Iraq News
























مواقع إخبارية

سي أن أن

بي بي سي

الجزيرة

البشير للأخبار

إسلام أون لاين



الصحف العربية

الوطن العربي

كل العرب

أخبار اليوم

الأهرام

الوطن

القدس العربي

الحياة

عكاظ

القبس

الجزيرة

البيان

العربية

الراية

الشرق الاوسط

أخبار العراق

IRAQ News




فضائيات



قناة طيبة

قناة الحكمة

قناة اقرأ

قناة الشرقية

قناة بغداد الفضائية

قناة البغدادية

قناة المجد

وكالات أنباء

وكالة أنباء الإمارات

وكالة الأنباء السعودية

المركـز الفلسطينـي

وكالة أنباء رويترز

وكالة الانباء العراقية


تواصل معنا من خلال الانضمام الى قائمتنا البريدية

ادخل بريدك الألكتروني وستصلك رسالة قم بالرد عليها

Reply

لمراسلتنا أو رفدنا بملاحظاتكم القيمة أو

للدعم الفني

راسل فريق العمل

إنظم للقائمة البريدية


اخي الكريم الان يمكنك كتابة تعليق وقراءة آخر عن ما ينشر في شبكة أخبار العراق من خلال مساهماتك في التعليقات اسفل الصفحة



Website Hit Counter
Free Hit Counters

السبت، 20 أكتوبر 2007

صحيفة العراق الالكترونية المقالات والافتتاحيات السبت 20/10/2007


نصوص الافتتاحيات والمقالات
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
1
مشروع الشرق الأوسط الكبير"ومخاطر تقسيم العراق
د. فؤاد الحاج
حركة القوميين العرب
إن الديمقراطية لا تنمو في أرض داستها أحذية الأمريكان" "هيرالد تريبيون" 8/11/2004
أيها القارئ لا تهتم مطلقاً بما يقال عن العامل الأخلاقي (في السياسة الأميركية) فالسياسة الخارجية ليس فيها أي عامل أخلاقي في تكوينها الأساسي، ونظف عقلك من تلك المتكدسات التي تصادفها في العناوين العريضة ولوحاتها" (المحلل السياسي الأميركي: ويليام بلوم)
أخشى ونحن نكتب اليوم عن "تقسيم العراق" وعن سيناريو "إعادة رسم خارطة المنطقة" في هذه المرحلة، أن يتم ذلك كله، وأنظمة الذل والعار الناطقة بالعربية التي لا تعرف من السياسة سوى إصدار بيانات "ندين ونشجب ونطالب ونرفض" دون قدرتهم على الفعل على أرض الواقع لأنهم مقيدون بسلاسل "البنك وصندوق النقد الدوليين" في الوقت الذي نرى فيه الأحزاب والتنظيمات والقوى الجماهيرية غائبة عملياً عن أرض الواقع بسبب عدم وجود القيادات القادرة على الفعل الحقيقي على الأرض كما كانت خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وبسبب عدم ثقة الجماهير بأي من تلك القوى والأحزاب والتنظيمات لأنها لم تكن عند حسن ظن الجماهير في تحقيق مطالبها في كل المجالات وأهمها الاقتصادية، وعدم قدرة تلك القوى والأحزاب والتنظيمات الاستمرار في نشر الوعي الوطني والقومي التي كانت سائدة في القرن المنصرم فتحول أبناء الأمة عن تلك القوى التي لم يجدون فيها أي بديل فعلي عن الأنظمة السائدة والمسيطرة في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج فراحوا يسعون وراء لقمة عيشهم بأي طريقة كانت وبأسلوب الميكيافليلية أي "الغاية تبرر الوسيلة"، لذلك نرى ارتداد عدد كبير من أبناء إلى الأمة إلى الطائفية والمذهبية في ظل تكاثر المحللين والمحرمين والمفتيين، وبسبب تدخل رجال الدين في السياسة وزرع الأحقاد والضغائن بين أبناء الشعب الواحد في البلد الواحد بسبب مصالحهم الفردية وبسبب التدخلات الخارجية إن من حكام بلاد نجد والحجاز وبسبب الإفتاءات التي ما أنزل الله بها من سلطان إن في المقاومة والجهاد ضد الغاصبين والمحتلين لأرض العرب والمسلمين، وكذلك بسبب عدم قدرة شيوخ الأزهر في مصر على الاتفاق رأي موحد في العديد من القضايا الأساسية التي لا تخرج عن نطاق الدين ومفهومه الأساسي الذي لا خلاف عليه، والأهم هو قبولهم بتحويل الدين إلى سلعة إرضاء للباب العالي وولي أمرهم الحاكم المطلق المأمور من أرباب البيت الأبيض الذي أمر بحذف كل المواد التعليمية من المنهاج التدريسية التي يرد فيها ذكر الجهاد وتحرير بيت المقدس حتى وصل الأمر بفرض الرقابة المسبقة على خطب وعظات رجال الدين أيام الجمعة وغيرها، وكذلك بسبب نشر بعض إن لم يكن كل الفضائيات لسياسة "السلام" وفرض الأمر الواقع والقبول بما يسمونه "الرأي الآخر"، لذلك نرى أن أبناء الأمة في سباتهم غائبون ومغيبون.
من هنا أقول أن أشد ما أخشاه هو أن لا تخرج تلك الجماهير بمسيرات مستمرة لفرض تغيير سياسة الأنظمة الحاكمة ومواجهة الغول الأمريكي والأوروبي المسيطر عليهم من قبل قوى الشر العالمية المتمثلة بالصهيونية العالمية ومحافلها لشريرة على اختلاف مسمياتها، ولعلنا نرى بعض المسيرات القليلة العدد في هذا البلد أو في ذاك القطر العربي منددين وشاجبين ومستنكرين - إن استطاعوا فعل ذلك -، ثم يعودون إلى منازلهم لمتابعة نشرات الأخبار والتقارير المسربة من واشنطن وتل أبيب، التي تتحدث عن مستقبل بلادهم، وتبقى حياتهم مقدّر لها أن تسير في واد بعيد عن الواقع السياسي والاجتماعي العربي والدولي الذي تخطط له قوى الشر العالمية تماماً كما يحدث في فلسطين وفي العراق وفي الصومال وفي السودان وفي معظم إن لم يكن في كل البلاد العربية.
ورغم ذلك لا بد من الكتابة والتذكير والتنويه لمخاطر ما يسمى "قرار الكونغرس الأمريكي غير الملزم" حول تقسيم العراق، وذلك خوفاً منّا على مستقبل تلك الأمة التي أعطت للعالم كل الخير عبر تاريخها الطويل، الداخل والمتفاعل مع تاريخ البشرية منذ وجود الإنسان على وجه هذه الأرض ولم يجني سوى الشر والحقد من دول الجوار ومنها بلاد فارس أو ما يسمى إيران، أو من طاغوت الشر المتمثل في الحركات السرية والمعروفة التي كانت ولازالت تسيطر على بريطانيا صاحبة شعار "فرق تسد" كما تسيطر على أمريكا منذ إعلان اكتشافها وحتى اليوم، أقول إن "القرار الأمريكي غير الملزم" والذي يدعو إلى تقسيم العراق، كحلّ لأعمال العنف الطائفية التي بدأوها هم وأتباعهم إن من إيران أو من مرتزقة أمريكا وبريطانيا الذين قدموا من كل أرجاء العالم مقابل حفنة من الدولارات منذ بدايات الاحتلال، وما جرى من تفريغ سكاني وترحيل وتهجير لسكان مناطق مختلفة في العراق إضافة لإقامة جدران العزل العنصرية إلا بدايات لما هو أخطر ليس على العراق فحسب بل على كل البلاد العربية بحسب سياسة "الفوضى الخلاقة" الأمريكية، وما ترديد بعض رجال الحكم ورؤساء وملوك وأمراء الدول العربية "إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من الأراضي العراقية فأن ذلك قد يؤدي إلى حرب أهلية شاملة ومدمرة"، في رأيي أن هذه التصاريح التي رددت ما هي إلا تكريس لسياسة الأمر الواقع، أو ربما أنها في ظنهم إنما يبعدونها على بلادهم، وفي الوقت نفسه كان لقبولهم تحويل السفارات العراقية واستبدال سفراء النظام الشرعي الوطني العراقي - بغض النظر عن رأي هذا أو ذاك في هذا النظام الذي يبقى نظام شرعي ووطني - إن في ما يسمى جامعة الدول العربية أو ما يسمى "مؤتمر القمة العربية" أو "منظمة المؤتمر الإسلامي" وقبولهم أيضاً باستعمال الأرض العربية ضد النظام الوطني والشرعي العراقي، ما هو إلا دليلاً على عدم بعد النظر السياسي إن كانوا يفهمون معنى السياسة حتى لا نقول غير ذلك، مما شجّع قوى الشر بفرض ما تريده وآخرها هذا "القرار غير الملزم بقسيم العراق" الذي سيؤدي في النهاية لقبولهم الاعتراف بالكانتونات الاتحادية الهزيلة التي تريدها إيران وأتباعها في العراق، على الرغم إعلان عناصر من عصبة بوش الصغير وبالتحديد من "السندريلا السمراء" رايس عدم موافقتهم على "قرار تقسيم العراق غير الملزم"، وأقول هنا أنه حتى لو قبلت الأنظمة العربية بذلك الإعلان الخادع فأن كل الدول العربية مرشّحة هي الأخرى للتفتيت ليسهل انصياعها لأوامر (السيّد)، ومن ثمّ الدخول في بيت الطاعة الأمريكي، وهي محنيّة الرأس مكسورة الإرادة! لأن هذا "القرار غير الملزم" بالأساس هو قرار في صلب "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وإن تحقق هذا المشروع على حساب وحدة وعروبة العراق، فمعنى ذلك أن المشروع الأمريكي والصهيوني والإيراني في تفتيت العراق قد نجح، وأن النموذج سيتم تصديره إلى الدول العربية الأخرى في إطار ما يسمونه "الفوضى الخلاّقة".
إعادة رسم خارطة المنطقة
وللتذكير لا بد أن نعود إلى الوراء وتحديداً لمرحلة ما بعد بدء غزو العراق واحتلاله، إلى الأول من شهر أيار/مايو/مايس عام 2003 حيث ألقى "الأبله" بوش الصغير كما كانت تنعته وسائل الإعلام الأمريكية وشعوب أمريكا بشكل عام بهذه الصفة، "خطبة النصر على العراق"! من على ظهر البارجة الأمريكية (أبراهام لينكولن) في الخليج العربي، وأتبع ذلك بغرور وعنجهية أنه من العراق ستبدأ "إعادة رسم خارطة المنطقة" مما يعني "تغيير خارطة البلاد العربية بدءاً من المشرق العربي"، ونشر "الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط" ليصبح العراق النموذج الذي تحتذي به باقي دول المنطقة.! ورغم ذلك لم تتحرك تلك الأنظمة التي تسمى عربية وأكبرها حجماً ومساحة وأكثرها تأثيراً على الساحة السياسية والاقتصادية العربية، مما زاد من تفتيت الأنظمة العربية وشرذمتها، وهذه الأنظمة هي أنظمة مصر التي أمدت إيران بكميات كبيرة من الأسلحة خلال فترة الحرب الإيرانية-العراقية 1980 - 1988 من أجل تدمير العراق، وأرسل ذلك النظام جيش مصر ليقاتل إلى جانب قوات الغدر والعدوان الأمريكية والأطلسية ضد الجيش العراقي في نهاية عام 1990 وبداية عام 1991، وكذلك حكام بلاد نجد والحجاز الذين استعملت أرضهم لتدمير العراق خلال العدوان الثلاثيني الغادر بقيادة إدارة الشر الأمريكية برئاسة ممثل أفلام الكاوبوي الأمريكية جورج بوش الأب عام 1991، واليوم نسمع كلاماً لا معنى له سوى في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية من معظم الأنظمة الناطقة بلغة الضاد أنهم "يرفضون وينددون ويشجبون ذلك "القرار غير الملزم" فهل ذلك يكفي إن لم يتم سحب الأرصدة العربية ووقف كافة أشكال التعاون وفي كافة المجالات وعلى كافة الصعد بدءاً من سحب السفراء على الأقل احتجاجاً ترافقه منع مرور السفن التجارية وإغلاق المطارات في وجه كل ما له علاقة بأمريكا وذيولها من الدول الأوروبية وصولاً إلى استراليا، وتحرك كافة النقابات العمالية في بلاد العرب – إن ما زال لها وجود مؤثر - وعدم تسهيل تفريغ السفن وعدم تنظيف الطائرات الأمريكية أو تسهيل مرورها في الأجواء العربية وهو أقل ما يمكن أن تقدمه تلك النقابات لإخوانهم العراقيين، وهذه تكون بداية عودة الوعي ووحدة الصف الوطني والقومي العربي، يتلوها تصعيد آخر أدرى به العناصر الوطنية والقومية في تلك النقابات والقوى التي لازالت حية من أبناء الأمة العربية.
"الفوضى الخلاقـة"
تهدف نظرية "الفوضى الخلاقة" التي تتبناها أمريكا في البلاد العربية إلى إعادة تشكيل خارطة المنطقة العربية وذلك عن طريق تفجير الصراعات الداخلية في دول المنطقة وتأزيم الأوضاع الحالية وإذكاء الخلافات تحت شعارات الطائفية والقبلية والعنصرية والاختلافات السياسية وكل ذلك من أجل إعادة رسم خارطة المنطقة بما يتوافق مع المصالح الصهيو-أمريكية.
ورغم أن هذه السياسة واضحة للعيان ابتداءً من أفغانستان ومروراً بالعراق والصومال والسودان ولبنان وفلسطين نجد بأن دول المنطقة العربية تنزلق في هذا المخطط واحدةً تلو الأخرى دون محاولات فعالة للتحصين من الانجرار نحو مزيد من الاختلافات والفرقة والتناحر الداخلي.
الدور الصهيوني
لن نردد بل نذكّر بالدور الصهيوني في عملية تدمير العراق انتقاماً على الصواريخ العراقية (39) صاروخاً التي أطلقها النظام الشرعي الوطني إبان العدوان الثلاثيني الغادر عام 1991، حيث أعلن شيمون بيريز عام 1993 خلال زيارته للمغرب وفي مؤتمر صحفي "أن العراق سيدفع الثمن غالياً"، وكذلك ما أعلنه عدد من دهاقنة الصهاينة قبل العدوان الثلاثيني الغادر ضد العراق عام 1990، وتحديداً منذ بدايات الحرب الإيرانية-العراقية ومنهم "أرييل شارون" الذي أعلن في شهر أيلول/سبتمبر 1987، حيث كان يشغل منصب وزير التجارة والصناعة في الكيان الصهيوني، في حديث إذاعي جاء فيه "إن تعاظم قوة الجيش العراقي في السنوات الأخيرة نتيجة الحرب العراقية-الإيرانية المستمرة منذ سبع سنوات خلقت وضعاً يعتبر فيه العراق أخطر أعداء اسرائيل"!!.
وكان شارون قد ذكر في "الملحق السياسي" الصادر عن صحيفة "معاريف" بتاريخ 28/11/1986 "تتسم حرب الخليج حرب العراق-إيران بعوامل أساسية، فهي ترتبط مباشرة بأمننا القومي، وكنت قد فسرت هذه العوامل لمسؤولي الإدارة الأمريكية منذ أيار/مايو عام 1982، ولم يتقبلوا تفسيراتي آنذاك، لكن معطيات جديدة أضيفت إلى الوضع خلال السنوات الأخيرة، لقد تطلعت باهتمام رائد إلى منطقة "الخليج الفارسي" وما يدور بها، فقد أثبت المفاعل النووي العراقي، الذي يجسد أكبر خطر حام فوق اليهود في أرض "اسرائيل" منذ الأزل، (...) لقد ازدادت عظمة وقوة الجيش العراقي وقدراته بنسب مذهلة، الأمر الذي يهمنا بالذات، لأنها تمثل ما يحتاجه في حربه ضد "اسرائيل"، إنه يملك الآن أربعين وحدة، أي أكثر من عدد الوحدات التي تتشكل منها جيوش سورية ومصر والأردن مجتمعة، كما كدس تجارب وخبرات واسعة، دون منازع في المنطقة، على صعيد تشكيل وتشغيل وصيانة قوات عديدة وأجهزة عسكرية حديثة وهائلة، وحتى لو قام بتجهيز ثلث هذه القوة فقط، والتي تساوي عدد الوحدات السورية والأردنية الصالحة للعمل، فإن هذا الأمر يعني مضاعفة قدرات تهديد الجبهة الشرقية".!
وتابع يقول: "بالإضافة إلى ذلك فإن العراق مجاور للأردن وسورية، وبإمكانه تقديم ونشر قواته على هذه الحدود، أي على مقربة من "اسرائيل"، وفي الوقت نفسه يتمتع جيشه بخبرات واسعة ومتواصلة نتيجة كافة الحروب السابقة ضدنا، التي شارك بها إلى جانب جيوش سورية والأردن"!!.
وأضاف شارون: "خلال سنوات تشكيل دولة اسرائيل، ثبت أن علاقاتنا مع الولايات المتحدة تستند بصورة أساسية إلى مصالحنا المشتركة وليس العاطفية، وبالتالي فإن المصلحة الماسة للولايات المتحدة، كدولة عظمى، أن يضعف العراق جداً، ولكن نسبة إلى عدم الفهم، وأخطاء الخبراء والممثلين الرسميين الأمريكيين، فإن حكام الولايات المتحدة يديرون سياسة خاصة خاطئة في منطقتنا، وهي الحالات التي اتسمت بـ "اختلاف المصالح" بيننا وبينهم، إحدى هذه الحالات وقعت عام 1982، عندما عملت الولايات المتحدة على استغلال "الخطر الإيراني" كسبب لتزويد السعودية والأردن بأسلحة حديثة، وحاولت أنا بجهد تصحيح هذا الخطأ في الولايات المتحدة وفق سياسة الحكومة "الاسرائيلية"، لقد تطلب الأمر وقتاً ما، إلى أن فهمت الإدارة الأمريكية الخطأ الذي وقعت فيه".
وأنقل هنا فقرة مما أوردته صحيفة (السبيل) الأردنية بتاريخ (1/1/2003) حول ما قاله "زئيف شيف" أحد أبرز "المعلقين الاستراتيجيين" في الكيان الصهيوني، "إن الفوائد الاستراتيجية التي ستجنيها اسرائيل في حال نجحت الولايات المتحدة في التخلص من نظام الرئيس صدام حسين، لا يمكن تصورها، إنها بلا شك ستكون زلزالاً حقيقياً سيؤدي إلى تغيير خارطة المنطقة بشكل جارف ولصالح "اسرائيل" بشكل أساسي".. وينقل "شيف" عن قادة الدوائر الأمنية والسياسية (الاسرائيلية) القول "إن المحادثات السرية التي أجراها ممثلو الدولة العبرية في واشنطن حول الحرب المحتملة ضد العراق قد أثمرت في التوصل إلى تفاهمات هامة مع الأمريكان".
وحول الدور الصهيوني في العراق ما قبل الغزو والاحتلال أشير إلى ما ذكره "أوري ساغيه" أيضاً، "مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة ستُحدد وظائف للنظام الجديد في العراق بعد صدام حسين، وبكل تأكيد أنها حددت هذه الوظائف بالتنسيق والتشاور مع اسرائيل وليس بمعزل عنها".
سوريا بين "فكي الكماشة"
يقول "يسرائيل ريفح"، المعلق الصهيوني ذو العلاقات الواسعة بدوائر صنع القرار في الإدارة الأمريكية "أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تريان أن النظام الجديد في العراق سيعمل على رسم خارطة جديدة في المنطقة، فهذا النظام الذي سيكون بلا شك تبعاً للولايات المتحدة الأمريكية، وسيساعد تل أبيب وواشنطن في الإطباق على عنق دولة مثل سوريا"، فحسب التصور الأمريكي - الصهيوني، فأن كلا من "العراق الجديد والكيان الصهيوني سيمثلان فكي كماشة في إطباقهما على سوريا بشكل خاص"، وحسب المنطق الأمريكي - الصهيوني أيضاً فأن "هناك أهمية للإطباق على سوريا، فمن ناحية ستكون "اسرائيل" قادرة على تهديد العمق السوري من أكثر من جهة، وستكون سوريا حينها بين ثلاثة أطراف معادية، وهي النظام الجديد في العراق ودولة الكيان والعسكر في تركيا".
الأطماع الإيرانية في العراق وفي البلاد العربية
بداية لابد أن نذكر بما نشر في العديد من الصحف ووسائل الإعلام المختلفة إلى الدور الإيراني الخطير الذي تلعبه في العراق، ولتأكيد أهمية الدور الإيراني في العراق وما تضمره القيادات الصفوية ضد البلاد العربية نشير إلى شهادة الرئيس الإيراني السابق والمقيم في باريس الدكتور أبو الحسن بني صدر الذي قال في حوار له مع (سامي كليب) في برنامج (زيارة خاصة) لفضائية "الجزيرة" بتاريخ 10/1/2005 نصاً: "كان (الخميني) يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العلم الإسلامي، كان الخميني مقتنعا بأن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك، قلت له بأن الأمريكيين يخدعونك، ورغم نصائحي ونصائح ياسر عرفات الذي جاء ليحذره من نوايا الأمريكيين فإنه لم يكن يريد الاقتناع".
ويقول الرئيس الإيراني السابق أيضاً "رفسنجاني كان له أثر كبير في البلاد وكان يدير شؤون الحرب بالتعاون الوثيق مع أحمد الخميني، ولأنه كان يدير شؤون هذه الحرب فقد كان يخيفني رفسنجاني لأنه أراد مواصلة الحرب واحتلال البصرة، وباحتلالها يسقط صدام حسين، كان هذا مشروعه وكل قيادة الجيش كانوا يعارضون ذلك وقالوا إن احتلال البصرة سيطيل أمد الحرب".
نكتفي بهذا الاعتراف من اعترافات كثيرة أدلة بها عدد من القيادات الإيرانية الذين يسمونهم "آيات الله" المتسترين بعباءة رجل الدين منذ بداية الغزو الصهيو-أمريكي للعراق.
وكذلك نشير إلى ما أوردته وسائل الإعلام حول المؤتمر الذي عقد في البصرة في النصف الأول من عام 2005 الذي دعمته إيران بالكامل من خلال أتباعها وكذلك الكويت حيث تردد في "الشارع البصري أن السلطات الكويتية خصصت مبلغ 30 مليون دينار كويتي، أي ما يعادل مئة مليون دولار أمريكي، لتغطية احتياجات ذلك "المؤتمر الإقليمي"، كما "أن السلطات الكويتية قدمت دعم مالي وسياسي عبر استضافة عدد من المشاركين في ذلك المؤتمر ودعتهم إلى الكويت ومنحتهم مكافآت وصفقات تحت عناوين (مساعدات إنسانية وإغاثية) في الوقت الذي تنشط فيه المخابرات الكويتية من خلال وكلاء وعملاء لها بحملة دعائية واسعة تروج بأن الكويتيين عازمون على تحويل البصرة إلى (هونغ كونغ) الخليج عند فصلها عن الدولة العراقية المركزية".
وقد تناول ذلك المؤتمر إقامة (إقليم الجنوب) الذي يرتبط صورياً بالحكومة المركزية بغداد على غرار "الإقليم الكردي" في شمال العراق، وأن أبرز القيادات الداعمة لهذا المشروع هو "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، و"منظمة بدر" وأيضا "حزب الدعوة" بأجنحته المختلفة وأعضاء في مجالس المحافظات الثلاث ورؤساء بعض الإدارات فيها"، كما أطلق المشرفون عليه آنذاك". كما ذكر مراسل "القدس العربي" بتاريخ 17/4/2005، تحت عنوان " مؤتمر في البصرة بتمويل كويتي لـ"فدرلة" ثلاث محافظات جنوبية عن العراق".
وأخيراً أكرر ما قاله الكثير من أبناء الأمة أن الخطير الآن ليس هذا "القرار الأمريكي غير الملزم" فهو ليس أكثر من هذيان يسبق الإقرار بالهزيمة الصهيو-أمريكية الكاملة أمام المقاومة الوطنية العراقية، ولكن الخطير هو أن يجد هذا المشروع من يدافع عنه داخل العراق المحتل لمطامع فئوية طائفية وسلطوية، وأن يجد أيضاً من يصمت عليه من أبناء الأمة العربية وأنظمة تنطق بالعربية اعتقاداً بأنه يخص العراق وحده، وتلك هي الطامة الكبرى التي يراهن عليها الأمريكيون لإنجاح "مشروع الشرق الأوسط الكبير" بدءاً من العراق.
وفي المحصلة تبقى مسألة الرؤية الواضحة وما ‏ستؤول إليه رهينة بما ستمليه المقاومة العراقية الأصيلة على أرض الواقع في ‏رفضها لهذا المشروع وما سينتج عنه والواقع على أرض العراق ‏كفيل بتطبيق الثوابت الوطنية من طرد المحتل ونقض ‏مخططاته وإبطال لأدوات تنفيذه وجعله خارج دائرة الفعل ‏السياسي. ‏
اللهم وحّد قلوب العراقيين على ثوابتهم.. وانصر المقاومين الأحرار والشرفاء في عراق التاريخ والحضارات.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
2
الحل يكمن بعيدا عن الاجتياح العسكري
جاسم الحلفي
الحوار المتمدن
بعد ان أغلقت تركيا مجالها الجوي بين مطاري اسطنبول وأربيل،‏ وقبل ان يقول البرلمان التركي كلمته بصدد المذكرة التي قدمتها الحكومة التركية للحصول علي تفويض لمدة عام، يتيح لقواتها العسكرية باجتياح اراضي اقليم كردستان العراق.
بدأ القصف المدفعي للقوات التركية وطال القرى الحدودية الامنة. بذريعة تدمير قوات حزب العمال الكردستاني ( PKK )، في وقت ابدى فيه السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي استعداد بلاده لمواجهة الانتقادات الدولية في حال قررت بلاده اجتياح الاراضي العراقية.
يرى عدد من المراقبين ان السبب الحقيقي للتصعيد العسكري التركي، ليست العملية العسكرية التي قامت بها مجموعة تنتمي الى ( PKK ) والتي أسفرت عن مقتل 15 جنديا تركيا ، بل هي ذريعة استخدمت في هذا التصعيد، ويذهب هؤلاء المراقبين بان الموضوع ليس مواجهة مع PKK وليست هي نتيجة ردود فعل عن تصريحات لم تروق للسياسيين الاتراك، ادلى بها عدد من المسؤلين في اقليم كردستان، بل هي رسالة الى الولايات الامريكي عبر عنها الجنرال يشاربو يوكانيت قائد الجيش التركي بوضوح حينما حذر من خطورة التداعيات التي تلحق في العلاقات التركية ـ الأمريكية في حالة موافقة الكونجرس الأمريكي علي مشروع قانون يصف قتل الأرمن علي أيدي الأتراك العثمانيين بأنه إبادة جماعية‏.
اذا مرة اخرى يكون بلدنا العراق ساحة لتصفية الحسابات، ومكانا لصراعات النفوذ الاقليمية والدولية.
فان كان من الصحيح عدم استخدام العراق كورقة لتمرير صفقات سياسية، وابعاده عن ذلك، كذلك ليس من المقبول أستخدام اراضي العراق كمعبر لتنفيذ اعمال عسكرية ضد اهداف عسكرية تركية، لا تحقق الاهداف المشروعة، ولكنها في نفس الوقت تستغل كذريعة لعمل عسكري لا مبرر له
كما ينبغي القول في نفس الوقت ان مشاكل تركيا الداخلية يجب ان تحل بعيدا عن العراق المغرق بالازمات، والمثخن بالجراحات.
وان العمل العسكري واجتياح الحدود يزيد من تأزم الاوضاع ويخلف تداعيات سلبية تلحق الضرر في علاقات البلدين، كما انه لا يؤدي الى حلول جذرية معقولة للمشكلة.
فلا القصف المدفعي للمناطق الجبلية، ولا الاجتياحات العسكرية التي تصل تخوم المدن، تستطيع ان تقضي على الحركات التي تتبنى الحقوق العادلة، وبطبيعة الحال ليس بمقدور الكفاح العسكري وحده من ثني الحكومة التركية على التعامل مع حقوق الشعوب، بل ان الطريق الانسب هو الحوار الهادف بعيدا عن العنف واستخدام
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
3
جثث اصحابها عراقيون، لماذا مجهولة الهوية؟
كاظم نوري
العرب اونلاين
تفيد احصائية دولية بان عدد ضحايا العراقيين منذ الغزو الامريكى عام 2003 وصل الى نحو مليون شخص، وتقصد الاحصائية بذلك المدنيين فقط وهو رقم متواضع وغير دقيق بالطبع، اما اولئك الذى تسميهم ادارة الرئيس جورج بوش "بالارهابيين" الذين يقاتلون القوات الامريكية والمناهضين للاحتلال، فلم تتطرق الاحصائية الى عددهم وكأنهم ليس فى عداد البشر طالما ان "هتلر العصر بوش" والمحافظين القابعين وراء المحيطات اطلقوا عليهم تسمية "ارهابيين" وبالتالى فيمكن استباحة دمائهم حتى لو وصل عددهم الى رقم خرافي، لاسيما ان منظمات حقوق الانسان والمنظمات الدولية الاخرى باتت فاقدة الضمير وتردد ما يردعلى لسان بوش وديك تشينى وكوندليزا رايس وبقية القتلة الذين استباحوا دماء الشعوب تحت يافطة مكافحة الارهاب وجماعة القاعدة وبن لادن والظواهري، من دون ان ندرى انهم احياء او اموات، موجودين او غير موجودين، تتكتم عليهم وكالة المخابرات الامريكية ام لا، ولا ندرى اذا كانوا بحماية اسيادهم ام لا حتى الان.
الرقم الذى اوردته الاحصائية الدولية تجاهل او تناسى ربما الضحايا الذين تكفل كافة الشرائع والقوانين الدولية حقهم بمقاتلة المحتل وطرده كما ان هناك قرابة اربعين الف جثة مجهولة الهوية دفنت فى مقبرة السلام فى النجف وان الرقم يتصاعد وفق مصدر "معمم" ينتمى الى المجلس الاسلامى الاعلى.
ما علاقة قوات الامن بهذه الجثث مجهولة الهوية التى تحمل ارقاما مثل: 31 وب و38 ب د. بهذه البساطة تساءل مصدر فى قوات "بدر"، وكأن "المجلس الاعلى للثورة الإسلامية" لاعلاقة له بالسلطة فى المنطقة الخضراء وان عناصر قواته نذروا انفسهم كجمعية خيرية لخدمة العراقيين وتقديم العون لهم او انهم قدموا من ايران الى العراق بعد الغزو فى مهمات انسانية وجاءوا متبرعين لتوزيع الخيرات فى العراق لا لتصفية خيرة علماء وقادة الجيش العراقى ونخبه الوطنية او ان يتسلطوا فى العراق. اما اعضاء برلمانهم المهزلة وحكومتهم المهلهلة التى نصبها المحتل تحت يافطة الانتخابات المزورة والتى جرت فى ظل جنازير الدبابات وزئير الطائرات ديمقراطية موديل 2003، فما هم الا فاعلو خير "لله بالله" نذروا انفسهم لخدمة بلاد الرافدين.
من المسؤول عن هؤلاء القتلى مجهولى الهوية؟ المحتل؟ قواته؟ فرق الموت التى اتى بها المحتل؟ ميليشيات من هنا وهناك؟ ام فرق الحماية التى تنتمى الى وكالات مخابرات عجيبة غريبة يضاهى عددها عدد القوات المحتلة بما فيها جماعة "بلاك ووتر" التى اشتهر صيتها بعد قيامها بقتل نحو 17 مدنيا عراقيا بدم بارد قرب ساحة النسور فى بغداد دون ان يطالها العقاب، حتى ان احدى الصحف الامريكية علقت فى حينها عندما تحرك قليلا ضمير رئيس الجوقة الحاكمة فى المنطقة الخضراء قائلة ان بلاك ووتر لن تخرج من العراق بل ان "اكبر عميل" فى الحكومة سوف يخسر منصبه ان هو تطاول على تلك الجماعة الارهابية.
لا ندرى لماذا تبقى هوية اصحاب الجثث غير معروفة واصحابها عراقيون تجرى تصفيتهم وارسالهم الى مقبرة النجف تحت تسمية "جثث مجهولة الهوية". بل ان مقبرة جديدة تم انشاؤها فى ظل اشاعة الديموقراطية فى العراق وتعميمها على المنطقة اطلق عليها تسمية "مقبرة الشهداء مجهولى الهوية" لتضاف الى المقابر الاخرى. هذا ما يتعلق ببغداد. ولكن هناك الجثث التى يعثر عليها معصوبة العيون مع اثار تعذيب وطلقات فى الرأس، اى ان منفذى تلك الجرائم يعملون بحرية وبامكانهم نقل الجثث الى اى مكان يريدون ومتى شاؤوا فى ظل وجود نقاط التفتيش المنتشرة والقوات المدججة بالاسلحة التى تجوب الشوارع.
وتتحدث السلطة القابعة فى المنطقة الخضراء عن اعداد هذه الجثث وكان مهمتها ومهمة قواتها الامنية تنحصر فى احصاء الضحايا فقط وعدهم وشرح طريقة قتلهم هذه هى مهمة قوات الامن والشرطة فى بغداد اليوم، اما بقية المحافظات التى يجرى التعتيم على ما يرتكب فيها من جرائم فان الاوضاع فيها لا تقل بشاعة عن اوضاع بغداد. لا ندرى ما هى مهمة قوات الامن وقوات الاحتلال التى فاقت جرائمها كل التصورات، فيما تلزم المنظمات الدولية المعنية بشؤون البشر وحتى المعنية بالرفق بالحيوان الصمت ازاء الفاجعة التى يعيشها اهلنا فى العراق وسط لجة زمر من الجلادين والقتلة لاهم لهم سوى تقاسم السلطات والمراكز التى تكرم بها عليهم المحتل مقابل وضع ضمائرهم تحت بساطير جنوده الذين استباحوا كل شيء فى العراق ونهبوا خيراته وشردوا الخيرين من ابناء الشعب ودمروا نسيجه الاجتماعى وسعوا حثيثا من اجل اشعال فتيل الحرب الطائفية وصولا الى تنفيذ مخطط الادارة الامريكة لتقسيم العراق.
الحكومة غائبة. واية حكومة مهزلة. وما سبقها من حكومات نصبها المحتل تباعا وسمح للعديد من وزرائها "نهب المقسوم" بينما حصة الاسد لولى نعمتهم حتى بات تركيزهم على السلب والنهب فقط واهمال البلاد باسرها وتركها لمخابرات دول تعبث بمقدراتها وتسعى للثار من العراق واهله وطمس تاريخه وتراثه.
النجف ليست وحدها المعنية بمثل هذه الجثث و"مقبرة الشهداء مجهولى الهوية" ليست الوحيدة. فمدينة الموصل وكربلاء وديالى والفلوجة والديوانية وغيرها من المحافظات تشهد هى الاخرى على مثل هذه الفواجع حيث تكتظ اروقة الطب العدلى ببغداد يوميا بالمواطنين الباحثين عن ذويهم الذين فقدوا فى ظروف غامضة لعلهم يعثرون على جثثهم فى ظل سبات عميق لحكومة المهزلة واجهزتها الامنية الفاسدة.
وبكل بساطة وباحصائية لا تحتاج الى عناء فان ما يقتل شهريا فى العراق من الابرياء جراء قصف القوات الامريكية او التصفيات التى تتم على ايدى ميليشات من احزاب وجماعات مرتبطة بجهات ودول مناهضة للعراق واهله يعادل قتلى تدمير ابراج الجريمة فى نيويورك الذى بقيت تفاصيل الجهات التى نفذته سرا على الرغم من ادعاء "القاعدة" المسؤولية عن ذلك.
مع ذلك فان السؤال يظل قائما: إذا كانت هناك حكومة، وإذا كان الأمن يستتب "تدريجيا"، فلماذا تظل الجثث مجهولة الهوية؟ فان لم تستطع الحكومة ملاحقة القتلة "لانهم منها وفيها"، أفلا تستطيع، معرفة الضحايا على الأقل؟ أم أنها حكومة...
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
4
تخريب التعليم في العراق -10-
وليد الزبيدي
الوطن عمان
إن مفاصل عملية التخريب ، التي شهدها التعليم في العراق مترابطة ، ومن يعيد قراءة التفاصيل ، ابتداء من عملية الغش الجماعي ، التي تحدثنا عنها في بداية تناولنا لهذا الموضوع الحساس والخطير ، مرورا بالمحطات الأخرى ، يكتشف بسهولة ، أن هناك مخططا واضحا ودقيقا لتخريب التعليم في هذا البلد .
أنا أعتقد أن عملية استهداف هذا القطاع ، هي مرتكز من عملية استهداف العراق ، ولم تتوقف العجلة عند محطة واحدة دون غيرها ، وأن خطة الاجتياح التي قصدت العراق ، انطلقت من أيام الحصار الأولى ، عندما قررت الإدارة الأميركية ومن خلال استخدامها المفضوح للأمم المتحدة ، في ممارسة الحرب على العراق ، ومن بين المفاصل المهمة ، كانت حقول العلم والمعرفة ، ومن القصص الشهيرة منع استيراد العراق لأقلام الرصاص التي يستخدمها التلاميذ في المدارس ، التي تبين الآن أنها واحدة من حلقات هذا المسلسل ، الذي ابتدأ دورته الأولى بداية تسعينات القرن الماضي ، وعندما انتشرت تفاصيل قصة منع الأمم المتحدة دخول أقلام الرصاص إلى العراق ، بحجة الاستخدام المزدوج لهذه المادة ، و(الاستخدام المزدوج) ، يعني إمكانية استخدام هذه المادة في صناعة أسلحة الدمار الشامل ، التي قررت الإدارة الأميركية القضاء عليه داخل العراق ، بحجة أنها تهدد الأمن العالمي ، وتحت وطأة الهيمنة الإعلامية والسياسية الواسعة للإدارة الأميركية ، فقد انطلت الادعاءات الأميركية على الكثيرين ، ولم يدقق العالم بهذه الفرية المفضوحة ، ورغم احتجاجات واعتراضات واستنكارات البعض ، إلا أن الإدارة الأميركية أصرت على عدم السماح بدخول المستلزمات الضرورية لاستمرار وتطوير العملية التربوية والتعليمية في العراق، وبسبب الظرف الاقتصادي الصعب ، وعدم منح سمات دخول للعراقيين ، توقفت الإرساليات من المبتعثين للدراسات العليا في التخصصات العالية من الجامعات العالمية ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العراق قد سجل أعلى الأرقام بين دول المنطقة في إرسال طلبته للدراسة في الجامعات الأميركية والأوروبية خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، بهدف الاستزادة المعرفية والحصول على الشهادات العليا بمختلف الاختصاصات ، لكن مع بداية فرض الحصار الشامل على العراق ، توقف هذا البرنامج المعرفي الواسع ،ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل عمدت الدول الأوروبية وأميركا إلى طرد الطلبة العراقيين الدارسين من جامعاتها .
إن إلقاء نظرة تفحص دقيقة على كل ذلك وتفكيك ما حصل ويحصل الآن في قطاعي التربية والتعليم في العراق ، يكشف للمرء حجم الحرب الشرسة التي تشن على المعرفة والعلم والثقافة في العراق ، وأن التدمير الممنهج قد يكون أخطر وأبشع من تخريب المنشآت والشوارع والبنايات الكونكريتية ، وأن هذا المشروع التخريبي ابتدأ في وقت مبكر مع أول أيام الحصار ، ويتواصل الآن بوتيرة متصاعدة ، وإذا كانت بداياته قد انطلقت بأدوات أميركية ومن ساندها ، فإن الأدوات الآن محلية عراقية وهو الأخطر ، ويقود هؤلاء مشروع تخريب التعليم الذي ابتدأ بحرمان التلاميذ من أقلام الرصاص ووصل إلى منح الشهادات بالجملة إلى الفاشلين دراسيا واجتماعيا ، ليحتل الجهلاء أماكن العلماء ، على طريق تخريب التعليم وتدميره في بلد المعرفة والثقافة وعاصمتها بغداد .wzbidy@yahoo.com
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
5
الحرب على الجبهة الكردية التركية!
اكرم البني
الغد الاردن
السؤال المشروع الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم، من هو صاحب المبادرة، أو من له المصلحة الأكبر في تسعير الصراع على الجبهة التركية ـ الكردية، هل هو حزب العمال الكردستاني أم الجيش التركي؟!.
منذ أشهر بدأت تتواتر بيانات لقوات حماية الشعب وهي الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني عن عمليات متفرقة تقوم بها،كان أهمها ما سمته هجوماً صاعقاً وبالأسلحة الثقيلة،ضد نقطة عسكرية تركية في منطقة شرناخ التابعة لولاية ماردين في شمالي كردستان،الأمر الذي أسفر عن مقتل14 جندياً تركياً،في حصيلة أولية،وجرح عدد آخر،وأوضح البيان أن ما حصل هو رد مشروع على العملية التي قام بها الجيش التركي قبل ذلك وأسفرت عن قتل تسعة مقاتلين من الكرد في المنطقة ذاتها.
وإن مرت عمليات الأكراد السابقة بسلام لكن عبد الله غول، الرئيس التركي الجديد، والمشرف على ما يسمى لجنة مكافحة الإرهاب اخطر بعد العملية الأخيرة بعض أركان الحكومة والمؤسسة العسكرية بضرورة الاجتماع لبحث كيفية الرد ولوضع حد لما يقوم به عناصر حزب العمال الكردستاني، لنقف أمام مشهد يذكرنا بما كان يحدث في عقد الثمانينيات من تسعير للصراع بين الدولة التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني.
فما سبب إقدام المقاتلين الكرد في هذا الوقت بالذات على تنشيط عملياتهم ضد المواقع العسكرية التركية،بعد أن كرست الانتخابات الأخيرة فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان وما يعنيه ذلك من احتمال التقدم خطوات ملموسة نحو تخفيف معاناة الشعب الكردي ربطاً بالوعود التي أطلقها الحزب في حملته الانتخابات وباهتمامه المعروف في معالجة أوضاع الشمال وتخصيص كثير من الجهد والمال لتنمية تلك المناطق وضمان الحقوق الثقافية للأقليات القومية فيها،وهو الوقت نفسه الذي يتحين فيه الجيش التركي أية فرصة لرد الاعتبار لدوره وتكريس حضوره السياسي في البلاد بعد أن منيت القوى الملتفة حوله بإخفاق مشهود في الانتخابات الأخيرة، وقد جاءته هذه الفرصة على طبق من ذهب، عندما وضع المقاتلون الأكراد البرلمان التركي أمام واجب لا مجال للالتفاف عليه وهو التصويت على عمليات عسكرية واسعة ضد مواقع حزب العمال في الأراضي العراقية كان فاتحتها التهديد بملاحقة المقاتلين الكرد داخل الحدود العراقية، ثم إعلان ثلاث ولايات كردية مناطق عسكرية مغلقة خاضعة لسيطرة قوات الأمن والجيش ومحرمة على وسائل الإعلام والصحافة، تلتها الحشود الكثيفة على طول جبال كردستان والحدود مع العراق، وأخيراً الغارات والقصف الذي شن منذ أيام ضد مجموعة من القرى الكردية الحدودية بحجة لجوء المتمردين إليها واعتمادها عليها كقاعدة لانطلاق عملياتهم في الأراضي التركية.
إن تعذر تعليل ما حصل وتقديم إجابة شافية عن سبب اختيار هذا الوقت بالذات، يضعك أمام أسئلة أخرى عن غرض حزب العمال من فتح جبهة الحرب مرة أخرى وهو الذي التزم لسنوات ومن طرف واحد بوقف لإطلاق النار، هل ثمة خطة جديدة، أم الأمر مجرد خبطات ثأرية لا تضع في اعتبارها منحى أو هدفا، أم يتعلق السبب بتوافقات خفية مع قوى إقليمية، أم بالحاجة إلى تأكيد الوجود وكرفض طفولي لنتائج الانتخابات التركية التي وضعت عملياً القضية الكردية على سكة الحل السياسي، ورفضه تالياً لاحتمال أن ينجح حزب العدالة والتنمية في تخفيف معاناة الشعب الكردي وكسب المزيد من تعاطفه.وبخاصة وأن مرشحي حزب المجتمع الديمقراطي،وهو حليف حزب العمال،قد أخفقوا في منافسة مرشحي العدالة والتنمية في المناطق الكردية.
بلا شك تتحمل السلطات التركية مسؤولية مزدوجة تجاه ما يجري، مرة بإصرارها المزمن على تجاهل خصوصية الوضع القومي الكردي وبخاصة وأن تعداد الأكراد يبلغ أكثر من خمسة عشر مليوناً، وإهمال مطالبهم وحقوقهم المشروعة ما انعكس إحباطا سياسياً واحتقاناً اجتماعياً في صفوفهم،ومرة بتكرار اللجوء إلى الخيار العسكري لمعالجة التوترات الحاصلة، لكن ثمة مسؤولية أيضاً تقع على حزب العمال وسياساته وخاصة ما يشاع عن عودته إلى أسلوب الكفاح المسلح كطريق رئيس لتحصيل الحقوق،وما يعنيه ذلك من احتمال طي نتائج المراجعة النقدية التي أجراها قبل وبعد اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان، وقبوله بمبدأ الحكم الذاتي في إطار الدولة التركية واعتبار حل المسألة الكردية جزءا لا يتجزأ من معالجة القضية الديمقراطية العامة في البلاد. الأمر الذي يدل على تأثير لا يزال كبيراً لمن لا يريدون تمثل الدروس المستخلصة من الهزائم والانكسارات التي شهدها النضال الكردي في ثوراته المعاصرة
( جمهورية مهاباد في إيران 1946، اتفاق مارس/ آذار في العراق 1975 ) وكيف لعبت أساليب النضال العنيف وتدخل العوامل العالمية والإقليمية دوراً كبيراً، هو مرشح للتكرار اليوم، في إجهاض طموحه القومي بعد أن وصلت"اللقمة إلى الفم" في غير لحظة من لحظات تاريخه.
هو أمر بديهي أن تقف الأحزاب بعد زمن من التجربة وفي ضوء ما حصدته من نتائج لمراجعة مواقفها وحساباتها، الأمر الذي مارسه حزب العمال الكردستاني، وخلص فيه إلى أولوية النضال السياسي الديمقراطي وما يعنيه من خيار استراتيجي لنيل الحقوق القومية، بصفته بداهة نضالاً من أجل مساواة جميع القوميات في نظر المجتمع والقانون، وهو في الحال الكردية تثبيت الحقوق المشروعة لهذا الشعب المضطهد كحقه في المواطنة وحقوقه الثقافية والسياسية، وحقه المتساوي في المشاركة في إدارة السلطة والدولة، بما في ذلك أيضاً تقرير مصيره بالوسائل والأساليب الديمقراطية. مثلما خلص إلى أن أعمال العنف والقتل لم تسعفه ولم تثمر الثمار المرجوة، بل بدت هذه الطريق المليئة بالآلام والتضحيات غير قادرة حتى عن تعديل توازن القوى في هذا الاتجاه، وبدا أن المراهنين على المواجهات الدامية وتسعير الاضطرابات الأمنية قد أخفقوا في إيقاظ الجمهور وتعبئته مثلما أخفقوا في ضعضعة الدولة التركية أو زعزعة سلطانها، بل منحوها على العكس ذريعة قوية لاستخدام العنف المضاد على نطاق واسع ومكّنوا الجيش من إعادة ترتيب قواه وتشديد القبضة القمعية.
إذا كان ثمة أسباب عديدة لاختيار أسلوب العنف والكفاح المسلح عند القوى الكردية منها ما يتعلق بمناخات القمع والاستبداد وتخلف مقومات النهوض السياسي ومنها ما يرجع إلى الشعور بشدة الحيف والظلم من سياسات الحكومة التركية،فإن تعقيدات المشهد الراهن يجب أن لا تحجب عن عيوننا وجود دوافع أخرى وأمراض ذاتية مستوطنة، إن على المستوى النفسي أو الاجتماعي، تتكامل مع الدوافع الموضوعية وتتغذى منها، تعزز لدى الناس الاستهتار بأهمية العقلانية السياسية وجدواها، وتزيد من انتشار ظواهر ضيق الصدر ورد الفعل والتسطيح تجاه حراك المجتمع السياسي والمدني،وتجاه سلبيات الواقع وسيئاته، وتزيد تالياً من الأوهام بأن خيار التطرف والمكاسرة،هو ما يوفر كل المتطلبات، ويحقق كل الأهداف.
والحال، إذا كان من المرجح أن يشهد الصراع التركي ـ الكردي تصعيداً كبيراً في الفترة القادمة، فإنه بلا شك سوف يقود الشعبين إلى دورة جديدة من المعاناة والآلام ويترك آثاره السلبية على مستقبل الحقوق القومية الكردية وعلى تركيا ذاتها وما يحمله مشروع العدالة والتنمية من وعود.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
6
الأطر البديلة لأمن الخليج: وجهة نظر أمريكية مختلفة!
د. محمد نعمان جلال-
الراي الاردن
نظرا لان المجتمع الامريكي مجتمع متعدد الاتجاهات وتكثر فيه مراكز الابحاث والرأي والتفكير, لذا فان المتتبع للفكر الامريكي يجد تنوعا عديدا في وجهات النظر تصل احيانا الى حد التباين, ولكن الاغلب الاعم انها تنويعات حول مقولات وركائز رئيسية تعبر عن قواسم مشتركة... وهذه الرؤية كانت محصلة ندوة صدرت مداولاتها في كتاب يحمل العنوان »الاطر البديلة لأمن الخليج«.
واهم المحاور التي دارت حولها طروحات الكتاب تتمثل في:
الطرح الاول: السياسة الواقعية الاقليمية والقوى الخارجية: تقوم تلك السياسة على الاستناد للوجود الامريكي في الخليج كأداة ضرورية لاقرار توازن قوي في المنطقة, وهنا يسود انقسام في وجهة النظر بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة, وايران من جهة اخرى.
الطرح الثاني: تنوع القواعد الامريكية واثرها على الجغرافية السياسية الخليجية: ويشير الكتاب الى قدرة الولايات المتحدة على الانتشار السريع واستخدام النقل الثقيل في المنطقة منذ 1991 مستخدمة الطائرات العملاقة, والقواعد العسكرية, مما ساعد في اذكاء مشاعر العداء للولايات المتحدة وغذى اتجاهات التطرف الذي قاد لاحداث 11 ايلول وترتب على ذلك الرحيل الكبير للقوات الامريكية من السعودية, واعادة توزيع القوات والقواعد ومنشآت القيادة والمراقبة على دول عربية اصغر مثل البحرين وعُمان وقطر والامارات, وهذا اضعف من دور ومكانة السعودية في مواجهة الدول الخليجية الاصغر التي اتجهت لاتخاذ مواقف لا ترضى عنها السعودية (التوجه الديمقراطي في البحرين - الانفتاح الاعلامي في قطر).
الطرح الثالث: حتمية الدور الامريكي: فالدول الخليجية تؤيد الوجود العسكري والدبلوماسي الامريكي القوي, نظرا لعجزها الدائم عن تحقيق توازن قوى خاص بها, ووصلت حالة الضعف في مجلس التعاون الخليجي وارتباطها بالسياسة الامريكية ان اي عقد اجتماع لبحث الهياكل الامنية لا بد ان يحضره مسؤولون امريكيون!!.
ومن المعروف ان الولايات المتحدة تتصرف دائما وفقا لمصالحها فقد دعمت شاه ايران في السيطرة على جزر ابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى, وهي الآن تؤيد موقف الامارات!
ولعله من قبيل المفارقة ان دول الخليج تعاني من ازمة ثقة حادة فيما بينها لكنها تثق في القوى الاجنبية ولهذا منحت الولايات المتحدة دولا مثل البحرين والكويت وضع حلفاء من خارج الناتو وهذا يعني ان امريكا لا تستطيع خفض قواتها في المنطقة!.
الطرح الرابع: وضع ايران في الخليج: تسعى ايران للتقليل من مخاوف دول الخليج, وتشير الى التطور السلمي داخلها, وانها لا تنظر لدول الخليج كأعداء لايران, ولكنها لا تستطيع ان تفعل شيئا بالنسبة لحجمها مقارنة بحجم جيرانها, وتشير ايران الى انها تشارك الولايات المتحدة الرؤية في اهمية استقرار الخليج, كما تعاونت معها في الحرب ضد الارهاب في افغانستان, وتبرر ان واشنطن بتواجدها المكثف في الخليج وبسياستها العدائية هي التي تدفع ايران للتسلح للدفاع عن نفسها.. وتطرح ايران امكانيات التعاون الاقتصادي مع دول الخليج على غرار التعاون بين تايوان والصين, وترى ايران ان استقرار العراق لا يمكن ان يتحقق الا بمشاركة الشيعة في السلطة, وتبرز ضرورة تفاهم شيعة النجف وشيعة قم, واهمية حوار العلماء في ايران والعراق مع الولايات المتحدة, وان النفوذ والمصالح الايرانية في العراق حقيقة قائمة ولا يمكن تجاهلها!.
الطرح الخامس: مستقبل العراق: ارتكبت الولايات المتحدة اخطاء في العراق مثل تفكيك القوات العراقية, وجهاز المخابرات وادى ذلك ضمن عوامل اخرى الى العجز عن اقامة نظام عراقي جديد مما ادى الى تفاقم حالة عدم الاستقرار وانتشار الارهاب وان العراق يمثل تهديدا لجيرانه من ثلاث زوايا هي الاكراد - النفط - التطرف الديني.. وان مطلب العراق في الكويت قديم, فقد قدم العراق وثيقة رسمية لبريطانيا بذلك منذ عام ,1938 والمشكلة ذات طبيعة استراتيجية وهي حاجة العراق لمنفذ على الخليج, وهو مطلب يدعمه كل الشعب العراقي الذي هو في حاجة الى تثقيف مضاد للتخلص من هذا المفهوم والاقرار بحق الكويت في الوجود كدولة مستقلة.
الطرح السادس: أمن الخليج: ان دول مجلس التعاون الخليجي لا تستطيع حماية امنها, والولايات المتحدة لا توفر بيئة مواتية لمشاركة مصرية او عربية في امن الخليج, ولتحقيق دور مصري في الخليج فمن الضروري تغيير الموقف الامريكي من ناحية, وتطوير القوات المصرية وادائها من ناحية ثانية, وهذا يقتضي استثمارات خليجية ضخمة في مصر وسورية, ومن دون ذلك فلن تستطيع ولا تتحمس اي من الدولتين للقيام بدور عسكري في الخليج.
الطرح السابع: قضايا اسلحة الدمار الشامل: ترفض ايران الضغط الامريكي وتراه منحازا, وتبرز تعاونها مع المجتمع الدولي, وانضمامها للبروتوكول الاضافي لمعاهدة منع الانتشار, وتوضح ان ضغوط الولايات المتحدة عليها نابعة من مصالح اسرائيلية تسعى لحرمانها من اي تقدم تكنولوجي.. اما الدول العربية فترى انها انضمت في عام 1995 لاتفاقية الحد من الانتشار النووي كاجراء للثقة ولاحراج اسرائيل للانضمام, بناء على نصيحة من الدول الغربية, ولكن رغم مضي عشر سنوات لم تضغط الولايات المتحدة او الدول الغربية على اسرائيل, وانما استمرت تمارس الضغط على الدول العربية للتخلي عن اية مصادر للقوة مثل الاسلحة الكيماوية او التطور التكنولوجي, وفي نفس الوقت فان الولايات المتحدة تقدم التكنولوجية الامريكية لاسرائيل لصنع صواريخ متقدمة!! والولايات المتحدة نفسها انسحبت من مفاوضات بشأن انتشار الاسلحة البيولوجية, ولم تصدق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية, وتواصل اجراء التجارب على الاسلحة النووية والصاروخية الجديدة.. ومصداقية الاستخبارات الامريكية موضع شك ازاء ما اتضح من عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق بعد احتلالها.
الطرح الثامن: الاطر البديلة لأمن الخليج: طرح بعض الباحثين الغربيين ما اطلقوا عليه المداخل المتعددة لتحقيق الامن الخليجي وذلك من خلال:
1) المدخل الواسع: اي ضرورة تضمين كل المؤثرات على الامن الوطني والدولي في منطقة الخليج الفرعية, بما في ذلك قضايا الامن الصلب »الاسلحة« والامن السهل او اللين SOFT SECURITY تهريب المخدرات والارهاب ومشاكل البيئة ومسائل الاصلاح الداخلي.
2) المدخل التعاوني للامن: اي قيامه على اسس مرنة ومتعددة الدرجات مثل الاتفاقيات الثنائية والثلاثية ومتعددة الاطراف.
3) اهمية المدخل الشامل: اي يشمل دول مجلس التعاون وايران والعراق واليمن من خلال الدخول في تحالفات ثنائية, وشراكة بين الولايات المتحدة وهذه الدول.
4) اهمية المدخل الجزئي او التجزيئي: اي مبادرات دبلوماسية واقتصادية وامنية توجه للخليج ولا ترتبط بقضايا الصراع العربي الاسرائيلي او نحو ذلك.
والمقولات الرئيسية التي خلص اليها الكتاب:
1) اهمية ان تقوم دول الخليج ببلورة اطار امني محلي يتعلق بالمسائل البيئية والعسكرية والاقتصادية التي تنفرد بها وانه ما لم تتصرف دول الخليج على هذا النحو بمبادرة منها فأن الخطط الامريكية ستتولى اجراء التغييرات اللازمة من دون انتظار.
2) ان دول مجلس التعاون تتخوف من البرنامج النووي الاسرائيلي اكثر مما تخشى من البرنامج الايراني الذي تراه نتيجة للبرنامج الاسرائيلي.
3) ان الخوف والريبة يسودان بالنسبة لمستقبل العراق ومستقبل مجلس التعاون الخليجي.
4) يسود الجانب العربي والايراني شعور بان الولايات المتحدة واوروبا لا تتفهمان جيدا وجهة نظر دول الخليج تجاه بعضها البعض ولا قضايا الاصلاح الداخلي والمجتمع المدني في المنطقة.
5) انه بامكان مصر توسيع تدريباتها العسكرية لتضم دولا خليجية اخرى.
6) ان أمن الخليج يرتبط بالامن العالمي وان العالم يعتمد على الموارد التي يوفرها الخليج ومن ثم فان اختلال امن الخليج يؤثر على المناطق الاخرى.
7) انه من الضروري مواصلة الحوارات مع دول ومناطق اخرى من بينها باكستان والهند وان تكون الحوارات على مستويات رسمية وغير رسمية مثل العلماء والنشطين في المجتمع المدني والاكاديميين.
8) ان الولايات المتحدة واوروبا عليهما الا يركزا على الثقة بينهما وبين حلفائهما من الحكومات فقط, بل بينهما وبين شعوب المنطقة خاصة شعب الخليج ايضا رغم اختلاف الاجندات. فأولوية اوروبا هي الحيلولة من دون تصدير المشاكل اليها, اما الكويت فما يشغلها هو العراق والخطر المحتمل من تولي الشيعة السلطة فيه, اما الولايات المتحدة فانها تعطي اولوية لما تسميه تقدم الديمقراطية والحرية.
ومما يذكر ان الحديث عن الاطر البديلة لأمن الخليج في الفصل الاخير يشير الى ثلاث مدارس فكرية رئيسة متنافسة في مجال الممارسة الامنية وهي: المدرسة الواقعية, ومدرسة الهيمنة, واخيرا الامن التعاوني.. وتقوم المدرستان الاولى والاخيرة على مفهوم توازن القوى, وتوازن المصالح, مع فارق ان الامن التعاوني به طابع اختياري, اما ضابط التوازن في المدرسة الواقعية فهو القوة الكبرى, في حين ان مدرسة الهيمنة هي التي تعمل في اطارها سياسة الولايات المتحدة في هذه المرحلة ولا تتوانى عن العمل لقمع القوى الاخرى بعد استنفاد اغراضها منها, كما حدث مع صدام حسين وحربه ضد ايران, او مع سورية واجتذابها لصفوف التحالف ضد العراق عام 1991 ثم اجبارها على الخروج من لبنان, كما تسعى السياسة الامريكية للحيلولة من دون بروز اية قوة تتحدى الولايات المتحدة او حتى تعارضها. وفي تقديرنا ان المدارس الثلاث المشار اليها يرد على ممارستها الكثير من التحفظات لانها من الناحية الفعلية تجعل دول الخليج العربية في موقف الضعف بالخضوع للقوى العظمى الاجنبية تحت مقولة حمايتها, او للقوى الكبيرة في المنطقة مثل ايران والعراق بحكم ثقلها السكاني والعسكري والاقتصادي وتغلغل جالياتها بفكرها الطائفي الديني او بمواقفها السياسية في منطقة الخليج العربي. ولهذا فمن وجهة نظرنا انه من المهم ان تتكاتف دول مجلس تعاون الخليج العربي معا على الاقل لتوفير الحد الادنى من الامن الخليجي, ثم الاعتماد على العمق العربي في مواجهة القوى الاجنبية الساعية للهيمنة الاقليمية او الدولية والتي تتعارض في مصالحها وثقافتها وتراثها وحضارتها, ولو تكاتفت دول الخليج الست فان لديها كثافة سكانية لا بأس بها ولديها موارد طبيعية واقتصادية ضخمة وفي ظل التطور التكنولوجي العالمي يمكنها تحقيق خطوة اساسية وهامة لحماية امنها الخليجي في اطار مؤسسات مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ولكن كل هذا يحتاج الى ثلاثة امور رئيسية:
الاول: توافر الارادة السياسية في دول مجلس التعاون للعمل المشترك, وتوافر قدر من نكران الذات بالتخلي عن بعض مظاهر السيادة الشكلية من اجل الصالح المشترك كما تفعل اوروبا.
الثاني: التنظيم الدقيق لادارة الموارد البشرية خاصة في مجالس التنظيم العسكري والامني والتكنولوجي.
الثالث: مقدرة على التعامل المرن وبحكمة مع القوى الدولية والاقليمية حتى لا تقوم تلك القوى باحباط مخططات دول الخليج لتحقيق الاعتماد على الذات واثارة الدول الخليجية ضد بعضها البعض.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
7
بطاقة بريدية إلى نزيلات سجن الكاظمية
هاشم القضاة
الراي الاردن
يتها الحرائر اللواتي غدر الزمان بهن، فساقهن سبايا إلى سجون الاحتلال، وكن حتى الامس امنع من عُقبان الجو، وكانت أنوف اهلهن احمى من معاطس الليوث، وما كن ليردن حوض الذل والهوان لولا كبوة الخيول وانكفاء الصهيل.
لهفي عليكن ايتها الاخوات الراسفات في الاغلال، فلقد نبت سيوف العشيرة وانكسرت رماحها، وخلت الساحة من الفرسان فدان الميدان للعبدان.
لقد التهى الاخوة العراقيون بلعبة الدم والموت التي جلبها الغزاة معهم من وراء البحار، وتركوا حرائرهم يصرخن بين مخالب الوحوش التي اوغلت في نهش لحومهن، بعد ان اطمأنت بانه ما عاد للمعتصم أُذن تسمع، ولا للبراق عين ترى، ولان لابن مكدم رمح يرد به هجمة الاشرار عن ظعائن قومه.
ايتها الاخوات المكروبات، من بين كل الاهل المحصورين بسياج الموت والرعب والظمأ والسغب، لا بل من بين كل العرب المحتفلين بالعيد من المحيط الى الخليج، اخصكن اليوم فأبعث إليكن ببطاقتي هذه، واني لاستحي من قلمي اذا ادعيت بانها بطاقة معايدة، الا اذا كان العيد يعني تصفيد العراقيات بجدائلهن التي عبثت بها مقصات الهوان وسطوة السجان، ابعث اليكن بطاقتي لاعبر بها عن النار التي اشتعلت في صدري عندما رأيتكن عبر الشاشات في الاسبوع الماضي، وانت تحلقن مكسورات الخاطر حول اخينا طارق الهاشمي الذي زاركن في سجن الكاظمية وعلى احضانكن مطافيل يصرخون، ومن عيونكن دموع تنهمر، وفي صدوركن حشرجات دونها زفرات الموت، حدقت بالوجوه المخضبة بالظلم والذل واليأس والاحباط، رأيت كل ذلك فقلت في نفسي لماذا جاء هذا الرجل الذي نحترمه الى سجن الكاظمية وهو يعلم بانه ليس ذاهبا الى مشفى او دار عجزة يتفقد احوال ساكنيها، لماذا جاء الى مسجونات مكروبات ينتظرن الفرج وهو خالي الوفاض من أي امل بالافراج يكفكف به دموع اخواته المحزونات، لماذا جاء وهو يعلم بانه لا حول له ولا قوة أمام طغيان وجبروت المتجبرين؟!.
أعلم ايتها الاخوات كما تعلمن انتن ان في صدر هذا الرجل المغلوب على امره من الغيظ ما يخفيه، ويحاول ما يستطيع ان يكبح من جماح الذاهبين بالعراق بعيدا في طريق الهاوية، ولكن ما رأيناه من انكسار في وجوه العراقيات المرضعات اطفالهن في سجون الاحتلال حليب الكراهية وفقدان الثقة بالاهل والوطن لا يترك عذرا لاحد بمن في ذلك الاخ طارق الهاشمي الذي حكمت عليه الظروف ان يكون طرفا بمشروع ''العراق الديمقراطي'' لا يترك له ولربعه عذرا ان يهبوا اليوم وليس غدا ليحرروا العراقيات من سجون الاحتلال، سعي لا ينافسه سعي، وهدف لا يتقدم عليه هدف واولوية دونها كل الاولويات.
ايتها الاخوات المردوفة قلوبكن بقلوبنا، نعلم نحن ويعلم معنا كل العالم أنكن ما كنتن قاطعات طريق حتى تساق عشرة الاف منكم الى زنازن العراق، وان كان هنالك من ذنب فليس الا لأنكن لم تنثرن الورود ولم تزغردن لدبابات الغزاة وهي تسرح وتمرح في بلاد الرافدين، لذلك انصحكن اذا زاركن غدا سجان من جوقة المحتلين ليطمئن على احوالكن كما فعل اخوكن طارق، ان تزغردن هذه المرة له ولاميركا، ولا بأس على احداكن ان تقف خطيبة باسم السجينات لتقول لذي العينين الزرقاوين: شكرا يا ''ابا شقرا'' فما كنا نحن السجينات العراقيات لنستمتع اليوم مع اطفالنا بنعيم سجنكم لولا بركات تمثال الحرية الاميركية ونفحات الديمقراطية وحقوق المرأة والطفل التي هيأت لنا ان ننعم برغد العيش في سجن الاحتلال الوارف الظلال.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
8
معارضة من الخطوط الامامية
روبرت شير
ذا نيشن
متى سنستمع الى الجنود؟ انا لا اتحدث عن الجنود الذين استخدموا كدعامات في عملية التقاط صور للرئيس جورج بوش الذي ابلغوا الصحفيين بما تريد واشنطن ان تسمعه. الجيش منضبط ، وبالتالي معتاد على الالتزام بالخط الرسمي ، من الجنرال دافيد بتريوس ونزولا الى ادنى الرتب. لكن الحرب العراقية قدمت ايضا رسائل معارضة مثيرة للاعجاب من المراتب التي سوف تدفعنا الى التوقف في مساراتنا وإعادة النظر فيما فعلناه. اولا ، مجموعة من الرقباء جاؤوا في المقدمة ، ويوم الثلاثاء الماضي جاء دور ضباط عسكريين بارزين ليعبروا عن رأيهم بحرية ومن غير تردد او خوف.
في مقالة افتتاحية بليغة بعنوان "الحرب كما شاهدناها" نشرت في صحيفة نيويورك تايمز في اب الماضي ، قدم سبعة رقباء تلخيصا لخمسة اشهر من القتال العبثي في العراق قائلين:"لتصدقوا ذلك ايها الاميركيون ، فانه امر بعيد المنال ان تتمكن قوة احتلال عاشت اكثر بكثير من ترحيب على مضض ، من التغلب على سكان محليين متمردين والفوز في العمليات المضادة للتمرد".
بعد كتابة هذه "الصرخة من القلب" ، قتل اثنان من الجنود في العراق واصيب ثالث بجروح بليغة.
يوم الثلاثاء الماضي ، نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا بعنوان "العراق الحقيقي الذي عرفناه" وضعه 12 ضابطا سابقا في الجيش الاميركي خدموا في العراق. جاء في البداية :"اليوم يسجل مرور خمسة اعوام منذ التفويض باستخدام القوة العسكرية في العراق ، حيث بدأت عملية "حرية العراق".
خمس سنوات والحرب العراقية اقل عددا واقل موارد مما كانت في البداية. وخمس سنوات مضت والعراق مخضب بدماء القتلى. وكوننا ضباطا عسكريين خدمنا في بغداد وسواها ، فقد رأينا الفساد والانقسام الطائفي. نحن ندرك معنى نشر القوات على مساحة واسعة باعداد قليلة. كما نعرف متى يحين الوقت للخروج من هناك".
كيف عرف هؤلاء الجنود المخضرمين ان وقت الخروج قد حان ، مع أن القياديين الديمقراطيين الذين صوتوا لصالح شن الحرب ، لا يزالون يتحفظون في التعبير عن ارائهم حول اخراج القوات بسرعة من هذا المستنقع الذي يتعمق باستمرار؟ انهم يناورون من اجل منفعة سياسية ، ويعلمون ان اطالة أمد الحرب تضر الجمهوريين.
انها مؤامرة ساخرة تنجح فقط لأن جيشا مكونا من المتطوعين يعطي الاميركيين خيار عدم مواجهة التضحية بأنفسهم او احبائهم في حرب عبثية خاسرة.
نعم ، انها تكلف دافعي الضرائب ، لكن العاب الفيديو "هالو 3" التي يشترونها بأرقام قياسية مكلفة ايضا ، كما ان العراق بالنسبة لمعظم الاميركيين حرب غير حقيقية. حتى التكلفة تبدو غير حقيقية ، كون بوش هو اول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يخفض الضرائب في زمن الحرب ، مع النتيجة بأن اكثر من تريليون دولار في صورة التزامات طويلة الأمد لن تصبح مستحقة الدفع في زمن تولي ادارته السلطة.
لو كان هناك تجنيد اجباري لنزل الناس الى الشوارع مطالبين بوضع نهاية لهذه المذبحة التي تهدد الآن بالاستمرار لعقود. هذا بالضبط هو ما ورطنا فيه ايدولوجيو المحافظين الجدد الذين ادخلونا في هذا المأزق وبنوا عليه اوهامهم: قوة من المتطوعين يضاف اليهم عشرات الالاف من المتعاقدين (من بينهم 50 الف مرتزق مثل عناصر بلاكووتر) وشراء اسلحة غير مهمة لكنها ذات تكنولوجيا عالية وأرباح مرتفعة. ونسوا شراء دروع شخصية للجنود.
اكثر مزاعم المحافظين الجدد خداعا كانت ان العراقيين الموالين للغرب ، وحتى لاسرائيل ، المفضلين لديهم ، مثل احمد الجلبي الذي فقد مصداقيته كليا الان ، سيحكمون كعملاء للولايات المتحدة ، وأن مبيعات النفط العراقي سوف تدفع تكاليف كل ذلك. الضباط العسكريون الذين عملوا مع السكان المحليين واضحون للغاية فيما يخص النتيجة البائسة للخطة: "العديد منا شاهدوا الاستغلال لدولارات الضرائب الاميركية من قبل مسؤولين عراقيين وضباط عسكريين. التخريب والابتزاز كان لهما تأثير ضار على صناعة النفط العراقية التي ما زالت تخفق في تحقيق الايرادات التي كان مخططو الحرب في البنتاغون يأملون بان توفر الاموال اللازمة لاعادة اعمار العراق.
اما فيما يتعلق بالوهم الاخر الجاري حاليا - وهو اننا نقوم بنقل السلطة الى القوات العراقية التي قمنا بتدريبها - فقد كتب هؤلاء الضباط يقولون :"الجنود العراقيون يتركون وظائفهم ساعة يشاؤون. الشرطة تسيطر عليها الميليشيات بصورة فعلية. و.... الفساد يضعف كل شيء. ودولارات الضرائب الاميركية تثري الجنرالات الذين يخدمون انفسهم وتدعم كل العناصر التي سوف تحارب بعضها البعض بعد رحيلنا".
ان بناء امبراطورية بثمن بخس وبالوكالة لن ينجح. اذا كنت تريد واحدة ، وبالطبع معظمنا لا يريدون ذلك ، نظرا لأن عددا قليلا من القطط السمان يستفيدون من مثل هذه المغامرات الامبريالية ، فإنك بحاجة الى جيش ضخم من المجندين الزاميا. وكما عبر عنها الضباط العسكريون :"هناك طريقة واحدة فقط يمكن من خلالها ان نكون قادرين على النجاح في العراق.
من اجل استمرار عملية عسكرية بهذه القوة والمدة الزمنية الطويلة ، يتعين علينا التخلي عن جيش من المتطوعين والتحول الى الخدمة الاجبارية.
وما لم يتم تحقيق ذلك ، فإن الخيار الافضل بالنسبة لنا هو مغادرة العراق على الفور".
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
9
أين العرب مما يجري بالعراق؟
افتتاحية
الاهرام مصر
هكذا إذن أصبح العراق مطمعا لكل من يرغب في مغامرة عسكرية هنا أو هناك في أراضيه‏..‏ وربما يكون لتركيا أسبابها في غزو شمال العراق‏,‏ لكن الحقيقة المؤكدة أمامنا الآن أن الأراضي العراقية باتت مستباحة للجميع يلهو فيها من يشاء‏,‏ فبالأمس الأول جاءت امريكا‏,‏ وأمس انتشرت إيران‏,‏ واليوم تستعد تركيا هي الأخري للانقضاض لقضم الشمال العراقي‏..‏ ولا عزاء للعرب المغاوير الذين تستباح اراضيهم هكذا نهارا جهارا‏,‏ ولا حـس ولا خـبر‏..‏ كأن الارض ليست أرضهم والديار ليست ديارهم‏!‏
يا أشاوس الميكروفونات وأبطالها أين صوتكم الآن والعراق يتمزق كل يوم أمام أعينكم ؟ لماذا لم نسمع صوت مغوار واحد يقول لتركيا‏:‏ قـفي مكانك‏!‏ إن أمريكا وإيران وتركيا هم اللاعبون الرئيسيون في العراق الآن‏..‏ والضحية هم أبناء العراق اشقاؤنا الذين تسيل دماؤهم بحورا كل يوم فأين العرب؟‏!.‏ علي كل حال فليعلم الجميع أن السكين المشرعة والمتعطشة للدماء لن تفرق بين دم‏,‏ ودم فكله في النهاية دم عربي‏.‏
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
10
هل يتجرع خامنئي السُّم كما تجرعه الخميني?
العلامة السيد محمد علي الحسيني(اللبناني)
السياسة الكويت
بدأت الحرب الإيرانية العراقية وكلٌّ من الفريقين يظن أنها ستنتهي لصالحه في فترة وجيزة لا تتعدى الشهر أو الشهرين, ولكن حساب الحقل غالباً ما يناقضه حساب البيدر, والذي لم يجرب الحروب لا يحق له الكلام فيها ولا أن يخمن نتائجها, ويقول زهير بن أبي سلمى إثر حرب طالت فترة طويلة بين عبس وذبيان:
"وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ
وما هو عنها بالحديث المرجمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتَضرَ إذا ضَرَّيتموها فتضرمِ".
لم يجد الخميني ولا صدام حسين حكيماً كزهير ينبههما إلى نتائج الحرب وما تجره على البلاد من خراب ودمار وأرامل وأيتام واقتصاد ضعيف وفقر مدقع وشعوب فاقدة كل الثقة بحكامها, فتدعو الله في ظلمات الليل أن يخلصها منهم.
بدأت الحرب واتقدت نيرانها, وعلا أوارها وكلٌّ من الزعيمين متمسك بعناده حتى ذاقت البلاد والشعوب الويلات, وظهرت شعارات ما أحلاها لو صدقت وانطبقت على الواقع, فالخميني أطلق شعاره "أميركا الشيطان الأكبر" وزعيم حزب البعث كان أمله أن يحكم حزب البعث العربي العراقي العالم كله, وبعد أن اصطلى البلدان بنيران الحرب الشرسة القاسية وصل البلدان إلى معاهدة تقرر فيها وقف القتال وجاء وقت التوقيع, فوقع الخميني وهو يقول والغصة تكاد تفتك به: "أنا أجرع السم" وقَّع الخميني بعد أن تجرع كؤوس الموت ألوفا وألوفا, وبلغ الأسرى مثلهم, وأنتجت الحرب عدداً كبيراً وكبيراً جداً من الأرامل والأيتام.
وجاء الوقت الحاضر, وغير الحكام في إيران ستراتيجيتهم وقرروا القتال بأرض غير أرضهم, وبلاد غير بلادهم, وعسكر غير عسكرهم, ففتحوا نوافذ على لبنان وعلى سورية وفلسطين, وبهذه الطريقة تتحسن سمعتهم في نظرهم, ويبعدون الضربات عن بلادهم.
وحمل لواء الحرب في أيامنا هذه ولي الفقيه السيد الخامنئي وبطرق متعددة وبنفس طويل جداً, استطاع السيطرة على حزب الله اللبناني وعين السيد حسن وكيل ولي الفقيه, ودجج الحزب بالسلاح, وأغرقه بالمال ودرب رجاله في إيران وفي لبنان وفي سورية, وكان الحزب بهذه السترايتجية أداة في يد الخامنئي ومن بعده في يد الدولة الإيرانية, أقنع الحزب اللبنانيين بأنه حزب لبناني لا ولاء له إلا ولاءه لوطنه لبنان, ولكن المخفي بدأ يظهر للعيان وظهر أن للحزب ولاءين أولهما الولاء لإيران والثاني وهو شكلي للبنان.
ومضى خامنئي يتحف العالم بخطب كثيرة يسيل على كلماتها وحروف ما كتبت عليه تلك الخطب السم الناقع, واستطاع أن يؤجج النفوس ويحرضها حتى وقعت حرب تموز 2006 التي لا يزال لبنان والشعب اللبناني يذوق ويلاتها. بعد أن فقد اللبنانيون الكثيرين من شبابهم ودمرت البيوت وهجر الناس, لكن خامنئي لم يهجر ولم يهدم بيته ولم يفقد أحداً من أولاده أو أسرته.
أما في فلسطين فالوضع أقسى وأمر فالضربات الإسرائيلية الشرسة على فلسطين والفلسطينيين, والتجويع والحصار والفتك الإسرائيلي بهذا الشعب الأعزل إلا من بعض السلاح الذي جاءه من إيران, والذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
متى يتوقف الخامنئي عن تآمره على هذه الدولة الضعيفة, ومتى يعود أبناء هذين البلدين لبنان وفلسطين إلى وعيهما ويتمسك كل أبناء بلد ببلدهم وينسحب الخامنئي ويردد قول الخميني "أنا ألعق السُّم".
ونحن -العرب- نطمئنه إذا قال هذه الكلمة أو إذا لعق السُّم فعلاً أننا سنقول له: "ألف عين تبكي إلا عين أمي, وأيضاً عين أمي ولا عيني".
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
11
اختبار أردوغان الجديد..عندما تأتي المصائب من الأصدقاء
أحمـد المرشـد
الشبيبة عمان
تعيش تركيا أسوأ اختبار لها مع الولايات المتحدة والعراق في عهد حكومة رجب طيب أردوغان الجديدة، فهي حقيقة تعيش وكأنها بين فكي الرحى بسبب مقتل 13 جنديا تركيا وبعض المدنيين على أيدي متمردي حزب العمال الكردستاني التركي المحظور الذين يفرون إلى المناطق الشمالية في العراق ، وقرار لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي حول اعتبار ما حدث للأرمن في تركيا في نهاية الحرب العالمية الأولى " إبادة جماعية".
فمن جهة، أبرز التوتر الحالي بين الحكومة التركية وبين حزب العمال الكردستاني الانفصالي ، تناقضا في وجهات النظر العراقية ذاتها إلى الأزمة التي تتشابك فيها خطوط كثيرة أهمها مواقف الحكومات التركية والأمريكية والعراقية. فالأزمة الناشبة بسبب مقتل الجنود الأتراك أوضحت بجلاء هشاشة الحكومة المركزية في بغداد وضعف موقف واشنطن تجاه أي نزاع يقع فيه العراق مع أحد جيرانه.
فعلى المستوى الكردي ، استغل التحالف الكردستاني عبر أعضائه في البرلمان العراقي الأزمة لتوجيه اتهامات عدة إلى حكومة نورى المالكي المركزية بالضعف حيال ما يجري على الحدود الشمالية، وإن هذه الحكومة الضعيفة غير قادرة على ضبط الوضع الأمني على الحدود والذي هو مسئولية القوات الأمريكية والحكومة العراقية.
ليس هذا فقط، فالحكومة الكردية في الشمال استغلت حقيقة هذه الأزمة لتوجيه اتهام آخر لحكومة المالكي بسبب الاتفاق الأمني الذي أبرمته الشهر الماضي مع أنقرة بدون الاستعانة بأعضاء من إقليم كردستان العراق. وعزا السياسيون الأكراد تحفز الحكومة التركية على تصعيد العمل العسكري باتجاه أراضيهم إلى عدم إشراكهم في الوفد الأمني الذي ذهب إلى تركيا لتوقيع الاتفاق. ثم إن الأكراد ذاتهم وفي وقت لاحق وجهوا نداءا إلى الحكومة التركية بالدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة الإقليم الكردستاني كونها صاحبة الشأن والبحث معها في تخفيف التوتر على ا لحدود بين الطرفين.
بيد أن حكومة أنقرة وفي ضوء تعرضها لضغوط أمريكية خاصة بعد قرار لجنة الكونجرس، ليست أمامها سوى رفض أي وساطة أمريكية لتخفيف حدة التوتر على ا لحدود. وبات من الواضح أن التصعيد الأخير لم يكن ممكنا أن يحدث لولا قرار الكونجرس الأمريكي رغم أنه قرار غير ملزم لإدارة جورج بوش..لأنه من المعروف أن القوات ا لتركية اعتادت في الماضي الإقدام على التوغل داخل الحدود الشمالية العراقية بدون هذا التصعيد الإعلامي وكذلك شن اجتياحات من وقت لآخر لكيلومترات عديدة داخل هذه الحدود. وربما كانت حكومة أنقرة في غير حاجة بالمرة إلى هذه الأزمة مع أكراد العراق، لأنها تبغي العيش في سلام معهم وعدم الدخول في أزمات مباشرة معهم، لا سيما وأن تركيا تعلم علم اليقين مدى الدعم الأمريكي لهم في هذه الفترة ، وفي ضوء أيضا قرار غير ملزم للكونجرس الأمريكي برغبته في تقسيم العراق، مما يعنى نشوء دولة كردية ستؤلب أكراد تركيا على حكومتهم المركزية في أنقرة.
التصعيد الإعلامي بدا هذه المرة متعمدا من طرف الأتراك رغم بروز مؤشرات حول تهدئة مؤقتة على الحدود التركية- العراقية خاصة في ضوء تلميح الجيش التركي إلى عدم تلقيه بعد تفويضا حكوميا بشن عمليات عسكرية داخل شمال العراق.
وفي تقديرنا، أن صدور قرار لجنة الكونجرس الأمريكي المشار إليه ، كان بمثابة المحفز لهذه الأزمة وربما استفادت منه أنقرة لإعلان جملة من الإجراءات التحذيرية إلى الولايات ا لمتحدة وهى:
* منع القوات الأمريكية من استخدام قاعدة انجرليك الجوية، وعلينا أن نشير هنا إلى الأحاديث الأمريكية المتتالية عن قرب شن حرب ضد إيران. ومن المؤكد أن هذه القاعدة ستكون محطة مهمة وأساسية لانطلاق المقاتلات الأمريكية نحو المراكز النووية الإيرانية.
* منع الطائرات الأمريكية عموما من استخدام المجال التركي ووقف التدريبات المشتركة. ونعلم مدى خطورة هذا الإجراء على الولايات المتحدة في ضوء الاعتماد الأمريكي المتنامي على القواعد التركية لتعزيز جهودها وتواجدها في العراق حيث يوجد أكثر من 160 ألف جندي أمريكي.
* استغلال أنقرة لهذه الأزمة لمطالبة واشنطن بتكثيف ضغوطها على الإتحاد الأوروبي لقبول تركيا عضوا به، وهو المطلب التركي منذ خمسينيات القرن الماضي.
لقد شكلت تركيا منذ الحرب العالمية الثانية حلقة قوية في سلسلة أحلاف الأمريكيين في المنطقة بوصفها جدارا أماميا في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق. وارتبطت السياسة التركية بالسياسات الأمريكية في المنطقة بما في ذلك موالاة إسرائيل والتنسيق العسكري معها.. ولذلك يمكن فهم الدهشة والغضبة لدى الجماهير التركية من هذه البادرة غير المفهومة التي ارتكبها هذا الحليف الأمريكي. أضف إلى ذلك أنها جاءت أثناء مقتل 13 جنديا وأكثر من 20مدنيا تركيا في هجمات من قبل متمردي حزب العمال الكردستاني . وبينما حذرت الحكومة الأمريكية الدولة التركية من مطاردة المعتدين إذا دخلوا الأراضي العراقية ـ وذلك على الرغم من أن حزب العمال الكردي منظمة إرهابية حسب الوصف الأمريكي ، قام الكونجرس بتوجيه طعنة أخرى لتركيا في الظهر لمحاباة بعض الأرمن الذين يعيشون في الولايات المتحدة .
لب الأزمة التركية أن أنقرة في عهد أردوغان ما زالت تنظر إلى تحالفها مع أمريكا على أنه ركن ثابت من أركان سياستها الدولية والإقليمية ـ بما في ذلك علاقاتها مع إسرائيل ـ . وما زال التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي أيضا ركنا آخر من أركان الممارسة السياسية الهادئة المعتدلة التي تتجنب إلى حد الوسوسة تعبئة نفسها بمشاعر غير ودية ضد الغرب ، ولا تيأس من محاولة الحوار والتفاهم عساها تصل إلى نتيجة . وفي سبيل ذلك لم تتوان عن جمع العشب وتقديمه لثور حقوق الإنسان المقدس والديمقراطية على النسق الغربي لتحسين سجلها في حقوق الإنسان حسب مفهوم الأمريكيين والأوروبيين .
من المبكر الافتراض بأن التطورات الأمريكية الأخيرة قد تدفع الأتراك إلى إعادة النظر في سياساتهم بصورة جذرية وتحويل أنظارهم إلى الشرق وإلى الشمال أي إلى روسيا والصين والقارة الآسيوية. ولكن مثل هذه الأفكار قد تبدأ في التوارد ، لا سيما إذا توالت الإشارات الأمريكية العدائية تجاه تركيا.
وبعيدا عن أزمات تركيا ، فإن منطقة جديدة في العراق وهى شماله تعيش فوق برميل بارود ، فالحدود مع تركيا على وشك الانفجار، و أرضه مرشحة لتكون ميدان حرب كردية ـ تركية، و في نفس اللحظة ، تنكأ إحدى لجان الكونجرس الأمريكي جرحا تركيا – أرمنيا قديما لا ندرى لماذا؟!.
حقا..أنه أول اختبار حقيقي لحكومة أردوغان الجديدة، فماذا عساه يفعل لتلافي هذه الأزمة لا سيما وأن أحد أطرافها الولايات المتحدة أحد أهم حلفاء تركيا .
حقا.. لا تأتى المصائب إلا من الحلفاء. amurshed@batelco.com.bh
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
12
تاريخ طويل من »الوسخ«... في المدن العراقية? القذارة في العراق الجديد...!
داود البصري
السياسة الكويت
وباء (الكوليرا) الذي يجتاح المدن العراقية هذه الأيام ببركات و(إنجازات) قوات الإحتلال و(إبداعات) حكومة العمائم واللطميات المليونية الضخمة ليس بالأمر الجديد ولا المستحدث ولا يشكل أي ظاهرة إضافية على صعيد الوضع الإنساني العام والمتدهور في العراق?, فهذا المرض بكل إشكالياته وحواضنه البيئية هو ضيف دائم من ضيوف الصيف غير المرغوب بهم في المدن العراقية! وهو أي الوباء ذو حضور تاريخي ملموس في كل صفحات التاريخ العراقي القريبة والبعيدة? فلم يكن يخلو عام دون أن تمر الكوليرا العراقية لتحصد ما تحصد في ظل تجاهل سلطوي يثير الريبة, ولن نسبح بعيدا في تاريخ القرون الماضية وأيام الحملات الإيرانية والعثمانية وتصارعها للهيمنة على المدن العراقية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر وما تتركه من نتائج رهيبة لعل أخفها وطأة زحف الوباء بسبب القذارة ومخلفات المتقاتلين وأكل الجيف وتلوث المياه الذي هو سنة متبعة في التاريخ العراقي الحديث, حتى أن علاقة العراق بالكوليرا تستحق أن تكرس لها دراسة تاريخية وأطروحة لنيل درجة الدكتوراه في تاريخ العراق عبر القرون?, وللعوامل البيئية التي تساعد على إحتضان المرض ورعايته وإستمراريته كعنصر دائم من عناصر الحياة لفقراء المدن العراقية دور كبير, فالسلطات العراقية على إختلاف العهود والأنظمة لم تلق بالا للنظافة ولمجمل الظروف البيئية أبدا وكانت لجهالتها وضحالتها تعتبر النظافة رجس من عمل الشيطان, فالنظام البعثي البائد رغم تمسكه بالشعارات الإشتراكية وتبنيه لصيغة العمل الشعبي وحيث يخرج الطلاب لتنظيف وترتيب الحدائق في إستعراضات سلطوية سخيفة لم يكن يوفر شبكات الماء النظيف ولا شبكات الطاقة الكهربائية وكان الريف العراقي رغم سنوات التنمية الإنفجارية أواخر السبعينيات من القرن الماضي يعيش في أردأ حال وفي ظل قذارة تاريخية لا حدود لمدياتها, فالزائر لمدن مثل الناصرية (ذي قار) مثلا يرى الوساخة وقد تراكمت بل يرى ساحل الفرات وقد تشبع ببقايا الفضلات الحيوانية والبشرية بشكل مقزز! ومن هناك تحديدا كانت الكوليرا تفرض وجودها كل عام في كرنفالها السنوي, وحتى مدن كبيرة ومهمة مثل (البصرة) كانت ولا زالت وستبقى الكثير من أحيائها السكنية تحت رحمة المياه الثقيلة أي مياه المجاري والصرف الصحي التي تطفح فوق الأرض مشكلة مشهدا سورياليا من المياة السوداء (السيان) كما يطلقون عليه في العراق يتحدث عن إنجازات البعث الخالد!!, وكانت أحياء مثل (حي الحسين) و(الجمهورية) و(خمسة ميل).. والعديد العديد من المناطق مسرحا للبرك والمستنقعات الوسخة وللحيوانات الضالة من كلاب وغيرها, أما الروائح (الزكية) في حر الصيف العراقي فحدث ولا حرج? وطبعا فاتني أن أذكر بأزمة المياه الصالحة للإستعمال البشري التي كانت تقطع نهارا ولا تأتي إلا خجولة ليلا!! في وسط مدينة البصرة القديمة! وكذلك أزمة إنقطاع التيار الكهربائي الذي يقطع في عز الظهيرة العراقية الحارقة ويعود وجلا وخجلا في المساء!! وكلامي هذا يعود لمرحلة ما قبل الحصار الدولي الذي أعقب غزو الكويت, لقد كانت الدولة العراقية بأسرها لا تلقي بالا للنظافة أبدا يساعد على ذلك فوضى التخطيط العمراني في العراق والهجرة الواسعة من الريف للمدينة التي أعقبت إنقلاب 14 تموز 1958 وساهمت في (تريف) المدن العراقية ونقل الريف العراقي المتأخر والمتخلف بكل أعرافه لداخل المدن العراقية ومعيشة الحيوانات مع الناس في الأحياء العشوائية التي ظهرت لتطوق المدن العراقية الكبرى في ضوء ضعف وسقم الحكومات العراقية المتعاقبة المشغولة بالصراع الدموي للحفاظ على السلطة بعيدا عن متبنيات وأسس بناء الدولة العصرية الحديثة, فلم يجلب الحكم العسكري الإنقلابي للعراق سوى الكوارث التاريخية خصوصا بعد أن تحول لسلطة عشائرية سقيمة ثم فردية عقيمة إستطاعت أن تسرق العراق بأسره بل وتشكل ملامح الصورة العراقية العامة, لقد زرت وتجولت وعايشت العديد من مدن العالم الشرقي أو العربي فلم أجد وساخة أكثر مما وجدته في المدن العراقية, لقد عشت في مدينة (قم) الإيرانية وتجولت في مدن إقليم الأهواز العربي وذهبت لأقاصي القرى الصغيرة في إقليم فارس أي خارج مدينة شيراز الإيرانية فلم أر أو أسمع أو أشاهد مشاهدا للقذارة مثلما شاهدته في المدن العراقية للأسف, وغربا تجولت في مدن الصفيح المغربية والتي رغم بؤسها وأوضاعها المزرية أذهلتني بحجم نظافتها وبحرص سكانها على توفير الحد المقبول من الظروف البيئية لكي تصلح للسكن البشري! في ذلك السكن العشوائي والتي تسمى هناك ب (البراكات) تجد كل وسائل النظافة فالدولة توفر الماء النظيف من خلال سقايات موجودة في كل قاطع والسكان يزرعون الورود وينظفون بيوتهم وأمام بيوتهم!! وبما يخلق حالة طبيعية يمكن التعايش معها ومسؤولية أخلاقية وضميرية يتحملها المواطن بكل حب وتلقائية ودون تبرم وجهود الدولة المغربية فاعلة من أجل القضاء على ظاهرة السكن العشوائي رغم الظروف الإقتصادية الصعبة وعدم وجود فوائض الأموال البترولية في المغرب بالشكل الذي تتوفر فيه في العراق? ومع ذلك فلا وجه للمقارنة بين ظروف السكن في المدن العراقية المنهكة وبين ظروف البلدان الأخرى المشابهة تقريبا لظروف العراق.
بعد سقوط نظام البعث العراقي كانت الصورة في المدن العراقية سوريالية تعكس حال البؤس العراقي الشامل فالمدن وقد خرجت من رماد الحروب كانت تعج بمشاهد سوريالية فالناس قد زحفوا ليسكنوا مع حيواناتهم في معسكرات ومقرات ومراكز الجيش العراقي السابق الراحل!! وتسمع أصوات الدجاج والحمير في قلب الأحياء الراقية والنوادي تحولت لزرائب حيوانية!! والطريف أن قوات التحالف كانت تقوم إضافة لمهامها الحربية بتنظيف الشوارع في البداية!! فلما جاءت الحكومات العراقية المحروسة والتي تشكلت بعد الإنتخابات تراجعت الخدمات الصحية والبشرية بشكل مروع لأن الوزارات الخدمية تحولت لأعطيات ومصالح طائفية, فوزارة الصحة مثلا هيمن عليها (الصدريون)!! وتحولت لمسلخ بشري ولمزبلة حقيقية وهؤلاء لا يعرفون من الحياة شيئا سوى الخرافة!! وكذلك الحال مع بقية أحزاب التدين المزيف والتطيف السخيف وتحولت العملية لسلب ونهب لأموال الدولة مع تصاعد العمليات المسلحة والإرهابية والإنتقامية التي جعلت العراق واحدا من أفشل دول العالم, اما بقية الوزارات الخدمية فكانت أوضاعها لا تقل مأساوية في ضوء تركيز هموم المواطن العراقي على شيء واحد وهو الهرب والرحيل بعيدا عن العراق ومصائبه حتى تحول اللجوء العراقي لواحدة من أكبر موجات النزوح البشري في القرن الحادي والعشرين, فالشعب كله قد قرر الرحيل غربا وشمالا ولو ترك الخيار للعراقيين لما بقي أحد في العراق بل حتى الحكومة العراقية ذاتها سترحل بعيدا وتتشكل ربما في (ساحل العاج)!!, مشكلة النظافة في العراق لا يقررها إلا نظام سياسي نظيف وصحي يعيد ترتيب الأولويات ويفرض قوانين بيئية صارمة? ويبدو أن هذه الحكومة لن تكون موجودة قبل ظهور المهدي!!!... فعلينا الإنتظار.. إنه زمن الوساخة العراقية الأكبر... أليس كذلك?
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
13
الفدرالية التي تكرس الانقسام
محمد مثقال عصفور
الراي الاردن
الحديث عن قرار الكونغرس الأميركي لتنفيذ الفدرالية في العراق على الأساس الطائفي والعرقي والمذهبي يتصل بأبعاد ثلاث منها ما يقع في الماضي القريب ومنها ما يقع في الواقع المعاش ومنها ما يقع في استشراق المستقبل المنتظر ، ففي بعد الماضي القريب فان الاستعمار البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية وابان فترة منح الاستقلال اتبع نمطا ملحوظا هو أنه ترك في كل مكان استراتيجي خرج منه نقطة ساخنة عالقة وقابلة للانفجار بحيث تكون بمثابة عقبة كأداء أمام استقرار اقليم معين أو دولة معينة ، وهناك من الشواهد والأمثلة على ذلك الكثير الكثير بدءا بكشمير بين الهند والباكستان وانتهاء بوعد بلفور وزرع الكيان الصهيوني في فلسطين. هذه السياسة البريطانية القائمة أصلا على نظرية فرق تسد والتي أصبحت من دروس الماضي ثم اعادة احيائها من جديد عندما وصل الامر بالامريكان في العراق الى وضع لا بد معه من ايجاد مخرج يبقى العراق خارج معادلة الصراع الاقليمي ويضعف مقدراته وينهي وزنه النوعي وبالتالي يكرس أهداف الاحتلال دون وجود لوجستي للاحتلال على أرض العراق.
أما البعد الثاني والمتعلق بالواقع المعاش فان المشهد الراهن للامريكيين في العراق هو بمثابة شهادة يومية مستمرة على اخفاق المخطط الاميركي ليس في العراق فحسب بل في كل المنطقة الشرق أوسطية ، فالشرق الأوسط الجديد مسقط وبجدارة لا بل ان الفاتورة الحقيقية للخطأ الاميركي الذي تم ارتكابه باحتلال العراق وببقاء الاحتلال قائما هو تمرير الملف النووي الايراني والذي هو من الناحية الاستراتيجية أكثر أهمية من أي هدف مصلحي نفطي للاميركان في العراق ، وبالتالي فان الفدرالية التي يريدها الاميركان للعراق هي لايقاف دفع هذه الفاتورة وخلق مراكز قوى متناحرة تحت غطاء الدويلات المتضاربة المصالح رغم ارتباط هذه الدويلات بالضرورة بالادارة الاميركية من قبيل تحصين ذاتها والاستقواء بهذه الادارة على الدويلات الأخرى ، فعندها يكون هذا الواقع بهذا المشهد ليس فقط مخرجا بل تكريسا أيضا لحالة الاحتلال والتبعية الشديدة.
أما البعد الثالث في استشراق المستقبل فهو أن هذا القرار الفدرالي يسعر لخلق مراكز نفوذ اميركية في المنطقة وتكون هذه المراكز عونا لتمرير المخططات الاميركية القادمة من جهة ونقطة ارتكاز مهمة لاعاقة أي توجه في المنطقة لعرقلة المخطط الاميركي اضف الى ذلك تغيير معطيات اللعبة بحيث تضاف أوراق جديدة تقوي الجانب الاميركي في تعاطيه مع الملف النووي الايراني وتشكل عنصر تهديد واضح للمصالح الايرانية ولايران بشكل مباشر.
هذه الفدرالية الاميركية هي ذاتها الديمقراطية الاميركية التي جاءت على ظهر الدبابة ومن خلال الاحتلال والقمع وبالتالي فاذا كان الواقع يوحي بأن العراق عمليا ممزق ومبعثر طائفيا ومذهبيا وعرقيا فلأن العراق يمر بأزمة وبأكثر حالات ضعفه وان الذي يغذي ويعمق كل هذه الشرذمة هو الاحتلال ذاته وأن الشعب العراقي قادر على أن يعود الى مربع الوطن ومظلة العراق الواحد لمجرد أن تزول الغمة ويزول كابوس الاحتلال وان المراهنة على هذا التقسيم أو تلك الفدرالية فهي في النهاية مراهنة من يملكون أدوات التقسيم ومصالح التقسيم لكنها قطعا ليست الشعب العراقي الملتف حول قواسم مشتركة وجوامع لا زالت رغم كل شيء أقوى كثيرا من عوامل التقسيم والفدرالية.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
14
الفرق بين ألمانيا والعراق
د. زيد حمزة
الراي الاردن
لست هنا لأعقد مقارنة بين المانيا والعراق من الناحية الجغرافية أو التاريخية أو عدد السكان أو الظروف الاقتصادية فذلك من سقط الكلام، ولست لأقارن بينهما على الطريقة التي تطفو على المناقشات العربية بين الحين والآخر من أن العراق هو بروسيا الشرق وأن جيشها كان كجيش بسمارك، لكني أحدد المقارنة ''باحتلال'' كل منهما من قبل نفس القوى، فقد احتلت أميركا و''الحلفاء'' ألمانيا عام 1945 بالانتصار عليها في الحرب العالمية الثانية واحتلت أميركا ''وقوات التحالف'' العراق في حرب خاطفة عام 2003.
ماذا حدث لألمانيا بعد ذلك وماذا حدث لصنوها العراق!؟ نتجاوز تقسيم الاولى، ونتحدث عن واقع الاحتلال الذي غادرت قواته ألمانيا الغربية بعد حين لكنها تركت فيها قواعد عسكرية ضخمة بحجة الدفاع عنها ضد هجوم سوفيتي محتمل وبقيت '' تعمل '' حتى اليوم ولا ندري إذا كانت تشكل للألمان حرجا أو إهانة! أما في العراق فالقوات المحتلة لم ترحل بعد مضي أربع سنوات وجرى - بعيداً عن الاضواء - انشاء قواعد عسكرية اميركية ضخمة، كما أن الحديث عن الانسحاب سوف ينتهي كما يقول العسكريون بالاتفاق على جدول زمني تحدده قدرة القوات العراقية الجديدة على حفظ الأمن لكن القواعد العسكرية.. باقية! هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى التي تتعلق بحياة الشعبين الألماني والعراقي بعد الاحتلال فالمقارنة صارخة، إذ نَعِمَ الأول باغداق المعونات عليه في مشروع مارشال وغيره حتى استعادت المانيا بناء نفسها فبلغت في غضون سنوات قليلة مستوى من الازدهار فاق الدول الاوروبية التي شاركت في احتلالها! ونُكبَ الثاني اي الشعب العراقي بنهب ثروته النفطية وسرقة كنوزه وآثاره وتسريح جيشه وحرمان أطفاله من المدارس وتدمير مستشفياته وهرب أطبائه بالآلاف واطلاق الفتنة الطائفية بين فئاته وترويع أهله والتخلي عن أمنهم لعصابات القتل والسلب والخطف والابتزاز والتعصب ما ادى لهجرة اربعة ملايين من مواطنيه الى الداخل أو الخارج (سوريا والأردن على الاكثر).
هكذا يتضح الفارق بين '' حالتي '' ألمانيا والعراق، مع اختلاف اسباب الاحتلال، فألمانيا احتُلت لأنها اعتدت على جاراتها الأوروبيات، أما العراق فلم تكن معتدية لكن سياسة الحرب الاستباقية التي أخترعها المحافظون الجدد كانت المبرر لاحتلالها بعد اتهامها بامتلاك اسلحة الدمار الشامل حتى لا تعتدي على غيرها خصوصا إسرائيل! كما ينبغي التذكير هنا بان احتلال ألمانيا لم يكن لتخليص شعبها من حكم نازي دكتاتوري غاشم في حين استُخدم ذلك المنطق في احتلال العراق لتخليص الشعب من دكتاتورية صدام وحزب البعث مع أن أصحاب هذه الذريعة أيدوا أنظمة حكم دكتاتورية عديدة في العالم أو غضوا النظر عنها! وبعد.. لماذا هذه المقارنة ؟ إنها محاولة لفهم ما تتحدث عنه بعض الصحف العالمية من انكشاف خديعة المحافظين الجدد أصحاب نظرية التدمير الخلاق Creative Destruction الذين اوهموا الادارة الأميركية بأن ما حدث ويحدث للعراق هو من أجل خير العراقيين إذ سيخرجون من هذا الجحيم شعباً جديداً '' ديمقراطياً '' يساهم في تقدم الحضارة البشرية! ومن المؤسف أنهم أي المحافظين الجدد - ولو تفككت بعض أوصالهم - مازالوا مؤثرين وفاعلين داخل الادارة الأميركية، وما زالوا محاطين بكل زخم اللوبي الاسرائيلي ودعم الكنيسة الايفانجليكية الاميركية، وما زالت إسرائيل هي المستفيدة الاولى من التدمير ''غير الخلاق'' وهي تتمنى أن يتسع ويمتد ليشمل باقي الدول المحيطة بها وصولاً الى ايران بل ايران اولاً! ملحوظة: لمزيد من المعلومات حول نوايا ضرب ايران راجع تقرير سايمور هيرش في النيويوركر ومقابلته مع Democracy Now وتصريحات جون بولتون المطاِلب بعودة الولايات المتحدة لسياسة الاطاحة بالحكومات!.zaidhamzeh@wanadoo.jo
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
15
الغزو التركي لشمال العراق.. ماذا يعني؟
فيليب وليامز
الوطن قطر
تهدد تركيا في هذه الايام باجتياح شمال العراق، ويحمل تنفيذ هذا التهديد في طياته مخاطر تعقيد الجهود التي تبذلها الحكومة المركزية في بغداد. الهجمات التركية ستشكل ايضاً مصدر تهديد للقوات التركية التي سترسل إلى مناطق جبلية وعرة لتقاتل قوة من رجال حرب العصابات الذين يعملون في هذه المنطقة منذ سنوات ويعرفون مداخلها ومخارجها معرفة جيدة.
البرلمان التركي اعطى موافقته للحكومة على القيام بالاجتياح، وهذا لا يعني بالضرورة اشتعال الحرب غدا. فهذه الموافقة قصد منها تهدئة الشارع التركي الذي يطالب بالرد، وممارسة الضغوط من جهة اخرى على الحكومة العراقية والولايات المتحدة للتحرك لمنع حزب العمال الكردستاني من تكرار هجماته او تصعيدها. هذا الحزب الكردي يقاتل من اجل منح الاماكن التي يقيم بها الاكراد الحكم الذاتي، وقد صنفته الولايات المتحدة بأنه منظمة ارهابية.
تعبر قوات الحزب بصورة روتينية حدود شمال العراق مع تركيا لشن هجمات في العمق التركي وقتل الجنود ورجال الشرطة الاتراك. ووجود قوات الحزب لا يقتصر على الجانب العراقي من الحدود، بل يمتد إلى داخل تركيا نفسها. وكان قد تم تأسيس هذا الحزب في السبعينيات.
الحكومة العراقية دعت لإجراء محادثات مع تركيا وارسلت نائب الرئيس إلى انقرة. ويصر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على حق تركيا في الدفاع عن نفسها، ومع ذلك سعى إلى تبديد المخاوف بحدوث هجوم تركي وشيك وقال «ان اعطاء البرلمان لموافقته لا يعني ان الاجتياح سيتبع ذلك، ولكننا سنتصرف في الوقت السليم والظرف المناسب».
الغزو التركي المحتمل لشمال العراق يسبب المزيد من المشاكل لبغداد التي تعاني من صراع طائفي دموي ومقاومة لا تستكين ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة. والغزو سيؤثر سلبياً دون شك على اسواق النفط الدولية. فقبل ايام قليلة وصل سعر برميل النفط إلى رقم قياسي وهو 61‚87 دولار. ويلقي المتاجرون بالنفط اللوم في هذا الارتفاع على التهديدات التركية.
يصدر العراق بعض نفطه عبر خط للانابيب إلى تركيا وتحديداً إلى ميناء جيهان الواقع على البحر الابيض المتوسط. ويأمل ألا يتعرض هذا الخط لتدمير اجزاء منه اذا ما نفذت تركيا تهديداتها، كما حدث ذلك اكثر من مرة داخل الاراضي العراقية. وخط الانابيب هذا قادر على نقل 500 ألف برميل في اليوم.
أي عملية عسكرية ستشكل ايضاً تهديداً لتركيا، فالمقاتلون الاكراد التابعون لحزب العمال الكردستاني يصل عددهم في منطقة شمال العراق حسب تقديرات المخابرات الغربية إلى 3 آلاف مقاتل وهم يتواجدون في منطقة وعرة للغاية. ويبدو انهم أعدوا انفسهم بصورة جيدة للتصدي للقوات التركية، حيث غادروا تحصيناتهم الكبيرة المعروفة واستعاضوا عنها بمخيمات ومعسكرات صغيرة ومخفية لا يمكن الوصول اليها عبر الوديان.
اي هجوم تركي قد يوقظ العداوات القديمة بين الاكراد والاتراك وتحويل الهجوم التركي إلى نزاع حدودي مستمر. شمال العراق يعيش نوعين من الاستقلال الفعلي وهو امر يخيف تركيا حتى لا يسعى اكرادها لتقليد اخوانهم في العراق.
بعض القادة الاكراد تتقاطع مصالحهم مع حزب العمال الكردستاني وهم يستنكرون علناً العنف الذي يمارسه الحزب ويطلبون من قياداته الاعلان عن وقف لاطلاق النار مع تركيا. في المقابل نجد ان هؤلاء القادة لم يفعلوا شيئا لمنع تحرك مقاتلي حزب العمال داخل مناطقهم. ويعود السبب في جزء منه إلى ان معظم المقاتلين الاكراد التابعين للقيادة الكردية في شمال العراق قد ارسلوا لحراسة الحدود ومنع تسلل السنة العرب لدعم اخوانهم في العراق.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
16
مؤتمرات جوار العراق: من يحمي من؟
كاظم الموسوي
الراية قطر
مؤتمرات وراء مؤتمرات لدول جوار العراق الجغرافية والمحتلة، مؤتمرات وزراء وخبراء وبيانات، ولجان تتوالد من لجان والاحتلال متواصل وكل ما بحث ويبحث مفقود ولا امل في تغييره نحو ما يخدم به العراق ولا جواره، كما تبدو عليه وقائع الحال وحقائق المآل. اين ستذهب جهود هذه المؤتمرات ولماذا تعقد اذن؟. وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط اعلن أن اجتماع وزراء خارجية دول جوار العراق الموسع الذي يوجد اتجاه لعقده يومي الثاني والثالث من نوفمبر المقبل في اسطنبول سيتابع شكل الوضع الداخلي في العراق وكيفية مساعدته وتقوية وجود الأمم المتحدة ودورها في العراق. واضاف ان اجتماع اسطنبول سيبحث في نتائج اجتماعات اللجان الثلاث التي تم تشكيلها في مؤتمر شرم الشيخ في شأن العراق وهي لجان الأمن والطاقة واللاجئين. وأشار الي أنه سيتم كذلك خلال الاجتماع متابعة نتائج الاجتماع الوزاري الذي عقد في نيويورك بمشاركة نحو ثلاثين وزير خارجية في شأن العراق والذي دعت اليه سكرتارية الأمم المتحدة. وتوقّع (وزير خارجية الحكومة العراقية، الموظف الدائم، استقبل ببغداد اربعة سفراء امريكان ومثلهم بريطانيين طيلة سنوات الاحتلال الاكثر من اربع سنوات ونصف) أن يكون اجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي والدول الكبري المقرَّر عقده في العاصمة التركية، أنقرة "الأهم علي الإطلاق من بين الاجتماعات العشرة لوزراء دول الجوار" التي عُقدت منذ الاحتلال عام 2003، والتي وصفها بأنها "كانت تقتصر علي إلقاء التحيات وتنتهي ببيانات ختامية تنصّ علي إعلانات نوايا وعلي التضامن مع العراق". وكشف، في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس"، عن أنّ وزراء خارجية الولايات المتّحدة وإيران إلي جانب السعودية ومصر وتركيا وفرنسا وروسيا سيحضرون الاجتماعات التي ستعقد يومي 2 و3 من الشهر المقبل. (متفقا مع ابو الغيط في الموعد الذي قرر سلفا لهما ومختلفا معه في المكان، بين اسطنبول وانقرة، فايهما سيكون الخبير؟ ام انه خطأ الوكالة؟).
كان قد شارك في المؤتمر الذي عقد في بغداد اثنان وعشرون وفدا من الدول المجاورة وبلدان مجموعة الدول الصناعية ودائمة العضوية في مجلس الامن وغيرهم، بمعني كل الدول صاحبة الامر والاشكاليات المطروحة، واغلبها المتحالفة مع دولة الاحتلال الرئيسية، ومثلهم او انفسهم من شارك في المؤتمرات السابقة، التي قيّمها (ممثل) العراق، في مقابلته. ومع ذلك تضمنت ورقة عمل مؤتمر بغداد تشكيل أمانة عامة دائمة تضم ممثلين عن دول الجوار ومناقشة مسائل رئيسية تتعلق بقضايا الامن الاقليمي وكيفية السيطرة علي الحدود مع العراق ومشاكل النازحين العراقيين داخل البلاد وأولئك الذين اضطروا الي الهجرة الي دول الجوار، وقضايا الطاقة والمياه، كما ورد ذكره.
هل وجدت القضايا المطروحة حلولا ومرت عليها فترات زمنية كافية لها او لبعضها علي الاقل؟. من يسمع او يقرأ ما يصرح به المسؤولون الموظفون في بغداد يعجب عن استقرار الاوضاع واستتاب الامن واسس تبادل المصالح المشتركة وحسن الجوار، ولكنه لا يجد مثالا صريحا لها علي ارض الواقع، بل العكس من هذه الاقوال هو القائم فعلا وهو الذي يدفع باستمرار هذه المؤتمرات ولا نتيجة وافية منها، خصوصا اذا تواصلت الحالة علي هذا المنوال. كلمات وتصريحات والوقائع اليومية متخالفة مع الخطابات المعسولة، التي يرددها من هو في وظيفته الرسمية ولاجلها وحسب. في الوقت الذي كشفت مصادر قريبة من المؤتمر ان اطرافه لا تجد فيه ما يحميها من هذا الكلام الذي يقال فيها، فمثلا ذكرت انزعاج الوفدين السوري والايراني من تكرار اتهامات الحكومة العراقية لبلديهما وعدّاها ترديداً لتهم أمريكية، والوفد التركي طالب بالايفاء بوعود "تصفية وجود حزب العمال الكردستاني في العراق" وتشديده علي التعامل مع الحكومة المركزية في بغداد كصاحبة القرار السياسي في شئون تعدها انقرة ذات صلة تركية استراتيجية. وقالت المصادر ان وفوداً اخري أشارت الي ان هناك خللاً في التصدي لما اسمته بالمليشيات التي حملوها مسئولية العنف الطائفي، وفق لغة النشر والاعلام الرسمي والمقصود سلفا. واتهامات متنوعة توزعتها تصريحات متعددة قبل المؤتمر وبعده لدول مشاركة فيه ولحسابات اخري خارج اطار نقاشات اللجان وبياناتها الختامية غير المعلنة، ولاسيما ضد سوريا وايران من دون دول الجوار الاخري وتشترك آلة الاعلام العسكري الامريكي بقوة في شحن هذه الاقوال. وفي مقارنة ما اورده المسئولون العراقيون عن المؤتمر وما رغبوا في التوصل له منه لا يتقابل مع قدراتهم او امكانات التطور وصولا الي الاهداف المرجوة منه وتناقضاتها مع وقائع الاحداث وقرارات الميدان.
وابرز ما يوضح ذلك ما شهدته بغداد حين عقد المؤتمر فيها من اجراءات امنية مشددة، من اغلاق معظم الجسور في العاصمة، حتي منع حركة السير قرب مكان الاجتماع. هذا اضافة الي ان بغداد تحولت الي جدران كونكريتية عازلة بين احيائها، والي اسوار شائكة وقوافل من سيارات وجنود مدرعين وساعات منع تجول، فضلا عن النقص الصارخ في كل الخدمات، وابرزها تلك التي تبحث في مثل هذه المؤتمرات، منذ بدء الاحتلال.
اعمال هذه الوفود واللجان والاجتماعات لخصها تقرير حال الاحتلال، الذي قدمه الجنرال الامريكي قائد قوات الاحتلال العسكري ديفيد بيتريوس والسفير- المندوب السامي ريان كروكر، الي البنتاغون والكونغرس واعتبر ما تم وينشده المؤتمر نجاحات لمخطط الاحتلال واستمراره، بما يجعل هذه المؤتمرات ولجانها هامشا صغيرا بعيدا عن اقوال مضيفي المؤتمر واحلامهم ومشاريعهم الهزيلة ازاء وقائع ما يحصل في العراق من جراء القضية الاساسية المنسية في هذه المؤتمرات، قضية الاحتلال والاستعمار الجديد.
قد يكون ساخرا الحديث عن مؤتمرات جوار العراق، وتذكر مسرحية زيارة الرئيس الامريكي لمحافظة عراقية، بطريقة التسلل السري والخداع الاعلامي، واستدعاء المسئولين العراقيين اليه. وما حصل بعد تلك الزيارة، يفضح اوهام ادارة بوش واستراتيجياتها الفاشلة وعمق الورطة التي وصلت اليها.
تقارير المنظمات الدولية، التي تنشرها وسائل الاعلام بكل اللغات، تكشف الوقائع التي تفضح هذه المؤتمرات ولجانها وتبين الكارثة الحقيقية التي يقوم الاحتلال بها وتداعياته المستمرة، وتقول بلسان صريح بدون تحديد مسئولية الاحتلال عن كل ما يجري بالعراق، والعمل علي انهائه بكل السبل والوسائل المشروعة، تبقي المؤتمرات وسيلة للعلاقات العامة، او الباحثة عن حمايات من خارجها، والتفرج علي الكارثة، التي صورها اليومية في الماساة الشعبية والوطنية والتفريط في الامن والسلم وحقوق الاجيال وثرواتها، وبالتالي لا تخدم المصالح الوطنية والقومية ولا تنفع الشعوب كثيرا.k_almousawi@hotmail.com
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
17
انه النفط
جيم هولت
لندن ريفيو أوف بوكس
العراق «لا يُقهر»، «مستنقع»، «إخفاق تام»: هذا لسان حال الرأي السائد. غير أنّ سبباً وجيهاً يدعو إلى الاعتقاد بأنّ ما ذُكر، من وجهة نظر الثنائي بوش ــــــ تشيني، لا يجسّد حقيقة الوضع. حتماً قد تكون الولايات المتحدة «عالقة» تماماً حيث يريدها بوش وآخرون، ولهذا السبب ليس هناك من «استراتيجية للخروج من الأزمة». فالعراق يمتلك 115 مليار برميل من الاحتياط النفطي، أي ما يفوق ما تملكه الولايات المتحدة بخمسة أضعاف. وبسبب عزلته الطويلة، هو أقلّ الدول النفطية استكشافاً لهذه المادة، إذ حُفر ما يقارب ألفي بئر فقط في البلاد كلّها، في حين أنّ مليون بئر حُفر في تكساس وحدها. وقد قدّر مجلس العلاقات الخارجية الأميركية أنّ العراق يملك ربما نحو 220 مليار برميل من النفط غير المكتشَف، فيما رفعت دراسة أخرى الرقم إلى 300 مليار. إذا كانت هذه التقديرات قريبة من الواقع إلى حدّ ما، تكون القوات الأميركيّة الآن قابعة في منطقة تحوي ربع الموارد النفطية في العالم. أما قيمة النفط العراقي، وهو بترول خام فاتح اللون ذو كلفة إنتاج منخفضة، فستبلغ 30 تريليون دولار بحسب الأسعار السائدة حالياً. ويُذكر، للمقارنة فقط، أنّ الكلفة المتوقّعة لاجتياح/احتلال الولايات المتحدة للعراق تقارب تريليوناً واحداً.
قانون النفط العراقي
من سيحصل على نفط العراق؟ أحد «الاختبارات المعياريّة» التي تجريها إدارة بوش للحكومة العراقية هو المصادقة على قانون يقضي بتوزيع العوائد النفطية. وتتخلّى مسودة القانون، التي كتبتها الولايات المتحدة للهيئة التشريعية العليا العراقية، عن كلّ النفط تقريباً لمصلحة شركات غربية، فتبقى شركة النفط الوطنية العراقية مسيطرة على 17 من أصل 80 حقلاً من حقول النفط الموجودة، ما يترك الباقي ــــــ بما فيه النفط الذي لم يُستكشف بعد ــــــ تحت سيطرة شركات أجنبية لمدة 30 عاماً. بعدما سُرِّبت مسودة القانون إلى الإعلام، كتبت المحلّلة أنطونيا شوهاز في صحيفة «نيويورك تايمز» في آذار الماضي: «لن تضطرّ الشركات الأجنبية إلى توظيف أرباحها في الاقتصاد العراقي، وهي لن تستطيع حتى تجاوز حالة «عدم الاستقرار» الحالية التي يعيشها العراق بتوقيع عقود الآن، فيما الحكومة العراقية في أضعف حالاتها، وسيكون عليها الانتظار سنتَين على الأقل قبل أن تطأ أقدامها البلد».
وعندما توقّفت المفاوضات حول قانون النفط في أيلول الماضي، وقّّعت الحكومة المحلية في كردستان اتفاقاً منفصلاً مع شركة النفط المتمركزة في دالاس «هانت أويل»، التي يرأسها حليف سياسي وثيق القربى بالرئيس بوش.
كيف ستحافظ الولايات المتحدة على سيطرتها على النفط العراقي؟ سيتمّ ذلك عبر إقامة قواعد عسكرية دائمة في البلد. وفي هذا السياق، يتمّ الآن إنشاء خمس قواعد عملاقة تتمتّع باكتفاء ذاتي، أصبحت كل واحدة منها في مرحلة مختلفة من البناء. وهي جميعها بعيدة جداً عن المناطق المدنية حيث يموت معظم الجنود. غير أنّ قلّة ثمينة فقط من التحقيقات نُشرت عن هذه القواعد في الصحف الأميركية التي لا يستطيع مراسلوها التجول بحرية بسبب الظروف الخطيرة. في شباط من العام المنصرم، وصف مراسل الـ«واشنطن بوست» طوماس ريكس إحدى هذه القواعد، وهي قاعدة «بلد» الجوية الواقعة على بُعد أربعين ميلاً شمالي بغداد، بأنها «ضاحية أميركية محصّنة جداً وسط الصحراء العراقية، وتضمّ مطاعم للمأكولات السريعة وملعب غولف مصغَّراً وسينما، وتجاورها مناطق مميزة»، من بينها منطقة «كاي بي أر»، المسمّاة تيمّناً باسم الشركة التابعة لشركة «هاليبورتن» التي قامت بمعظم أعمال البناء في القاعدة. وعلى رغم أنّ عدداً قليلاً من الـ20000 جندي أميركي المرابضين هناك أقاموا اتصالاً مع مواطنين عراقيّّين، تُعتَبر حركة مدرج القاعدة من بين الأقوى في العالم. وقد قال ضابط في القوات الجوية لريكس إنها «تأتي في المرتبة الثانية بعد هيثرو في لندن».
كانت وزارة الدفاع تتكتّم عن هذه القواعد في البداية. فقد قال دونالد رامسفيلد عام 2003: «لم أسمع يوماً، حسب ما أذكر، بمناقشة تتعلق بقاعدة عسكرية دائمة في العراق في أيّ اجتماع». ولكن في هذا الصيف، بدأت إدارة بوش تتكلّم بصراحة على إبقاء الجنود الأميركيّين في العراق للسنوات أو حتى للعقود المقبلة. وأخبر العديد من زوار البيت الأبيض صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ الرئيس نفسه أصبح مولعاً بالإشارة إلى «النموذج الكوري». وعندما صوّت مجلس النواب على منع تمويل بناء «قواعد دائمة» في العراق، اختير مصطلح جديد هو «قواعد ثابتة».
سفارة بمساحة البنتاغون
ولكن هل ستستطيع الولايات المتحدة المحافظة على وجود عسكري غير محدّد الأمد في العراق؟ سوف تدّعي وجود مبرّر، يمكن تصديقه ظاهرياً، لبقائها هناك ما دامت الحرب الأهلية قائمة، أو حتى يتمّ القضاء على كل مجموعة صغيرة تطلق على نفسها، وبشكل يلائم الولايات المتحدة، اسم «القاعدة». قد تفقد الحرب الأهلية من حدّتها تدريجاً مع انسحاب السنّة والشيعة والأكراد إلى مناطق منفصلة، ما يقلّل من مساحة الاحتكاك الطائفي بينهم، ومع تعزيز القادة العسكريّين سلطتهم المحليّة. وسيكون نتيجةَ ذلك التقسيمُ الحاصل فعلياً على أرض الواقع. ولكن هذا التقسيم لا يمكن أن يقوم أبداً على أساس قانوني (فقد تستاء تركيا من وجود كردستان مستقل في الشمال، وإنّ منطقة شيعية في الجنوب قد تصبح تابعة لإيران، ومنطقة سنية مستقلة في الغرب قد تؤوي «القاعدة») وستحكم هذا العراق «المبلقن» حكومة فدرالية ضعيفة في بغداد، تدعمها وتشرف عليها سفارة أميركية بمساحة وزارة الدفاع الأميركية هي قيد الإنشاء حالياً. أما بالنسبة إلى عدد الجنود الأميركيّين المتمركزين بشكل دائم في العراق، فقد أعلم وزير الدفاع روبرت غيتس الكونغرس في نهاية شهر أيلول، أنّه يعتقد أنّ القوّات التي ستبقى لأمد طويل تتألّف من خمسة ألوية قتالية أي ربع الرقم الحالي، ما يعني أن عدد الجنود سيكون (مع مجموع الموظّفين الذين يوفرون احتياجاتهم) 35000 جندي حدّاً أدنى، وقد يرافقهم عدد مساو من المقاولين الجشعين. (ربما كان يعطي رقماً خاطئاً حياءً، بما أنّ كل واحدة من القواعد العملاقة الخمس تستطيع أن تضم ما بين عشرة وعشرين ألف جندي).
ستغادر هذه القوّات قواعدها أحياناً لإخماد المناوشات المدنية فيما ستقلّ الإصابات بين الجنود. وكما قال مسؤول رفيع في إدارة بوش لصحيفة «نيويورك تايمز» في شهر حزيران، القواعد الطويلة الأمد «كلها أمكنة نستطيع السفر منها وإليها من دون وضع أميركيّين في كل زاوية من الشارع». ولكن مهمتها اليومية ستقضي بحماية البنية التحتية النفطية.
هذه هي «الفوضى» التي سيسلّمها الثنائي بوش ــــــ تشيني إلى الإدارة المقبلة. ماذا لو كانت تلك الإدارة ديموقراطية؟ هل ستفكّك القواعد وتسحب القوات بشكل كامل؟ لا يبدو ذلك مرجّحاً، نظراً إلى عدد المستفيدين من الاحتلال المستمر للعراق واستغلال موارده النفطية. المرشّحون الديموقراطيون الثلاثة الأبرز ــــــ هيلاري كلينتون، وباراك أوباما وجون إدواردز ــــــ قد حفظوا خطّ الرجعة، إذ إنّهم رفضوا قطع وعود بسحب القوات من العراق قبل عام 2013، نهاية الولاية الأولى، في حال فوزهم.
ومن بين الرابحين: شركات الخدمات النفطية مثل «هاليبورتون»، الشركات النفطية نفسها، الناخبون الأميركيون الذين سينالون ضمانات باستقرار الأسعار في محطات النفط (ويبدو أحياناً أنّ هذا جلّ ما يهمّهم)، أوروبا واليابان اللتان ستستفيدان من السيطرة على قسم كبير من الاحتياط النفطي العالمي، ولذلك سيتغاضى رؤساؤهما عن الاحتلال الدائم، والغريب جداً أنّ أسامة بن لادن أيضاً سيكون من الرابحين لأنّه لن يقلق من تدنيس الجنود الأميركيين المدينتَين المقدستَين، مكّة والمدينة، بما أنّ استقرار بيت سعود لن يبقى طاغياً على اهتمامات الأميركيّين. ومن بين الخاسرين روسيا التي لن تقدر على التحكم بأوروبا من خلال مصادر الطاقة التي تملكها. أما الخاسر الأكبر الآخر فهو منظمة «أوبك»، ولا سيّما المملكة العربية السعودية التي ستتهدّد جدياً قدرتها على المحافظة على ارتفاع أسعار النفط عبر فرض حصص الإنتاج.
ثم هناك قضية إيران، وهي أكثر تعقيداً. ففي المدى القصير، تدبّرت إيران أمورها جيداً بالنسبة إلى الحرب في العراق. فالائتلاف الشيعي العراقي الحاكم أصبح الآن تحت سيطرة مجموعة مقربة من طهران، وقد قامت الولايات المتحدة، طواعية أو عنوة، بتسليح وتدريب أشدّ العناصر ولاء لإيران في القوات المسلّحة العراقية. أما بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني، فيبدو أن لا الضربات الجوية ولا المفاوضات ستحيده عن مساره. ولكن النظام الإيراني غير مستقر. فأئمة مساجد غير محبوبين يتشبّثون بالسلطة عبر تمويل الاستخبارات ورشوة النخب بأموال النفط، ما نسبته 70 في المئة من الدخل الحكومي. وإذا انخفض سعر النفط فجأة إلى 40 دولاراً للبرميل (من السعر الحالي الذي يقارب 80 دولاراً)، فسيفقد نظام طهران القمعي مدخوله الثابت. وهذه نتيجة تستطيع الولايات المتحدة تحقيقها بسهولة عبر فتح «حنفية» النفط العراقي للمدة المطلوبة (فتُسقط ربما الفنزويلي المزهوّ بالنفط هوغو تشافيز). أمّا النقطة الأخرى، فهي طبعاً الصين. فنتيجة عجز الولايات المتحدة التجاري، إذ إنها مدينة للصين بما يوازي تريليون دولار (بما فيها 400 مليار دولار على شكل سندات خزينة أميركية)، تملك الصين نفوذاً هائلاً على واشنطن: فمن خلال بيع مقادير كبيرة من الدين الأميركي، تستطيع الصين أن تُخضع اقتصاد هذا البلد. إلى هذا، ينمو اقتصاد الصين بمعدّل 10 في المئة سنوياً وفق أرقام رسمية. وحتى لو كان الرقم الفعلي أقرب إلى 4 أو 5 في المئة، كما يعتقد البعض، فإن ثقل الصين المتزايد يمثّل تهديداً للمصالح الأميركية. (ثمة أمر واقع: تشتري الصين غواصات جديدة بسرعة تفوق سرعة الولايات المتحدة بخمسة أضعاف). أما القيد الرئيس على نمو الصين فهو قدرة الوصول إلى الطاقة. ومع سيطرة الولايات المتحدة على أكبر حصة من النفط العالمي، ستكون الصين تحت رحمة واشنطن إلى حد كبير، وهكذا يبطل مفعول التهديد الصيني.
لا يزال العديدون محتارين بالنسبة إلى الدافع المحدَّد الذي حثّ بوش ــــــ تشيني على اجتياح العراق واحتلاله. في عدد أيلول من مجلّة «ذو نيويورك ريفيو أوف بوكس»، اعترف طوماس باورز، أحد أمهر مراقبي عالم الاستخبارات، بشعوره بشيء من الحيرة. فقد كتب: «الغريب خصوصاً هو انتفاء وجود رواية مصقولة، محترفة، رواية شخص مطّلع، عن طريقة التفكير التي دفعت الأحداث في هذا الاتجاه». أما ألان غرنسبان، فقد كان أوضح في هذه المسألة في مذكراته المنشورة أخيراً، إذ كتب: «يحزنني أن يكون غير لائق سياسياً إعلام الناس بما يعرفه الجميع: الدافع الكبير إلى حرب العراق هو النفط».
أكثر من دافع
هل استراتيجيّة اجتياح العراق للسيطرة على موارده النفطية قرّرها فريق العمل من أجل الطاقة الذي أنشأه تشيني عام 2001؟ لا يستطيع المرء تأكيد ذلك، لأن مداولات ذلك الفريق المؤلّف، بقسم كبير منه، من مديري شركات نفطية وشركات طاقة، أبقتها الإدارة سرية على أساس أنّها «خاصة بالمديرين». لا يستطيع المرء الجزم بأنّ النفط هو الذي أعطى الدافع الأول، ولكن الفرضية قوية عندما يتوجّب شرح ما جرى فعلياً في العراق. فقد يبدو الاحتلال أنه أساء التصرف بشكل رهيب ظاهرياً، ولكن موقف إدارة بوش المتعجرف حيال «بناء الأمّة» أكد تقريباً أن العراق سيصبح في النهاية محمية أميركية للعقود القليلة المقبلة ـــــ إذ إن هذا شرط ضروري لاستخراج ثروته النفطية. إذا نجحت الولايات المتحدة في إنشاء حكومة ديموقراطية قوية في عراق آمن فعلياً بفضل جيشه وشرطته ثم رحلت عنه، ما الذي سيمنع الحكومة من السيطرة على نفطها الخاص مثل سائر الأنظمة في الشرق الأوسط؟ على افتراض أنّ استراتيجية بوش ــــــ تشيني تتمحور حول النفط، فإنّ التكتيكات ــــــ حلّ الجيش، اجتثاث البعث، «اندفاعة» أخيرة عجّلت في الهجرة الداخلية ــــــ لا يمكن أن تكون أكثر فعالية. أما التكاليف ـــــ بضعة مليارات من الدولارات شهرياً بالإضافة إلى بضع عشرات من القتلى الأميركيين (رقم سينخفض على الأرجح، وهو، على أي حال، يضاهي رقم سائقي الدراجات الذين يُقتلون بسبب قوانين الخوذات المبطلة) ــــــ فتكاد لا تُذكر مقارنة مع 30 تريليون من الثروة النفطية والتفوّق الجيوسياسي الأميركي ووقود بخس الثمن للناخبين: إنّه نجاح مدوٍّ.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
18
دفع الأكراد جنوبا!
طلعت رميح
الشرق قطر
الأزمة التركية مع حزب العمال الكردستاني، باتت أحد أبرز عناوين إعادة ترتيب الأحداث في المنطقة او تغيير توجهاتها الجارية من قبل .الحدث قد تبدو دلالاته وربما تداعياته عادية أو أكثر من عادية وربما متكررة، حيث حزب العمال الكردستاني طالما قاتل وقتل جنودا أتراكا من قبل انطلاقا من المنطقة الكردية في شمال العراق، كما أن الجيش التركي طالما هاجم قواعد الحزب في الأراضي العراقية باتفاق مع الحكم في العراق أو بدون اتفاق.
لكن الحدث في هذه المرة، يقدم دلالات كبيرة، ويمثل مفتاحا لتغيير اتجاهات الأحداث الجارية، ليس فقط على الصعيد التكتيكي المباشر، وإنما على نحو استراتيجي بعيد الأثر على المنطقة -لا بشأن الشريط الحدودي التركي - العراقي، وربما على صعيد العلاقات التاريخية بين تركيا والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.
في الدلالات والتطورات المباشرة، يجرى التعامل مع الأمر من زاوية التصعيد التركي الجاري سياسيا وإعلاميا ضد حزب العمال والحالة الكردية في شمال العراق، إلى درجة حصول الحكومة على تفويض من البرلمان بشن عمليات داخل الأراضي العراقية أو باجتياح أراض عراقية ملاحقة لقواعد وعناصر حزب العمال لحرمانه من ملاذاته الآمنة هناك، وباتخاذ أشكال عقابية ضد الأحزاب والشخصيات الكردية في شمال العراق على الأراضي التركية، وبمنع مرور السلع من داخل تركيا إلى العراق وعبر أراضيها من العراق إلى الأسواق الخارجية.
كما في الدلالات المباشرة، جرى النظر إلى موقف الحكم الراهن في العراق من الأزمة، سواء على صعيد الزيارات التي جرت لمسؤولين في هذا الحكم إلى تركيا، أو من زاوية الاتفاقات الأمنية التي وقعت بين الطرفين في الآونة الأخيرة، الأهم فيها هو الإعلان الذي دشنه طارق الهاشمي بأن حزب العمال هو منظمة إرهابية، خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا، التي لاشك جاءت على خلفيات الاستناد إلى تركيا في الصراع الداخلي العراقي.
وكذا في الدلالات المباشرة، جرى النظر إلى التزامن بين وقائع هذه الأزمة وتفاعلاتها مع الأزمة الأخرى المتفاعلة في العلاقات التركية - الأمريكية، بشأن القانون المزمع اعتماده في مجلس النواب الأمريكي، باعتبار ما جرى للأرمن في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى، جرائم إبادة. وفي ذلك رأى البعض مؤشرات متكاثرة على توتر متصاعد في العلاقات التركية - الأمريكية، لاشك سيأتي متفاعلا مع أزمة الاجتياح التركي لشمال العراق، باعتبار الولايات المتحدة هي الطرف الحقيقي المسيطر على الأرض العراقية والفاعل في تلك الأزمة باعتبارها قوة الاحتلال وباعتبارها الحليف للحالة الكردية التي يمثلها طالباني وبارزاني.
دفع الأكراد جنوباً
لكن لهذه الأزمة جانبا استراتيجيا أبعد من قصة الصراع التقليدي بين حزب العمال والحكومة التركية، إذ جاءت تلك التطورات في أعقاب صدور القرار «غير الملزم» من الكونجرس الأمريكي تقسيم العراق إلى ثلاثة، بما اعطى للصراع التركي- الكردي، أهمية كبيرة حيث إن المؤهل لتنفيذ قرار التقسيم من الاساس هو المنطقة الكردية، التي «لم تكذب خبرا» وصارت تصدر إشارات ترحيبية متوالية بالقرار، وتستعد لتتويج أوضاعها الجارية منذ بدء سنوات الاحتلال للانفصال، اعتمادا على ما مثله القرار الأمريكي من دعم لتوجهاتها الانفصالية.
وفى ذلك فإن تلك الأحداث تأتي من زاويتها التكتيكية الأولى ضغطا على الأكراد ودفعا لهم إلى الجنوب بدلا من الانفصال، وإلى الارتباط «بالعراق» لا الانفصال عنه، باعتبار ان ما يجرى يضع الأكراد أمام جربة مباشرة لخيار الانفصال أو الخروج من العراق الموحد، تظهر دلائلها ان الأكراد حين انفصالهم عن العراق سيصبحون في مواجهة الأقوى والأكبر (تركيا)، وان خيار الانفصال لن يواجه فقط بضغط عراقي من الجنوب والوسط فقط، بل بضغط آخر أقوى وأعنف من الشمال أو بالدقة ان تلك التجربة، أعادت التأكيد مجددا على المستقر من المعادلات الاستراتيجية في المنطقة من ان الأكراد اذا حاولوا الانفصال عن العراق، وتأسيس دولة انفصالية لهم في الشمال، فإن تركيا ستعتمد الخيار العسكرى في مواجهة هذا الانفصال، وستنفذ خطتها في ضم «كركوك» اليها، إذ تركيا تعتبر كركوك جزءا اقتطع منها، ولذا هي ما تزال تدرج لها ميزانية ضمن موازنتها العامة وإن كان ما يخصص لها مبلغا منعدما.
هنا تبدو الأحداث أبعد من قصة عملية قتل الجنود الأتراك، وأوسع من قضية اجتياح القوات العسكرية التركية لشمال العراق، مستهدفة قواعد حزب العمال الكردستاني وملاذاته الآمنة، ليظهر ان بعدها الحقيقي يرتبط بالمخاوف التركية من انفصال أكراد شمال العراق -تحت غطاء القرار الأمريكي غير الملزم-الذي تنظر تركيا له كخطر شديد عليها وعلى أمنها القومي، في وقت هي وحدها المؤهلة إلى مواجهته عسكريا من بين دول الاقليم التي تشعر بنفس الخطر، لكنها غير مؤهلة في المرحلة الراهنة لمواجة عسكرية شاملة معه، حيث إيران داخلة في أكثر من ملف عسكرى في المواجهة مع الولايات المتحدة (حزب الله، جنوب العراق، أفغانستان ) إضافة إلى قضية ملفها النووى. مشتبكة في العديد من الملفات مع اسرائيل والولايات المتحدة في لبنان وفلسطين إضافة إلى قضية الجولان.
تركيا- أمريكا
هنا يبدو اننا امام تغير استراتيجي مستقبلي كبير، بشأن العراق والوضع الاقليمي، بل وعلى صعيد العلاقات المستقرة بين الولايات المتحدة وتركيا، وربما على صعيد العلاقات التركية مع أوروبا وروسيا وايران وسوريا والصين وإسرائيل بطبيعة الحال، والى درجة يمكن القول معها إننا أمام إعادة ترتيب للعلاقات والتحالفات على نحو مختلف كليا، عن ما كان مستقرا منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن.
فمن جانب، لا يمكن حصر الصراع العسكري اذا اندلع بين تركيا والأكراد (سواء على مستوى حزب العمال -أو الأكراد عموما في شمال العرق -وفي داخل تركيا) عند تلك الحدود، وانما نحن أمام مجابهة (سياسية -استراتيجية) بين تركيا والولايات المتحدة، باعتبار الولايات المتحدة هي المحتلة للعراق، وبأن قواتها هي الفاعلة على الارض وباعتبار أن المنطقة الكردية في شمال العراق هي الأشد استقرارا على صعيد التعامل مع قوات الاحتلال مما يجعلها الملاذ الآمن للقوات الأمريكية لا لحزب العمال الكردستاني فقط، وبالنظر إلى وجود قاعدة انجرليك في تركيا وهي الاهم في دعم واسناد قوات الاحتلال الأمريكية في العراق.
ومن جانب آخر، فإن توتر العلاقات التركية- الأمريكية (بإضافة مسألة الأرمن)، انما يعنى اننا امام تغييرات مقبلة في نمط العلاقات التركية- الاسرائيلية التي كانت وصلت من قبل «حد التحالف الاستراتيجي، سواء لأن إسرائيل موجودة فعليا وتاريخيا في شمال العراق، أو لأن إسرائيل هي حليفة للولايات المتحدة أو لأنها باتت تشعر بقلق متصاعد من التغيرات والتطورات السياسية التي شهدتها تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، إن لم يكن على المستوى الرسمي فلأن الشارع التركي باتت تتصاعد في داخله مشاعر العداء ضد إسرائيل.
ومن جانب ثالث، فإن طرح المشكلة الكردية بهذا المعنى الواسع في تقسيم العراق-النزاع مع تركيا -توتر العلاقات التركية - الأمريكية قد ارتبط بتكهنات حول احتمالات رد تركيا على الدور الأمريكي «المستتر» في لعبة حزب العمال الكردستاني، وعلى قضية استخدام الحزب أسلحة أمريكية، وذلك من خلال تقييد العمل في قاعدة انجرليك وهو ما ظهرت على هامشه مطالبات كردية بنقل القاعدة من تركيا إلى شمال العراق.
ومن جانب رابع، فإن مثل هذه التطورات لاشك ستدفع تركيا إلى تغيير ليس بالقليل في نمط علاقاتها في الاقليم وبشكل خاص مع سوريا وإيران على الأقل باعتبار ان البلدان الثلاثة في مركب واحد في مواجهة تأثيرات انفصال الأكراد في شمال العراق، وتأسيس دولة مستقلة. إن هذه الدول ليست معنية فقط بمسألة تقسيم العراق وإنما هي تنظر إلى ان هذا الانفصال موجه مباشرة إلى أمنها القومي ووحدتها الداخلية كمجتمعات، بالنظر لوجود نسبة ليست قليلة من الأكراد في داخل تلك الدول ولوجود مشكلات فعلية في التركيبة العرقية لمجتمعاتها، حيث سوريا واجهت من قبل توترات داخلية بعد دخول القوات الأمريكية للعراق، كما أن إيران ما تزال على حالها في التسخين العسكري على حدودها مع الشمال الشرقي للعراق بين حين وآخر.
وضع إقليمي جديد
هنا يبدو المشهد في المنطقة سائرا نحو حالة مغايرة، لما عاشته التوازنات الاستراتيجية فيه منذ الحرب العالمية الثانية، لقد تغيرت إيران من الارتباط بالغرب إلى تحول درامي متصاعد منذ الثورة الايرانية حتى الآن إلى الصدام معه. وتحولت أوضاع العراق من بوابة مغلقة في وجه التوغل الإيراني في المنطقة العربية إلى بوابة مرور مفتوحة وداعمة للنفوذ الإيراني. كما أن تركيا الآن تجد نفسها أمام تحولات استراتيجية قد تحسم خيارها الحائر من العشرينيات بين الارتباط بالغرب والانتماء للشرق الإسلامي، خاصة في ضوء الرفض الأوروبي المهين لدخولها للاتحاد الأوروبي وتنامي التقديرات، بأن التنافس الاستراتيجي القادم في المنطقة سيكون بينها وإسرائيل. وفي ذلك تبدو بوابة العلاقات مع ايران وسوريا هي واحدة من مرتكزات تغيير التحالفات التركية في المحيط الجغرافي، كما يبدو أن تركيا ستعبر الصحراء العربية باتجاه إقامة علاقات أشد توثيقا مع دول عربية أخرى. وفي الاتجاه الآخر فإن التوتر في العلاقات التركية- الأمريكية- الإسرائيلية، لاشك سيحدث تغييرا في اتجاه البوصلة التركية نحو روسيا والدول الإسلامية الخمس التي كانت ضمن مكون الاتحاد السوفييتي السابق بما يغير من التحالفات الاستراتيجية التركية على نحو كبير بل بما يغير من التوازنات في المنطقة والعالم باعتبار ان تركيا كانت الحليف الأهم أو عضو حلف الاطلنطي الأهم في الضغط على الاتحاد السوفييتي السابق. وهنا يبدو ان المخاطر التي كانت تشعر بها الدول من قبل دون تصديق بأن تكون مشاريع أمريكية جدية، قد أصبحت حقيقية ليس فقط على صعيد الوقائع بل على صعيد المواجهة المباشرة والحالة معها.
لقد جرت أحاديث طويلة ومتعددة حول الجوهر الحقيقي للخطة الأمريكية في المنطقة، الذي هو إعادة تقسيم دول المنطقة، لكن الولايات المتحدة نجحت سابقا في طمأنة كثير من النظم، ان ما يجرى الحديث عنه لا يمثل خطتها أو رؤيتها وأن الأمر لا يعدو ان يكون احد مظاهر الديمقراطية الأمريكية التي تتيح صدور كتابات وتحليلات تتحدث عن ضرورات إنهاء الحدود الدولية القائمة وتشكيل دول جديدة وفي خريطة سياسية وسكانية وجغرافية جديدة.
لكن التطورات المتسارعة الجارية في العراق وأفغانستان وباكستان، باتت تظهر الجوهر الحقيقي الجاري إنفاذه على الأرض لتقسيم دول المنطقة. وفي ذلك فإن كل من إيران وتركيا وسوريا باتت دولا معنية بشكل حاد ومباشر، كما هي باتت أمام قراءة فعلية بواقع وحقيقة الخطط الأمريكية، ووفقا لذلك هي لم تعد في حالة التريث والانتظار وقراءة وفهم ما يجرى، بل صارت في مرحلة القرار وفق مستويات محددة، تحكمها التوازنات والتطورات في الآن نفسه.
حزب العمال-حزب الله
وبعيدا عن التطورات المباشرة لاحداث تركيا -حزب العمال، فإننا أمام وضع جديد في ممارسة الحسابات الاستراتجية، بات يتطلب من كل الاطراف فهم ما يطرحه على متخذ القرار. ان تجربة حزب الله اظهرت حجم التغيرات الجارية في طريقة الحسابات الاستراتيجية، إذ اقام حزب الله حساباته في عملية أسر الجنديين الإسرائيليين على قياس العمليات السابقة، ففوجىء-حسب قول أمن عام الحزب-برد الفعل الاسرائيلي وانه لو علم بالنتائج ما كانت العملية. وها هي الآن عملية حزب العمال الكردستاني في تركيا (مع اختلاف الرؤية لكلا الحزبين) ورغم انها عملية سبق له أن قام بمثلها مئات المرات، قد ينتج عنها تطورات أبعد وأعمق من كل التقديرات المباشرة.
كلا الأمرين يطرحان مدى التغيير الحادث في المنطقة وفي الحسابات الاستراتيجية، حيث تعددت القوى الفاعلة، وتغيرت منظومة الحسابات الاستراتيجية وبات يمكن لما هو عادي أن يتحول إلى حرب مدمرة، كانت الحسابات الاستراتيجية خلال الحرب الباردة واضحة في منطقتنا، لكننا الآن أمام دور إيراني جديد ومتعدد وأمام وجود أمريكي فاعل على الأرض العربية وأمام دور جديد متعدد القوى من المنظمات المسلحة في مختلف أرجاء المنطقة وأمام تحولات في أوضاع إسرائيل. ولأننا نحن أمام تغيرات في التحالات والدور التركي. وكل ذلك يطرح أبعادا أعمق لكل تطور أو لكل حدث كان في السابق يبدو روتينيا معتادا ومعادا ومكررا.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
19
محنة العراق‮.. ‬الفيدرالية أم التقسيم
نجاة الموسوي
الوطن قطر
منذ زمن طويل تعلمنا عن قرب وعن بعد فوائد الفيدرالية وعرفنا أنه في‮ ‬سنوات حكم عبدالكريم قاسم نادى بفيدرالية تعطي‮ ‬للأكراد الأحقية في‮ ‬حكم ذاتي‮ ‬ضمن الجمهورية العراقية،‮ ‬أما بالنسبة لتقسيم العراق شمالاً‮ ‬وجنوباً‮ ‬ووسطاً‮ ‬على أساس عرقي‮ ‬وطائفي‮ ‬وعشائري‮ ‬سوف لن‮ ‬يليق بقدر العراق الطموح الثائر المناضل دوما وأبداً‮. ‬
وسمعنا تأكيداً‮ ‬على ما جاء أيام عبد الكريم قاسم من أكثر الكتاب المخلصين سواء في‮ ‬الداخل أو في‮ ‬الخارج بأن الفيدرالية مقبولة،‮ ‬كنا حينها لا نعرف ماذا‮ ‬يقصد بالفيدرالية في‮ ‬العراق؟ لكن الكاتب والباحث عبد الرزاق الصافي‮ ‬الذي‮ ‬جاء إلى البحرين بعيد الاحتلال الأمريكي‮ ‬للعراق عام‮ ‬2004‮ ‬وألقى محاضرة في‮ ‬نادي‮ ‬الخريجين وشرح ماذا تعني‮ ‬الفيدرالية وذكر أن الأحزاب في‮ ‬العراق توافق على النظام الفيدرالي‮ ‬بالنسبة للأكراد،‮ ‬والذي‮ ‬يعني‮ ‬إغناء وإثراء تاريخ العراق بما‮ ‬يجسد من معان كبيرة بالنسبة إلى الأكراد والعرب أي‮ ‬إلى الشعب ككل‮. ‬فالأكراد قومية عظيمة‮ ‬غنية بالمعالم والتاريخ والتراث،‮ ‬وهم شعب متجانس‮ ‬يحب السلام والأمن وذو ثقافة عريقة،‮ ‬ولغته الكردية مليئة بالمفردات المبهجة والمفرحة والسخية،‮ ‬وتعليمهم ومناهجهم مليئة بالحنان والأخوة والطيبة والتضحية والفداء،‮ ‬وهذه الخصال اكتسبوها من خلال تاريخهم الطويل وتعرضهم إلى تقسيم بلادهم الأم‮ ''‬كردستان‮'' ‬التي‮ ‬قسمت ظلماً‮ ‬وعدواناً‮ ‬تلبية لأطماع الدول الكبرى التي‮ ‬تخشى من الشعوب الكبيرة في‮ ‬عددها،‮ ‬ويرتاحون في‮ ‬نفس الوقت إلى تفتيت الشعوب حتى‮ ‬يسهل عليهم حكمهم‮. ‬
لكن على الجانب الآخر هناك التقسيم البشع للعراق بين شماله وجنوبه ووسطه،‮ ‬التقسيم الذي‮ ‬يهدف إلى تفتيت العراق ودخوله في‮ ‬دوامة طائفية لا تحمد عواقبها‮. ‬تقسيم العراق إلى شمال وجنوب ووسط هو إعلان حرب بين طوائفه من أقصاه إلى أقصاه،‮ ‬واستغلال ثرواته الطبيعية‮. ‬تقسيم العراق‮ ‬يعني‮ ‬وضع حواجز بين الشيعي‮ ‬والسني،‮ ‬وهذه جريمة كبرى،‮ ‬حيث سنة وشيعة العراق هم نموذج لكل سنة وشيعة العالم،‮ ‬فهاتان الطائفتان هما نموذج في‮ ‬التلاحم والتعاون والتزاوج والتصاهر،‮ ‬نموذج في‮ ‬الذوبان الشعبي،‮ ‬والصمود في‮ ‬سجون الطغاة والتشرد‮.‬
نحن نعرف العراق عن قرب لأننا شعب واحد،‮ ‬وسنة البحرين‮ ‬ينذرون إلى أئمة الشيعة في‮ ‬العراق بالذبائح والأموال ويثقون تمام الثقة بأنها ستقضى حوائجهم،‮ ‬وهنا نفهم ماذا‮ ‬يعني‮ ‬التسامح الديني‮. ‬عندما ندرس الحالة الاجتماعية في‮ ‬العراق من خلال كتب علي‮ ‬الوردي‮ ‬والمؤرخ المشهور جواد علي‮ ‬نرى النبرة العلمية النادرة والإنصاف العجيب الذي‮ ‬حظيت به كتب هذين الكاتبين وغيرهم،‮ ‬من خلال الكتابة المعجونة عن الطائفتين ومن خلال البحث الذي‮ ‬لا‮ ‬يعرف التصنيف بينهما بل استرسال عن مكونات الشعب العراقي‮ ‬على أساس أنه شعب واحد،‮ ‬ذو مكونات ثقافية متقاربة ومتحابة ومتلاحمة،‮ ‬فكل الذي‮ ‬يحدث حاليا في‮ ‬العراق هو دخيل ومن عناصر مأجورة لها مصلحة في‮ ‬تفتيت هذا الشعب‮. ‬وهذا الموقف‮ ‬يتفق مع ما تريده إسرائيل للعراق عن طريق السياسة الأمريكية الحالية وآخر قراراتها في‮ ‬الكونجرس أوائل أكتوبر الجاري‮... ‬
إن التركمان والآشوريين والكندو لا‮ ‬يختلفون عن العرب في‮ ‬شيء إلا القومية واللغة وهي‮ ‬ليست من أدوات التفرقة التي‮ ‬تعمل عليها الدول الكبرى،‮ ‬ومثال على ذلك الهند،‮ ‬حيث إن لديها حوالي‮ ‬ثمانين لغة وستمائة لهجة وأديان ومذاهب عدة لكنها تحت مظلة فيدرالية ديمقراطية علمانية واحدة‮...‬
إن عدم استخدام المركزية المتسلطة على القوميات المختلفة التي‮ ‬تشترك في‮ ‬العيش والأرض والتاريخ والثقافة هي‮ ‬ما‮ ‬يتماشى مع تطلعات الشعب العراقي‮ ‬ومستقبله،‮ ‬وهي‮ ‬تعني‮ ‬أخيرا للغنى الثقافي‮ ‬والفكري‮ ‬والمشتركات الوطنية‮. ‬إذن الفيدرالية المطلوبة هي‮ ‬عربية كردية فقط،‮ ‬على أن‮ ‬يدرك العرب والأكراد والتركمان والآشوريون والكندو وجميع الأقليات أن وحدة العراق هي‮ ‬المظلة التي‮ ‬تحميهم من كل اعتداء‮. ‬
ونطالب كما‮ ‬يطالب الأخيار في‮ ‬العالم بإنصاف الأكراد،‮ ‬الذين عانوا خلال قرون من الاضطهاد والقتل والتقسيم والتدمير،‮ ‬ونطالب أيضا بإعطائهم حقهم في‮ ‬صنع ثقافتهم دون تدخل من أحد،‮ ‬كما نطالب بقيام عراق فيدرالي‮ ‬ديمقراطي‮ ‬موحد،‮ ‬وحماية الوحدة وتعزيز الأخوة بين العرب والأكراد والقوميات الأخرى وفضح ومحاربة جميع مظاهر التمييز السياسي‮ ‬والديني‮ ‬والطائفي‮ ‬وعلى هذا الأساس تبذل الجهود من أجل مستقبل مشترك قابل للحياة والتطور‮.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
20
لا مهمة لديّ تعلو على حب الناس: صفحات مؤلمة من تجربتي في العراق
مختار لماني
الشرق الاوسط
بغداد: في أحد أيام شهر نيسان/أبريل 2006 علقت على حائط مكتبي في المنطقة الحمراء (تمييزا لها عن المنطقة الخضراء) لوحة خط عليها بالفرنسية عبارة شهيرة للكاتب ألبير كامو تقول (لا مهمة لدي تعلو على حب الناس)، وأنا دائم الاستذكار لهذه العبارة ولذا جعلتها عنوانا لمقالتي هذه.وصلت الى بغداد الجريحة صباح يوم من أيام أبريل من عام 2006. وجاء وصولي بعد عدة أسابيع من مغادرة غالبية الدبلوماسيين العرب لها، بعد حادثة اغتيال السفير المصري ودبلوماسيين عرب آخرين. واليوم، أستطيع القول إن قبولي بالمهمة كان مغامرة كبيرة قبلتها طوعا، وأن الرغبة في تحدي المخاطر هذه لم تعد تمثل سوى جزء صغير من ذكرياتي عن سنة قلقة وعنيفة ستبقى ذكرياتها تطاردني ما حييت.من شباك البناية التي اتخذتها مقرا لبعثة جامعة الدول العربية ولسكني، لم أكن أرى غير الحواجز الخرسانية التي تضاعف عددها مع تواصل تدهور الوضع الأمني، وغير افراد البيشمركة الذين يحرسون مقر البعثة. قضيت في هذه البناية سنة شهدت أحداثا وانطباعات لم يكن لدي الوقت ولا الرغبة بتسجيلها آنذاك لكنها حفرت في الذاكرة.لا شيء في الكون يستطيع أن يمسح من ذاكرتي غلالة الحزن عن هذه السنة، حيث حمل كل يوم وكل أسبوع حصته من الكوارث المتتالية. هذه الكوارث (لا ننساها ولكن نتعود عليها) كما تقول أغنية المغني البلجيكي جاك بريل الذي كان قرصا مدمجا يضمّ أغانيه من بين قلة أشيائي قي العراق.وإذا كان لا بد من سرد بعض هذه الذكريات المرّة، فمنها:1 ـ ذلك الرأس المقطوع لرجل من طائفة اعتبرها متطرفو الطائفة الأخرى عدوّة، قدّم لأطفال يلعبون كرة القدم، وطلب منهم أن يلعبوا بالرأس المقطوع بدل الكرة لكي يستمتع الكبار ويتشفّون.2ـ اغتيال خبازنا ذي الشارب الكث والابتسامة الدائمة من قبل إحدى الجماعات المسلحة التي قررت أن تقتل كل خباز لا يغلق مخبزه فورا ويرحل.3 ـ الليلة التي سقط فيها صاروخ في الحديقة التي تفصل بنايتنا عن بيت جارنا، وغمر جارنا فرح هستيري لعدم انفجار الصاروخ وظل يردد خلال اليوم كله جملة واحدة هي (لقد كتب لنا عمر جديد).4 ـ وجه مقداد ذي التسعة وعشرين عاما والابتسامة البريئة، الأب لستة أطفال أحدهم مصاب بعاهة دائمة. مقداد هذا كان أحد الحراس المكلفين بحمايتي وقتل بهجوم مسلح.5 – أزيز عشرات طائرات الهليكوبتر العسكرية الأمريكية التي تمشط سماء بغداد بشكل يومي على علو منخفض والتي تعزف، مع آلاف الحواجز الخرسانية التي تمتد الى ما لا نهاية، سمفونية حزينة في مدينة مقطعّة الأوصال. 6 – نظرة الذهول والاستغراب التي واجهني بها موظفو مقر البعثة عندما قررت تربية جرو تائه وجدته في باب بعثتنا، وجواب أحد الموظفين الطافح بالسخرية عندما طلبت منه أن يبحث عن لقاحات للجرو، حيث أجابني (إننا نعاني الأمرّين في العثور على أدوية ولقاحات للبشر).وهكذا، فإن قائمة هذه الأحداث والانطباعات لا تنتهي وكلها قاسية ومؤثرة وأحيانا بشعة، لكن بعضها لا يفارق الذاكرة لتناقضه وغرابته، ومن ذلك التناقض بين الحياة الطبيعية، إن لم أقل المرفهة، لسكان المنطقة الخضراء، وتلك التي يعيشها بقية شعب العراق فيما اصطلح عليه بتسمية المنطقة الحمراء، أي بقية أنحاء العراق حيث كل لوازم الحياة العادية منعدمة.. وأيضا التناقض بين الخضم المتسارع لعملي اليومي في بغداد حيث اللقاءات المتتالية وسط دوامة العنف، وبين الأوقات التي أقضيها في القاهرة في استدعاءات للمشاركة في اجتماعات الجامعة العربية بشأن العراق. هذه الاجتماعات التي كنت أشارك فيها بشكل مستمر من دون أن تشعر الجامعة العربية يوما أن من المفيد أن تسمح لي بمخاطبة المجتمعين لأنقل لهم انطباعاتي وتقاريري عن الحالة في العراق. هذه الاجتماعات كانت ذات طبيعة رتيبة ومملة وبعيدة عن فهم الحقائق على الأرض، ويبدو أنها لم تكن أكثر من مسرحية إعلامية موجّهة لجمهور لم تعد تنطلي عليه مثل هذه المسرحيات. والأكثر إثارة للألم أن الأمين العام لجامعة الدول العربية كان يصرّ على أن يستضيف في هذه الاجتماعات صديقه وزير خارجية السودان السابق بصفته مبعوثه الخاص للعراق. هذا المبعوث الخاص للعراق لم تطأ قدماه أرض العراق قط طيلة العام الذي قضيته هناك.أمّا النخبة السياسية العراقية فإنها تواصل سياسة الهروب الى الأمام. الغالبية العظمى من هذه النخبة لا تؤمن بشيء اسمه العراق، وهذا يفسر كيف أن مبالغ هائلة من أموال الدولة تنهب باستمرار. وحسب تقديرات أفراد من النخبة السياسية العراقية ذاتها، فإن أكثر من عشرين مليار دولار من هذه الأموال اختفت سنوات خلال السنوات الأربع الماضية!كل هذه الكوارث تجري ويقابلها المجتمع الدولي بلا مبالاة مفرطة. ويستمر الأمريكان، من جانبهم، في عنادهم بالقول إنهم يقومون بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط لأن شعوبه بأمسّ الحاجة لها! هذا في الوقت الذي تبيّن فيه أن الديمقراطية التي أقاموها في العراق كانت طائفية، وأنها جاءت بمتطرف شيعي ذي عقلية انتقامية رئيسا للوزراء، ومتطرف سلفي على حافة عدم التوازن رئيسا لمجلس النواب. أما النواب فقد جرى انتخابهم على أساس الفتاوى الطائفية والتلاعب من كل نوع، (الكثير منهم يعترف بذلك في مجالسه الخاصة). وأعضاء البرلمان هؤلاء، مثلهم مثل أعضاء الحكومة، ليس لديهم من شاغل سوى السفر والتجوال في عواصم الدول الأجنبية، كونه الوسيلة الوحيدة للتهرب من مواجهة الحقائق المرة لشعب يموت بشكل يومي.منذ تعييني في آذار/مارس 2006، حتى مغادرتي العراق في شباط/فبراير 2007 كان شاغلي الأساسي هو معاناة شعب العراق، ولم ألتفت الى النقص الكارثي فى المستلزمات اللوجستية التي كان يفترض أن توضع تحت تصرفي، ولا أدري هل أن الإشارة اليها تثير الضحك أم البكاء، أعتقد كلاهما، وأدناه بعض الأمثلة:1 – الدول العربية التي جرى الاتصال بها لتوفير عناصر أمن البعثة التي كلّفت بفتحها في بغداد فورا (وكلمة فورا وردت في نص قرار القمة العربية في آذار/ مارس 2006)، تراجعت عشية سفري الى بغداد عن تقديم أي شيء، ولذلك لم يبق لي سوى الاعتماد على قوات الأمن العراقية مع كل المخاطر التي ينطوي عليها ذلك. وهنا أيضا لم يظهر مسؤولو الحكومة العراقية من العرب، بسنتهم وشيعتهم، أي رغبة في مساعدتي، وكان الأكراد الوحيدين الذين وفروا لي الحماية وساعدوني.2ـ أثار الوضع الأمني لمقر بعثتي انتباه أحد أصدقائي من السفراء الأوروبيين في بغداد، وكلف خبراء أمن سفارته بزيارة مقر البعثة للاطلاع على الثغرات الأمنية فيها. وخلص الخبراء الى أن مقر البعثة يفتقد الى أبسط إجراءات الأمن، وذهبوا الى أكثر من ذلك بالقول إن بقائي في مقر بهذه المواصفات هو أقرب الى الانتحار.3 ـ لم تقبل أي شركة تأمين دولية التأمين على حياتي خلال عملي في بغداد. وبررت ذلك بأن المخاطر في بغداد تفوق مما تسمح به معايير هذه الشركات. وبعد اتصالات مضنية قبلت إحدى شركات التأمين المحلية في القاهرة بإجراء التأمين لي ووضعت شرطا يستثني حالات الاختطاف وما ينتج عنه من عقد التأمين. وقبلت بذلك فقط لأوهم نفسي أن عائلتي لن تضيع من بعدي. 4 ـ نجحت في إقامة حوار مع جميع الأطراف العراقية من السياسيين الى القادة الدينيين مرورا برؤساء العشائر وممثلي المجتمع المدني. تحاورت معهم جميعا سواء أكانوا من الأطراف الحكومية أو من المعارضة. ولكن التحاور لوحده غير كاف ويجب التقدم منه الى مرحلة التفاوض من أجل أن نستطيع أن نشاركهم البحث عن مصالحة وطنية حقيقية. ولتحقيق هذا الهدف، كان مطلوبا ان توضع تحت تصرفي الوسائل السياسية. لكن الجامعة العربية لم تكن راغبة في وضعها تحت تصرفي، ولهذا السبب تحديدا، ولأني شعرت أن لا شيء لدي أقدمه للعراقيين، قررت إنهاء مهمتي.5ـ ويبدو أن الأمين العام لجامعة الدول العربية وموظفيه من البيروقراطيين الذين يجيدون النرجسية وتقديم صورة وردية للأمين العام عن نجاحات الجامعة، لم يدركوا مغزى قراري بوضع حد لهذه المهمة غير المجدية وتصوروه عرض استقالة، وهو لم يكن كذلك، فردوا على رسالتي للأمين العام ببيان صحفي مختصر قالوا فيه إن معالي الأمين العام قبل استقالتي، وأنه يدرس قائمة طويلة من المرشحين لاختيار بديل لي. وها قد مرت عشرة أشهر على مغادرتي بغداد وقائمة المرشحين لا زالت قيد الدرس، ويبدو أن دراستها ستستمر الى ما شاء الله، رغم أن تدهور الوضع في العراق لازال متواصلا. ومما يؤسف له أن الأمين العام لم يكلف نفسه ولا حتى أن يوجه لي كلمة «شكرا ومع السلامة» بعد قضائي هذه السنة الصعبة في العراق!6 – هل كان قرار الأمين العام والدول العربية منطقيا وعقلانيا بإرسالي الى بغداد من دون تزويدي بأية وسيلة سياسية أو لوجستية مثل سيارة مصفحة (جرى شراؤها بعد سبعة أشهر من وصولي لبغداد)؟. ولا أتحدث هنا عن بقية الأمور البسيطة والأساسية مثل تزويد البعثة بجهاز فاكس مشفّر لضمان الحد الأدنى لأمن مراسلاتي، والذي لم يصل أبدا حتى بعد تركي عملي في بغداد. وأخيرا، لم يشعر الأمين العام بأن هناك حاجة للاستفسار أو التحقيق حول المخاطر والتهديدات والمضايقات التي كنت أتعرض لها باستمرار خلال إقامتي في بغداد، بل ولم يكلف نفسه حتّى محادثتي هاتفيا ولو لمرة واحدة طوال هذه السنة لإشعاري بأنه الى جانبي، واكتفى بان تركني وربي نقاتل.وأخيرا، لا بد من كلمة حول التوقعات المقبلة، هل وصل الأمريكان الى نقطة اللاعودة في مغامرتهم العراقية؟ هل أساؤوا بشكل دائم لمصداقية النظام الديمقراطي في منطقة هي بحاجة ماسة للديمقراطية؟ من غير المحتمل أن تشهد الاشهر المتبقية من ولاية الرئيس بوش استعادة الروح المعنوية الكافية للإقناع بدور أمريكي بنّاء في منطقة بالغة التعقيد وهشة تاريخيا.أما الدول العربية، فيبدو أن بعضها استفاد من انغماس الولايات المتحدة في المستنقع العراقي لتخفيف الضغط الأمريكي عليها، ضمن ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي اضطرت الولايات المتحدة لتأجيل الحديث عنه الى تاريخ غير محدد.ومن جانب آخر، أخذ التأثير الإيراني بالازدياد يوما بعد يوم وأصبح حاضرا ومؤثرا، وأصبح العراق الورقة الرابحة بيد النظام الثيوقراطي لطهران. ويبدو أن النظام الإيراني يمد نفوذه في العراق مع الوقت وفق مقولة (قشة فقشة يبني العصفور عشه). ولكن ستبقى الكلمة الأخيرة لشعب العراق المظلوم، الذي عانى ولا يزال يعاني بشكل غير مسبوق، ولسنوات طويلة، فثلث العراقيين أجبروا على ترك مساكنهم، وسقط أكثر من نصف مليون ضحية منهم، وتمزق النسيج الاجتماعي للموزاييك العراقي الذي تشكل خلال عدة آلاف من السنين.لقد ترك شعب العراق ليواجه مصيرا مأساويا. ولا يبدو أن هذا المصير المحزن سيستنهض جهود قياداته الطائفية ولا جيرانه ولا الادارة الامريكية..... كلهم يكتفون ظاهريا بالحزن على الماء المسكوب وكلهم يعلمون استحالة جمع الماء المسكوب. فمتى ستنتهي الرحلة الطويلة داخل النفق الذي لا يرى النور في أي من جوانبه لا في بدايته ولا في نهايته........ اتمنى ان يتذكر العراقيون.. وان يتذكر التاريخ معهم انه خلال ماضيهم العريق عرفوا العديد من المحن والمآسي وتمكنوا من تجاوزها، فقط حين حصنوا بلدهم من الداخل بتوافقهم. هذا التوافق الذي اصبح الضامن الوحيد لاستمرار وجودهم كعراقيين.* السفير السابق لجامعة الدول العربية لدى العراق
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
21
متاهة العراق: هل اقتربت ساعة الصفر؟
جيم هوغلاند
واشنطن بوست
قررت بريطانيا أن تعلن الاستقرار في جنوب العراق بالانسحاب من صراع السلطة في البصرة، فيما، وفي أفغانستان، بدت الحاجة الطارئة لإحلال ضباط شرطة محليين يسند ولاؤهم للناتو حكومة كابل، طموحات غير مؤكدة لجهة قوة بوليس قومية.
والى ذلك فالبحث عن حلول محلية تعلو نبرته عبر الشرق الأوسط ووسط آسيا، فيما تقيم أميركا وحلفاؤها التكلفة العالية لحربين شنوها على المتطرفين الدينيين ومحاربين آخرين. ومن هنا تراجعت الأهداف العريضة لبناء الأمم وترقية الديمقراطية لصالح تحقيق الاستقرار متى ما وجد، على أمل توسيعه لاحقا.
ويقول المارشال جوك ستيراب قائد قوات الدفاع البريطانية، إن نمو الحلول المحلية مرتبط ببناء الأمم والدول، وذلك في معرض تفسيره لإعادة الانتشار البريطاني بالبصرة، ولكنه اعترف أيضا بأن نقلة في التركيز على الحلول المحلية في الطريق، والى ذلك أيضا توحي مواقف وأفعال القادة الأميركيين العسكريين.
في المقابل، فحملة أميركا على القاعدة في محافظة الأنبار بالعراق جاءت بمثال آخر صريح وواضح للترتيبات التي يقدم عليها القادة العسكريون الغربيون عبر المنطقة، وهم ينظرون إلى الأثمان الباهظة والدروس الصعبة لتجربتي أفغانستان والعراق، وهم يتفاعلون مع الفوضى والغضب السياسي اللذين احدثتهما الحربين على صعيد الجبهات الداخلية الغربية.
والى ذلك، وفي حقيقة الأمر، فقادة البنتاغون انتقلوا للحديث عن حقبة (صراع ثابت ومستمر) أكثر من حديثهم عن (حرب طويلة)، وهي العبارة التي جاءت بصراع تهيمن عليه العسكرية التي تحدد مكان المعارك وتحدد النهايات بوضوح. ولكن الجنرال جورج ماسي رئيس هيئة الأركان أحاط لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي في الشهر الماضي، أن (الصراعات الثابتة والمستمرة)، حيث المدنيون، وليس العسكريون، يصبحون أهدافا أساسية للعدو ولنمط الحماية التي تقوم بها القوات المتحالفة، يمكن اعتبارها (العادي الجديد)، ومن هنا لا بد للجيش أن يعيد ترتيب نفسه محتفظا بهذا (العادي الجديد) في ذاكرته.والآن، والنزاع في أفغانستان يدخل عامه السابع، بقيت أميركا في حالة حرب من غير ملجأ في التصور ولأطول فترة منذ الثورة الأميركية. ففي شهادة لكاسي وبيت غيرين أمام مجلس النواب، جاء اعترافهما بأن جدول انتشار القوات الحالي بالعراق فوق قدرة البنتاغون الإدارية، بل ولأسر الجنود أيضا. فالواضح إذن أن قدرة أميركا في الإبقاء على قوات في العراق وأفغانستان، تعتمد الآن، وبقدر كبير، على جهود التخطيط العسكري، والمهارات الإدارية لوزير الدفاع روبرت غيتس، كما تجلى ذلك في حملات 2008 الرئاسية. وبهذا المعنى، فالواضح أيضا أن هذا الخريف ربما يقدم نهاية البداية للجهود الأميركية والحلفاء لجهة استخدام القوة العسكرية لمنع ملاذات شبكات الإرهاب العالمية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ونشير هنا إلى ان ونستون تشرشل قد استخدم مصطلح (نهاية البداية) عام 1942 لوصف هبوط جيوش الحلفاء في شمال أفريقيا، الذي نشأ عنه مد نجاح عسكري للنازية، فلم يكن يومها ثمة أمر مؤكد حول جدوى تلك الخطوة، وذلك يصدق اليوم أيضا على حالة الحلفاء في العراق وأفغانستان.
ولكن الوجود الأميركي هناك اليوم كان لشراء تجربة عسكرية صعبة في منطقة لم يتم التعود عليها، وحيث المصالح الأميركية الملحة هناك لجيل قادم أو أكثر، ومن هنا فهذه لحظة لتطبيق التجربة بنجاح، أو استدعاء عبارة السيناتور جورج إيكن عن فيتنام: أعلنوا الاستقرار ثم انسحبوا. ولكن الخلل القاتل في احتلال أميركا للعراق، يكمن في الإصرار ولزمن طويل على وحدة وطنية تفرضها وتطبقها بغداد، ورفض السماح للعراقيين بأن يتكيفوا أو يعالجوا فوضاهم.
وأخيرا فالشاهد، وكما أحاطني المارشال ستيراب وزملائي في الـ«واشنطن بوست»، أن تقليص بريطانيا لقواتها إلى 2500 عنصر بحلول الصيف القادم، والانسحاب من المدن، ربما يكون اختبارا معمليا مهما ربما يفتح أفقا لما يمكن أن يكون عليه الحال على نطاق أوسع في كل العراق.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
22
بريطانيا والمترجمون العراقيّون
سيريل تاونسند
الحياة
حكومة العمّال البريطانية أخيراً على حل خلاف متزايد حول سوء المعاملة التي تخص بها بريطانيا المترجمين العراقيّين إلاّ أنّ الختام سيكون مربكاً ومن دون ضوابط.وفي السّابع من آب (أغسطس) الماضي، بادرت صحيفة «ذي تايمز» الرائدة والتي توزع ما يقارب 700 ألف نسخة، إلى تحذير البلاد من مغبة حدوث كارثة محتملة، وادّعت الصحيفة أنّ الحكومة تنوي التخلّي عن واحد وتسعين مترجماً عراقيّاً وعائلاتهم وتركهم يواجهون احتمال تعرضهم للتعذيب عندما ستسحب جميع قواتها من جنوب العراق، أي ربما بعد سنة من تخفيض عدد قوات الوحدة البريطانية.وقد حصلت الصحيفة على رسالة سريّة مفادها «أنّ الحكومة تجاهلت نداءاتٍ خاصّة من قبل ضبّاط الجيش الكبار في البصرة تدعو الى التخفيف من قواعد اللجوء والقيام بترتيبات مميّزة للعراقييّن الذين عرضوا أرواحهم للخطر جراء ولائهم في الخدمة».وقد ردت رئاسة الوزراء على سؤال أحد المترجمين، وهو يعمل مع الجيش منذ العام 2004 أنّه لن يتلقّى خدمات خاصة بل تتعين عليه قراءة التعليمات الواردة على الموقع الإلكتروني.دُهشت كثيراً عندما علمت أنّ وزارة الدفاع البريطانية لم تتمكن من حل هذه المسألة منذ سنوات. ففي آذار (مارس) 2003 أرسلت بريطانيا 40 ألف رجلٍ وامرأة الى العراق للخدمة وقد تدنّى هذا الرّقم إلى خمسة آلاف.مجموعة محدودة جداً من عناصر القوّات المسلّحة تتكلّم العربيّة فضلاً عن أنّ قطاعات الخدمات الثلاثة والمديرين البريطانيين اعتمدوا الى حد كبير خلال المراحل الأولى على المترجمين العراقييّن الذين كانوا يواجهون يوميّاً مخاطرَ جمة من قنابلَ ورصاص. ولحسن الحظّ أنّ عدداً كبيراً من العراقيين يجيدون اللّغة الإنكليزيّة نتيجة روابط بريطانيا القديمة مع العراق وقد برهنوا على استعدادهم للتقدّم ومدّ يد العون.أمّا في ما يخصّ التّقارير العديدة والمريعة الصّادرة عن العراق حول أؤلئك الذين عملوا بولاء في خدمة بريطانيا، فهي لا تعدّ ولا تُحصى، نذكر منها أن «رجلاً قُتلَ برصاصة في رأسه بعدما ثُقِبت يداه وركبتاه وصُبّ الأسيد على وجهه»، في حين أُجبرَ آخر على الاتّصال بزوجته من خلال هاتفه النقّال «لتسمعه يلفظ آخر أنفاسه».لقد شكّلوا أهدافاً سهلة المنال للميليشيات الشّيعيّة غير المنضبطة والتي وصفتهم بالقول إنهم خونة وجواسيس ساندوا قوّات الاحتلال.وقد أدلى رئيس الوزراء غوردن براون بتصريح أمام مجلس النّواب في 8 تشرين الأوّل (أكتوبر)، لقي ترحيباً جيداً في صفوف البريطانيين، أفاد فيه «أن العاملين الحاليين الذين استخدمتهم الحكومة البريطانيّة طيلة أكثر من اثني عشر شهراً والذين أنهوا عملهم هم مخوّلون تقديم طلب للحصول على مبالغ مالية تساعدهم على تغيير إقامتهم في العراق أو في مكانٍ آخر أو حتى للدخول الى بريطانيا ضمن شروط متّفق عليها. فضلاً عن العاملين المتخصصين ومن ضمنهم المترجمون والمحرّرون الذين عملوا خلال الفترة نفسها والذين تركوا الخدمة منذ بداية العام 2005، الذين سيخّولّون هم أيضاً تقديم طلب المساعدة.وقد ردّ زعيم حزب المحافظين المعارض ديفيد كاميرون، الذي سطع نجمه منذ إلقائه خطابه البليغ الذي ارتجل معظمه أمام مؤتمر المحافظين، مرحباً بالإعلان وأضاف: «يتعيّن على بريطانيا ألاّ تخذل الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم دفاعاً عنها» وهو توجه صائب.كما أن وزير الخارجيّة في حكومة الظل، ويليام هيغ دعم هذا الموقف بالقول: «إنّ التخلّي عن هؤلاء الأشخاص وتركهم لمصيرهم أمر غير مقبول إذ يتوجب علينا صوناً لكرامتنا الاهتمام بهم بطريقةٍ أو بأخرى إن كانوا يعانون من مشكلة جدية».وعبّر مترجم في العراق، وقد دفعت مكانته الشّخصيّة رئيس الوزراء إلى الدّعوة لمراجعة القضيّة، عن أسفه لأن صدور القرار استلزم وقتاً طويلاً: «أشارك المترجمين وعائلاتهم السعادة إلاّ أنّني في الوقت عينه حزين على الذين قضوا قبل اتّخاذ القرار. كان حريّاً بالحكومة البريطانيّة إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان». وأنا أؤيّده تماماً.وقد علّق توم بورتوس، رئيس منظمة «مراقبة حقوق الإنسان» (هيومن رايتس واتش) في لندن بالقول: «أودّ أن أعرف كيف يستطيع المترجمون الذين يعيشون الآن خارج العراق تقديم طلب المساعدة؟ في الماضي، رفضتهم السّفارة البريطانيّة في دمشق. ويجب أن تشمل الحماية جميع الأشخاص المعرضين للخطر وألا تبقى حكراً على شخصيات انتقتها وزارة الدفاع بشكل اعتباطي».وقد لفت بعض النواب الانتباه الى ما تقوم به بعض الدول في هذا الموضوع، إذ عمدت الدنمارك خلال الصيف الى السماح لجميع العراقيين الذين كانوا يعملون مع قواتها في العراق بالإقامة فيها.من جهتهم، ينوي الأميركيّون ترحيل 7 آلاف عراقي هذه السنة، ومن بينهم الموظفون السّابقون الى الولايات المتحدة، كما منحت إسبانيا حق اللجوء الى العديد من العاملين العراقيّين قبل مغادرة قواتها العراق في العام 2004.ومن الواضح أن المعروض اليوم لا يشمل مجموع 20 ألف عراقي من الذين عملوا مع القوات البريطانية منذ آذار (مارس) 2003، وما من شكّ بأنّ عدداً كبيراً من أولئك الذين يسعون للحصول على اللجوء في بريطانيا يأملون في ان يتمكنوا من العودة إلى وطنهم عندما يستطيعون ذلك بعد استتباب الأمن في البلاد.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
23
احتلال العراق:أمثولة الكذب المطلق
د. فهمي الفهداوي
القدس العربي
لقد بدأت عملية تآكل المواقف ونفض الأيادي عن مواصلة الرحلة في سفينة الأخطاء، التي باتت إمكانية غرقها شبه محتمة عند روادها وبحارتها، وهذه هي الحقيقة المناسبة لعملية احتلال العراق من قبل جيش الإدارة الأمريكية للرئيس بوش.فلقد صدق الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، حين أقرَّ بفشل سياسة الرئيس بوش في معالجة القضايا المهمة، حتي وصف إدارته بأنها: أسوأ إدارة في التاريخ ، لكونها اضطلعت في توظيف الوسائل العسكرية، وأولتها الأسبقية علي المساعي الدبلوماسية في حسم ما يتعلق ويختص بالعلاقات الدولية.كما وأنَّ قناعة وزير الدفاع الأمريكي الحالي روبرت غيتس: من أنَّ الجيش الأمريكي مجهد تعطي مؤشرات حقيقية حول حجم المخاطر، التي يتخوض بين حقولها الجيش الأمريكي في مواقع الاحتلال وفي العراق تحديدا، خاصة إذا ما علمنا بأنَّ ادعاءات النجاح وتحسّن الأوضاع من زاوية الخطاب السياسي، التي دأبت عليه الإدارة الأمريكية بالتزويق والمكابرة والأضواء النــجومية، لا يعني بالـضرورة هناك رؤية مطابقة مماثلة، قائمة علي الأرض من زاوية الخطاب العـــسكــري الميداني، الغارق بالدم والانفجــارات وشـرر الرصاص ومواجــهات المقاومة يوميا. إنَّ تقييمات الأداء العسكري لجنود الاحتلال الأمريكي في العراق، غالبا ما تأتي من جهة القادة الممارسين والجنرالات المسؤولين، لتُحدِث مفاجأة التناقض والازدواجية بين المعقول المنطقي واللامعقول السفسطائي، بحيث يحدث شبه تبادل في الأدوار، بين معقولية العسكري وحساباته العملية من جهة، وبين مثالية السياسي وإرهاصاته التخيلية المستحيلة من جهة أخري، فيتحول المقول إلي سفسطة، ويضغط السياسي والعسكري معاً، باتجاه تقعير تقييم حالة الوضع العسكري تماما، الذي يتداخل فيه الارتباك والتعتيم والتمويه، دون مؤشرات يقينية ثابتة يمكن إدراكها حقا. وهذا كله يحدث، عندما يتخلي قادة العسكر عن مهنيتهم والتزامات رتبهم، أثناء وجودهم في مناصبهم العسكرية مرتدين بدلة السياسي، ومنخرطين في تبنّي أيديولوجية إنقاذ الأفكار السياسية من هزيمتها، وعندما يعود أولئك القادة، وبعد أن أصبحوا خارج مناصبهم العسكرية وغادروا رتبهم الفاعلة، التي تبيح لهم أصلا ارتداء الصبغة السياسية في خطابهم وأفكارهم، ليعلنوا ويصرحوا من وراء بدلاتهم المدنية الدائمة بفضائح الحقائق الميدانية، التي عليها أوضاع الجيش الأمريكي في مغامرات الاحتلال، متناسين بأنَّهم كانوا ذات يوم جزءا فاعلا من تلك الفضائح، وكان الأجدر بهم آنذاك أن يكشفوا ما يعلنون عنه اليوم. إنّ قادة المراكز العسكرية لجيش الاحتلال الأمريكي، وأثناء قيامهم علي رأس مهماتهم ومناصبهم الرسمية، يعمدون إلي منافقة رؤسائهم المدنيين وأصحاب القرارات العليا في الإدارة الأمريكية، والسير خلف أكاذيبهم المغلفة بحسابات سياسية، تتعدي مقتضيات العمل الواقعي في الميدان، وتتجاوز عن سياقاته الفعلية الخاضعة لحسابات عسكرية مقروءة، ليشكلوا رديفا مشاركا في ممارسة تضليل أتباعهم وأبناء شعوبهم والرأي العام، حتي لو كان ذلك علي حساب التضحية غير المبررة بدماء جنودهم وأرواح أبناء وطنهم، وإفهام المُهتمين والمتابعين خلافا لكل ما قد يتمخض عنه معقول الواقع. هكذا هي المفارقة، وهكذا تتكور ملابساتها، لكنَّ الحقيقة دائما تأتي أخيرا في حالات الغزو واحتلال البلدان واستعمار الشعوب واقتراف الجرائم الكبري، وحين تشارف لعبة المصالح الانتهازية علي نهاية مواسمها العاصفة، وعندئذ ليس ثمة ما يمنع من كشف المستور والاستماع إلي تقليعات أو تصريحات القادة العسكريين المستقيلين أو المتقاعدين ، الذين كانوا في يوم ما، حجر العثرة في كل زاوية من زوايا مأساة الوطن والبلاد، وما حدث للمجتمع العراقي والأمريكي علي حدَّ سواء، ولم تشهد لهم المسامع آنذاك بصحوة ضمير ولا بفعل محمود، إزاء تصحيح مسار المأساة من جراء الحرب وقيام الاحتلال. ولا بأس. فقد عودنا الأقوياء الظالمون عند نهاية عزّتهم، بأنَّ لهم ضميرا يصحو بعد فوات الأوان بأمل التقرُّب من خلاص مفترض، عبر الانغمار في هالة التصريحات المعاكسة، كلما تناقصت امتيازاتهم، ووجدوا أنفسهم في عزلة الضوء الخافت ووحشة الحال، وهم يستحضرون خيباتهم السلوكية وسيرتهم المهنية المصبوغة بالخديعة، التي ينبغي تداركها بضمان استبعاد أخطائهم عن مذكراتهم الجديدة، التي ينوون كتابتها، وكأنهم أبطال زمانهم الذي لا ينبغي تدنيسه بمسؤولية النفاق الحقيقي، ويمكن حشوه بروحية الطهر المزيف، كضرورة ملفتة من ضروريات تجميل عكّازات الشيخوخة وطلب الغفران الموهوم، عند الدخول في مرحلة أرذل العمر. فلا ينبغي التعامل جديّا مع تصريحات رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق جورج كيسي عندما قال: بأنَّ الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق فقد توازنه ، كما يجب أن لا يعول علي ما جاء به مؤخرا، ريكاردو سانشيز قائد القوات الأمريكية السابق في العراق، حينما وصف مهمة القوات الأمريكية بأنَّها: كابوس لا نهاية بائنة له ، خاصة وسانشيز أو كيسي اليوم كلاهما خارج الحظيرة، ويقولان كلاما يُحسب علي قائمة المتقاعدين ممَّن هم خارج السرب وتوقيع القرارات. وسوف لا أستبعد أن يفعل مثلهما الجنرال ديفد بيترايوس، القائد الحالي للقوات الأمريكية في العراق، حالما يستقيل أو يتقاعد مستقبلا، وربما سيُصرّح بما هو أخطر وأنكي من أيّة أقوال أخري، بالشكل الذي تموت فيه كل دفاعاته المستميتة، وتجميله صورة المشهد العسكري لقواته، التي قدمها أمام الكونغرس الشهر الماضي، وقد يُبيّن وقتها حجم الضغوطات السياسية، التي تعرَّض لها وأجبرته علي قول ما قاله وعبَّرَ عنه في تقريره المعروف. إنَّ الحرب علي العراق، والتي أرادها الرئيس بوش، ومن خلال تفعيل ماكنة التشغيل الإعلامي المزيف، حربا شاملة علي ما يسمي الحرب علي الإرهاب، ستشكل دليلا تاريخيا علي كذب السياسة الأمريكية في العصر الحديث، وسيجعلها ذلك أمثولة الكذب المطلق، وفي أسود جانب من هذا الكذب، ستبرز فصول كثيفة حول كيفية إدارة المعلومات وتوظيف معطياتها الخاطئة، ضمن إستراتيجية معتمدة في دعم الخيارات المجنونة، التي تعبّر عن رغبة طغمة فاسدة من قادة العالم الجدد، وعن سعيهم الحثيث في إيجاد بؤر منتشرة لحكومات اللصوصية والافتراء، وممالك رجال الأعمال الفاسدين لقيادة الدول وحكم البلدان. ومن يدري؟ فلربما هذه الفصول المحجوبة اليوم، ستكون هي المذكرات ذاتها، التي تجود بها قريحة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق، والبطل المتميز في فضائح سجن أبي غريب وغيره، أو علي وجه أصحّ مذكرات الرئيس بوش نفسه، بعد أن يدرك تماما، بأنَّ أحدا ممَّن يعرف أو عمل تحت رئاسته القديمة، لم يعد يراسله أبدا.