيا، حصلت سورية أيضا علي استقلالها، لكن الحظ العاثر حصل في فلسطين.

إذ نتيجة لاضطهاد اليهود في أوروبا من قبل ألمانيا النازية، تدفقت أعدادهم علي أرض فلسطين واستخدموا الإرهاب لتشريد الفلسطينيين واحتلوا بلدهم. حتي اليوم لم تحل مشكلة الفلسطينيين. ويتفاوض الفلسطينيون الآن مع إسرائيل علي جزء لا يزيد عن ثمانية بالمئة من أراضي فلسطين.

أما أراضي شمال العراق فقد جاءت في اتفاقية سايكس بيكو التي أبرمت بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية، فكان مقررا في البداية أن تخضع لسلطة المستعمرين الفرنسيين. لكن حينما تم اكتشاف آبار النفط الأولي خدع البريطانيون حلفاءهم الفرنسيين وانتزعوا منهم أراضي شمال العراق في عام 1917 بحجة إخضاع العراق بكامله لسيطرتهم.

في ذلك الوقت ظهرت مقاومة كردية ضد البريطانيين وسرعان ما زادت تحت قيادة مصطفي برزاني الذي كان يلقب ب(ملك كردستان) وهو والد مسعود برزاني الزعيم الحالي. وكانت عمليات المقاومة الكردية في ذلك الوقت موجعة مما دفع البريطانيين إلي شن غارات جوية علي قري فقيرة في شمال العراق وفتكوا بالمدنيين حتي قضوا علي المقاومة.

كون المقاومة ظهرت واندحرت في تلك المناطق فهذا لا يثير الغرابة. إذ استوطنت العشائر الكردية في المناطق الجبلية بين العراق وتركيا وتعتبر أسرة برزاني حتي اليوم من أبرز الأسر الكردية الواسعة النفوذ.

بعد حصول العراق علي استقلاله من بريطانيا وجد الأكراد أن فرصة تاريخية سنحت لهم ليقيموا دولة مستقلة. بدأوا يشنون هجماتهم انطلاقا من شرق الأناضول وينشرون عدم الاستقرار في المنطقة. في تاريخهم غير الأكراد مكانهم علي الجبهات أكثر من مرة.

فقد ساندوا كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة في حرب التحرير، لكنهم خشوا الوقوع ضحايا القوميين الأتراك في منتصف العشرينيات. عندما أعلن أتاتورك جمهوريته العلمانية وألغي الخط العربي، اكتشف الأكراد أنهم خرجوا خالي الوفاض إذ كان الخطر أن يتعرضوا إلي الذوبان بين الأتراك لأنهم عوملوا كمسلمين وليس كأكراد.

في عام 1925 بدأ الأكراد المقاومة بقيادة الشيخ سعيد وتعتبر هذه المقاومة حتي اليوم في كتب المؤرخين أول مقاومة دينية لأن الذين أشعلوها كانوا يسعون لمحاربة النظام العلماني الذي أقامه أتاتورك. واستطاع الأتراك بعد سنوات إخماد هذه المقاومة في شرق البلاد خلال الثلاثينيات.

في منتصف الأربعينيات عاود الأكراد المقاومة وعقدوا الآمال هذه المرة علي غازي محمد وملا مصطفي برزاني. وتمكن الزعيمان الكرديان في عام 1945 إعلان جمهورية مهاباد الكردية في شمال غرب إيران وكانت تخضع لحماية روسية، وشغل برزاني منصب وزير الدفاع بينما شغل غازي محمد منصب رئيس الجمهورية.

دام عمر هذه الجمهورية أحد عشر شهراً إذ خلال زيارة قام بها شاه إيران إلي موسكو استطاع إقناع الروس بالتخلي عن حمايتهم للجمهورية الكردية وتركوا الأكراد فريسة سهلة لإيران التي استطاعت تحطيم الجمهورية الكردية وقامت بشنق رئيسها غازي محمد علنا في مهاباد أما مصطفي برزاني فقد نجح في الفرار إلي موسكو حيث بقي فيها حتي قيام العقيد العراقي عبد الكريم قاسم بالثورة علي النظام الملكي في عام 1958. في عام 1959 عاد برزاني إلي شمال العراق.

هذه المرة حصل علي دعم من شاه إيران وبدأ في عام 1961 يقود البشمارجا، الميلشيات الكردية في هجمات ضد الجيش العراقي وحصل أيضا علي أسلحة من إسرائيل في نفس الوقت كان يحتمي بالأشقاء الأكراد الإيرانيين.

في ذلك الوقت كان عدوهم الكبير في بغداد صدام حسين الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر. في عام 1975 وبعد معارك ضارية في الشمال خسر الأكراد ضد الجيش العراقي لأن شاه إيران اتفق مع صدام حسين في لقاء تم بالجزائر علي تقديم تنازلات في النزاع علي شط العرب مقابل توقف إيران عن دعم الأكراد في شمال العراق.

كما هي العادة في تاريخ الأكراد ظهرت مقاومة جديدة في نهاية عقد السبعينيات وأيضا في شرق الأناضول. هذه المرة أعلنها عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال PKK واعتمد علي استراتيجية مهاجمة الجيش التركي لكنه ارتكب خطأ بالعمل في مهاجمة أهداف مدنية أيضا مما أثار غضب الشعب التركي علي الحزب ويعتبره منذ سنوات منظمة إرهابية. في عام 1999 اعتقلت الاستخبارات التركية زعيم الحزب أوجلان في عملية مريبة شارك فيها أكثر من طرف دولي. في نفس الوقت ظلت تدور صدامات بين الميليشيات الكردية وجيش صدام حسين.

كذلك وقعت صدامات بين أكراد إيران والجيش الإيراني. في عامي 1989و1992 تم اغتيال الزعيمين الكرديين قاصملو وشرفقندي في فيينا وبرلين. بعد هزيمة صدام حسين في حرب الخليج الأولي عام 1991 كان الأمريكان هذه المرة الذين تخلوا عن الأكراد في شمال العراق. لكن الأكراد استفادوا كثيرا من الحظر الجوي الذي فرض علي الطائرات العراقية في الشمال.

وبعد غزو العراق في مارس-آذار عام 2003 والإطاحة بنظام صدام حسين برزوا كأول الرابحين في هذه الحرب وأقاموا منطقة مستقلة بهم في شمال العراق يرأسها مسعود برزاني بينما غريمه السياسي جلال طالباني يشغل منصب رئيس العراق. الواضح أن نجاح الأكراد في تعبيد الطريق وصولا إلي الدولة الكردية شجع حزب العمال الكردي علي استعادة نشاطه داخل الأراضي التركية إلي حد أن العمليات الأخيرة كانت علي وشك نشوء حرب جديدة في المنطقة.

رغم تدخل الولايات المتحدة منعا لزحف الجيش التركي إلي شمال العراق وهدوء النزاع مؤقتا، لا أحد يضمن عدم انفجاره مرة أخري، لأن أحدا لم يهتم أيضا بعد التوتر الأخير في وضع تصورات حل دائم للنزاع الكردي.



ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
13
إيران .. النووي أو الحرب
حمد الباهلي
اليوم السعودية
قبل حوالي سنتين استمعت إلى رأي بدا لي غريباً يومها من خبير أوروبي في شئون المنطقة وهو من أصل عربي . كان وضع الأمريكان في العراق في أسوأ أحواله وكان وضع الإيرانيين في العراق وعلى مرأى من الأمريكيين في أحسن أحواله .
وأمام السؤال التقليدي عن سبب تغاضي الأمريكان عن النشاطات الإيرانية في العراق كان رأي الخبير بأن الأمريكان لا يتغاضون عما يفعله الإيرانيون بل يرصدون ما يقومون به ربما لتوريط إيران أكثر فأكثر في المستنقع العراقي غير المضمون لا للأمريكان ولا للإيرانيين .
لم استوعب وقتها وربما حتى الآن حكاية « توريط إيران في العراق « . اليوم لا أحد يستطيع وصف الوجود الإيراني بالعراق بالورطة بل يمكن القول بأنهم يحققون نجاحات باهرة مردها في أحد جوانبه عدم تجاوز المناوئين لتنامي نفوذهم في العراق من دول المنطقة لمستوى التصريحات المنددة وقدرة الإعلام المناوئ للوجود الأمريكي في إلصاق صفة دعم الإرهاب بكل من لديه تحفظات على دعم العملية السياسية بما في ذلك بعض القوى العراقية . ومع تصاعد أشكال المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها وإيران وحلفائها يتقدم هذا الملف شيئاً فشيئاً عما عداه من ملفات .
صحيح أن الأوضاع في العراق لا تزال مضطربة إلا أن قوى التحالف هناك تحقق بعض النجاحات والشيء المؤكد أن العمليات الإرهابية للقاعدة في تراجع . وإذا كانت أراء المراقبين تتزايد لصالح إمكانية عملية عسكرية ضد إيران حتى ولو كانت النتائج غير مضمونة على حد تعبير نفس الخبير فإنه يرى اليوم احتمال أن يفكر الأمريكان « باقتسام الخسائر « وعدم ترك إيران تنتصر في برنامجها النووي . هذا لن يقتصر على الأمريكان وإيران بل قد تعم الفوضى في كل بلدان المنطقة ؟ ليكن .. فالمطلوب ليس إسقاط النظام الإيراني القائم بل بإشغاله بنفسه إلى درجة الإعلان عن التراجع رسمياً عن البرنامج النووي . الشيء الذي بدونه أو في حالة عدم الإقدام عليه سيجمد هذا البرنامج لعدة سنوات أما احتمال هزيمة الأمريكان وانسحابها من المنطقة كما يؤكد معظم الإعلام العربي ، فكما يقول المفكر اللبناني غسان سلامة : الغرب يتطور شعوبا وحكومات وقادة ، والعرب باقون على ما هم عليه من طرق في الحكم وطرق في التفكير . مشهد الأزمة المتصاعدة بين إيران والتحالف الغربي تتضح معالمه أكثر فأكثر . صورة إيران في العواصم الغربية ليست فقط تتدهور بل تخلق بيئة مخاوف متزايدة حقيقية أو مفتعلة , وفي ظروف كهذه وبناء على سوابق من أقربها مبررات الحرب على العراق يكون من المنطقي الاعتقاد بوجود خطط وليس نوايا للقيام بعملية عسكرية غربية ضد إيران .
مثلما تعلن الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها شيئاً فشيئاً دول أوروبا الغربية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا بأن الشرط الوحيد لدرء المواجهة العسكرية مع إيران هو تخليها عن برنامجها النووي بعد استنفاذ كافة الوسائل الدبلوماسية والمقاطعة الاقتصادية ترد إيران بأن لا شيء سيثنيها عن الاستمرار في برنامجها النووي حتى ولو كلفها ذلك مواجهة عسكرية شاملة . وأمام هذا المشهد المعزز بالاحتقان الإقليمي القائم على اصطفافين لا ثالث لهما وهما إما مع إيران أو مع مناوئيها يبقى موقف عدم الانحياز غير ممكن حتى على المستوى النظري . صحيح أن جزءا لا بأس به من الإعلام الرسمي في دول المنطقة يعارض بحق ضرب إيران , لكن قرار الضربة العسكرية لسوء الحظ ليس بيد دول المنطقة فضلاً عن حتمية ما سيترتب على هذه الدول والشعوب من تبعات كارثية .
القضية الرئيسية لشعوب ودول المنطقة وهي قضية فلسطين تتراجع اليوم بفعل ظروف ذاتية وبفعل عنصرية وعنجهية إسرائيل لا لمصلحة المشروع السلمي للحل عبر المبادرة العربية بل لمصلحة احتمال انبعاث قضية أكثر تعقيداً وهي الفوضى العارمة في المنطقة بأسرها . إسرائيل ستكون طرفا في المواجهة بشكل مباشر أو غير مباشر بافتعال مواجهات مع حلفاء إيران وربما لذلك يخشى العديد من المراقبين بأن يكون مؤتمر أنابولس كميناً لتحييد بعض القوى والدول المعارضة للمواجهة العسكرية مع إيران .
هل يمكن لدول المنطقة التأثير في القرار الغربي لضرب إيران ؟ الجواب لا يقوم هنا على النوايا الحسنة بقدر ما يقوم على حسابات الربح والخسارة .
وبما أن هزيمة إيران بالمعنى العسكري غير ممكنة حتى لدى بعض الأوساط العسكرية العليا والغرب ، فإن خسائر بلدان الخليج مؤكدة على مستوى الشعوب والحكومات .
إن المراهنة على النوايا المعلنة لدول المنطقة في السلم وحسن الجوار والانخراط في التنمية ومراعاة ظروف كل بلد هي « أشياء « قد تكون غير ضرورية لنظام اقتصادي عالمي له شروط وضرورات أخرى حتى لو اقتضى الأمر استعماراً مباشراً كما هو الحال في فلسطين والعراق .
والحقيقة التي لا جدال فيها هو أن الغرب لن يسمح بامتلاك إيران للسلاح النووي أو هكذا يفكرون.
Albahli6@hotmail.com


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
14
لصوص بغداد
أنور عبد الرحمن
اليوم السعودية
في القرن الثالث عشر، قام التتار بقيادة هولاكو بغزو العراق بمساعدة وتواطؤ الوزير العراقي الخائن ابن العلقمي الذي كان على اتصال مع خاجة نصير الدين الطوسي مستشار هولاكو. قتل التتار مئات الآلاف من العراقيين، واستباحوا العراق سلبا وسرقة ونهبا. وبلغت وحشيتهم إلى حد أن كلمة «تتار« دخلت قاموس اللغة اليونانية كمرادف لـ «الجحيم«. واليوم يعيش العراقيون جحيما مشابها في ظل الاحتلال الأمريكي.
عندما كنت في لندن الأسبوع الماضي، أتيح لي أن أقرأ تقريرا مهما جدا كتبه جيم هولت، الكاتب في الـ « نيويورك تايمز«، ومجلة الـ «نيويوركر« يناقش بالتفصيل الوضع في العراق. النتيجة الرئيسة التي يمكن الخروج بها من التقرير هي أن التقارير التي تتحدث عن خسارة أمريكا للحرب في العراق، وعن المستنقع العراقي، وما شابه ذلك، هي في حقيقة الأمر تقارير مضللة لا تعبر عن الواقع. حقيقة الأمر أن ما يحدث في العراق هو بالضبط ما خططت له إدارة بوش وقامت بتطبيقه منذ البداية. كان حل الجيش العراقي جزءا من خطة كبرى تستهدف خلق حالة من الفوضى والاضطرابات الشاملة في العراق. ففي ظل هذه الحالة من الفوضى، يصبح بمقدور الاحتلال أن يفعل كل شيء وأي شيء يريده. العراق يمتلك احتياطيا نفطيا يبلغ 115 بليون برميل. وهذا الرقم يزيد بخمس مرات عن الاحتياطي الذي تمتلكه أمريكا.
وبسبب العزلة الطويلة التي عانى منها العراق، فإنه أقل الدول من حيث جهود الاكتشافات النفطية. فلقد تم حفر ألفي بئر فقط في كل أنحاء البلاد. هذا في حين أنه في تكساس وحدها يوجد مليون بئر. وقد قدر مجلس الشئون الخارجية في أمريكا أن العراق ربما يمتلك 220 بليون برميل نفط إضافية لم يتم اكتشافها بعد. ورفعت دراسة أخرى هذا الرقم إلى 300 بليون. وهذه التقديرات تعني أن القوات الأمريكية في العراق تجلس اليوم فوق ربع موارد النفط في العالم. وتشير التقديرات إلى أن قيمة النفط العراقي، الذي هو من النفط الخفيف وتكاليف إنتاجه منخفضة، تقدر بنحو 30 تريليون دولار بالأسعار الحالية. هذا في حين أن تكاليف غزو واحتلال العراق تقدر بنحو تريليون دولار فقط. هذه الأرقام المدهشة أوردها هولت في مقاله الذي نشر في «لندن ريفيو اوف بوكس«. السؤال الآن هو : من الذي سوف يحصل على نفط العراق؟. هنا ينبغي أن نلاحظ أن أحد الشروط الأساسية التي طلبت إدارة بوش من الحكومة العراقية أن تلبيها، وهو تمرير قانون النفط الجديد. وبحسب مسودة هذا القانون، التي كتبتها الولايات المتحدة بنفسها، فإن كل النفط العراقي تقريبا سوف يكون في قبضة الشركات الغربية. وبحسب القانون، فإن شركة النفط الوطنية العراقية سوف تكون لها السيطرة على 17 حقل نفط فقط من بين 80 حقلا موجودة حاليا.
أما الباقي، ويشمل ذلك أيضا الحقول التي سيتم اكتشافها، فسوف تكون تحت سيطرة الشركات الأجنبية لمدة 30 عاما. والشركات الأجنبية ليست مطالبة بأن تستثمر عائداتها في الاقتصاد العراقي. وفي أعقاب تسرب مسودة قانون النفط، كتب المحلل انطونيا جوهاز في الـ «نيويورك تايمز« يقول : يمكنهم استغلال حالة عدم الاستقرار في العراق اليوم لتوقيع عقود بينما الحكومة العراقية في حالة ضعف تام، ثم الانتظار إلى عامين آخرين قبل أن يضعوا أقدامهم في البلاد. وهذا هو ما حدث بالفعل. فلقد أقدمت حكومة «إقليم كردستان« على توقيع اتفاق مع شركة هنت النفطية الامريكية التي مقرها دالاس، والتي يرأسها أحد الحلفاء السياسيين للرئيس بوش. هذا هو الوضع في العراق الذي سوف تسلمه إدارة بوش وتشيني إلى الإدارة الأمريكية القادمة. لكن، ماذا لو كانت الادارة القادمة ديمقراطية؟. هل من الوارد أن تقوم فعلا بإنهاء الوجود العسكري الامريكي في العراق وتسحب القوات بالكامل؟. ليس هذا احتمالا مرجحا أبدا، على ضوء ما يتيحه الاحتلال لامريكا من نهب هائل واسع النطاق لموارد العراق وثرواته. وبالفعل، فقد رفض المرشحون الثلاثة الذين يتنافسون على ترشيح الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون وباراك اوباما وجون ادواردز.. رفضوا الالتزام الصريح القاطع بسحب كل القوات الامريكية من العراق قبل 2013 أي بنهاية الفترة الاولى من رئاستهم اذا فازوا في الانتخابات. وبالطبع فان من بين الفائزين، شركات الخدمات النفطية مثل هاليبرتون، والشركات النفطية نفسها، حيث ستكون الارباح خيالية، ويمكن حتى شراء صمت الديمقراطيين، وسوف يضمن هذا بالنسبة إلى الناخب الأمريكي استقرار أسعار الغاز، وهي قضية بالنسبة إليهم لها أهمية حاسمة. ايضا، فإن الدول الأوروبية واليابان سوف تكون مستفيدة من السيطرة الغربية على هذه الاحتياطيات النفطية الهائلة مما سيجعل قادتها ميالين إلى تأييد وجود احتلال دائم للعراق.
وهكذا كما نرى، فإن الخسائر الأمريكية في العراق والمتمثلة في بضعة بلايين من الدولارات شهريا، وخسائر بشرية تعتبر بشكل عام محدودة، هي ثمن بسيط جدا في مقابل المكاسب الهائلة المتمثلة في 30 تريليون دولار، وهيمنة سياسية واستراتيجية أمريكية، وتأمين غاز رخيص للناخبين الأمريكيين. باختصار، فإن غزو واحتلال العراق لا يمكن اعتباره فشلا أمريكيا. انه في الحقيقة نجاح أمريكي هائل.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
15
نعي الديمقراطية الأميركية في العراق
نور الحبشي
السياسة الكويت
كان من المفترض أن يكون العراق نموذجا للديمقراطية الغربية بكل تطلعاتها وقوتها, كان من المفترض أن يكون الحصان الرابح مع كل تلك الكلفة التي تكلفتها الولايات المتحدة الاميركية في إحتلالها وخسارتها للارواح من خلال القتل اليومي والمستمر لجنودها على أرض العراق وأن يكون العراق النموذج الغربي في ديمقراطيته العربي في كيانة الذي يجب أن يحتذى به من قبل دول المنطقة ,إلا إن فكر المحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش كانوا على خطأ فادح فكانت الحسابات الخطأ التي أدت الى تصورات ومن ثم نتائج خاطئة ما جعلت الاميركان الان في المستنقع العراقي. والعراق اليوم هو عبارة عن دولة فاشلة كيف لا والعام 2006م وحده قد شهد التالي : وضع مأساوي وكارثي إذ كان يتم في المتوسط مقتل 300 عراقي شهريا مع 100 جندي أميركي مع عدم إغفال عدد السجناء إذ يصل الى 30 ألف سجين 5 في المئة منهم من الاجانب هذا مع وجوب ذكر عمليات الاختطاف في المتوسط 40 عراقيا تكتشف جثثهم بعد حين ملقاة في الشوراع والاهم من كل ذلك الهجرة الداخلية والخارجية التي يعاني منها العراق الهجرة القسرية وتحديدا الترحيل الاجباري سواء بحث عن الامان المفقود بالاتجاه نحو الشمال العراقي أو الهجرة الى خارج العراق كلة بحثا عن لقمة العيش والامان خاصة من أساتذة الجامعات والمثقفين العراقيين بمختلف تخصصاتهم وأفكارهم وهم على قائمة الاستهداف من جماعات إرهابية مختلفة وكل ذلك في سبيل إعاقة التقدم والتطور لقد أدت هجرة العقول العراقية لاضافة ملف جديد على المآسي التي تحدث بالعراق وهناك قول قديم قيل في العراق " إن مصر تكتب ولبنان يطبع والعراق يقرأ " في إشارة واضحة إلى أن هناك نخبة عراقية مثقفة , وقد وصفت الامم المتحدة في أحد تقاريرها الترحيل القسري بالعراق بالقول : إنه أكبر ترحيل قسري منذ نكبة فلسطين 1948م.
هذا السجل غير المطمئن يضاف له الان ما يحدث من حملة وحشية لاستهداف النساء في البصرة وقتلهن بطريقة وحشية. كل ذلك يحدث بالعراق الذي يضم أكبر عدد من القوات الاميركية ففيه 160 ألف جندي, وفي دولة الكويت 25 ألف جندي أميركي وفي المملكة العربية السعودية 300 جندي أميركي ومملكة البحرين 3000 جندي أميركي ودولة قطر 6450 جنديا أميركيا ودولة الامارات العربية المتحدة 1300 جندي أميركي أي في دول الخليج العربية + العراق 200 ألف جندي أميركي إلا إن ذلك لم يساعد أو يحافظ على الامن أو حتى ضمان وجود الديمقراطية بحكومة نوري المالكي الدمية التي مازالت متخبطة ضائعة تحركها قوة ليست خفية على متتبع الاحداث.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
16
انحطاط الدبلوماسية السورية
درويش محمي
السياسة الكويت
بعد وفاة الاسد الاب وتسلم الاسد الابن "بشار" زمام القيادة والسلطة في سورية, بدأت تظهر وبشكل تدريجي معالم تراجع الدبلوماسية السورية لتصل لاسوأ مراحلها في الفترة الاخيرة, وبحكم ان القادة في البلدان المحكومة بالانظمة الفردية الشمولية سواء كانوا رؤساء ام ملوكا ام اباطرة ام حتى قياصرة, هم"الكل في الكل", فأن بشار الاسد يتحمل كامل المسؤولية عن الازمات التي واجهت وتواجه سورية ومن ضمنها الاخفاقات الدبلوماسية .
حالة الجفاء والقطيعة التي تعاني منها سورية في علاقاتها الاقليمية والدولية, تعتبر اكثر من عادية ونتيجة اكثر من طبيعية للسياسات الارتجالية الخطأ للنظام السوري القائمة على ردود الفعل الاعتباطية البحتة, لكن الغريب في الامر, اقدام الطاقم الدبلوماسي السوري, مراراً وتكراراً, على تصرفات لادبلوماسية تزيد من عزلة النظام عن محيطه الدولي والاقليمي, والاغرب ان يكون الرئيس نفسه المسؤول الاكثر تهوراً في نشوء مثل هذه الحالة الشاذة بشكل شخصي ومباشر بالاضافة الى مسؤوليته الاعتبارية كونه يمثل رأس النظام, ويتذكر الجميع الخطاب الناري الذي القاه الرجل عشية انتهاء حرب 33 يوماً بين حزب الله واسرائيل, ووصفه لقادة ورؤساء عرب بانصاف الرجال, وتبعات ذلك الخطاب على علاقة النظام السوري مع جيرانه العرب, اما اخر مطب لادبلوماسي, فقد حدث في انقرة العاصمة التركية, حين أعرب في مؤتمر صحافي وعلى العلن عن تأييده الكامل للتدخل العسكري التركي في "اقليم كردستان", معتبرا دخول الجيش التركي الى الاراضي العراقية حق مشروع للدولة التركية في حربها ضد الإرهاب, متناسياً ان العراق دولة ذات سيادة وعضو فعال في الجامعة العربية, ومتناسياً كذلك ان الحزب الذي وصفه بالارهابي كان في كنف وضيافة سورية على مدى عقدين من الزمن .
التصريح الاخير للرئيس ربما يكون واحداً من اخطر تصريحاته على الاطلاق, فهو غير متزن وبعيد كل البعد عن الحكمة واصول الكياسة الدبلوماسية, فالحكومة الاسلامية التركية نفسها لم ترغب قبل الانتخابات الرئاسية التركية وقبل الهجمات الاخيرة للعمال الكردستاني ضد الجيش التركي, في النزول عند رغبة العسكر بالقيام بحملة عسكرية في الاراضي العراقية, وهي حكومة تجنح الى السلام لا الحرب, وكل مواقفها اليوم تتجه الى احتواء الازمة لا تصعيدها, فموقف الرئيس هنا متقدم على مواقف الحكومة التركية, وهنا يحق لنا ان نتسائل لماذا يرغب الرئيس ان يكون ملكياً اكثر من الملك ? وتركياً اكثر من اتاتورك ?
بالاضافة الى لا دبلوماسية التصريح المذكور, فهو موقف رخيص جداً ومجاني, ففي الوقت الذي كانت وسائل الاعلام تنقل تصريحات الاسد بخصوص الازمة العراقية التركية, كانت القناة التركية الرسمية تبث برنامجاً حوارياً يتناول الازمة العراقية التركية, ومعظم المتحاورين الترك على اختلاف انتماءاتهم السياسية ومن دون استثناء, كانوا متفقين على ان التجربة التركية مع سورية في اواخر التسعينات بخصوص العمال الكردستاني هي الحل الامثل لحلحلة الازمة العراقية التركية, وليس على تركيا سوى تهديد العراق بالتدخل العسكري لبث الرعب والهلع في الطرف العراقي كما حدث مع الطرف السوري, فتفرض الشروط التركية على العراق كما فرضت في السابق على سورية, ولمن لايعلم نقدم هذه المعلومة, فالخوف والجبن السوري اصبح مضرباً للمثل في العلاقة مع الجيران لدى مواطني الجارة تركيا .
امر اخر يجعل من التصريحات الاخيرة لبشار الاسد بخصوص الازمة العراقية التركية في صدارة التصريحات والمواقف الخاصة جداً والمؤثرة, فهي لن تؤدي فقط الى عزلة اقليمية ودولية كما هي العادة, بل الى عزلة داخلية مؤكدة هذه المرة, فكرد سورية كجزء من الشعب السوري يدركون اليوم اكثر من اي وقت مضى, ان الاسد يضمر لهم العداء, وهو ليس مجرد دكتاتور عادي بل بعثي من الدرجة الاولى ومشحون بثقافة الاستبداد والغاء الاخر, والمستقبل الكردي في ظل نظامه قد يكون الاسوأ, ومن المؤكد ان الفترة القادمة ستحمل معها الكثير من المفاجآت غير السارة من قبل رئيس يعرف عنه عدم القدرة على احتواء الازمات, وردود فعله غير محسوبة وانفعالية, ويجنح الى تأزيم الامور وتعقيدها, ويعاني الكثير من القلق والوحدة, ولم يبق له اصدقاء في العالم سوى الجمهورية الاسلامية وتركيا والبعض القليل من الاتباع في لبنان .
تراجع الدبلوماسية السورية وانحطاطها, مؤشر على بداية مرحلة مقبلة ستكون اسوأ بكثير من سابقاتها, والشعب السوري بجميع مكوناته, سيبقى بمعزل عن الحرية والحياة الكريمة الى ان يقرر عزل من لايجيد ادنى طقوس الدبلوماسية ولا يستحق حتى ان يكون ملحقاً في السفارة السورية لدى تركيا, وعندما يقرر الشعب السوري تقرير مصيره بنفسه, حينها فقط تتحقق الامنية وتعود سورية الى مكانتها الطبيعية اللائقة والمشرفة بين الدول والملل

ليست هناك تعليقات: