Iraq News
























مواقع إخبارية

سي أن أن

بي بي سي

الجزيرة

البشير للأخبار

إسلام أون لاين



الصحف العربية

الوطن العربي

كل العرب

أخبار اليوم

الأهرام

الوطن

القدس العربي

الحياة

عكاظ

القبس

الجزيرة

البيان

العربية

الراية

الشرق الاوسط

أخبار العراق

IRAQ News




فضائيات



قناة طيبة

قناة الحكمة

قناة اقرأ

قناة الشرقية

قناة بغداد الفضائية

قناة البغدادية

قناة المجد

وكالات أنباء

وكالة أنباء الإمارات

وكالة الأنباء السعودية

المركـز الفلسطينـي

وكالة أنباء رويترز

وكالة الانباء العراقية


تواصل معنا من خلال الانضمام الى قائمتنا البريدية

ادخل بريدك الألكتروني وستصلك رسالة قم بالرد عليها

Reply

لمراسلتنا أو رفدنا بملاحظاتكم القيمة أو

للدعم الفني

راسل فريق العمل

إنظم للقائمة البريدية


اخي الكريم الان يمكنك كتابة تعليق وقراءة آخر عن ما ينشر في شبكة أخبار العراق من خلال مساهماتك في التعليقات اسفل الصفحة



Website Hit Counter
Free Hit Counters

الجمعة، 28 سبتمبر 2007

صحيفة العراق الألكترونية (المقالات والإفتتاحيات) الخميس 13-9-2007

نصوص الافتتاحيات والمقالات
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
1
تسلل إيراني عبر التجارة ومكافحة الكوليرا
نزار السامرائي
صحيفة العراق
أثار اعتقال العميد محمود فرهادي ، في السليمانية ضمن وفد تجاري إيراني ، يزور المنطقة ، الكثير من علامات الاستفهام ، لعل في مقدمتها ، أسباب ردود الأفعال الغاضبة ، التي أبداها الرسميون الإيرانيون تجاه الحادث ، بحيث وصلت ذروة السخط ، في القرار الذي اتخذته الحكومة الإيرانية ، بإغلاق المنافذ الحدودية الخمسة ، مع العراق في المنطقة الشمالية ، وكأن إيران تريد معاقبة طرف لاصلة له بالإجراء الذي تم تنفيذه .
وهنا سيبرز سؤال جوهري ، عما إذا كانت إيران تفترض دورا للزعامة الكردية العراقية ، في استدراج فرهادي والإيقاع به بوشاية سريعة أوصلتها للقوات الأمريكية ، والتي لم تضع وقتها للتحري عن دقة المعلومة ، بل سارعت وعلى الفور ، بمداهمة فندق بالاس ، الذي كان يقيم فيه بمعية الوفد التجاري ، الذي كان يزور السليمانية بدعوة من محافظها ، مما ترك ظلالا قاتمة على ملابسات الدعوة أصلا ، خاصة أن العميد الإيراني مطلوب بامتياز من قبل القوات الأمريكية ، فالرجل تمكن من الإفلات من اعتقال مؤكد ، أثناء مداهمة تلك القوات لمبنى القنصلية الإيرانية في أربيل ، في 11/1/2007 .
ويبدو أن الحكومة الإيرانية ، أرادت ممارسة أعلى ضغط على( حكومة كردستان) لتضغط بدورها على أصدقائها الأمريكيين ، من أجل إطلاق سراح العميد فرهادي ، غير أن القلق ، والشعور العالي بوطأة الأزمة المحتملة جراء القرار الإيراني ، لا بد أن يثير شكوكا حول امتلاك المنطقة الكردية في شمال العراق لمقومات مشروع الدولة المستقلة ، والذي يرفع لابتزاز العراقيين كافة من أجل الحصول على أكبر قدر من التنازلات ، ففي الحجج التي ساقها المسؤولون في ( حكومة كردستان ) ، كانت قضية السيادة الوطنية ، أضعف أطروحة ، في حين برز التذمر من تعرض المنطقة الشمالية في العراق، إلى كارثة إنسانية واقتصادية نتيجة للقرار الإيراني ،
بأجلى صوره لينسف أي احتمال لقيام دولة كردية ، ما لم تحصل على قبول دول الجوار ، ويبدو أن الزعامة الكردية تقرأ مواقف إيران بشكل خاص ، والتي تدعم تلك الزعامات ، لمجرد الرغبة في إبقاء العراق في أضعف مستوى ، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا ، على أنها دعم للمشروع الكردي ، بصرف النظر عن النقطة التي سيتوقف عندها ، وهذا الخلط هو الذي أوقع المنطقة الكردية في العراق في مسلسل المآسي الذي مرت به ، لأنها كانت تستخدم كورقة ضد الحكومة العراقية من طرف قوى إقليمية ودولية ، وبمجرد تحقيق الهدف من وراء الاستخدام المرحلي لتلك الورقة ، سرعان ما تلقى في أقرب سلة للنفايات ، فمخاوف إيران من القضية الكردية ، أكبر من مخاوف الدول الاخرى التي تعيش فيها أقليات كردية ، لأن إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تختلف مع الأكراد قوميا وطائفيا .
لقد أظهر جلال الطالباني ، في التعامل مع قضية اعتقال محمود فرهادي ، رد فعل فيه من الحرص على الروابط مع إيران ، أكثر من التعبير عن موقف عراقي ، ولو أن الطالباني تحرك بدواعي كردية ، لكان عليه أن يقف وقفة مسؤولة مع أصدقائه الإيرانيين ، ويشعرهم بشيء من الغضب ، أو عدم الارتياح على الأقل تجاه استمرار القصف المدفعي ، لمناطق عديدة في محافظة السليمانية ، وهي منطقة النفوذ السياسي للطالباني نفسه على ما يطرح ، ولذلك فإن المراقب سيحار في التعامل بهذه الثنائية ، حينما لا يجد استنكارا كرديا لذلك القصف ، بل أن ( حكومة كردستان ) كانت تحيل أزمات المنطقة ، والمسؤولة هي عن بروزها ، إلى الحكومة المركزية في بغداد محتمية بسيادة العراق ، في حين أنها تخرج عليها حيثما وجدت في ذلك منفعة لها .
الرسميون الإيرانيون ، الذين تعاملوا مع هذا الملف ، لم يستقر بهم الحال على وصف واحد لوظيفة فرهادي ، أو المهمة التي جاء لإنجازها في العراق ، فتارة يقولون إنه يتولى مهمات تنشيط التبادل التجاري مع العراق ، وأن مقره في كرمنشاه ، وتارة يقولون إنه جاء من أجل تقديم المساعدة في التغلب على مرض الكوليرا ، الذي تفشى في السليمانية ، وثالثة يقولون إنه يساعد في تقديم الخبرة الزراعية للأكراد ، ولا يشك أحد أن تعدد الروايات لا بد أن يعزز الشكوك في حقيقة مهمته أو مهماته في العراق عبر البوابة الكردية ، هذا بالطبع لمن لا يمتلك معلومات موثقة عنه .
فما هي حقيقة فرهادي ؟
يشغل العميد محمود فرهادي وظيفة قائد معسكر ظفر التابع لقوة القدس المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ، ومقر معسكر ظفر في كرمنشاه ، وسبق أن دخل الأراضي العراقية ، أثناء الغزو الأمريكي عام 2003 ، من محور قصر شيرين ، مع فيلق بدر ، وأثناء قيادة العميد ( مسكريان )لمعسكر ظفر حينذاك ، جعل مقره في منطقة كلار ، وأصبح المسؤول المباشر لقوة القدس في محافظة ديالى ، وانحصرت مهمة قوة القدس في ذلك الوقت ، في إعادة تنظيم فيلق بدر ، وبعد ذلك عمل في قسم تأمين الأمن لقوة القدس في شمال العراق ، وأقام مدة في مكتب العلاقات الإيرانية في دربنديخان ، وفي عام 2007 تمت ترقية مسؤوليته ، فأصبح قائدا لمعسكر ظفر خلفا للعميد مسكريان ، ويتولى الإشراف على تدريب المليشيات ( العراقية ) في معسكر ظفر كما يتابع إرسال الأسلحة ، والعتاد من قبيل قذائف الهاون و RBG7 وصواريخ الكاتيوشا ، وصواريخ أرض جو ، وتحت إمرته قوات القدس المتواجدة في خانقين و السليمانية و بلدروز ، داخل الأراضي العراقية ، وفي قصر شيرين و نوسود و سومار في إيران .
في ضوء ما تقدم لا بد للمراقب ، أن يتفهم أسباب ردة الفعل القوية لإيران ، فالحكومة الإيرانية ، تخشى اعترافه عن هذا التاريخ الحافل بالمهمات الكبيرة ، لأن ذلك إن حصل فهذا سيضع تحت تصرف القوات الأمريكية كما كبيرا من المعلومات المهمة لملاحقة بقية الشبكات المقنعة بواجهات تجارية وطبية وزراعية ، غير أن سؤالا محيرا لا بد أن يطرح في التعامل مع هذه القضية ، وهو لماذا لم تتخذ طهران من التدابير الكافية ما يحول دون وقوعه في الفخ المنصوب له منذ مدة ليست قصيرة ، فهو على قائمة المطلوبين أمريكيا ، وكاد أن يعتقل لولا أن هربه بعض الشيوعيين ، أثناء مداهمة القنصلية الإيرانية في أربيل ، فهل ارتكبت إيران غلطة الشاطر ؟ ولماذا كان فرهادي يتواجد مع كل الوفود الإيرانية القادمة إلى شمال العراق بشكل خاص ؟
أسئلة لن يتمكن أحد من إعطاء جواب شاف ، ما لم يطلع عل وثائق القضية من جميع أطرافها .



ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
2
الهزيمة أم أوهام "الاستشارات السماوية"؟
سعد محيو
الخليج الامارات
“لم يعد بإمكاننا تجنب الحصيلة المريرة: لقد خسرنا حرب العراق، وبالتالي السؤال الآن هو كيف يمكن أن نتدبر ما ليس منه بد: كيفية الخروج، وحصر الخسائر التي لحقت بالمصالح الأمريكية، وإنقاذ الأرواح، وأخيراً استخلاص بعض الإيجابيات من النتائج السلبية”.

هذه كانت الخلاصة الشجاعة والواقعية التي خرج بها مؤخراً ستيفن سايمون وحسيب صباغ وراي تقية، وهم ثلاثة من أبرز المحللين الأمريكيين المتخصصين بشؤون الشرق الأوسط في “مجلس العلاقات الخارجية”.

هي خلاصة شجاعة، لأنه ليس من السهل البتة على دولة عظمى كأمريكا أن تعترف بهزيمتها على يد دولة صغرى كالعراق. العنفوان هنا مهم، خاصة وأن هذه الدولة العظمى خرجت لتوها من نصر تاريخي مبين دمرت خلاله منافسها السوفييتي الكبير، بعد أن كانت حولت خلال حربين عالميتين متتاليتين النمرين الكاسرين الألماني والياباني إلى قطط وديعة ومستسلمة.

وهي واقعية، لأن أمريكا خسرت بالفعل حرب العراق. فما لم يستطع 170 ألف جندي أمريكي فعله طيلة أربع سنوات ونصف السنة وهي “تهدئة” هذه البلاد العصية، لن يستطيع أحد فعله. وما عجزت عنه القوة الاستراتيجية الأمريكية بكل عناصرها التكنولوجية والدبلوماسية والأمنية، لن تنجح فيه جهود تكتيكية من هنا وهناك.

لكن الخلاصة الشجاعة والواقعية تحتاج إلى قائد سياسي شجاع وواقعي. وهذا بالتحديد ما كانه ريتشارد نيكسون، حين قررت أمريكا الاعتراف بهزيمتها في فيتنام. لكن الأرجح أن هذه القماشة ليست متوافرة الآن في واشنطن. فالرئيس بوش لا يزال يدعي أنه “يتشاور” مع العناية الرلهية حول كل قضايا الشرق الأوسط. وهذه العناية تدعوه إلى مواصلة الحرب حتى آخر لحظة من ولايته العام ،2008 ولذا، عبء الشجاعة والواقعية سيقع على عاتق خلفه العتيد، سواء أكان جمهورياً أو ديمقراطياً.

لكن، ما معنى أن تعترف أمريكا بالهزيمة وتتصرف على هذا الأساس؟

هناك ثلاثة خيارات: الأول، الانسحاب على النمط الفيتنامي. والثاني، الانسحاب مع ترتيب الأوضاع. والثالث، الرد على خسارة العراق بربح جوائز استراتيجية أخرى.

الخيار الأول مستحيل وغير وارد البتة، بسبب المصالح النفطية الأمريكية الضخمة، في عصر اقترب فيه البترول من ذروة الإنتاج ويستعد للتحول إلى سلعة نادرة. أمريكا من دون السيطرة على نفط العراق وبقية الشرق الأوسط، لن تبقى دولة عظمى ولا حتى دولة كبرى.

الخيار الثاني ممكن، لكنه صعب، لأنه يتضمن ضرورة اعتراف واشنطن بالقوة الإقليمية الإيرانية، وبالتالي قبول كوندومينيوم (حكم مشترك) إيراني أمريكي في منطقة الخليج وحوض بحر قزوين آسيا الوسطى (حيث البترول)، والهلال الخصيب (حيث “إسرائيل”).

الخيار الثالث، وهو الأرجح، يدعو إلى التعويض عن خسارة العراق بجوائز استراتيجية ضخمة أخرى في الشرق الأوسط الكبير، تماماً كما فعلت أمريكا في السبعينات حين عوضت عن خسارة سمكة فيتنام الصغيرة بربح الحوت الصيني الكبير. هذا الخيار جذاب، ومغر، ويوفر للولايات المتحدة كل الفرص لترميم هيبتها العالمية، ولمنع خصومها الدوليين الآخرين، مثل الصين وروسيا، من اشتمام رائحة الدم المنبعثة من مستنقع القتل العراقي.

لكن، هذا الخيار الثالث المرجح سيبقى معلقاً في الهواء، إلى أن تقبل أمريكا الجلوس إلى كرسي الاعتراف لتقر بهزيمتها العراقية. ولأن هذا لن يكون وارداً من الآن وحتى أواخر العام المقبل، لن تكون دعوات سايمون وصباغ وتقية الشجاعة والواقعية أكثر من ذلك: أي مجرد دعوات، في واد صرصر يعج بالتهور، والخيالات، وأوهام الاستشارات الإلهية.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
3
معركة الفلوجة.. هزيمة أمريكا في العراق

الشبيبة عمان
الفصل الأول
كانت الساعة قد جاوزت منتصف الليل بقليل حينما كنت أجلس في غرفة الأخبار التي كان الزملاء في مكتب قناة الجزيرة في بغداد قد انتهوا للتو من تجهيزها وافتتاحها في مقر المكتب الذي كان يقع في فندق بحيرة البجع المطل على ساحة كهرمانه في حي الكرادة في مدينة بغداد، وبينما كنت مستغرقاً في مراجعة تقرير صحفي أعددته عن زيارتي لمدينة سامراء، فجأة.. دق جرس الهاتف، فقام الزميل حامد حديد الذي كان يجلس إلى جواري بالرد عليه.
أفقت من استغراقي في مراجعة ما كتبت على وقع تساؤلات من حامد يطرحها على المتحدث من الطرف الآخر الذي فهمت مباشرة أنه مدير قناة الجزيرة وضاح خنفر الذي كان يتحدث من مقر القناة الرئيسي في الدوحة. أدركت من مسار المكالمة أن هناك شيئاً غير عادي يحدث في مدينة الفلوجة أو حولها، وحينما أنهى حامد مكالمته التفت إليَّ وقال: "وضاح يقول إن لديه معلومات تفيد بأن هناك قوات أمريكية بأعداد كبيرة قد طوقت مدينة الفلوجة وحاصرتها، وطلب مني تحري الأمر ومعرفة ماذا يدور هناك". قلت له: "إن الساعة قد جاوزت منتصف الليل، فكيف يتم معرفة ذلك؟"، قال:"سوف نتصل بمراسلنا في الفلوجة حسين دلي ونعرف ماذا يدور هناك". وقام حامد بالاتصال بالزميل حسين دلي مراسل الجزيرة المقيم في مدينة الفلوجة وأخذ يتحدث معه ويستفسر منه، وكان واضحاً من مسار المكالمة أن حسيناً لا يعرف شيئاً عما يدور خارج المدينة، وطلب من حامد أن يمهله قليلاً حتى يخرج من بيته ويدور في بعض الشوارع ويصل إلى أطراف المدينة حتى يرى إذا ما كانت هناك أية تحركات غير عادية أو قوات أمريكية قريبة من مداخل المدينة.
وبعد ما يقرب من ساعة اتصل حسين وأخبرنا بعد جولة قام بها في أحياء المدينة وعلى أطرافها القريبة أن المدينة هادئة وليس هناك شيء غير عادي يدور داخلها أو على مخارجها القريبة يفيد بأنها قد تمت محاصرتها.
تداولنا في الأمر بعد ذلك، ووضعنا كافة الاحتمالات أمامنا وما الذي يتوجب علينا فعله لا سيما وأن الوضع كان متوتراً للغاية في الفلوجة بعدما قام رجال المقاومة في 31 مارس 2004 بالهجوم على سيارة تقل بعض المرتزقة الذين يعملون مع القوات الأمريكية وقتلوا أربعة منهم احترقت بهم سيارتهم بعد قتلهم، ثم قام عامة الناس بسحل بعض جثث المرتزقة في الشوارع، مما أعاد سيناريو الصومال مرة أخرى بعدما نقلت وكالات الأنباء الصور إلى كافة أنحاء العالم. وكان مراسل الجزيرة حسين دلي من بين الذين تمكنوا من التقاط صور مميَّزة لما حدث تمَّ بثُّها على شاشة قناة الجزيرة وعلى شاشات التلفزة العالمية، بعدها لم تتوقف تهديدات المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس بوش من أن هذا الحادث لن يمر دون الانتقام ممن قاموا به، وفي لحظات الترقب هذه جاءنا خبر تطويق القوات الأمريكية للمدينة ليل الأحد الرابع من أبريل من العام 2004.
كانت ترتيباتنا في قناة الجزيرة لتغطية يوم التاسع من أبريل 2004 والذي يصادف ذكرى مرور عام على الاحتلال الأمريكي للعراق هي تكوين أربع فرق تليفزيونية توجد في أربع مناطق رئيسية تغطي أنحاء العراق، على رأس كل فرقة أحد مقدمي الأخبار أو البرامج المميزين.
الفريق الأول يكون مقره في بغداد وعلى رأسه الزميل محمد كريشان، والفريق الثاني في أربيل شمال العراق وكان مقرراً أن يكون الزميل غسان بن جدو على رأسه، لكن مهمة هذا الفريق لم تتم ولم يأت غسان لأسباب لم أعرفها ولم أسأل عنها. أما الفريق الثالث فقد كان مقرراً أن يوجد في كربلاء والنجف وأن يكون على رأسه الزميل عبد القادر عياض الذي رافقني من الدوحة وقام بتقديم بعض حلقات برنامج المشهد العراقي، لكن عبد القادر بقي بعد ذلك في بغداد لمشاركة محمد كريشان في تقديم أحداث التاسع من أبريل، أما الفريق الرابع فقد تقرر أن يكون مقره مدينة الفلوجة وكلفت أنا أحمد منصور أن أكون على رأسه، علاوة على ذلك كانت لديَّ مهام أخرى عديدة، منها تقديم عدة حلقات من برنامجي بلا حدود مع بعض القادة العسكريين الذين عايشوا معركة بغداد الأخيرة في العام 2003 وتقديم جانب من الصورة الخفية لهذه الحرب وخفاياها. وقدمت حلقتين بالفعل من برنامج بلا حدود آنذاك مع خمسة من كبار العسكريين العراقيين الذين تيسَّر لي لقاؤهم أو الذين قبلوا الحديث معي حيث إن الأمر لم يكن سهلاً في ظل تجريم سلطات الاحتلال ومجلس الحكم آنذاك لمعظم العراقيين الذين عملوا مع النظام السابق. الأمر الآخر هو البحث عن ضيوف لبرنامجي الآخر "شاهد على العصر" من صناع القرار والمسؤولين العراقيين السابقين، لذلك حينما جلسنا في مكتب قناة الجزيرة نتداول أمر الفلوجة بعدما أبلغنا وضاح خنفر بحصارها ليل الأحد الرابع من أبريل انتهينا في نقاشنا الذي امتد إلى قرابة الثانية بعد منتصف الليل إلى أن أتحرك صباح الاثنين الخامس من أبريل مع فريق العمل الذي كان من المقرر أن يصحبني يوم التاسع من أبريل إلى الفلوجة، وأن ندخل إلى المدينة ونبقى بها إلى التاسع من أبريل.
هكذا كان تصورنا، فالصورة لم تكن واضحة لدينا بعد، ولم نكن نعلم أن المدينة قد حوصرت من كافة الطرق والجوانب، حتى الطرق الفرعية أغلقتها القوات الأمريكية، ولم يعد هناك أي مجال للدخول، ولأن الإرهاق قد بلغ بي مبلغه وكذلك الزملاء الذين كانوا معي فقد قررنا أن نخلد إلى النوم ولو قليلاً حتى نتمكن في الصباح من القيام بمهمتنا الشاقة التي لم نكن نعلم أي شيء عن تفاصيلها.
ولكن قبل أن نبدأ طريقنا إلى الفلوجة لنتعرف أولاً عن وضع العراق قبل معركة الفلوجة الأولى وتحديداً بعد عام من الاحتلال الأمريكي؟
العراق بعد عام من الاحتلال
كنت أتجول بعد عام من الاحتلال الأمريكي للعراق، وتحديداً في الثاني من أبريل من العام 2004 ، في السوق القديم لمدينة سامراء ـ إحدى أقدم مدن العراق ـ حيث أحب دائماً أن أتجول في أسواق المدن القديمة رغم الأوضاع غير الآمنة التي كانت تعم العراق، ورغم أني كنت أحاول إخفاء ملامحي بوضع قبعة على رأسي ونظارة شمس سوداء على وجهي حتى أتحاشى فضول من يمكنهم التعرف عليَّ من خلال مشاهدتهم لبرامجي التليفزيونية، رغم كل ذلك اقترب مني فجأة عجوز عراقي وأمسك بيدي وقال لي وهو يتفرس في وجهي: "ألست أحمد منصور؟" قلت له وأنا أبتسم: نعم، قال بشكل مباشر: "أريدك أن تبلغ الناس بأن ما فعله الأمريكيون في العراق من خراب ودمار على مدار عام واحد من الاحتلال هو أكبر مما فعله صدام حسين على مدى خمسة وثلاثين عاماً، نحن لم نكن نحب صداماً، لكن الأمريكان أسوأ منه ألف مرة"، وظل الرجل يتحدث في هذا الاطار بضع دقائق فأنصت إليه أدباً ثم ودعته ومضيت.
وفي ذلك اليوم الذي نزلت فيه ضيفاً على الشيخ ناهض السامرائي التقيت مع كثير من أهل سامراء ووجهائها، وروى لي كثير منهم ما قامت به القوات الأمريكية في سامراء وما حولها طوال عام من الاحتلال مما سيأتي ذكره فيما بعد.
وفي اليوم التالي الثالث من أبريل 2004 التقيت في بغداد الدكتور علي المشهداني رئيس رابطة خبراء النفط العراقيين حيث إنه كان أحد الضيوف الذين رتبت معهم أن يشتركوا معي في التغطية المزمعة من الفلوجة في التاسع من أبريل، وقد سمعت منه نفس الكلام الذي قاله لى عجوز سامراء ولكن بلغة علمية وبأرقام وإحصاءات خبير في النفط والاقتصاد والمعلومات.
وكان خلاصة ما قاله لي الدكتور المشهداني آنذاك هو: "إن مجموع ما خسره العراق خلال عام واحد من الاحتلال الأمريكي بلغ 475 مليار دولار". فقلت له متسائلاً بتعجب:"هذا رقم ضخم للغاية فعلى أي أساس حسبته وقدرته يا سيدي؟"، قال: "لم أحسبه ولم أقدره وحدي، وإنما جلسنا مجموعة من الخبراء العراقيين في النفط والاقتصاد ووصلنا إلى هذه المحصلة الحقيقية من خلال ممتلكات ومخصصات الدولة، فالخسائر المالية لا تحسب على ما فقد أو ضاع ولكن لها حسابات أخرى، فقبل سقوط نظام صدام حسين كان 90% من مدخول العراق النفطي يوجه إلى التسلح، والآن تم تدمير كافة ممتلكات الدولة من السلاح والمعدات والمصانع الحربية والمطارات والمنشآت.
فالطائرات العراقية الحربية وكان معظمها محفوظاً في المزارع وصالحاً للطيران تُقطع الآن بمناشير خاصة إلى أجزاء وتبيعها سلطات الاحتلال بالطن كحديد خردة، ويباع الطن بقيمة ثلاثين دولاراً فقط، وهذا يعني أن الطائرة التي كان ثمنها عدة ملايين من الدولارات اقتطعت من أموال الشعب العراقي ومقدراته تباع الآن كخردة للمقاولين بعدة مئات من الدولارات، وأن الدبابة تي 72 الصالحة للاستخدام والتي يزيد وزنها عن 40 طناً والتي كان ثمنها يزيد عن مليون دولار تباع الآن بحوالي ألف دولار بعدما يتم تقطيعها إلى أربع قطع بمناشير خاصة جلبها المقاولون ويتم شحنها إلى خارج العراق حيث تباع كخردة ولا أحد يسأل سلطات الاحتلال عما تفعل، لأنه ليس هناك سلطة لأحد كي يسأل. وقد قمنا بعمل دراسات معمقة لمقدرات العراق العسكرية من معدات حربية ومصانع ومؤسسات ومنشآت ومعسكرات فوجدناها تزيد على (250) مئتين وخمسين مليار دولار كلها خربت وضاعت، وأرجو ألا تنسى أن الجيش العراقي الذي أسس بعد العام 1921 قد أزيل الآن، بمعنى أنه لم تتم إزالة المقدرات العسكرية فقط للجيش العراقي ولكنه أزيل كقوة يزيد تاريخها عن ثمانين عاماً، وهذا أمر لا يقدر بثمن.
أما المبالغ التي صرفت من خزينة الدولة العراقية على إعداد الكوادر في كافة المجالات من مدنيين وعسكريين، وأقصد هؤلاء الذين تم منحهم بعثات في الخارج ودورات خاصة خلال الثلاثين عاماً الماضية فقد زادوا عن (250) مئتين وخمسين ألف شخص، تكلفة كل واحد منهم تزيد عن 500 ألف دولار كمخصصات ودورات تدريبية وسفرات وبعثات وغيرها، وبالتالي فإن مجموع ما أنفق على إعداد الكوادر المدنية والعسكرية خلال الثلاثين عاماً الماضية بلغ (125) مائة وخمسة وعشرين مليار دولار، وهذا ـ على حد قوله ـ رقم علمي دقيق.
ثالثاً: هناك خمسون مليار دولار من المخصصات التي حصل عليها النظام السابق من مشروع النفط مقابل الغذاء تم انفاقها على شراء معدات مدنية خلال سنوات الحصار، هذه المعدات كان معظمها في الصناديق، وبعضها رُكِّب ولم يكن قد تمّ تشغيله بعد، وبعضها كان قد تم تشغيله لفترة قصيرة، شحنها الاحتلال كلها ـ بمعرفة الكثيرين ومعظمها معدات جديدة ـ في أكثر من ألف شاحنة إلى خارج العراق ولا ندري كيف بيعت. وبعضها تم إهداؤه من الأمريكان إلى بعض حلفائهم ولا ندري من الذي منحهم حق التصرف في ممتلكات الشعب العراقي بهذا الشكل؟".
وأضاف المشهداني قائلاً: "هذا خلاف الدمار الذي حدث في جوانب كثيرة منها جانب الزراعة التي نقوم بإحصائها الآن. أما مؤسسات وآبار النفط فإنها تتعرض لأكبر عملية تدمير للمكامن النفطية. فالكوادر العراقية الخبيرة في النفط هربت للخارج بعدما أصبحت مهدَّدة بالاغتيال، بل إن هناك عمليات تصفية منظمة منذ بداية الاحتلال لكافة الكفاءات العراقية المتميزة ويومياً هناك اغتيالات وتصفيات تحت دعاوى مختلفة لكنها كلها تصب في تفريغ العراق من أبنائه المبدعين والإبقاء فقط على من لا تقوم الدولة على أكتافهم".
أصابني كلام الدكتور المشهداني بالصدمة، لأن مثل هذه الحقائق لا يعلم بها كثير من الناس، كما كان كثيرون لا يزالون ـ في ذلك الوقت ـ بعد عام من الاحتلال الأمريكي للعراق يتحدثون عن كارثة نهب المتحف العراقي، لكن يبدو أن ما تم بعد نهب المتحف أضخم وأكبر بكثير مما يمكن أن يتخيل. وقد قمت خلال ما يقرب من شهر قضيته في العراق بين مارس وأبريل 2004 وقبيل معركة الفلوجة الأولى مباشرة بزيارة لكثير من المدن العراقية ووقفت على كثير من الحقائق المذهلة عما وقع للعراق خلال عام من الاحتلال، لكن الأرقام الدقيقة وهي اللغة التي عادة ما أتعامل بها لا يعرف بها الكثير من الناس، لأن الأرقام الحقيقية لدى طرفين هما سلطات الاحتلال والمقاولون الذين كانوا لا يزالون يقومون بتفكيك المصانع والمؤسسات ويفرغون المخازن من محتوياتها وشحنها كلها إلى خارج العراق، وكان باستطاعة أي متجول آنذاك على الطرق السريعة التي تربط العراق بدول الجوار أن يحصي الحجم الذي لا يُتخيل للشاحنات العملاقة التي كانت تحمل كل شيء، ولكن معظم ما كانت تحمله كان مغطى وغير ظاهر.
وأذكر أني في طريق عودتي من تكريت إلى بغداد في إحدى زياراتي المتكررة لها خلال النصف الثاني من مارس 2004 ، وجدت حادثاً على الطريق حيث كانت إحدى الشاحنات الضخمة مقلوبة، وكانت قوات من الشرطة العراقية وقوات أمريكية تطوِّق المكان، فطلبت من السائق المرافق لي أن يتوقف حتى أعرف ماذا يجري، وأبرزت هويتي الصحفية، وطلبت من الشرطة العراقية أن يسمحوا لي بالوصول إلى موقع الشاحنة ومعرفة ما حدث، فتعرفوا عليَّ من خلال عملي التليفزيوني لكنهم أخبروني أن القوات الأمريكية طلبت منهم عدم السماح لأحد بالاقتراب، وحينما حاولت أن أتعرف منهم على طبيعة الحادث لم يقدموا لي أية معلومات ذات قيمة، فهم عادة لا يعرفون شيئاً والحادث وقع لشاحنة في قافلة كبيرة كانت تضم عشرات الشاحنات الأخرى التي كانت تحرسها القوات الأمريكية وكانت القافلة ضخمة للغاية. وبعد نقاشات مع الجنود العراقيين جاء أحد الضباط وتعرف عليَّ ثم سمح لي أن أتقدم وأن أقترب من الشاحنة حتى أعرف ماذا تحمل، فوجدتها تحمل قطعة ضخمة أبلغني الضابط العراقي أنها لأحد معامل تكرير النفط وتم تفكيكها من هناك. سألته إلى أين تذهب هذه؟ قال: لا أعرف. وحينما رآني أحد الجنود الأمريكيين أبرزت له هويتي الصحفية وقلت له: "أريد أن أعرف طبيعة الحادث وماذا تحمل الشاحنة وإلى أين هي متجهة؟" لم يجب على سؤالي ولكن طلب مني الابتعاد فوراُ عن المكان ورفض الإدلاء بأية معلومات لي ومنعني من التصوير.
هذا الطريق هو نفسه الطريق الدولي الذي يربط بغداد أيضاً مع تركيا عبر الموصل، لكني حينما ذهبت إلى مدينة سامراء قلب ما يسمى بالمثلث السني، حيث توجد جزيرة بحيرة الثرثار التي كانت تقع بها المخازن الرئيسية للحكومة العراقية، والتي كانت تحوي كثيراً من مقدرات الدولة ومخزوناتها الاحتياطية في كافة المجالات العسكرية والمدنية، بدءاً من الغذاء وحتى العتاد العسكري، وقفت على معلومات أخرى مذهلة. فقد قدَّر لي بعض الخبراء العراقيين مساحة هذه المخازن بأنها تبلغ حوالي مليون هكتار من المباني، وكل هكتار كانت تبلغ مساحته 2500 متر، هذه المخازن الضخمة والرهيبة في مساحتها كانت ممتلئة بكل شيء، وقد وقعت بعد عدة أسابيع من الاحتلال تحت أيدي القوات الأمريكية بكل محتوياتها، وأبلغني أحد المسؤولين في مجلس الحكم في مدينة سامراء آنذاك أن العراقيين فوجئوا بعد عدة أشهر من الاحتلال، بمقاولين أجانب وعراقيين ينقلون محتويات هذه المخازن التي هى بحاجة إلى أساطيل من سيارات النقل وعدة سنوات حتى يتم تفريغها من محتوياتها وشحنها، فاكتشفوا أن الأمريكان هم الذين يقومون بعملية البيع لمحتويات هذه المخازن وبشكل مخيف، وأن هؤلاء المقاولين لديهم عقود بيع وتفريغ لهذه المخازن التي تحوي مقدرات هائلة للعراقيين وبها كميات كبيرة من السلاح والعتاد والمعدات الحربية التي لم تستخدم بعد، كذلك يوجد بها مواد تموينية وأغذية ومعدات مدنية وصناعية وأجهزة كمبيوتر وكل ما يمكن أن تكون الدولة بحاجة إليه".
وأضاف بأن "المنطقة كان بها أيضاً منشأة صناعية ضخمة اسمها منشأة صلاح الدين، كان النظام السابق قد أقامها بترتيب مع الفرنسيين وكانت مجهَّزة بأجهزة كمبيوترية عملاقة تستطيع صنع معدات وأجهزة رقمية بما فيها أقمار اصطناعية مدنية ومعدات وأجهزة مصانع، وكانت هذه المنشأة جديدة ولم تفتتح رسمياً بعد، لكننا اكتشفنا مجيء مقاولين بشاحنات من أجل فك الأجهزة ونقلها، فأبلغنا الشرطة العراقية والمحافظ وجاءت قوات من الشرطة لوقف هذه العملية التخريبية الكبرى لكن أحداً، حتى المحافظ، لم يستطع أن يمنع عملية التفكيك والنقل لهذه المنشأة العملاقة واكتشفنا أن هؤلاء المقاولين معهم عقد بيع من القوات الأمريكية وأن الموقِّع لهم على عقد البيع من الطرف الأمريكي هو جندي أمريكي برتبة عريف، وأؤكد لك وكلّي خجل أن قوة العريف الأمريكي الآن هي أقوى من سلطة المحافظ العراقي بل أقوى من أي عضو في مجلس الحكم حتى لو كان رئيس مجلس الحكم نفسه".
وأضاف قائلاً: "وأنا منذ عام أي منذ وقوع الاحتلال وأنا أسعى مع كثير من العراقيين المخلصين للحفاظ على ما تبقى من ثروة أمتنا لكننا فشلنا حتى الآن وثروة بلادنا تفكك وتباع، بل وبعضها يهدى لمن وقفوا مع المحتل ممن يُسمّون بالحلفاء ونحن عاجزون عن حمايتها، وأؤكد لك على أن متحف بغداد لم يحرق ولم يذهب وحده ولكن ما تم خلال عام واحد من الاحتلال من تدمير مقدرات الدولة وسرقتها أكثر فظاعة مما شاهده الناس على شاشات التلفزة خلال فترة الحرب، وكل ما يتم الترويج له الآن هو تغطية على عمليات النهب المنظم لما تبقى من ممتلكات ومؤسسات الدولة ومخازنها وثرواتها والتي يمكن أن تستمر لسنوات أخرى قادمة، ولا أحد يتكلم، لأن لا أحد يعلم حقيقة ما يدور، ولا أحد يسمع لنا فالكل مصاب والكل يتألم إما بمفقود أو معتقل. أما مقدرات الدولة وثروة الشعب العراقي من معدات لتصنيع الأقمار الاصطناعية وثروات أخرى فإنها تباع في المزاد ويوقع على عقد البيع جندي أمريكي.. هذا ما يحدث الآن في العراق بعد عام من الاحتلال".
انتشار البطالة والفقر
الحديث عن البطالة في العراق بعد عام واحد فقط من الاحتلال يعتبر شيئاً مريعاً، فهناك جيش كان يزيد عدد المنتسبين والمحترفين فيه عن نصف مليون جندي، وهناك دولة كان يعمل بها من الموظفين ما يزيد على سبعة ملايين شخص، أصبح معظمهم بل كلهم عاطلين عن العمل، وقد التقيت في بغداد آنذاك ضباطاً وموظفين كباراً سابقين كانوا يعيشون حالة مأساوية، فبعضهم كان يعمل سائقاً وآخرون يبيعون أشياء بسيطة في الشوارع حتى يعولوا أسرهم، حتى إن أحدهم قال لي وهو يطرق بوجهه: "لديّ خمس بنات بعضهن في الجامعات يا سيدي وأنا كنت برتبة لواء ركن وكنت أعمل أستاذاً في كلية الحرب العليا أعلى أكاديمية عسكرية في العراق، ومعي ثلاث شهادات للدكتوراه في العلوم العسكرية لكني الآن بلا عمل فمن أين أطعم أولادي وكيف أعيش؟".
وفى محافظة صلاح الدين التي تقع بها مدينة تكريت التي كان ينتسب لها الرئيس السابق صدام حسين، كان أغلب الناس الذين التقيت بهم ينتسبون للجيش والأمن الخاص والحرس الجمهوري أو موظفين عامين في الدولة، وهذا يعني أن الوظيفة سواء أكانت عسكرية أو مدنية كانت هي مورد رزقهم الأساسي، وجدت بعضهم يعمل بائعاً في الأسواق وبعضهم عاد يعمل في الفلاحة ممن كان لديهم أراض زراعية، لكن الأغلبية ليس لها عمل وتشكو الفاقة.
أما المؤسسات التابعة للإدارات المحلية فكلها تعيش حالة من الفوضى، ومن يذهب للعمل في الشرطة أو الدفاع الوطني بشكل عام في العراق فإنهم يوصفون بأنهم يعملون مع سلطات الاحتلال وبالتالي فهم إما أن يكونوا هدفاً لرجال المقاومة أو ينظر إليهم باحتقار من الناس، لكن في النهاية كما انتسب لحزب البعث سبعة ملايين معظمهم للبحث عن وظيفة فقد فعلت سلطات الاحتلال نفس الشيء ولكن في ظل فوضى عارمة.
فوضى الصحافة
حينما كنت أذهب إلى العراق قبل احتلاله من قبل القوات الأمريكية في أبريل من العام 2003 ، أي حينما كان يحكمه صدام حسين، كنت لا أجد سوى الصحف الحزبية والرسمية التي بقيت طيلة خمسة وعشرين عاماً تضع صور الرئيس السابق في صدر صفحاتها الأولى وتتحدث عن إنجازاته وتكاد وأنت تقرؤها تشعر أنك تعيش في عصر خاص هو عصر صدام حسين. وفي كل زيارة كنت أشعر أن هذه نفس الصحف التي قرأتها في الزيارة الماضية، لكني كنت أدقق في التاريخ فأجده تاريخ اليوم الذي أنا فيه وليس تاريخ الزيارة السابقة.
أما في بغداد وبعد عام من الاحتلال فقد كنت أجلس كل صباح على كومة من الصحف العراقية، لكن ما كنت أستطيع قراءته من هذه الكومة من الصحف كان لا يزيد عن صحيفتين إلى ثلاثة، أما النسيج الباقي من الصحف فهو يبدأ من صحف تعبِّر عن آراء أحزاب أو سياسيين سابقين أو ما يطلق عليهم العراقيون عملاء لأنظمة ودول مختلفة أو عائلات أو أفراد أو صحف فضائح تنشر قصصاً مختلقة لا أصل لها، أو قصصاً أخرى نشرت قبل سنوات في الصحف العربية فأعادوا صياغتها وإخراجها بأسلوب فضائحي ركيك ورخيص. أما باقي الصحف ـ نقلاً عن أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية الصحفيين العراقية ـ فقد زادت في بغداد وحدها خلال عام واحد من الاحتلال عن مئتين وثلاثين صحيفة بعضها لم يصدر منه سوى عدد واحد، وبعض الجهات والأفراد يصدرون أكثر من صحيفة، الكثير منها أو أغلبها كان يوزَّع مجاناً في الشوارع وعلى المكاتب والفنادق. ومن المناظر التي كانت مألوفة في بغداد صباحاً أن تجد عراقياً يحمل تحت إبطه كمية من الصحف ويمشي يوزِّع منها على من يعرف، وكثير منها على من لا يعرف. والغريب أن بعض هذه الصحف ربما لم يكن يقرؤها سوى الذين يكتبون فيها. وأذكر أني قرأت في إحداها قصة عن طلاق إحدى الممثلات أذكر أني قرأت نفس القصة قبل عدة سنوات في الصحف المصرية حتى إن هذه الممثلة ربما تزوجت وطلقت عدة مرات بعد هذه القصة، لكنها هنا برواية عراقية جديدة مليئة بالفبركة والتدليس. إنها الفوضى العارمة والفبركة التي تطال كل شيء. هذا في بغداد، أما في المحافظات والمدن الأخرى فقد كان يصدر ويوزع بها مئات الصحف الأخرى.
وقد كشفت الفضيحة التي فجرتها صحيفة "نيويورك تايمز"الأمريكية في ديسمبر من العام 2005 جانباً من طبيعة العمل الذي تقوم به بعض تلك الصحف، وكذلك مصادر تمويل كثير منها، وكذلك كُتّابها الذين فتحت أمريكا المجال لهم. وقد جاء الكشف عن هذه الفضيحة في موسم الفضائح الذي أخذ يلاحق إدارة بوش بعد إخفاقها في تحقيق أي من أهدافها في العراق، حتى إن أياً من هذه الفضائح كان كافياً من قبل لدفع الرئيس إلى الاستقالة، لكن إدارة بوش دائماً كان لها مبرراتها لكل ما تفعله في العراق حتى لو كان انتهاك الأسس التي قامت عليها الدولة الأمريكية.
وكانت فضيحة شراء ذمم الصحفيين والصحف في العراق ونشر مقالات تروجها الاستخبارات الأمريكية بأسماء كُتّاب عراقيين في الصحف العراقية التي تدفع أمريكا لها واحدة من تلك الفضائح التي يمكن أن تدمر سمعة أي نظام سياسي، لكن المفاجأة كانت في الفتوى التي صدرت عن كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية والتي نشرت في 30 ديسمبر 2005 وهي أن "الدفع للصحفيين الذين يروِّجون للإدارة الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم ليس مخالفاً للقانون"، بل إن كبير محققي وزارة الدفاع الأمريكية زاد على ذلك بقوله: "إن ما حدث كان متماشياً مع القوانين الأمريكية".
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قد فجرت الفضيحة في ديسمبر 2005 حينما أشارت إلى أن عدد المقالات التي كتبها الجنود الأمريكيون ونشرت في الصحف العراقية بأسماء كُتّاب عراقيين بلغت ألف مقالة، وبلغ ثمن نشر المقالة الواحدة ألفاً وخمسمئة دولار أمريكي.
وقد كشفت هذه الفضيحة أن ما حدث في العراق لم يكن سوى امتداد لما حدث في البلقان وأفغانستان ومناطق أخرى ساخنة من العالم، وأن مئات الملايين من الدولارات أنفقتها الولايات المتحدة عبر شركات متخصصة في الدعاية والفبركة الدعائية، وعبر وزارة الدفاع للمساهمة في العمليات التي كانت تقوم بها في تلك المناطق من أجل المساهمة في عملية تضليل إعلامي كبيرة تساعد على تنفيذ المخططات الأمريكية. ويتم ذلك بوسائل كثيرة منها شبكة الإنترنت ومحطات الراديو والتليفزيون والصحافة عبر شراء ذمم وأسماء صحفيين من أبناء هذه البلاد، بحيث يكون الأمريكيون بعيدون عن الأنظار لكنهم في الحقيقة يحركون كل شيء سواء بشكل مباشر أو عبر مسؤولين رسميين أو عبر شركات دعاية أمريكية يترأسها ضباط استخبارات سابقين.
ومن أشهر شركات الدعاية هذه "مجموعة ريندون" و"مجموعة لينكولن" و"المعهد الديمقراطي الوطني" و"المعهد الجمهوري الدولي"، هذا خلاف ما تقوم به وحدة العمليات السيكولوجية المتمركزة في قاعدة فورث براغ والتي يعمل بها 1200 عسكري أمريكي وتقوم على حد زعمهم بإعداد "الرسائل الصادقة لدعم أهداف الحكومة الأمريكية"، والتي هي في الحقيقة رسائل تضليل وأكاذيب لا فائدة منها كما يقول موظف سابق في "مجموعة لينكولن"، وكان كثير من الصحف الجديدة التي ظهرت في بعض الدول العربية ومنها مصر والأردن ولبنان ودول عربية أخرى قد أحاطت بها كثير من علامات الاستفهام على اعتبار أنها جزء من المشروع الأمريكي الإعلامي في المنطقة، فلم يعد كافياً أن يكون صحفي هنا وآخر هناك أو مقالة هنا وأخرى هناك، وإنما صحف كاملة تخدم المشروع وتفتح باب الكتابة لشخصيات معروفة يثق فيها الناس، وأخرى كما يقول وليم روبنسون البروفيسور في جامعة كاليفورنيا تكون:"مذعنة سلسة الانقياد لأبعد الحدود، وتدرك طبيعة الهدف من المشروع وتروِّج له". وقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مسؤول في وحدة العمليات السيكولوجية في البنتاجون قوله: "لا نريد أن يشعر أحد بمن يقف وراء ما ينشر حيث إن التعاقد يتم مع كُتّاب يعملون في تلك الصحف".
وقد كشفت هذه الفضيحة بعض أسرار هذا الكم الهائل من الصحف المنتشرة في العراق وما كتب ويكتب فيها من موضوعات مليئة بالتضليل والأكاذيب.
الأحزاب السياسية
مع الفوضى العارمة في كافة مجالات الحياة كانت هناك أيضاً فوضى في تأسيس ووجود الأحزاب السياسية في العراق، حيث بلغ عدد الأحزاب التي أعلن عن تأسيسها في بغداد خلال عام من الاحتلال أكثر من مئتي حزب سياسي؛ بل إن أحد السياسيين العراقيين أكد لي أن عددهم وصل في بداية أبريل 2004 إلى 237 حزباً، هذا خلاف الأحزاب الصغيرة في المحافظات والمدن حيث لم يتم عمل أي إحصاء رسمي لها حتى الآن، وهى تقدر بالمئات، وقد سارعت هذه الأحزاب بعد سقوط النظام إلى السيطرة على مقرات حزب البعث ومؤسسات الدولة السابقة، وحتى دور السينما والحانات وبيوت كبار الموظفين والمجمعات السكنية الحكومية والعسكرية واتخذتها مقاراً لها. وقد شاهد الجميع على شاشات التلفزة في 29 مارس 2004 صور عراك بالأيدي بين منتسبي حزب "جماعة ثأر الله" أحد الأحزاب الشيعية الصغيرة في مدينة البصرة وبين القوات البريطانية التي طالبتهم بإخلاء مبنى عاما سيطروا عليه واتخذوه مقراً لحزبهم بعد الاحتلال، وكان قبل ذلك مقراً لـ"اتحاد النساء العراقيات" في البصرة.
والغريب أن هؤلاء كانوا يطالبون بتملك هذه المباني التي هي ممتلكات الدولة في الأصل، كما أن بيوت مسؤولي النظام السابقين أيضاً تحولت إلى مقار للأحزاب أو إلى مساكن للمسؤولين الجدد الذين لم يتحرجوا بل سارعوا للاستيلاء على مساكن الذين ظلموا أنفسهم من رجال النظام السابق، وذلك بأسلوب عبثي فوضوي غريب.
وأكثر الأمور اضحاكاً في هذا المجال هو أني علمت أثناء وجودي في بغداد في مارس 2004 أن مبنى الإذاعة والتليفزيون محتل من قبل عشرات العائلات العراقية، فسألت: وكيف حال الإستديوهات؟ فقالوا: إن كل استوديو كبير سيطرت عليه عدة عائلات. لكن المضحك في الأمر أن هؤلاء يطالبون بتمليكهم المبنى على اعتبار أنه من مخلفات النظام السابق وليس من ممتلكات الدولة.
وحينما ذهبت لزيارة عضو مجلس الحكم الانتقالي صلاح الدين محمد بهاء الدين لترتيب حلقة تليفزيونية لي معه في برنامجي "بلا حدود"، وجدته يقيم في مجمع الوزراء في منطقة القادسية في قلب بغداد، ويحيط بالمبنى سور إسمنتي يصل ارتفاعه إلى حوالي أربعة أمتار أشبه ما يكون بالسور الذي أقامه شارون في الضفة الغربية، لكن سور القادسية كانت عليه حراسة أمريكية بالدبابات، وجنود عراقيون من الدفاع المدني خوفاً من عمليات التفجير التي أصبحت تهدِّد كل الأماكن التي تقيم فيها قوات احتلال أو مقرات للسلطة المؤقتة، ومثل هذه الأسوار الخرسانية انتشرت حول كل المباني والفنادق التي تستخدمها سلطات الاحتلال، فالمكان الذي كان يسكنه قادة البعث والسلطة السابقة أصبح للسلطة الجديدة الموالية للاحتلال.
فوضى الاغتيالات
"اغتيال ضابط سابق في وزارة الداخلية وإصابة ابنته"، "اغتيال قائد شرطة المحمودية"، "سيارة مفخخة تستهدف محافظ ديالى"، "مجهولون يختطفون الدكتور وليد الخال"،"مقتل طبيب في عيادته"، هذ ما كنت أنام وأستيقظ عليه في العراق أثناء تجولي في مدنها المختلفة خلال شهري مارس وأبريل من العام 2004 ، حوادث قتل وخطف وسيارات مفخخة، وطلقات نارية وانفجارات قذائف وصورايخ ولا أحد يشعر بالأمن كما قال لي أحد السياسيين العراقيين حتى بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي نفسه آنذاك كما قال في مذكراته ـ التي نشرت طبعتها العربية دار الكتاب العربي في بيروت في العام 2006 ـ تعرض لعدة محاولات اغتيال قال إنها بلغت خمساً حتى ذلك الوقت لكن بنهاية فترته بلغت سبع محاولات، وحتى قائد القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى الجنرال جون أبي زيد نجا هو الآخر من هجوم صاروخى شنّه رجال المقاومة على رتل عسكرى كبير كان فيه أثناء توجهه إلى مدينة الفلوجة في 12 فبراير2004. وأكد الجنرال مارك كيميت نائب قائد العمليات العسكرية في مؤتمر صحفي عقده في بغداد مساء نفس اليوم: "أن الجنرال أبي زيد كان يزور مجمعاً لفرقة الدفاع المدني العراقية في محلة الفلوجة عندما أطلقت ثلاث قذائف صاروخية على قافلته من فوق أسطح مبان قريبة".
فإذا كان هذا هو حال الحاكم المدني الأمريكي وحال قائد القيادة المركزية الأمريكية اللذين كانا يتحصنان وراء جدر وسط عشرات الآلاف من الجنود، فكيف هي حال المواطنين العراقيين البسطاء العاديين؟ ورغم أن مسؤولية الأمن هي مسؤولية الاحتلال لكن في ظل تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد التي رددها أكثر من مرة قائلاً: إن "أمن العراقيين هو مسؤولية العراقيين أنفسهم وليس مسؤولية سلطات الاحتلال" فإن هذا أمر يخالف ـ دون شك ـ كل القوانين الدولية.
وقد أدت هذه الفوضى الأمنية إلى قيام عصابات مسلحة منظمة تقوم بخطف الميسورين من الناس وطلب فدية لقاء الإفراج عنهم، وقامت عصابات أخرى بعمليات سطو مسلح، وقامت جماعات مسلحة بتصفية شخصيات من جماعات أخرى.
وقد أبلغني الدكتور حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق في لقاء أجريته معه في بغداد في شهر مارس من العام 2004 أن:"عدد علماء الدين الذين تمت تصفيتهم من أهل السنة خلال شهر واحد فقط زاد على خمسين عالماً منهم شقيقه" الذي كان كما قال: "إنساناً وادعاً ومسالماً وأحد أشهر العلماء السنة في بغداد"، وأضاف بأن "هناك قوائم أصدرتها بعض الجهات بتصفية البعثيين وهي في الأصل تستهدف تصفية الخبراء والعلماء والأكاديميين البارزين من أهل السنة وتصفية العراق من أبنائه الخبراء في كافة مجالات الحياة تحت دعوى أنهم بعثيون، وما يحدث هو خطير ويتجاوز كل الأعراف".
صناعة الكراهية لقوات الاحتلال
حينما ذهبت إلى مدينة الفلوجة يوم الخميس الأول من أبريل 2004 ، أي بعد يوم واحد من عملية قتل أربعة من المرتزقة الأمريكيين في 31 مارس تابعين لشركة "بلاك ووتر" ويعملون حراساً أمنيين لصالح الجيش الأمريكي، حيث تم سحل جثث بعضهم في الشوارع من قبل عامة الناس بعد حرق جثثهم والسيارات التي كانت تقلّهم ـ كان السؤال الذي يشغلني هو لماذا فعل الناس هذا العمل في الفلوجة؟ لماذا لم يكتفوا بقتل الأمريكيين بل قام العامة منهم والأطفال بسحل ما تبقى من جثثهم في الشوارع وتعليق أجزاء منها على أحد الكباري؟ وقد أخبرني بعض الوجهاء والحكماء في المدينة حينما التقيت بعدد منهم في هذه الزيارة:"إننا لا نقبل ما تم من قبل العامة وليست المقاومة مسؤولة عن هذا، فقد قام رجال المقاومة بعمل كمين للمرتزقة وهذا حقهم الذي كفلته كل القوانين والشرائع الدولية بمقاومة سلطات الاحتلال ثم انسحبوا من الموقع، لكن الأمريكيين صنعوا في نفوس عموم العراقيين من خلال ممارساتهم اليومية كمّاً من الكراهية لهم لا يوصف، وهذه الكراهية هي التي ولدت رد الفعل هذا لدى عموم الناس".
وانبرى أحد شيوخ العشائر من بين الحضور الذين تجمعوا للقائي وقال لي: "نحن أهل عشائر وأهل تقاليد كنا في عهد صدام حسين رغم كل طغيانه وجبروته لا يلقى القبض على أحدنا من قبل مخابراته إلا ويأتي مع قوات المخابرات مختار المنطقة وبعض أفراد الشرطة من المدينة ويستأذنوا بداية قبل الدخول، فنقوم بترتيب البيت وإيقاظ الأطفال أو تجميعهم في غرفة واحدة ثم يقوم النساء بتغطية أنفسهن والبقاء مع الأطفال ثم يقومون بالتفتيش دون أن يمسوا طفلاً أو امرأة، أما الآن فإننا نجد الجنود الأمريكيين بأسلحتهم على رؤوسنا ونحن في غرف نومنا بين نسائنا، ثم يأخذوننا بعد أن يروعوا أبناءنا وأطفالنا ـ والناس شاهدوا هذا المنظر يتكرر على شاشات التلفزة بالليل والنهار ـ يأخذوننا بعد ذلك فيضعون أكياساً في رؤوسنا ويهينوننا ونحن شيوخ عشائر أمام الصغير والكبير والنساء والأطفال، كما أنهم يعتقلون نساءنا في بعض الأحيان فلا نستطيع بعد ذلك أن نرفع رؤوسنا في وجه أحد. وسبق أن دخلوا بيوت المدينة بيتاً بيتاً وفتشوها وانتهكوا حرماتها ولم يجدوا دليلاً ضد أحد، كما أن كثيراً من الأسر قد تضررت واعتقل المئات من الناس وقتل كثيرون وبالتالي فلم يعد هناك بيت ليس له ثأر من نوع ما مع الأمريكيين، إنهم يصنعون الكراهية في نفوس الكبير والصغير من أهل العراق منذ عام كامل فما الذي تتوقعه من عامة الناس؟".
وحينما ذهبت إلى مدينة سامراء في الثاني من أبريل كان نقاش الناس يدور حول ثمانمئة معتقل لدى القوات الأمريكية من أهل المدينة، وكانوا يعدون لمؤتمر في المدينة للمطالبة بالإفراج عنهم، وحينما ذهبت إلى تكريت حيث مسقط رأس صدام حسين وجدت صورة مشابهة، وحينما ذهبت إلى الرمادي وجدت ذلك، وحينما ذهبت إلى مدن أخرى منها بلد وبعقوبة والمقدادية وغيرها من مدن محافظة ديالى وجدت صوراً شبه متكررة لأساليب الأمريكيين المختلفة في صناعة الكراهية ضدهم من الجميع.
وبعد عام من صناعة الكراهية ومن سلطة احتلال حتى لو كانت تمتلك أحدث الأسلحة ووسائل التكنولوجيا فإن شعباً عصياً مثل شعب العراق يلقي على القوات الأمريكية ثمار صناعة الكراهية بوسائل مختلفة، منها ما حدث في الفلوجة حيث أكَّد لي كثيرون أن مثله تكرر في مدن أخرى، لكن الفارق بين ما حدث في الفلوجة وما حدث في غيرها أن وسائل الإعلام كانت في الفلوجة فصوَّرت ما حدث وبُثَّ في أنحاء العالم لكنها لم تتواجد في المدن الأخرى حينما وقع فيها ضد قوات الاحتلال مثلما وقع في الفلوجة وربما أكثر.
مجلس الحكم
أسس الأمريكيون مجلس الحكم الانتقالي بعد احتلالهم للعراق من خمسة وعشرين من العراقيين يمثلون الأطياف المختلفة لمعظم العراقيين، فكان هذا أول ترسيخ للطائفية في العراق منذ مئات السنين، علاوة على ذلك فإن الكثير من أعضاء مجلس الحكم لا جذور لهم ولا شعبية، لا سيما هؤلاء الذين جاؤوا من الخارج محمولين على ظهور الدبابات والطائرات الأمريكية، لكن مجلس الحكم بعد عام من الاحتلال لم يكن في الحقيقة يمارس أية سلطة أو حكم، فالمقربون منهم من الأمريكيين هم المحظيون.
أما الآخرون ـ كما قال لي أحد أعضاء مجلس الحكم ـ فلا يكادون حتى يحظون بمقابلة المسؤولين الأمريكيين، وضرب لي مثالاً على أن أحد أعضاء مجلس الحكم وهو محسن عبد الحميد الذي كان رئيساً للحزب الإسلامي حينما أصبح رئيساً للمجلس، طلب لقاء الميجور جنرال ريكاردو سانشيز القائد العام لقوات الائتلاف في العراق آنذاك لأخذ موافقته على زيارة سجن أبو غريب، أكبر السجون التي يُحتجز فيها عراقيون للاطلاع على أوضاعهم بعد ضغوط من أسر المعتقلين لا سيما وأن عمليات الاعتقال تتم بشكل عشوائي، وكثير منهم يُعتقلون بسبب وشايات من أعداء لهم. أعطى الجنرال سانشيز موعداً لرئيس مجلس الحكم بعد أسبوعين وحينما التقاه لم يسمح له سانشيز بزيارة السجن.
وقد اعترف المفوض العام للسجون العراقية روبرت جونز أحد نواب الحاكم المدني آنذاك بول بريمر في مؤتمر صحفي عقده في منتصف مارس 2004 في بغداد أن عدد المعتقلين العراقيين في سجون سلطات التحالف هو اثنا عشر ألف معتقل. وقد روى لي أحد المعتقلين السابقين صوراً مذهلة لما يدور في سجون قوات الاحتلال والتي لا يُسمح لأحد بدخولها، حيث إن وزنه انخفض أربعين كيلو غراماً خلال سبعة أشهر من الاعتقال، حتى إن أهله لم يتعرفوا عليه بعدما خرج. ويدور الأهالي على السجون ليعرفوا مجرد معرفة أين يُحتجز أبناؤهم؟ والشاهد في الموضوع هو حجم الصلاحية التي لا يتمتع بها أحد حتى رؤساء مجلس الحكم، فالسلطة كل السلطة بعد عام من الاحتلال هي لقوات الاحتلال وليس لأحد آخر، وهذه المجالس ليست سوى مجالس شكلية ساهم المشاركون فيها في تدعيم سلطات الاحتلال وترسيخ أركانه، ويكفي أن يبقى رئيس المجلس أسبوعين على باب الجنرال سانشيز حتى يؤذن له بالدخول ثم يرفض طلبه ليس بالإفراج عن المعتقلين ولكن حتى بزيارتهم.
وخير دليل على ذلك هو أن عمر هذا المجلس لم يدم سوى أيام بعد عام من الاحتلال، فربما لم يمض أكثر من شهر على انتهاء مهمته حتى أصبح معظم أعضائه في طي النسيان بعدما انتهت مهمتهم التي كانت أولاً وأخيراً من أجل خدمة الاحتلال. فمن بين خمسة وعشرين عينتهم سلطات الاحتلال الأمريكي كأعضاء في مجلس الحكم، قتل اثنان هما عقيلة الهاشمي وعزالدين سليم، وتم اختيار أربعة فقط في الحكومة البديلة له التي اختير إياد علاوي لرئاستها والتي لم تكن في رأي كثير من المراقبين سوى وجه آخر له، أما الباقون فإما أنهم زعماء أحزاب مثل أحمد الجلبي، وصلاح الدين بهاء الدين، ومحسن عبد الحميد وغيرهم ممن عادوا إلى أحزابهم فيما حل محلهم في الحكومة آخرون من رجالهم، أما الباقون فقد عادوا أدراجهم مرة أخرى من حيث أتوا قبل احتلال العراق حينما كانوا معارضين منفيين في عهد صدام حسين، لأنهم باختصار ليس لهم أية أرضية أو شعبية، ولم ينجحوا طوال عام من العمل مع سلطات الاحتلال في صناعتها بحيث يأمن أحدهم على نفسه لو بقي. بل ربما خسروا ما كان لهم من رصيد من قبل، إن كان لهم رصيد في الأصل.
فعلى سبيل المثال قال سمير الصميدعي أحد أعضاء هذا المجلس ووزير الداخلية السابق كذلك والذي كان يعيش في لندن قبل أن يعينه الأمريكيون في المنصبين: "لقد كانت لي حياة قبل أن آتي إلى بغداد، وأريد العودة لمواصلة تلك الحياة". هكذا باختصار دون أي رتوش، أما ما كان قد ذكره من قبل أنه جاء من أجل العراق وشعب العراق ومستقبل العراق فلم تكن كلها سوى تصريحات لضرورات المنصب والمرحلة، والأمر تم اختزاله في بدايته ونهايته كما يشير التصريح إلى مشروع شخصي.
أما محمد بحر العلوم الذي كان يشاهد دائماً وهو ينحني لبول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق، في ذهابه وإيابه فقد ذكر أحد المساعدين المقربين منه أن "الجو حار الآن في العراق وقد حلَّ الصيف وربما يغادر لقضاء إجازة". ومن المعروف أن بحر العلوم كان يعيش في لندن مثله مثل كثيرين من أعضاء مجلس الحكم الذين عادوا إلى لندن مرة أخرى بعد انتهاء مهمتهم، ومنهم محمود عثمان الذي هاجم الأمريكيين بشدة بعد اختيارهم الحكومة الجديدة ـ حكومة علاوي ـ دون أن يكون له منصب فيها.
أما عدنان الباجه جي الذي كان المنافس الأقوى على منصب رئيس الدولة فإنه آثر بعد اختيار الياور وضياع المنصب الذي وعد به، أن يعود إلى إحدى دول الخليج حيث كان يعيش لسنوات طويلة قبل أن يؤتى به ليكون عضواً من أعضاء مجلس الحكم.
أما البيوت التي كان يعيش فيها هؤلاء والتي تقع في حي القادسية في بغداد حيث كانت مقراً أو سكناً لوزراء صدام حسين فحينما ذهبت إليها لزيارة أحد أعضاء مجلس الحكم السابقين فيها وهو صلاح الدين بهاء الدين كما أشرت من قبل فقد وجدتها عبارة عن سجن كبير، بني حوله سور خرساني بارتفاع ثلاثة أمتار ونصف المتر، وعليه حراسة مشددة مشتركة من قوات الشرطة العراقية وقوات كردية وأمريكية حيث للأمريكيين القرار الأول والأخير دائماً، فالجندي الأمريكي هو الذي يأمر ويقف مشرفاً بينما العراقي هو الذي يقوم بعملية التفتيش التي يأمر بها الأمريكي. وقد خضعت لتفتيش دقيق من الجنود العراقيين الذين تعرفوا عليَّ واعتذروا لي عن دقة التفتيش بسبب وجود ضباط أمريكيين يراقبون الموقف، غير أني لا أحفل كثيراً بما يجري من حولي في مثل هذه المواقف وأحاول أن أكون في أبرد الحالات وأتابع ما يحدث على أني مشاهد له، وقد تعمدت أن أسأل مرافقي عن سكان المجمع فوجدت معظمهم ممن جاؤوا من الخارج من وراء البحار ليشاركوا الأمريكيين حكم العراق، تماماَ كما فعل الأمريكيون في فييتنام وكما حاولوا أن يفعلوا في معظم البلاد التي احتلوها، وكثير ممن جاءت بهم أمريكا على ظهور دباباتها أو طائراتها إما عادوا بعد انتهاء مهمتهم أو في طريقهم إلى العودة من حيث أتوا حينما تنتهي مهمتهم لو كانت لهم مشاركات بأشكال أخرى من صنائع الاحتلال. وكثير من هؤلاء كانوا قد فرشوا مساكنهم في المجمع الذي أعده لهم الأمريكان بفرش مستورد ـ لأنها كانت قد نهبت في أعقاب سقوط نظام صدام حسين ـ معتقدين أنهم جاؤوا ليحكموا ولسنوات طويلة ولم يدركوا أنهم أداة لمرحلة.
أما الأعضاء الذين تم اختيارهم من داخل العراق والذين كانت مواكبهم تجوب شوارع بغداد فقد زالت عنهم كل المظاهر المزيفة وعادوا إلى بيوتهم وحياتهم العادية يخشون من الانتقام منهم حيث استُهدِف عدد منهم في محاولات اغتيال سابقة، لكن الأكثر تضرراً هم هؤلاء الذين كانوا يستفيدون من تلك المظاهر من سائقين ومرافقين حيث كانت لهم رواتب ومخصصات عالية.
ورغم انتهاء دور مجلس الحكم في بدايات العام الثاني للاحتلال لكن دور رجال أمريكا لم ينته حيث استبدل مجلس الحكم ـ كما يقول المراقبون ـ بالوزارة الجديدة التي عين إياد علاوي على رأسها، وهو الذي وصفته الصحف الأمريكية مثل "نيويورك تايمز" وغيرها نقلاً عن مسؤولين سابقين في السي آي إيه بأنه "كان جاسوساً للسي آي إيه"، وربما هذا ما دفع إمام مسجد أبي حنيفة أكبر مساجد بغداد أن يجاهر في خطبة الجمعة في 7 مايو 2004 بأن رئيس الوزراء الجديد للعراق "ليس سوى عميل". ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الشيخ أحمد السامرائي إمام مسجد أبي حنيفة قوله: "يأتي مجلس الأمن ويصادق على من عرف من أفراد الحكومة بعمالته وتتلمذه على يد وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين". وقد كان مصير حكومة علاوي مثل مصير مجلس الحكم، ولن يكون مصير الجميع أفضل من مصير رجال أمريكا في فييتنام أو الصومال أو لبنان أو أمريكا الجنوبية. ومن أراد أن يعرف مصير رجال أمريكا الذين خدموا مصالحها ثم تم التخلص منهم أو تصفيتهم بعد انتهاء مهامهم فلينظر في التاريخ.
هذا كان حال العراق بعد عام من الاحتلال وقبل حصار الفلوجة ومعركتها الأولى في أبريل من العام 2004.




ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
4
...إنها لعنة التآمر على العراق ...!!
أبراهيم العبيدي
واع


بعد أن استحر القتل والخطف والتشريد " المنظم " بالطائفة السنية , والذي تزامن مع تدمير وإغتصاب مساجد كثيرة ( تجاوز عددها المأتين ) بشكل منظم كذلك , وبغطاء حكومي رسمي أصبح مكشوفاً , في محافظات الجنوب وصولاً الى العاصمة بغداد , على أيدي عصابات الغدر والخيانة من المليشيات المسلحة وفرق الموت الطائفية التابعة للأحزاب الطائفية البغيضية ( كالمجلس الأعلى الأيراني النشأة والتمويل والتوجه , وحزب الدعوة ربيب أيران , ومليشيا جيش المهدي وغيرهم من الأحزاب والتجمعات الطائفية الذين أشتركوا في تنفيذ المخطط الصفوي التوسعي الإيراني في العراق والذي يقضي بإبادة أهل السنة وتهجيرهم ) التي دخلت الى العراق على ظهر الدبابة الأمريكية إبان الإحتلال الأمريكي الغاشم لبلاد الرافدين وبغداد الرشيد .
وبعد أت توطأت هذه الشراذم الحزبية مع المحتل الأمريكي " قولاً وقالباً " لتنفيذ جريمة الإحتلال البربرية بحق العراق أرضاً وشعباً وثروة وتراثاً , وتحويل هذا البلد بعد ذلك بلداً مدمراً بكل ماتحمله الكلمة من معنى تدميراً شاملاً , فقد أهله فيه الأمن والأمان وأصبح يتقدم بلدان العالم كونه دولة فاشلة تمتاز بالفوضى والتخلف والمرض وإنعدام الأمن والاستقرار.
أقول بعد كل هذه المجازر الشنيعة التي أرتكبت بحق الطائفة السنية تحديداً , وغيرهم من الوطنيين الشرفاء من أبناء العراق بمختلف أطيافهم " بسبب مناهضتهم لمشروع الإحتلال وأذنابه " وسط سكوت مطبق ومريب لما يسمى بالمرجعيات الدينية الشيعية القابعة في النجف الأشرف . على كل ماجرى ويجري من جرائم بشعة بحق العراقيين على أيدي مليشيا الأحزاب الطائفية " الأرهابية " في محافظات الجنوب العراقي والعاصمة بغداد .
جائت اليوم ساعة الإنتقام ولينقلب السحر على الساحر , وليتحول العملاء الطائفيون ( داخل الإئتلاف الشيعي الموحد تحت عباءة المرجعية ونفسها الطائفي البغيض لينالوا من عروبة العراق وإسلامه . ) من قتله لغيرهم الى قتله لبعضهم , حتى وصل بهم الخزي والعار أن يقتتلوا في أماكنهم المقدسة وأيامهم المباركة على مسمع مرى من العالم , وأخرها ماحدث في كربلاء من يوم دامي أثناء مراسيم الزيارة الشعبانية بمناسبة مولودهم الغائب الحجة المهدي المنتظر عجل الله فرجه كما يزعمون ؟!
صحيح كل مايقال عن أسباب هذا الأقتتال " الشيعي الشيعي " من أنه أقتتال على النفوذ والإستأثار بالسلطة والأستحواذ على الموارد والثروات التي يزخر بها الجنوب من نفط وماشابه ذلك من ثروات , بالإضافة الى العوائد المالية الكبيرة للمزارات والأضرحة المقدسة في النجف وكربلاء . ولكن مع هذا كله فأنني أعتقد أن السبب الحقيقي وراء مايحدث من أقتتال بين الشركاء , إنما هو الإنتقام اللالهي لما أقترفوه من جرائم بشعة تندى لها جبين الإنسانية , أراقوا بها دماء الأبرياء المسلمين من المصلين وأئمة المساجد والعلماء وغيرهم , ونسو أن هذه الدماء البريئة تكون لعنة على من يسفكها , وقد صانها الله وحرمها من عليائه , وبالغ في صيانتها لدرجة أنها سفكها ظلماً وعدواناً , لايضاهيها في الحرمة حتى زوال الكعبة المشرفة بيت الله الحرام , بل وزوال الدنيا بأكملها كما جاء ذلك في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام . " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل أمرء مسلم " أي مسلم واحد ؟! فما بالك بمن يتفنن بقتل المسلمين بدوافع وحقد طائفي " صفوي مجوسي ضال " إنها ساعة الإنتقام واللعنة التي أستحقها هؤلاء الشركاء المتشاكسون يوم أن ولغوا في دماء المسلمين الأبرياء وأمتدت أيديهم الغادرة الى مقدسات المسلمين المتمثلة في المساجد بيوت الله تفجيراً وتدميراً وإغتصاباً . ويضاف الى ذلك لعنة التآمر على العراق , يوم أن تعاونوا مع المحتل الغازي لتدمير العراق الأرض والشعب والثروة والتاريخ أمام مطامع ومصالح فئوية حزبية وطائفية ضيقة . وتسببوا بكل المعاناة التي يعيشها العراق والعراقيين على مدار اليوم والساعة . هذا ما أعتقده من سبب حقيقي ورئيسي والذي ينبغي ان نوجه به الجميع في النظر لما يجري من أقتتال شيعي شيعي سيفنى فيه الجميع حتى يعودوا الى رشدهم ويتوبوا الى بارئهم بأن يتخلوا عن باطلهم وقتلهم للأخرين وتعاونهم مع المحتل الغازي الذي عاث فساداً بجميع مقدرات العراق وأهله . وما نشاهده اليوم تطور وتصاعد خطير في حدة الأقتتال بين المتخاصمين الشيعة , والذي وصل ذروته في إستهداف وكلاء المرجعية العليا في البصرة , من قبل أبناء المذهب نفسه إنما هو ينذر بخطر حقيقي لايبقي ولايذر , وهو شاهد على ماذكرناه من أن ساعة الإنتقام واللعنة ستصل الى أعلى الهرم نهاهيك عن من هم في اسفل الهرم , فإذا كان وكلاء المرجعية لايحضون بالسلامة المفترضة على أنفسهم فكيف سيكون حال اصحاب المناصب الحزبية والمليشيات والمرتزقة . إنها النهاية الطبيعية لكل خوان كفور , وكل غادر عقور وهو مصداق ماقاله الحبيب المصطفى في الحديث الصحيح قوله " بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين " فهل سيفقه هؤلاء القتلة والعملاء المتآمرون على العراق السنن الإلهية التي تحكم هذا الكون .

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
5
خط البصرة مفتوح
ابراهيم بهبهاني
القبس الكويت
في السياسة هناك معطيات ووقائع وحسابات، وبقدر ما نحسن قراءة الواقع بشكل منطقي وبقدر ما نملك من معلومات وقدرة على التخطيط والرؤية نكون في الموقع الصحيح لاتخاذ القرار.. اليوم تظهر امامنا مشكلة تتعلق بالوضع في مدينة البصرة بعد قرار الانكليز الانسحاب منها والتجمع في قاعدة عسكرية سيقوم جنودها وضباطها بمهمة تدريب الجيش العراقي.. وان كان هناك حديث عن تواجد القوات المنسحبة البريطانية في الكويت لكن الامر لم يحسم بعد.. ظني ان المسألة ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض، فهناك عناصر متداخلة بالوضع، اهمها العلاقات مع ايران والدور الاميركي وامكانية المواجهة الاميركية- الايرانية وحدوث مواجهة عسكرية بينهما قد لا ترغب لندن بالمشاركة فيها، ونحن هنا سنقوم بقراءة الاحداث من وجهة نظر الكويت ومصالحها الاستراتيجية والامنية وعلاقتها المستقبلية مع العراق.
صرنا في مرحلة، بعد التطورات التي مرت بها المنطقة منذ دخول صدام الكويت عام ،1990 تتطلب وعيا ومتابعة والوقوف امام كل ما يجري من احداث في المنطقة.. وانا هنا اطالب بان تشكل لجنة سموها ما شئتم، مهمتها ووظيفتها مراقبة ومتابعة كل ما يحصل على الحدود وفي الجوار من تطورات، لجنة لمراقبة الازمات تضم خبراء سياسيين وعسكريين واقتصاديين لهم خبراتهم في هذا المجال، يتم توفير كل ما يحتاجون من كوادر بشرية وتجهيزات فنية ومقرات تسمح لهم بالاطلاع والمعرفة والمراقبة وهؤلاء اشبه برادار طائرات الاواكس، استشعار الخطر قبل وقوعه، واستكشاف مكامن التهديدات قبل حصولها.. واذا ما تم ذلك نكون على الاقل في منأى عن المفاجآت الدراماتيكية التي تعرضنا لها في السابق، وهي اللجنة التي لابد ان يؤخذ بتقاريرها وتوصياتها حتى لا تكون على غرار اللجان الحكومية التي تولد ميتة قبل ان تعمل.. نقول ذلك لنبين حقيقة مهمة سبق ان كتب عنها الكثير وقيل في حقها الاكثر.. هي انه علينا ان نتعلم من اخطائنا وان نكون قد فهمنا الدرس، وان نبقى على درجة من الاستعداد للتعامل مع الازمات الكبيرة التي لها علاقة مباشرة بالمصالح العليا للدولة واستراتيجيتها. الكلام في هذه الايام ان الجهة التي تربطنا على الحدود مع البصرة وشط العرب ومياه الخليج ربما تشكل خاصرة ضعيفة يتسلل منها من اراد سوءا بناء او يستغل هذا الوضع الرخو بعد الانسحاب الانكليزي ليثبت اقدامه على الارض.. وقد لا نكون مبالغين، ان الثغرة التي ينفذ منها الدخلاء والارهاب والتهريب قد تكبر يوما بعد يوم ولا نعود نملك القدرة على ضبطها والامساك بها. لذلك علينا ان نحصن وضعنا بالداخل بالدرجة الاولى نقوي وحدتنا الوطنية، نعزز امننا الداخلي وفي الوقت نفسه نضع كل الاحتمالات والحسابات لما قد يحدث على الحدود وبشكل دائم على مدار الساعة حتى لا نفاجأ يوما بان ما يحصل لم نكن نعد له العدة. ربي، وبحق هذا الشهر الفضيل ان تحفظ لنا صاحب السمو امير البلاد وولي عهده الامين وان تديم علينا نعمة الامن والامان وتحفظ الكويت من اي مكروه.



ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
6
الميـاه... في اجندة القيادات الكردية بعد كركوك
: طــــلال بركـــــات
وكالة الاخبار العراقية
بعد ان تمكنت القيادات الكردية في العراق من احكام هيمنتها على كل مفاصل الدولة العراقية بعد الاحتلال حتى باتت كافة فصائل الكتل النيابية المشاركة في العملية السياسية تتودد لتلك القيادات لنيل الرضا بعد ان تحول قادتها إلى مراسلين يتم ايفادهم لدول مجاورة وغير مجاورة للتباحث في امور تتعلق بأجندتهم السياسية مثلما حصل بحشر قادة الدولة الجدد في مواجهة سياسية مع تركيا من اجل مصالح واجندات حزبية كردية لا دخل للشأن العراقي بها او استدعائهم الى المنطقة الشمالية لفرض أملاءات مذلة بشكل مقصود لإثبات عضلات كانت خاوية قبل الاحتلال وقد تجلى ذلك واضحا من خلال زيارة ما يسمى رئيس وزراء العراق إلى السليمانية والتي سميت بالزيارة الرسمية وتمت المباحثات تحت علم كردستان وباللغة الكردية بعد ان رفضت القيادة الكردية اجرائها باللغة العربية والتي تمخض عنها صفقة مجحفة بحق الشعب والوطن يحصل عن طريقها الاكراد على كركوك لتكون عاصمة دولتهم المنشودة من خلال تنفيذ اجراءات شكلية امام الرأي العام بتطبيق المادة 140 التي تتضمن اجراء استفتاء عام في محافظة كركوك بعد قيام قوات البيشمركة بالتصفيات العرقية والتهجير القسري للمواطنين العرب والتركمان منها ليتسنى ضمها الى الحدود الادارية لاقليمهم المزعوم قبل اعلان الانفصال ، مقابل دعم الائتلاف الحاكم وتمرير قانون النفط والغاز، لذلك تطلق القيادات الكردية باستمرار تصريحات مشحونة بالتهديد والوعيد لاستخدامها ورقة ضغط للأيفاء بتنفيذ صفقات جرت من وراء الابواب المغلقة وفي ظروف استثنائية حصلوا من خلالها على مكاسب في غفلة من الزمن على حساب الوطن الجريح تم ادراجها في قانون ادارة الدولة في حينة ومن ثم تم تثبيتها في الدستور المزعوم وقد حان وقت الايفاء بها لذلك تصر تلك القيادات على اعتبار كركوك خط احمر، وان سبب الاستقتال للاستحواذ على تلك المدينة الغنية بالنفط هو من اجل ضمان التمويل المالي الكافي لميزانية الدولة المنشودة من جهة وايصال نفطها الى اسرائيل مستقبلا ومنها الى اوربا كما مخطط لة عبر خط كركوك حيفا من جهة اخرى، فضلا عن قيام تلك القيادات بتثبيت حصص مجحفة من عائدات النفط العراقي في قانون النفط والغاز الجديد حسب الصفقة المشار اليها انفا والتي تمت بين رئيس الحكومة العراقية ممثلا عن الائتلاف الحاكم ورئيس الجمهورية ممثلا لاقليم كردستان لذلك تصر القيادات الكردية على عدم التغيير او المساس في بنود ومواد القانون المذكور، بالاضافة الى اقامة اتفاقيات نفطية واقتصادية مع دول وشركات اجنبية واستلام عروض لاستغلال اربعين بئرا نفطيا دون علم وموافقة الحكومة المركزية، والاخطر من ذلك الاجتماعات التي يديرها رئيس اقليم كردستان مع ممثلي شركات استشارية اجنبية وممثلي شركة ( ITSC ) الامريكية لأنشاء ثلاثة سدود للتحكم في توزيع الموارد المائية وهي سد بخمة على نهر الزاب الكبير وسد منداوة ليحصر المياة المتدفقة من سد بخمة ليشكل حوض لخزن مياة نهر الزاب الكبير، وكذلك سد كومسبان المزمع انشاءة على فرع باستورة والذي سيباشر العمل بتنفيذة العام المقبل بالاضافة الى السدود الاخرى المقترح تشيدها في اقليمهم المزعوم كسد باسرمة وسد كولوس وسد طق طق وسد خيتونة وسد باوتشاوار، فضلا عن احكام قبضتهم على ادارة اهم ثلاث سدود في العراق وهي سد دربنديخان وسد دهوك وسد دوكان الذي اشار ناطق بأسم وزارة الموارد المائية ان الاسلوب الحالي لتشغيل سد دوكان لايتفق مع السياسة المركزية لتشغيل منظومة الموارد المائية وتوزيعها على حوض نهر دجلة مما سبب شحة في انسيابية المياة الى وسط وجنوب العراق وقلة التدفق الكافي لري المحاصيل الزراعية التابعة لقرى محافظة كركوك وكذلك الشحة لسد حاجة السكان في العاصمة بغداد، ياترى اين هو موقف الحكومة من ذلك وبماذا يفسر صمتها من قيام القيادات الكردية اللعب على المكشوف بتنفيذ مشاريع عملاقة تتعلق باستثمار الموارد المائية والنفطية بالاتفاق مع شركات اسرائيلية واجنبية وفق قانون الاستثمار في الاقليم المزعوم دون ادنى اعتبار لمصالح العراق الاقتصادية والاستراتيجية فضلا عن نية استخدامها ورقة سياسية تلوي بها ذراع كل من يحاول مواجهة تطلعاتهم الانفصالية..! ان الغاية من انشاء هذة السدود في منطقة محدودة لغرض التحكم في تدفق المياة الى الوسط والجنوب العراقي للسيطرة على عصب الحياة فيها ليتسنى الضغط مستقبلا على الحكومات المركزية ومساومتها في زيادة حصة النفط مقابل المياة فضلا عن املاء شروط اخرى لايعلم بها الا اللة. هذة التنازلات والصفقات المهينة على تقاسم الحصص والغنائم والسرقات خير دليل على ضعف الحكومة التي لا هم لها سوى البقاء في السلطة وسرقة المال العام دون ادنى اعتبار لنزف دماء العراقيين وحلب ثرواتهم ، بينما نجد تلك القيادات تستثمر كافة نقاط الضعف التي افرزتها العملية السياسية مستغلة تناقضاتها واللعب على ورقة خلافات الفصائل المشاركة في تلك العملية حتى تمكنت من احكام هيمنتها على كل مفاصل الدولة العراقية وتفكيك مؤسساتها المدنية والعسكرية وتسخيرها لمصلحة كردستان على حساب المصالح العليا للعراق المهم الغرف من خيرات العراق وصبها في منطقة كردستان حتى غدت المحافظات الشمالية مدن اسطورية لان المطلوب هو اخذ كل شيئ وعدم اعطاء اي شيئ .
واخيرا لقد ضاق الشعب العراقي ضرعا من تصرفات القيادة الكردية وغطرستها وشروطها التعجيزية التي تحاول من وراءها خلق حالة من اليأس في نفوس العراقيين لكي يصل بهم المطاف الى رغبة في الانفصال للتخلص من ساطور الهيمنة الكردية على رقابهم . لعل هذة الاوهام المتعشعشة في عقول القيادات الكردية تكون القشة التي تقصم ظهر الانفصال لان هذا الشعب الذي افشل مخططات الاحتلال بمقاومتة الباسلة قادرعلى التصدي لهيمنة القيادات الكردية وإفشال مشروعها الانفصالي .

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
7
المرتزقة: الوجه البشع في العراق «المحرر»
فهمي هويدي

الشرق الاوسط

إذا صح أن العراق أصبح أحد المراكز الأساسية لنشاط تنظيم القاعدة، فالأصح أنه أصبح أيضاً أهم مناطق جذب مليشيات المرتزقة، علماً بأن الأولين يفدون إلى العراق أملا في الحصول على الشهادة، أما الآخرون فإنهم أصبحوا يتقاطرون عليه تراودهم أحلام الثراء العريض. ورغم أن الطرفين أصبحا من أبرز معالم الكارثة التي حلت بالعراق بعد غزوه، إلا أن الأضواء مسلطة على ممارسات القاعدة، في حين أن ثمة تعتيماً شديداً على ما تفعله مليشيات المرتزقة. ولولا الأزمة التي ظهرت على السطح مؤخراً بسبب قتل بعض عناصر المرتزقة لأحد عشر مدنياً عراقياً دفعة واحدة، لظل الملف مسكوتاً عنه، ولاستمرت الجرائم البشعة التي يرتكبها أولئك المرتزقة خارج دائرة الضوء والاهتمام.

في الأسبوع الماضي وقعت الحكومة في حرج لأن بعض المرتزقة الذين يتبعون شركة «بلاك ووتر»، ويتولون حراسة الدبلوماسيين الأمريكيين، أطلقوا النار على 11 مواطناً عراقياً وقتلوهم جميعاً، لمجرد الاشتباه بهم أثناء حراستهم لموكب واحد من أولئك الدبلوماسيين، بينما كان يمر بالقرب من ساحة النسور غربي بغداد. كان الحادث صادماً وفجاً للغاية، لأن عملية القتل تمت باستهانة شديدة، حيث عومل العراقيون في هذه الواقعة وكأنهم مجموعة من الحشرات لا بد من التخلص منها ليمر موكبه دون معوقات. وكما نشر على لسان احد العراقيين الذين شاهدوا الحادث، فلو أن هؤلاء كانوا خرافاً أو كلاباً ضالة اعترضت الطريق لما أطلق عليهم الرصاص وأبيدوا بالصورة التي تمت. ولكن لأن حياة العراقيين في نظر هذه المليشيات أرخص من أي شيء، فإن المرتزقة لم يترددوا في إطلاق النار عليهم وقتلهم بدم بارد لمجرد إفساح الطريق لموكب الدبلوماسي الأمريكي.

حين ذاع الخبر وجد رئيس الحكومة نفسه في مأزق، دفعه إلى التصريح بأنه تقرر إنهاء عقد شركة بلاك ووتر التي يفترض أنها شركة أمريكية تعمل في مجال الخدمات الأمنية. وأعلن رسمياً أنه طلب من رجالها مغادرة البلاد حتى إشعار آخر. لكنه لم يكن بمقدوره أن ينفذ شيئاً مما تحدث عنه، لأن الشركة في موقف أقوى منه، وهي التي جاءت بناء على اتفاق مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ومن مهامها حراسة الدبلوماسيين الأمريكيين والمنطقة الخضراء. لذلك فإنه لم يكد يمر يومان حتى قيل إن عناصر الشركة عادوا لمزاولة مهامهم في بغداد، ولتغطية هذا التراجع قيل إن الحكومة تدرس وضع ضوابط لعمل المرتزقة في البلاد.

ورغم أن الأزمة هدأت تقريباً، إلا أن حادث قتل الأحد عشر عراقياً استدعى إلى دائرة الضوء ملف شركة بلاك ووتر، والشركات المماثلة الأخرى، خصوصاً أن بعض المعلومات المثيرة تكشفت أثناء الغضب الذي أعلنه رئيس الوزراء العراقي. فقد تبين مثلاً أن شركة بلاك ووتر تعمل في العراق بلا عقد يمكن للحكومة إلغاءه. وتبين أيضاً أن هذه الشركات جميعاً لها حصانة تحول دون محاسبتها أمام القضاء العراقي، وأن أول حاكم مدني أمريكي للعراق «بول بريمر» أصدر قراراً بهذا المعنى في عام 2003. تبين أيضاً أن الشركة وهي تعمل في العراق المستباح استوردت كماً هائلاً من الأسلحة التي شملت أجهزة للرؤية الليلية والمدرعات، وباعتها في السوق السوداء. وأن رجالها لم يكتفوا بدورهم في الحراسة، ولكنهم اشتركوا في عمليات النهب والسلب، وكونوا عصابات للجريمة المنظمة، وهي الأمور التي تكشفت أثناء التحقيقات التي تجريها السلطات الأمريكية، ليس غيرة على دماء العراقيين وأعراضهم وأموالهم بطبيعة الحال، وإنما للتثبت من مدى التزام الشركة ببنود العقد الموقع مع البنتاغون.

لم يكن ما جرى في ساحة النسور البغدادية هو الحادث الأول من نوعه، الذي قامت فيه عناصر بلاك ووتر بقتل مدنيين عراقيين أبرياء من دون مبرر، ولكنه كان الحادث السادس كما ذكرت بعض الصحف العراقية المعارضة للاحتلال. وهي الصحف التي فتحت بهذه المناسبة ملف جيوش المرتزقة التي أصبحت ترتع في أنحاء البلاد وأطلقت يدها في البلد حيث استباحت كل شيء. وفي ظل الحصانة فإنها ظلت دائماً فوق القانون وفوق أي حساب. (حين فتح الملف ظهرت معالم تلك الصفحة البشعة في سجل الاحتلال. وعرفنا أن مليشيات المرتزقة تقاطرت على العراق من كل صوب بعد الغزو، تحت عنوان مستتر هو «شركات الخدمات الأمنية». ويقدر عددها الآن بحوالي 50 شركة تضم 40 ألف مقاتل، يتقاضى الواحد منهم في اليوم الواحد ما بين ألف وألفين من الدولارات، الأمر الذي يكلف الخزانة العراقية ملايين الدولارات. (العقد الذي أبرمه بول بريمر في عام 2003 مع شركة بلاك ووتر لحماية الدبلوماسيين الأمريكيين كانت قيمته مائة مليون دولار).

هذه الشركات لا تعمل بعيداً عن وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية، وإنما تكلف بمهام من قبلهما، ليس فقط لتأمين المصالح، ولكن أيضاً للقيام بكافة الأعمال القذرة التي تحرمها الاتفاقيات الدولية أو يحاسب عليها القانون الأمريكي. إلى جانب هذا وذاك فهي تجسد مفهوم خصخصة الحروب. إذ لا بد من أن تخوض الجيوش حروباً خارج حدودها، يموت فيها جنود غير راغبين في الموت، وربما رافضون للخدمة العسكرية أساساً، فإن بعض مهام هذه الجيوش توكل بمقتضى عقود إلى شركات المرتزقة التي تضم مغامرين لا يبالون بالموت في سبيل الثراء الذي يوعدون به لقاء قيامهم بتلك المهام.

الفكرة ليست جديدة، ونشاط المرتزقة تجاوز حدود العراق، ذلك أن للمرتزقة تاريخا طويلا، حتى ينقل الباحث العراقي حسن عبيد عيسى عن بعض المراجع أن أول استخدام للمرتزقة حدث في العام 1288 قبل الميلاد في معركة قادش التي جرت على ضفة نهر العاصي في سورية بين المصريين، يقودهم رمسيس الثاني، والحيثيين بقيادة موتاللو، إذ تضمن الجيش المصري آنذاك جنوداً مستأجرين من الإغريق، من تلك الفئة التي تقاتل مقابل أجور في سبيل قضية لا تعنيها. ويذكر الباحث في دراسة له نشرتها مجلة «المستقبل العربي» (عدد يونيو 2006) أن بلاد الإغريق كانت المصدر الأساسي للمرتزقة في الأزمنة القديمة.

بعد الإغريق دخل الرومان الى الحلبة وورث البيزنطيون تقاليد الرومان في هذا الصدد، كما يذكر الفايكونت مونتجوري في كتابه «الحرب عبر التاريخ». وظلت الاستعانة بالمرتزقة جزءاً من تقاليد الفعاليات الأوروبية، حتى أن الحروب الصليبية كانت في بعض أوجهها مطلباً ارتزاقياً، ويسجل التاريخ أن الحملة الصليبية الثانية وما بعدها اعتمدت بالدرجة الأولى على الرهبان والمرتزقة. وأدركت الكنيسة الكاثوليكية منذ ذلك الحين أهمية تلك الفئة من الناس، لأن الرهبان لم يكونوا مدربين على حمل السلاح، ومن ثم لم يكونوا مستعدين لتحقيق طموحات الكنيسة وتطلعاتها. حتى إرهاصات عصر النهضة ـ أضاف الباحث ـ اضطلع السويسريون بالمهمة التي كان يقوم بها الإغريق. وكان للبريطانيين فرقهم الارتزاقية، وأنعشت الحروب الدينية في أوروبا تجار الارتزاق، وبخاصة في فرنسا، حيث كان البروتستانت هناك يستوردون مرتزقة من ألمانيا وانجلترا لقتال مواطنيهم الفرنسيين الكاثوليك، نظراً للنقص في أعدادهم.

وكانت لبريطانيا تقاليدها في الاستعانة بالمرتزقة، حيث يذكر أن الملك إدوارد تمكن بواسطة جيش من المرتزقة من احتلال اسكتلندا وإيرلندا وويلز، في أواخر القرن الثالث عشر، وجعلها نواة للإمبراطورية. وفي الحرب العراقية البريطانية عام 1941، استقدم الإنجليز مرتزقة من منظمة إرغون الصهيونية كانوا موجودين في فلسطين المحتلة. وتولى الجنرال غلوب باشا رئيس الأركان الأردني وقتذاك تسهيل مرورهم نحو العراق بسرية تامة. ولم تسلم فرنسا من الوباء، حيث لجأت في اجتياحها للجزائر عام 1831 بفرقة ضخمة من المرتزقة أطلق عليها اسم «الفرقة الأجنبية». ولم يكن غريباً والأمر كذلك أن تستعين الولايات المتحدة والمخابرات المركزية بالمرتزقة في فيتنام وأنغولا وأن تستخدمهم في القيام ببعض الانقلابات وكثير من الاضطرابات والقلاقل في أنحاء عديدة من القارة الأفريقية، فضلاً عن أمريكا اللاتينية. ومما يذكره الباحث في هذا السياق أن إسرائيل دخلت على الخط في أعقاب حرب عام 1973، بعدما أعلن الرئيس السادات آنذاك أنها «آخر الحروب». فاتجه نفر من قادتها العسكريين للعمل كمرتزقة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وعمل بعضهم في المناطق الكردية بالعراق. ومن أشهر هؤلاء الجنرال رحبعام زئيفي الذي افتضح أمره في الإكوادور، وعاد الى بلاده ليصبح لاحقاً وزيراً للسياحة، ثم يقتل على أيدي رجال المقاومة الفلسطينية.

تطورت المهنة بمضي الوقت. وأصبح للارتزاق شركات للتجنيد تتولى الاستجابة لطلبات الراغبين. ومن أبرز الذين سلكوا هذا الطريق ضابط بريطاني سيئ السمعة ومطرود من فرقة المظليين اسمه جون بانكس، الذي أسس في عام 1975 المنظمة العالمية لخدمات الأمن. وفي الفترة ذاتها ظهر المرتزق العالمي بوب دينار الذي أسس شركة مماثلة نشرت إعلاناً في الصحف يقول «شركة ما وراء البحار للأمن والحماية تبحث عن كوادر ذات خبرة وصحة جيدة وتهدف إلى تكوين جيش طلائعي».

العراق بعد الغزو أصبح قبلة المرتزقة، ويذكر أن أول شركة تأسست لتوفير المرتزقة لمن يريد، صاحبها اسمه جان فيليب لاتوني الذي كان جندياً في البحرية الفرنسية، ثم خدم كمرتزق في ساحل العاج وزائير وجزر القمر وكوسوفو، وبسبب الفوضى التي عمت البلاد التي تزامنت مع غياب الأمن، فإن سوق الحماية الخاصة اعتماداً على المرتزقة وجدت رواجاً كبيراً، ولم يغب الأمر عن الشركات الأمريكية التي دخلت الى الساحة بقوة مؤيدة من البنتاغون والمخابرات المركزية، حتى أصبحت تلك الشركات هي التي تتولى تقريبا كل ما يتعلق بالأمن الداخلي، من تأمين النفط الى حراسة الشخصيات العامة والدبلوماسيين الأجانب.

لم يخل الأمر من اشتباك بين جماعات المقاومة العراقية وبين العاملين الأجانب في تلك الشركات، فقد هوجمت قواتهم في مرات عديدة بواسطة المقاومين. وتم خطف بعضهم وتصفيتهم. ويذكر أن من أوائل المخطوفين أربعة من الأمريكيين العاملين في شركة «بلاك ووتر» تم أسرهم في الفلوجة، وقتلوا وسحلت جثثهم وعلقت فوق جسر المدينة قبل أن تضرم فيها النيران، وردت بلاك ووتر على هذه العمليات بالانتقام من أهالي الفلوجة وتحويل حياتهم جحيماً لعدة أيام. ولم تسلم البلدة من تكرار الاعتداءات الوحشية عليها بعد ذلك.

اللافت في العراق مليء بالتفاصيل المثيرة المسكوت عنها، ذلك أن جيوش المرتزقة جاءت لتقتل وتحصل في مقابل ذلك على أكبر قدر من الأموال. فلم تقصر لا في القتل ولا في النهب والسلب، وظلت طول الوقت محمية بالحصانة وبالغطاء الأمريكي ومستفيدة من عجز الحكومات العراقية التي تولت السلطة بعد «التحرير»(!).
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
8
طبخ تقسيم العراق على نار أمريكية
جاسر عبدالعزيز الجاسر
الجزيرة السعودية

في الوقت الذي تتجه فيه الجهود الأمريكية إلى مضاعفة الاهتمام بالملف النووي الإيراني، وإطلاق إشارات بالتوجه إلى الخيار العسكري، يجري الإعداد لمعالجة الوضع في العراق من خلال تكليف معاهد ومراكز متخصصة لإنهاء الورطة الأمريكية في العراق، بعد أن حققت أمريكا هدفها من احتلال العراق؛ فبعد أن وضعت يدها على نفط العراق، وأضعفت القوة العسكرية العراقية التي تكاد تكون غير موجودة ولا يمكن أن تهدد أمن ربيبة أمريكا إسرائيل، فإن المحللين الأمريكيين والأوروبيين المحافظين الذين يلتقون في نظرتهم مع المحافظين الجدد بأن معالجة وضع العراق (يجب) أن يكون على حساب تقسيمه إلى ثلاث دويلات، وقد بدأ أنصار تقسيم العراق في الولايات المتحدة حملة إعلامية عالية التجهيز لإقناع أصحاب القرار بصحة موقفهم من القضية.

وبصورة خاصة نشر (كوردسمان) من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية و(تاوي) من صندوق كارنيغي والمحلل السياسي في (واشنطن بوست) (كراوتحامير) تزامناً مع مقالات مختلفة في صحف أخرى، والفكرة الرئيسية فيها أن وقف انقسام العراق شيء مستحيل، وأنه حان الوقت لإعادة النظر في موقف إدارة بوش من ضرورة مبدأ الحفاظ على وحدة دولة العراق!!

في رأي الخبراء أن تكتيك ضغوط أنصار تقسيم العراق على واشنطن سيؤدي إلى نتائج معينة، وقد لاحظ المتابعون عدداً من الإشارات الدالة على ذلك منها:

* تبذل واشنطن جهوداً لزيادة دور شيوخ قبائل السنة في منطقة الأنبار عن طريق إقامة العلاقات المباشرة مع السياسيين المحليين، ومنح المساعدة المالية والعسكرية لهم، وتثير نشاطات واشنطن عدم ارتياح حكومة المالكي، لكنه غير قادر على عرقلة تطوير تعاون الأمريكيين مع أهل السنة في العراق، والهدف وضع بنية أساسية لدولة سنية.

* سمحت الولايات المتحدة -حتى بلا رغبة- بانسحاب القوات البريطانية من البصرة، الأمر الذي سيؤدي إلى تزايد تأثير الجماعات الشيعية في المناطق الجنوبية، حيث لا تسيطر حكومة المالكي عليها، وهو ما سيؤدي إلى رسم كيان دويلة شيعية في الجنوب.

* إن ذاتية كردستان العراقي في رأي واشنطن شيء طبيعي، وفي حقيقة الأمر الأكراد بالضبط حصلوا على أكبر الفوائد السياسية والاقتصادية من إزالة نظام صدام حسين، وحصل ممثلوهم على مناصب مهمة في العراق الجديد، ويسعون إلى الاستقلال عن بغداد، ولا تحتاج دولتهم إلا مجرد إعلان ذلك.

* لا تحاول القوات الأمريكية في العراق منع مطاردة الأقليات في كل المناطق (وفقاً لبعض المعلومات حتى تشجع هذا)، والنتيجة هي أن معظم سكان بغداد أصبحوا من الشيعة (75%)، علماً بأن سكان بغداد كانوا من السنة (65%)، وفي كركوك تجري بوتيرة عالية مطاردة العرب والأتراك والمسيحيين.

وهكذا سقطت نظرية الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية لدى الأمريكيين، وأكثر من ذلك فالخبراء على يقين من أن واشنطن قد أعدت منذ زمن بعيد سيناريو تقسيم العراق، وهو ما كانت تشير إليه الصحف الموالية لها من خلال الترويج لمشروعات تقسيم البلاد وتغيير الحدود في المنطقة بغرض التأثير على الرأي العام. ويشير المحللون إلى مقالة رالف بيتيرس RALF PETERS في المجلة العسكرية ARMED FORCES JOURNAL بعنوان BLOOD BORDERS التي نشرت في يونيو 2006، والتي تحدثت عن إقامة ثلاث دويلات على الأرض العراقية.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
9
بلاك ووتر أكبــر صانعي الحروب في العالم
ناجي حسين
الحياة

أُنشئت شركة بلاك ووتر عام 1996 من قبل المليونير المسيحي من كتلة المحافظين الجدد إيريك برينس والذي عمل سابقاً في البحرية وهو سليل أسره غنية من ميتشغان. وساهمت هبات ايريك وسخاء عطاياه المالية في صعود اليمين الديني وثورة الجمهوريين عام 1994، وساعد في تأسيس الشركة وصعودها ثروة إيريك والمساحة الشاسعة من الأراضي التي يمتلكها والمقدرة بحوالي 5,000 هكتار والواقعة في بلدة مويوك بولاية كالوراينا الشمالية والتي تعتمد في تأسيسها علي مبدأ الإلتزام بتوفير طلبات الحكومة المتوقعة من حيث الأسلحة والتدريب علي النواحي الأمنية . وخلال السنوات التالية قام إيريك وعائلته وحلفاؤه السياسيون بصرف الأموال علي الحملة الإنتخابية للحزب الجمهوري ودعم برنامج سيطرة الحزب الجمهوري علي الكونغرس وصعود جورج بوش للرئاسة. وبينما ربحت شركة بلاك ووتر عقودا مع الحكومة الأمريكية خلال حقبة رئاسة بيل كلينتون والتي كانت متسامحة مع الخصخصة فلم يسطع نجم الشركة حتي مرحلة ما يسمي بـ الحرب علي الإرهاب . وفي فترة أسبوعين تقريباً، من اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001 صارت الشركة لاعباً رئيسياً في الحرب الشاملة في أفغانستان وفي العراق فيما بعد.
وصارت الشركة خلال السنوات التالية من أكثر المستفيدين من الحرب علي الإرهاب وربحت حوالي بليون دولار أمريكي في عقودها السرية مع الحكومة أغلبها بالتكليف المباشر وبدون الدخول في أي عطاء أو منافسة، وفي خلال 10 سنوات تمكن إيريك من توسعة منطقة المقر الدائم للشركة إلي 7,000 هكتار جاعلاً منه أكبر قاعدة عسكرية خاصة في العالم. ويوجد لدي شركة بلاك ووتر حالياً 2,300 مليون فرد يعملون في جميع أنحاء العالم ولديها أسطول جوي يقدر بـ 20 طائرة بما فيها طائرات الهليوكوبتر المقاتلة وجهاز خاص للإستخبارات كما أنها تقوم بتصنيع مناطيد المراقبة وتحديد الأهداف. وفي عام 2005 نشرت شركة بلاك ووتر عناصرها في ولاية نيو أورليانز بعد أن تعرضت لإعصار كاترينا وقدمت فاتورتها للحكومة الفيدرالية علي أساس 1500 دولار للفرد في اليوم وقد وصلت أرباحها اليومية أحياناً إلي 240,000 دولار أمريكي، وفي ذروة نشاطها كان لدي الشركة 600 مقاول يعملون لصالحها في المنطقة الممتدة من تكساس وحتي المسيسيبي، ومند إعصار كاترينا جعلت بلاك ووتر قسماً خاصاً يهتم بالعقود المحلية، حيث تقدم بلاك ووتر خدماتها ومنتجاتها لـ قسم الأمن الوطني كما أن ممثليها قابلوا حاكم كاليفورنيا الممثل السابق أرنولد شوارزنينغر وتقدمت الشركة للحصول علي ترخيص يخولها بالعمل في كامل الولايات الأمريكية الواقعة علي الشاطئ، كما أنها توسع من نشاطها ووجودها في داخل الحدود الأمريكية وافتتحت فروعاً لها في ولايتي ايللينويز وكاليفورنيا. ويتمثل أكبر عقد تتحصل عليه وتم إبرامه مع الحكومة في توفير الحماية للدبلوماسيين الأمريكيين والمرافق التابعة لهم في العراق وتوفير الحماية للعملاء والخونة في حكومة الاحتلال. وقد بدأ ذلك العقد في عام 2003 بقيمة 21 مليون دولار أمريكي بالتكليف المباشر لتوفير الحماية للحاكم الأمريكي بول بريمر ثم قامت الشركة فيما بعد بحماية السفيرين الأمريكيين التالين وهما جون نيغروبونتي وزلماي خليل زاد إضافة إلي الدبلوماسيين الآخرين والمكاتب التابعة لهم، كما أن قواتها تحمي أكثر من 90 عضوا في الكونغرس بالعراق بما فيهم الناطقة باسم البيت الأبيض نانسي بيلوسي.
واستناداً إلي آخر سجلات العقود الحكومية، فلقد تحصلت شركة بلاك ووتر علي عقود بقيمة 750 مليون دولار أمريكي من الحكومة فقط، وهي حالياً تسعي مستخدمة في ذلك ما لديها من جماعات ضغط لكي تتحصل علي عقود في إقليم دارفور بالسودان لتعمل كقوة سلام، وفي مسعي من الرئيس جورج بوش لتمهيد الطريق أمام شركة بلاك ووتر من البدء في مهمة تدريبية هناك قام برفع العقوبات عن الجزء المسيحي من جنوب السودان، وفي شهر كانون الثاني (يناير) الماضي أشار ممثل إقليم جنوب السودان في واشطن الي أنه يتوقع أن تبدأ شركة بلاك ووتر أعمال تدريب قوات الأمن في جنوب السودان في وقت قريب جداً.
ومنذ أحداث 11/9قامت شركة بلاك ووتر بالإستعانة بخدمات العديد من كبار الموظفين المقربين من إدارة جورج بوش وتنصيبهم في مناصب قيادية، ومن بينهم جي كوفير بلاك الذي كان يشغل منصب رئيس مكتب مكافحة الإرهاب في وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، وكذلك جوزيف شميتز الملاحظ العام للبنتاغون والمسؤول عن عقود المقاولين مثل شركة بلاك ووتر خلال فترة الحرب علي الإرهاب . وعلي الرغم من الدور الأساسي الذي تقوم به شركة بلاك ووتر فقد كانت تعمل في الظل حتي 31 آذار (مارس) 2004 عندما تعرض أربعة من جنودها في الفلوجة للهجوم وقتلوا، حيث قامت الجماهير بجر جثثهم في الشوارع وحرقتها وتعليق إثنتين منها علي ضفاف نهر الفرات، ومن هنا بدأ يحدث تحول في الحرب علي العراق حيث قامت بعد عدة أيام القوات الأمريكية بمحاصرة الفلوجة وقتل 100000 عراقي وتهجير 200000 ألف من ابناء الفلوجة، مما أشعل مقاومة عراقية وطنية شرسة تستمر في اصطياد أفراد قوات الإحتلال حتي اليوم. وفي الفترة التي تلت حادث الفلوجة فإن مدراء شركة بلاك ووتر قد صاروا في مستوي آخر أكبر وبدأوا يستثمرون وفقاً للسمعة الجديدة للشركة .. حيث قامت بإستئجار مجموعة ألكسندر الإستراتيجية وهي شركة من جماعات الضغط يتولي إدارتها أعضاء قياديين قدماء وقائد الأغلبية توم دي لي، وكان من الواضح أن بلاك ووتر تحاول إيجاد مكان لها وهذا ما حدث فعلاً. فبعد شهرين فقط تم تسليم بلاك ووتر واحدا من أهم العقود الأمنية الدولية القيمة بالنسبة للحكومة، والذي كانت قيمته أكثر من 300 مليون دولار أمريكي.
كما أن بلاك ووتر قالت انها ترغب في أن تلعب دوراً هاماً في وضع القوانين التي تحدد حقوق الجنود المستأجرين العاملين بعقود تحت لواء الحكومة الأمريكية . ومع بداية شهر ايار (مايو) كانت شركة بلاك ووتر تقود جماعة الضغط من شركات الصناعات العسكرية الخاصة في محاولة منها لمنع المجهودات المبذولة في الكونغرس أو البنتاغون لوضع قواتها تحت سيطرة المحكمة العسكرية والقانون العسكري. وبينما استمرت الأمور علي ما هي عليه فيما يتعلق ببرنامج التعاقد المبهم وغير الواضح للشركة مع البنتاغون، فإن البنتاغون كشف عن أن أصل التعاقد كان مع شركة كي بي آر ، وفي مخالفة للتشريعات العسكرية من حيث استخدام المقاولين لقوات خاصة في النواحي الأمنية بدلاً من القوات العسكرية الأمريكية. وأمام ذلك وجدت عدة مشاريع قوانين بدأت تأخذ طريقها للكونغرس وتهدف إلي وضع آلية للمراقبة والإشراف والشفافية علي القوات الخاصة التي بدأت تلعب دوراً أساسياً في الحروب التي وقعت بعد احداث 9/11.
وفي الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات المقدمة من مكتب العمل بأن هناك 770 حالة موت في صفوف المقاولين إضافة إلي عدد 7,761 شخصا مصابين إصابات مختلفة في العراق فقط وذلك حتي 31 كانون الاول (ديسمبر) 2006 .. لكن هذه الأعداد تضم أولئك الذين تقدمت عائلاتهم من أجل الحصول علي التأمين اللازم إعتماداً علي قانون التأمين العسكري للحكومة، ويشير المراقبون المستقلون إلي أن أعداد القتلي والجرحي هم أكثر من ذلك بكثير.
وبعد أسبوع من انتهاء مهام دونالد رامسفيلد في البنتاغون صارت القوات الأمريكية في أضعف حالة لها فيما تخوضه من حرب علي الإرهاب مما جعل كولن باول وزير الخارجية السابق يعلن أن الجيش الفعال يكاد أن ينهار ، وبدلاً من أن تعيد الإدارة الأمريكية التفكير في سياستها، قامت بالتمادي في زيادة عدد القوات في العراق كما أن بوش قد روج لزيادة القوات ودعمها بتأجير المدنيين ذوي القدرات الجيدة ليتولوا أداء المهام المطلوبة .. وبينما أدي خطاب بوش إلي إثارة مناظرات شديدة في الكونغرس وعند عامة الناس، فإن اعتماد الإدارة الأمريكية علي المقاولين الخاصين يزداد وبشكل غير معلن، وذلك لدرجة ان اقترحت شركة بلاك ووتر فكرة لواء المقاول الخاص والذي يعمل مع الجيش. وفي الحقيقة، فإن أعداد قتلي الجيش الأمريكي لا تضم تلك الإصابات التي تحدث بين أفراد المقاولين، كما أن جرائمهم ومخالفاتهم لا يتم توثيقها والمعاقبة عليها وهو ما يدفع بشكل أكبر نحو التغطية علي التكلفة الحقيقية للحرب. فعندما تتعامل مع مقاولين لا ينطبق عليهم القانون والإتفاقيات مثل إتفاقيات جنيف ومبدأ الفضيلة، فان ذلك يعني أن أولئك المقاولين الخاصين صاروا يمثلون ذراع الإدارة الأمريكية وسياستها. وتأسست مشكلة خصخصة الحرب لدي الإدارة الأمريكية التي تربط بين أرباح المقاولين الخاصين مع وجود حرب، ولذلك فهي تعطي الحوافز للمقاولين لكي يضغطوا علي الإدارة الحكومية والكونغرس لتوفير فرص ربح أكثر وهذه الفرص تعني إشعال المزيد من الحروب ولهذا السبب يجب أن يتم كبح جماح المقاولين الخواص من قبل الكونغرس.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
10
بوش لم يتخذ قراراً بعد)
جهاد الخازن
الحياة
قلت أمس انني أعرف من دون حاجة الى استخبارات أميركية أو غيرها ان إيران ستمضي في تخصيب اليورانيوم، وربما السعي لقنبلة نووية، وأزيد اليوم ان الحلف القائم بين إيران وسورية سيبقى قائماً في المستقبل المنظور على رغم كل المحاولات الأميركية والعربية لإنهائه.

كان التركيز كله على البرنامج النووي الإيراني حتى دخلت سورية الصورة عبر غارة اسرائيلية غامضة على هدف سوري في الشمال قرب الحدود التركية في السادس من هذا الشهر. وسمعنا فجأة ان كوريا الشمالية تساعد سورية في بناء برنامج متواضع.

لا أعرف ما اذا كان هذا صحيحاً، في ظل التعتيم السوري والاسرائيلي والأميركي، ولكن أخشى ان تصبح سورية "جائزة الترضية" إذا قررت ادارة بوش انها لا تستطيع تحمّل نتائج ضربة عسكرية لإيران (أوروبا لا تريدها خوفاً على مصالحها، والموقف الفرنسي للتهويل، ثم ان روسيا والصين تتعاونان مع ايران، بل ان الهند تتعاون معها الى درجة ان وزارة الخارجية الاميركية عبّرت عن استيائها، فقد توقعت ان يكون التعاون النووي الأميركي – الهندي كافياً لإبعاد نيودلهي عن طهران).

ماذا يفعل جورج بوش؟ الجمهوريون في مجلسي الكونغرس سيؤيدونه، والديموقراطيون ملتزمون بإسرائيل، وهذه تريد حرباً. وطبعاً تظل ايران الهدف المفضّل، غير ان الدول العربية نفسها لا تريد ان تكون طرفاً ضد ايران، كما اكتشف الجنرال وليام فالون، قائد القيادة المركزية، خلال جولته الحالية في الخليج لحشد التأييد العربي ضد ايران، فهو لم يجد دولة واحدة تؤيد، علناً على الأقل، وإنما كانت كل التصريحات العلنية ضد الحرب.

كان منشقون إيرانيون كشفوا وجود برنامج نووي إيراني سنة 2002، وبقي التركيز على إيران خمس سنوات حتى دخلت سورية الصورة هذا الشهر، وعندي خلفية على شكل نقاط:

- عصابة الحرب حول نائب الرئيس تشيني، وأعضاؤها جميعاً تقريباً يهود أميركيون ليكوديون، يحرضون على سورية، من داخل الادارة وفي مراكز البحث الموالية لاسرائيل.

- ترددت أخبار عن علاقة مزعومة لسورية مع شبكة عبدالقدير خان، العالِم النووي الباكستاني، من دون ان تؤكد.

- دوائر العصابة ومراكز البحث واللوبي تروّج منذ سنوات لزعم ان سورية تملك أكبر قدرة في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الشرق الأوسط كله.

- هي تروّج أيضاً ان كوريا الشمالية تساعد سورية على تطوير صواريخ تستطيع حمل هذه الأسلحة الكيماوية الى أهدافها، وقد قرأت عن أنواع من هذه الصواريخ أبعدها مدى يصل الى حوالى 700 كيلومتر.

- كانت سورية عقدت اتفاقين تجاريين مع كوريا الشمالية في الصيف، ورددت عصابة اسرائيل فوراً ان الاتفاقين ربما كانا غطاء لمبادلات عسكرية غير تجارية.

- قبل الغارة الاسرائيلية بثلاثة أيام رست سفينة كورية شمالية في ميناء طرطوس، وهي تحمل شحنة من الإسمنت، الا انه تردد فوراً ان الشحنة كانت غير ما أعلن عنه.

ربما كان هناك بعض الحقيقة في المعلومات السابقة وربما كان كله كذباً متعمداً، الا ان الأكيد هو ان اسرائيل ما كانت تستطيع تنفيذ الغارة من دون مساعدة أميركية، فلا بد من أن أقمار التجسس رصدت الهدف، ولا بد من ان اسرائيل "استنسبت" قبل الغارة، و "واشنطن بوست" أكدت تعاون أميركا وإسرائيل في خبر لها الاسبوع الماضي، ونسبت معلوماتها الى مسؤولين لم تذكر أسماءهم.

ماذا ستكون النتائج لو هاجمت اسرائيل الحلقة الأضعف في الحلف الإيراني – السوري؟

المنطق يقول ان إيران لن تترك سورية وحدها لأنها تعرف جيداً انها ستكون الهدف التالي، وهذا أيضاً ينطبق على حزب الله، فقدرته العسكرية تعتمد كلياً على ايران وسورية، لذلك فهو سيرد على اسرائيل، وربما كان هذا ما تريد حكومة ايهود أولمرت لتنفذ ما عجزت عنه في صيف 2006.

اذا كان هذا صحيحاً فنتائج ضربة عسكرية لسورية لن تختلف كثيراً عن نتائج ضربة لإيران. وفي حين لا أجزم هل تهاجم أميركا إيران، أو تضرب اسرائيل سورية، فإنني أستطيع ان أجزم بأن ايران وسورية وحزب الله تعتبر الولايات المتحدة واسرائيل شيئاً واحداً، فمثلاً إذا ضربت اسرائيل أهدافاً في إيران فسترد هذه بمحاولة ضرب اهداف أميركية، ولن تقصر ردها على اسرائيل.

الرئيس بوش لم يتخذ قراراً بعد في شأن إيران، واسرائيل تملك نفوذاً كافياً على إدارته للتركيز على سورية في غياب قرار أكبر. وكان الرئيس بوش، بعد التجرية النووية الكورية الشمالية، في 9/10/2006 قد حذر بيونغيانغ، أو هددها، فهو قال ان النتائج ستكون وخيمة إذا تبين ان كوريا الشمالية صدرت تكنولوجيا نووية وساعدت على انتشار الأسلحة النووية.

كوريا الشمالية تفاوض الآن لوقف برنامجها النووي مقابل مساعدات كبرى ووقف العقوبات واعتراف ديبلوماسي، ولا أرى انها تغامر بكل هذا لمساعدة سورية في برنامج نووي محدود جداً. لذلك أرجح ان تكون المعلومات الاميركية والاسرائيلية من المصادر نفسها التي زعمت ان في العراق برنامجاً نووياً.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
11
التزامنا مستمر تجاه الشعب العراقي
: كيم هاولز
الحياة
من بين أبرز الانطباعات الخاطئة حول السياسة الخارجية البريطانية، والتي سادت خلال الشهور القليلة الماضية، هي أنه مع تغير الحكومة البريطانية خرج التزامنا بمساعدة الشعب العراقي عبر النافذة. لقد اطلعت على الكثير من التقارير الصحافية حول خروج القوات البريطانية من قصر البصرة، حيث افترضت تلك التقارير بأن ذلك كان نهاية الطريق بالنسبة للبريطانيين في العراق. لكن هذا ليس صحيحاً أبداً.

إن من يدققون في التصريحات الصادرة عن الحكومة البريطانية طوال العام الماضي يدركون بأن هذه الخطوة الأخيرة تتماشى مع الجهود التي بدأت منذ شهور عدة لتوفير الظروف الملائمة لمحافظة البصرة لكي يتم تسليمها رسمياً للعراقيين. وتسليم قصر البصرة للعراقيين لا يشير أبدا إلى الانتهاء من تلك العملية، لكنه يشير بكل تأكيد إلى ثقتنا بأننا أحرزنا تقدماً تجاه تحقيق ذلك الهدف.

لطالما رفضنا أن نحدد جدولاً زمنياً افتراضياً للانسحاب من العراق. فمبدأنا هو أن هذه العملية سوف تتم عندما يكون العراقيون جاهزين لتولي هذه المسؤوليات، وعندما تكون الظروف على أرض الواقع ملائمة - ولا تعتمد على المصالح السياسية في لندن أو واشنطن أو أي مكان آخر.

يسعدنا إقرار الجنرال ديفيد بترايوس والسفير ريان كروكر في تقريرهما الأخير بمدى التقدم الذي أحرزته قوات الأمن العراقية. لقد كانت مهمة تدريب قوات الأمن العراقية من المهمات الأساسية التي تنفذها القوات البريطانية، وسوف نستمر بالعمل مع العراقيين والتحالف لتحسين القدرات حيثما لزم الأمر. كما نرحب باستنتاجات الجنرال بترايوس حول تراجع أعمال العنف الطائفي في جميع أرجاء العراق خلال الشهور الثمانية الماضية. هذه أخبار مُبشرة بالخير، ونحن هنا نهنئ العراقيين وقوات التحالف الذين ضحُّوا بالكثير لتحقيق هذه النتائج. كما سلط التقرير الذي أعده بترايوس الضوء على الاختلافات الكبيرة في مستويات الأمن، وأنواع التحديات الكامنة في المناطق المختلفة من العراق. إن هذه الاختلافات النوعية تعني أن بريطانيا تتحرك باتجاه أن تصبح جاهزة لتسليم البصرة، بينما تتطلب محافظات أخرى محددة استمرار وجود قوات التحالف.

عادة ما يوجه إليّ سؤال حول سبب اتخاذ بريطانيا العدة لتسليم المسؤوليات وخفض عدد قواتنا تدريجاً، بينما يعمل الأميركيون في مناطق أخرى على تكثيف مستويات عملياتهم. والجواب على ذلك بكل بساطة هو أن البصرة ليست بغداد. فالبصرة بشكل عام لم تتأثر بأعمال العنف الفظيعة بين السُّنة والشيعة، ورغم أن بعض السُّنة غادروا البصرة بعد ازدياد حدة التوترات عقب الهجوم على مسجد سامراء في العام الماضي، فإن الكثيرين منهم قد عادوا إليها في ما بعد. كما أنه ليس فيها وجود يُذكر لأعضاء تنظيم «القاعدة» أو البعثيين.

بل إن غالبية أعمال العنف يمكن نسبها للميليشيات وجماعات المجرمين الذين يتدافعون للحصول على مناصب لهم على الساحة السياسية الجديدة. ولعلمهم بأن وجود القوات البريطانية سيكون لفترة محدودة، وسعياً منهم لتكريس إنجازاتهم الوطنية إلى جانب مقاتلة بعضهم البعض، فإن غالبية الهجمات المسلحة التي نفذتها تلك الجماعات في الشهور الأخيرة كانت موجهة ضد القوات البريطانية. وللأسف أدت بعض القذائف التي أطلقوها والقنابل التي وضعوها على جوانب الطريق لمقتل جنود شجعان من قواتنا وكذلك عدد من المدنيين الأبرياء. وهناك اثباتات من الذخائر والمتفجرات والتدريب التي تربط هذه الميليشيات بعناصر في إيران.

لكن بدل اعتماد السلطات العراقية بشكل دائم على القوات الأجنبية في مواجهة هذا البلاء، كانت استراتيجية بريطانيا هي تدريب العراقيين، الذين يفهمون ديناميكية مواقعهم أفضل من غيرهم، على تولي هذه المسؤوليات بأنفسهم. وقد نتج عن هذه الجهود التي بذلتها قواتنا البريطانية تدريب ما يربو على 20 الف رجل للانخراط بجهاز الشرطة وتولي المسؤوليات الأساسية والمتقدمة في ضبط الأمن. وقد حصدت القوات العراقية ثمار سنوات من التدريب وقامت بشكل متزايد طوال العام الماضي بالتخطيط والإعداد لعملياتهم وقيادتها بأنفسهم. وقد حصد اكتساب الخبرة العملية الفوائد في مدى جاهزية القوات العراقية لمواجهة التحدي بنفسها. وكانت تلك القوات التي تتمتع بالقدرات بعيدة كل البعد عن أن تكون عاجزة أو مثقلة بالمهمات، بل يجري بشكل دوري إرسالها من المناطق في الجنوب إلى مناطق أخرى في الشمال حيث هناك حاجة كبيرة إليها.

وفي نفس الوقت فإننا لم نغمض أعيننا عن تغلغل الميليشيات بين قوات الشرطة والجيش. ولكي تكون هذه القوات قادرة على الاستمرار، فإن العراقيين أنفسهم هم من يستطيعون معالجة هذا التحدي على المدى الطويل بعد مغادرة قوات التحالف. وبالتالي تم استثمار الكثير من الوقت والتدريب والموارد في الوحدات لمعالجة مشكلة الفساد واجتثاث العناصر الفاسدة. وقامت القوات العراقية في مناسبات عديدة باتخاذ إجراءات مباشرة ضد هذا النوع من التغلغل. وفي القضية الكبيرة المتعلقة بوحدة الجرائم الخطيرة (التي هي اسم على مسمى) تم إغلاق هذه الوحدة السيئة الصيت.

عندما قمنا بتسليم المحافظات الثلاث السابقة التي كانت بريطانيا مسؤولة عنها، انتقلت قواتنا إلى مرحلة الإشراف على هذه المحافظات، فإذا احتاجنا العراقيون فإننا نتدخل لتقديم المساعدة. لكن عندما وقعت اضطرابات في العمارة، وعلى رغم كون قواتنا على قمة الاستعداد، لم تكن هناك حاجة للقوات البريطانية لدخول العمارة لأن القوات العراقية واجهت تلك الاضطرابات بمفردها. وسيكون هناك وضع مماثل عند تسليم محافظة البصرة، حيث ستبقى قواتنا في العراق لبعض الوقت لتقديم الدعم إن لزم الأمر، لكننا نأمل أن يصيب ظننا وأن ننسحب لنخلف وراءنا قوات عراقية قادرة على أداء مهماتها من دون مساعدة منا، تماما كما كان الحال في تلك المحافظات الأخرى. لقد انخفض تعداد قواتنا في العراق تدريجا من 44 الفاً إلى حوالي 5 آلاف وهو ما يعكس انخفاض الطلب على وجود هذه القوات.

وهناك انطباع خاطئ آخر يقول بأن هذه الخطط البريطانية المُعلنة منذ وقت طويل كانت مفاجئة لنظرائنا الأميركيين. بينما قمنا عمليا، ومنذ الحرب عام 2003، بمناقشة هذه الخطط بشكل مستمر مع كل من العراقيين ومع نظرائنا في قوات التحالف. وتستند جميع هذه الجهود البريطانية الى تقييم على أرض الواقع من قبل كل من الخبراء العراقيين والعسكريين في التحالف، ويجري تنسيقها ومناقشتها بكل دقة.

كما أنه من الضروري إدراك أن الحل لمواجهة التحديات في العراق ليس حلاً عسكرياً بحتاً. حيث أن وجود عراق متحد قوي سياسيا واقتصاديا سيكون أكثر مقاومة للأحداث المدمرة التي يجلبها الإرهاب والعنف. لقد استثمرت المملكة المتحدة استثمارا قويا في إعادة إعمار البنية التحتية المتهالكة في تلك المحافظات، وسوف يستمر التزامها هذا لفترة طويلة بعد تحويل البصرة تماما لتكون تحت السيطرة العراقية.

يحتاج العراقيون لمعرفة أن المجتمع الدولي يقف وراءهم ويدعمهم على المدى الطويل وكذلك تعاضد الدول المجاورة لكي يستمروا بالتحرك تجاه تحقيق المزيد من الاستقرار والديموقراطية والرخاء. ما زالت هناك تحديات هائلة أمامهم، وما زال العنف مستمرا في أجزاء من البلاد. وبالتالي يجب أن يكون الهدف هو تشجيع ومساعدة العراقيين على إرساء الاستقرار والتنمية لكي يتاح للاجئين العودة والمساهمة بمهاراتهم وطاقاتهم في إعادة إعمار بلدهم. وفي نفس الوقت، فإن تأكيدنا على التزام بريطانيا بالوقوف إلى جانب العراقيين في طموحاتهم لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر إشراقا لم يكن يوما أكثر أهمية.


وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
12
المتساقطون
عبد الكريم عبدالله
واع
وهم في تساقطهم وارتدادهم وانحرافهم، شيع ومذاهب، فبعضهم يرتد وينحرف او يساقط جهلا، وبسبب من خلل ذاتي وقصور في الوعي والفهم والادراك او نقص معرفي او معلوماتي بسبب الانقطاع والكسل عن المتابعه، فيغلبه جهله وسذاجته وكسله، وتعميه بلاهته عن الرؤية، وبعضهم يرتد فرقا وخوفا وهلعا بفعل تشكله النفسي القائم على الانكفاء والتراجع والانحناء امام ابسط ريح معاكسة كوسيلة للدفاع الذاتي والحماية، والاحتراس، او عدم القدرة على التمسك والتماسك والمواجهة ومقاومة الضغوط وابتداع وسائل التغلب عليها، وبعضهم يسقط عن سابق تصميم وادراك ومعرفة، ارتزاقا واستجابة لنزوات ومصالح شخصية، ذلك ان معدنه الحقيقي هش ومواقفه من قبل ومن بعد، تعتمد وجها حرباويا، درب على التلون حتى اعتاده واعتنقه عقيدة ومذهبا منذ ان وجد، وهؤلاء هم الاشد خطورة على اية مسيرة ثورية او عقائدية او فكرية او نضالية، اوتصحيحية بنائية، وقد عرفت الحركات الثورية والدينية والعقائدية الانسانية، الكثير من امثال هؤلاء واشباههم، فاسمتهم المرتدين والمنحرفين والمنشقين وما الى لك من تسميات، ومن منا نحن العرب والمسلمين الذين قرأوا تاريخ الدعوة الاسلامية، من لم يقرأ صفحات حروب الردة بعد وفاة النبي محمد (ص) ورموزها؟؟

لن نطيل عليكم في استقراء صفحات التاريخ والتشخيص التنظيري لهؤلاء، ولكننا سنذكر انهم مهما تزايدت اعدادهم في مرحلة ما من مراحل الانخذال العام، ومهما كانت الاضرار التي يلحقونها بالمسيرة التي بدأوا معها، فادحة، فهم في النهاية لا يزيدون على ان يكونوا ورقة صفراء في شجرة خضراء عامرة بالثمار، وتحتم سنة حياتها عليها وعلى اغصانها ان تتخلص من هذه الورقة، فاذا سقطت تلقائيا – فخفة وراحة- وتكون قد وفرت الجهد على الاغصان والشجرة كلها، وهؤلاء يشبهون-حنون – الوثني الذي اعلن اسلامه ثم عاد فتنصر، ثم عاد فاعلن توبته واسلم من جديد، ثم ابتدع تقليده – الحنوني - فهو في الاعياد والمناسبات والولائم النصرانية نصراني، وهو في الاعياد والمناسبات والولائم الاسلامية مسلم، حتى قال الشاعر العربي فيه مشخصا قيمته –الحنونية-

-ما زاد حنون في الاسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنون-

والمتساقطون– الحنونيون - اليوم على الساحة العراقية، مشخصون ومعروفون كما انهم يعلنون على الملأ – حنونيتهم – وارجو ان لايخيل للوزير الاستاذ بابان اننا نتكلم عنه، من باب المثل الشعبي العراقي –اللي تحت ابطه عنز يبغج-، -فالحنونيون – موجودون حتى في الصين وجزر واق واق ومثلث برمودا ومثلث الموت ودائرة الـ... ،فهم بالامس مع القوى الوطنية التي تسعى الى التغيير الجذري في معادلة الحكم والعملية السياسية، وهدم الاساس الطائفي الذي بنيت عليه قواعدها وجدرانها، -نظام المحاصصة الطائفية العرقية- حتى اذا نالوا مرامهم، وشعروا بالخطر من امكانية فقدان امتيازاتهم تنكروا لها، فهم اليوم مؤيدون ومصفقون ومروجون لما يسمونه-الاعتدال- ولا ندري اين كانوا عنه في البدء، ومع من كانوا؟؟ وما الذي حدا مما بدا حتى تغيروا والراس هو الراس والفاس هي الفاس، وان تغيرت الاسماء؟؟ وهم اليوم ملكيون اكثر من الملك ينظرون لسقوطهم تنظيرات وطنية ولا ابدع ولا اعجب، ويركضون خلف سراب التغيير المظهري الشكلي للاسماء او للادوات والاداء مع الحفاظ على الجوهر العرقي الطائفي، في مسار– قطيعي – امعي - خلف رموز المشروع الالحاقي الايراني، المشروع الاول في العراق عداءاً للمشروع الوطني العراقي والذي يخوض معه صراع وجود لاصراع نفوذ وحسب، والذي تمثل الحكومة العراقية طرفاً سلبياً فيه شاءت ام ابت، بسبب تمثلها واقرارها واعتناقها نظام المحاصصة العرقية الطائفية الفاسد، المدمر، دينامو العنف والتصفيات الدموية والتناحر السياسي والاجتماعي بين مكونات الشعب العراقي، والخراب العام.

ان ما يقوم به هؤلاء المتساقطون في الحقيقة، وان كان مجرد اثارة غبار وتضبيب على مشهد الصراع، الذي لابد ان يحسم لصالح المشروع الوطني العراقي وقواه المصرة، والمتمسكة بثوابته وقواعده، وجماهيرها المساندة والمضحية الا انه ياخذ قيمة وهمية اعلى دون استحقاق في هذه المرحلة والتوقيت، ويصاغ كحجج وذرائع مبالغ بها من قبل السنة الحكومة ومواليها والمنافحين عنها واجهزة تبرير الفشل الرسمية التابعة لها، لتبرير اخفاقاتها في كل الميادين وتبرير استمرارها على حساب الوطن والمواطنين، ويصاغ وكأنه صكوك غفران وبراءة وموافقات بصمتها المعارضة الوطنية، وذلك هو التزوير الاكبر، وهو بعض الرسالة الكاذبة التي قدمها فريق الحكومة للبيت ابيض الاميركي، خلال زيارة رئيس الوزراء الاخيرة الى واشنطن لاقناعه بدعم لحكومة واستمرار بقائها في كراسيها اذ ان المعارضة العراقية نفسها – ترى ذلك – اذا تم تغيير بعض المشاهد، ومن ثم سحب البساط من تحت اقدام المعارضة المنقسمة على نفسها وغير الموحدة الخطاب والتي يناصر حشد كبير منها اجراءات الحكومة وبقائها في السلطة كما تدعي وتوهم الرسالة التي قرأناها من قبل ان يقرأها البيت الابيض فنحن نعرف كتابها وعن ماذا يصدرون والى اين يمضون!

وقد نفهم سذاجة البعض، ونفهم اسباب انخداعهم، لكننا وللمرة المليار كمواطنين مخلصين لوطنهم واعين بحقوقهم وواجباتهم نحوه، لن نتسامح مهما كانت الاسباب والمبررات مع التساقط والردة، ولن نتهاون مع خطيئة التخلي ولو عن خيط واه واحد من نسيج وثوابت العراق ومشروعه الوطني القائم على صيانة الهوية العراقية وعناصرها المكونة الحضارية والتاريخية، ونحن هنا لانتوعد احدا وان كان حقا لنا الوعد والوعيد في امور الوطن، ولكننا نعلن موقفا، ونبشر الخيرين وندلهم، وننبه الغافلين ونحصنهم، ونكشف للمرتزقة المساومين على الوطن، غدهم، عندما يتولى الشعب العراقي بنفسه اموره، وذلك بعض واجبنا ولا تعتبوا علينا وعلى عموم الوطنيين العراقيين على اختلاف مواقعهم ومراكزهم، مرور هؤلاء بين صفوفنا، فالعراقي في الصف، في حساباتنا، عراقي وطني مخلص شريف، حتى يتساقط او يرتد او ينحرف او يمرق، عندها يختلف موقفنا منه.

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
13
هذه هي الديمقراطية الأميركية
عز الدين الدرويش
تشرين السورية

أخيراً... وكما هو متوقع إلى درجة اليقين توقفت المخططات الأميركية عند التقسيم، وهو الهدف الأول والأخير للغزو كما فهمه العراقيون والعرب وأكثرية العالم منذ البداية.

هذه الخطة التقسيمية أعلنها بوضوح الكونغرس الأميركي، ويستعد الآن للتصويت عليها على شكل قرار يدعو لتقسيم العراق... قرار غير ملزم ولكنه يشير بالتأكيد إلى حقيقة السياسة الأميركية عراقياً، ويكشف عن الكثير من خفايا الغزو ونتائجه. ‏

إدارة بوش نأت بنفسها عن هذا القرار التقسيمي قولاًَ، ولكن ذلك لا يقلل من خطورته بشكل من الأشكال، ولا يزيل أي لبس عن أهم ثاني هدف للغزو بعد النفط وهو تقسيم العراق إلى كيانات طائفية، ضعيفة، متناحرة منسلخة عن الأمة العربية. ‏

وبعيداً عن إجراء الكونغرس هذا، فالأوضاع العراقية في ظل الاحتلال ليست بعيدة أصلاً عن التقسيم، وهي أقرب إليه منها إلى الوحدة، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن الغزو كان بحد ذاته نقطة البداية للتقسيم وإن كل ما اتخذه المحتلون الأميركيون على الأرض بدءاً من قوانين وقرارات بريمر استهدفت التقسيم. ‏

ويمكن القول في هذا السياق: إن إدارة بوش لا تمانع في فعل أي شيء من أجل تحقيق مآربها، وها قد قتل أكثر من مليون عراقي في الغزو أو بسببه، كما هجِّر أكثر من أربعة ملايين ودمرت مؤسسات الدولة العراقية بشكل كامل دون أن يهتز رمش في عيني بوش، الذي لا يزال يعد الأميركيين والعراقيين بالنصر. ‏

بوش يقول: إن استراتيجيته العراقية تحقق تقدماً بينما كل الدلائل على الأرض العراقية وشهادات شهود العيان تؤكد أنها انهارت كلياً، ولم يبق منها إلا ما خلفته من فوضى سياسية وأمنية واقتصادية متزايدة. وليس من المبالغ فيه القول هنا: إن استراتيجية بوش المسماة انقاذية عبدت طرقاً جديدة نحو التقسيم في العراق. ‏

والمشرعون الأميركيون الذين يقفون أكثر من غيرهم على عنجهية وإخفاقات إدارتهم دون أن يبذلوا الجهد الكافي لردعها ولوقف المذبحة البشرية العراقية، رأوا أنه من الأسهل عليهم التوجه في المعالجة نحو الضحية للخروج بحلول سياسية، وذلك من خلال تقسيم العراق، وبالتالي فسح المجال أمام الخروج الأميركي اللائق منه، أي إنهم يريدون تقسيماً وانسحاباً على أنقاض العراق والعراقيين... هذه هي الديمقراطية الأميركية. ‏

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
14
هل توجد أحزاب سياسية في العراق؟
حميد المالكي
الراي العام الكويتية

باستثناء الأحزاب التي شكلت «جبهة الاتحاد الوطني» في صيف عام 1957 لأنها مستوفية للمعايير الدولية، ولها هويات طبقية اجتماعية معروفة وواضحة تعبر عن مصالح طبقية محددة، ولها أنظمة داخلية وبنى تنظيمية وقواعد جماهيرية وبرامج وأهداف مفصلة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولها فلسفات ورؤى فكرية محددة وواضحة، فإنه منذ ذلك الحين ولحد الآن لم تنشأ أحزاب سياسية جديدة في العراق على الاطلاق، وما هو موجود الآن ليس أحزاباً سياسية جديدة، استنادا إلى تلك المعايير والشروط والمستلزمات، وإنما هي عبارة عن قيادات تعكس مشاعر كتل سكانية تتمثل بهويات طائفية وعرقية وقومية وعشائرية ومناطقية، ولذلك فإن الصراعات الدائرة اليوم بين تلك القيادات وعلاقاتها ليست صراعات وعلاقات بين الطبقات الاجتماعية، بل هي صراعات وعلاقات بين قوى ذات أطر طائفية وقومية ومطالبات إثنية. بمعنى أكثر وضوحاً ان التشكيلات الاجتماعية العراقية يجري الآن تفكيكها ونقلها من تشكيلات ذات سمات طبقية إلى كتل سكانية تضيع على تخومها الصراعات الاجتماعية، وذلك حسب أول وأحدث دراسة علمية نشرت في بغداد، حتى ان تلك القيادات الجديدة التي تزعم انها تقود احزابا سياسية وتيارات سياسية عمدت إلى توسيع ملكيتها التجارية - الخدمية، الأمر الذي وفر لها شروطاً جديدة لتحويل بعض أنشطتها «الحزبية» إلى فعاليات اقتصادية، اي أنها بدأت بالفعل تتحول تدريجيا إلى حواضن اجتماعية لتفريخ الفئات الطبقية - الطفيلية، أي استبدال بناء وتطور النسيج الاجتماعي بكتل قومية - طائفية ما يشكل تراجعا تاريخيا في مسار تطور العراق الراهن.
ولذلك فإن القوى الطبقية الناشئة تعتمد في بناء قوتها الاقتصادية - السياسية على الفساد المالي والاداري، وعلى لحظة النهب المتواصل لتركة الدولة العراقية وبقايا مؤسساتها - الإنتاجية - الخدمية كما تقول الدراسة - والنتيجة النهائية انه لا توجد في العراق اليوم طبقة اجتماعية أو كتلة تاريخية قادرة على بناء الوحدة الوطنية، بمعنى غياب الطبقة ذات الاهداف العراقية القادرة على بناء الدولة العراقية، اضافة إلى التدخلات السلبية في الشؤون العراقية وتراجع دور الطبقة الوسطى واقصائها وتهجيرها واغتيال الكثيرين من بين صفوفها والدور الإرهابي والتخريبي الذي تقوم به «القاعدة» وعملها المشين في اصطناع الفتنة الطائفية.
وذلك، فإن بناء الدولة العراقية اصبح مهمة عسيرة وتصطدم بمعوقات ذاتية وموضوعية داخلية وخارجية كبيرة وخطيرة، لكن بناءها ليس مستحيلاً، لأن الصراع التاريخي سيستمر باستمرار الوجود الاجتماعي وهذا الصراع كما تعلمنا الخبرة التاريخية والموروث السياسي للدولة العراقية يشهد دوماً انتصارات وانكسارات، يحرز مكاسب ويحتل مواقع متقدمة ويمنى بهزائم. فالصراع بين الخير والشر، بين التقدم والتخلف، بين الحرب والسلام، صراع أزلي على المدى المنظور لكن في النهاية سينتصر الإنسان وتمنى قوى الظلام والتخلف والجريمة والاستغلال والارهاب بالهزيمة النهائية، وحينها سيكون الإنسان سيّد مصيره وثروته ومستقبله ولا مناص من بلوغ هذا الهدف الذي تسعى البشرية جمعاء إلى بلوغه بالكفاح والتفاؤل، فهو الحلم الاكبر الذي لا يشبهه حلم آخر من ناحية الجمال، حيث الرفاه الشامل والحرية والسعادة التي تغمر الجميع بلا استثناء.

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
15
الخطر الايراني واكذوبة ملء الفراغ في العراق
عوني القلمجي

عجيب امرهم معشر المحتلين ، فكلما اقترب موعد انتصار المقاومة العراقية على قوات الاحتلال ، كلما ازاد ت ضحالتهم وصلفهم وكثرت اكاذيبهم واراجيفهم ، عساها ان تجنب بوش الهزيمة والمهانة . فبالامس القريب حدثونا عن حرب طائفية واهلية لا تبقي ولا تذر اذا ما انسحبت قوات الاحتلال من العراق ، في حين نجد شعوب الارض تحتفل بمثل هذه المناسبة وتجعل منها عيدا وطنيا. واليوم يهددونا باحمدي نجاد وعزمه على ملء الفراغ وعندها سنترحم على الغزاة الامريكيين.
ليس معشر المحتلين وحدهم من روج هذه الاوهام ، فعرب الردة وامراء الخليج العربي وجامعتم العبرية كانت لهم حصة فيها. فلطموا الخدود وشقوا الجيوب حزنا على ضياع العراق اذا ما غاب "حماته الامريكيون"!!!. فانبرى كل واحدا منهم يحذر من انسحاب امريكي مفاجئ او غير مدروس. ومن المؤسف حقا ان تجد هذه التخرصات والاراجيف ، صداها عند بعض الوطنيين المناهضين للاحتلال وولدت لديهم مخاوف وصلت حد مطالبة المقاومة العراقية بتحرير العراق من التواجد الايراني اولا ، كونه اخطر من الاحتلال الامريكي. بل ان هذه العدوى وجدت طريقها لدى اطراف محسوبة على المقاومة واتخذت منها ذريعة لاجراء مفاوضات مع الامريكيين لتحقيق مصالح فئوية ضيقة ، بعضها فاوض بامر من قياداتها والبعض الاخر من دون علمها ، مستغلة الموقف العام من المفاوضات والقبول بها في الوقت المناسب بما يؤمن تحقيق مطالبها المعروفة. ويدخل ضمن هذا الاطار ، ما يشاع عن عقد اجتماعات في القريب العاجل في احدى الدول العربية ، لاحياء مؤتمر دمشق الذي تم تاجيله من قبل السوريين واعلان جبهة تضم هذه الاطراف وغيرها لدعم موقفها التفاوضي . فليس غريبا ان تتزامن هذه الاجتماعات مع البيانات والتصحريات التي صدرت عن بعض القوى المعنية والتي استبعدت فيها المقاومة العراقية المسلحة عن اي اتقاق ، كونها لا تمثل كل الشعب العراقي من جهة وانها غير مؤهلة للمشاركة في ادارة الدولة التي ستنبثق عنه من جهة اخرى.
مرة اخرى نجد انفسنا امام خيار الرد على معشر المحتلين وتخرصاتهم وعلى اصحاب مشاريع الجبهات على طريقة الوجبات السريعة وتحذيرهم من مغبة السير في هذا الطريق الملغوم بالاعيب وخدع المحتل الامريكي. ولكي لا نطيل اكثر ، فان مخاوف العراقيين من الخطر الايراني على الرغم من وجوده ، لا تستدعي غض النظر عن الخطر الاكبر المتمثل بالاحتلال الامريكي تحديدا. فاحمدي نجاد حين اعلن عن استعداده لملء الفراغ ، فانما اراد من ذلك تاييد شهادة بترايوس امام الكونغرس الامريكي حول استغلال ايران لاي انسحاب للقوات الامريكية وقيام قواتها باحتلال العراق. هذا التهديد بملء الفراغ من قبل ايران اكذوبة سمجة ، كونها تتعاكس مع ظروف العراق ، حيث يجري الصراع داخله بين قوتيين عظميتين هما المقاومة العراقية وامريكا وان هذا الصراع لن ينتهي الا بانتصار احد الطرفين وفي كلتا الحالتين لا مكان لايران او غيرها في العراق المحرر.
لقد ظهر هذا المصطلح الى الوجود بشكل واضح ، بعد اعلان بريطانية انسحابها من الخليج العربي عام 1956 جراء هزيمتها في العدوان الثلاثي على مصر. حيث تقدم ايزنهاور رئيس الولايات المتحدة انذاك لملء الفراغ الذي تركته بريطانية طواعية في المنطقة ، لكي لا تقع بيد الاتحاد السوفيتي انذاك وتحرم من مخزونها النفطي الذي يشكل عصب الحياة للصناعة الغربية عموما. ثم تطورت هذه السياسة بعد حصول معظم الدول على استقلالها السياسي الى نظرية جديدة سميت بالاحتواء المزدوج. ومع ذلك لم يتورط ايزنهاور حينها وادخل قواته العسكرية الى المنطقة كبديل لقوات الاحتلال البريطانية ، تجنبا للمصير ذاته الذي انتهت اليه بريطانية العظمى. وانما سلك طريقا اخر تمثل في تقديم مساعدات سياسية واقتصادية وعسكرية لدول المنطقة ، ليتمكن من خلالها فرض التبعية على دولها ، وسميت هذه السياسة حينها بالاستعمار الحديث.
لقد جاءت سياسية ملء الفراغ هذه كـ امتداد منهجي وزمني لنظرية جورج كينان المشهورة ، والتي تبلورت في ما بعد بما عرف بمبدأ ترومان لاحتواء الاتحاد السوفيتي واعتمدت على اربعة محاور هي ، خطة مارشال لمساعدة أوربا ثم تشكيل الحلف الاطلسي ، ثم برنامج المساعدات للدول الفقيرة. وابطال مفعول نظرية الدمينو أي أن تداعي دولة لتقع تحت النفوذ السوفيتي يؤذن بتداعي الدولة المجاورة. ومضت السياسة الأميركية لإحتواء الاتحاد السوفيتي لتصبح معلماً للسياسة الدولية.
اما ما يشاع عن وجود صفقة يتم بموجبها تسليم العراق لايران مقابل تامين امريكا لمصالحها الحيوية في العراق والمنطقة ، فهذه مجرد اراء سياسين مغمورين او مهوسين بالتحليلات النظرية او من قبل دوائر مرتبطة بالاحتلال لاشغال المقاومة والانصراف عن واجباتها الرئيسية. فامريكا لم تأت الى العراق وتتحمل كل هذه الخسائر وتفقد هيبتها وسمعتها بين الخليقة ، لتسلم العراق الى ايران او للمقاومة العراقية حتى اذا كان مقابل ذلك الحصول على نفط العراق كله. فاحتلال العراق كان بمثابة الحلقة المركزية في بناء مشروع امبراطورية امريكية كونية ينتهي التاريخ عند ابوابها. وان التنازل عنه يعني نهاية الحلم الامريكي الذي يسعى الى تحقيقه كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء ، وبالتالي فان الانسحاب الامريكي يتحقق فقط عندما تفقد قوات الاحتلال قدرتها على الصمود وان تبلغ خسائرها حدا لا يتحمله الشعب الامريكي. وحين تاتي هذه اللحظة ، فان الطرف الذي تعقد امريكا الاتفاق معه ووفق شروطه هو المقاومة العراقية.
واستكمالا لهذه الدعاوى والاوهام وتمريرها ، هناك مرافعة اكثر عقلانية وخطورة ، كونها تنطوي على قدر معين من الواقعية ، حيث رسمت صورة متشائمة تجعل من امل وفرحة التحرير كابوسا مفزعا ، قوامها ان المقاومة العراقية ستواجه بعد انسحاب قوات الاحتلال ، حرب تحرير اخرى ضد القوات الايرانية اشد ضراوة من الاولى ،. ومن ضمنها، ان ايران تسعى في كل وقت لتحقيق اطماعها التاريخية في العراق ولن تفوت مثل هذه الفرصة الذهبية. خاصة وانها قد اعدت العدة لليوم الموعود. حيث بنت في فترة الاحتلال مرتكزات سياسية واجتماعية واقتصادية وامنية وحتى عسكرية وتوسع نفوذها في العراق. ومما يمكنها من تحقيق هدفها المنشود ، تضيف هذه المرافعة ادلة اخرى. فتضع الشيعة في سلة واحدة وتعتبرها موالية على اساس ان احزاب الحكومة النافذة هم من الشيعة . وان ايران ستستفيد من ميليشيات هذه الاحزاب المسلحة ، والتي تفوق من حيث العدة والعتاد والتدريب العالي امكانات فصائل المقاومة مجتمعة. وان الشيعة حققوا مكاسب لم يحلموا بتحقيقها يوما وسيقاتلون بضراورة من اجل الاحتفاظ بها وفي مقدمتها التفرد في حكم العراق.
كل هذه المرافعة بعناصر القوة والضعف فيها . تفقد قيمتها امام الوقائع العنيدة. فالاطماع والاحلام شيء وتحقيقها شيء اخر. فالخميني مات كمدا جراء فشله في احتلال العراق بعد حرب طال امدها ثمان سنوات من جهة . وجراء وقوف شيعة العراق ضد قواته الغازية من جهة اخرى. كما ان الشيعة ليست حفنة موالية لايران ، فهم عرب اقحاح وعراقيون يعتزون بعروبة العراق وتاريخه وحضارته وشاركت في الدفاع عنه ضد الغزاة والمعتدين البريطانيين بين عامي 1914 و1917 وفضلوا حكم الاتراك السنة على حكم البريطانيين، لتتوج تلك المشاركة في ثورة العشرين المجيدة. واليوم تقاتل شيعة العراق كتفا الى كتف مع باقي فصائل المقاومة العراقية وعلى وجه التحديد في المناطق الجنوبية من العراق ، والحقت الهزيمة بالقوات البريطانية المحتلة. ولا يغير من هذه الحقيقة ارتباط حفنة منهم بايران فعلا ،فهناك بالمقابل حفنة من السنة مرتبطة بالسعودية او امريكا او كليهما . وليس في هذا ما يعيب ، فالخيانة والولاء للاجنبي ظاهرة تشترك فيها كل شعوب شعوب العالم.
اما مرتكزات ايران العسكرية والسياسية والاقتصادية والامنية ، فهي في منطق الحسابات لا تعادل المرتكزات المشابهة التي بنتها امريكا في العراق ومنها القواعد العسكرية العملاقة في انحاء مختلفة من البلاد ، لما تحتوي عليها من معدات واسلحة متطورة بما فيها اسلحة الدمار الشامل وتكفي امريكا لدخول حرب نظامية مع اقوى دولة في العالم. كما ان مليشيات ايران التابعة لحزب الحكيم والمالكي وجيش المهدي بعدتها وعديدها لا تساوي شيئا امام جيش المرتزقة الذي بلغ تعداده 200 الف حسب اخر الاحصيائيات ، بل لا تساوي قوة وكفاءة مرتزقة شركة بلاك ووتور لحماية القواعد العسكرية والمراكز الحكومية والمنطقة الخضراء. ناهيك عن الفارق بين مرتزقة المحتل ومرتزقة ايران ، حيث الاولى منظمة ومنظبطة ضمن قوانين وتعليمات صارمة وتؤدي عملها لقاء اجور مغرية فحسب ، في حين يعمل كل طرف من مرتزقة ايران لحسابه الخاص وتصل الخلافات فيما بينها حول المكاسب الى درجة الاقتتال ، وفي كل الاحوال نسال : ترى اين قوات الاحتلال واين مرتكزاتها واين مرتزقتها؟ الم تتهاوى امام ضراب المقاومة العراقية؟ ان من يهزم امريكا قادر على الحاق الهزيمة بايران ومليشياتها المسلحة.
يبقى الادعاء من ان مرتزقة ايران ستقاتل للحفاظ على مصالحها ، فان معشر المحتلين لم يحدوثنا عن نوع هذه المصالح أو عن مشروعيتها ، لانها ببساطة شديدة جدا مصالح اساسها السرقة والنهب وتجميع المال والثروة. وهذه ليست من مقومات القتال والصمود ، وانما من مقومات الانهيار والسقوط ، في حين ان مصالح المقاومة واضحة وصريحة قوامها ، تحرير العراق واستعادة استقلاله وسيادته ووحدته الوطنية واعادة بنائه واقامته على اساس الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون. ترى هل هناك عراقي واحد مخلص لوطنه يرفض القتال والتضحية من اجل هذه المبادئ النبيلة؟ الم تشكل هذه المبادئ العمود الفقري لمقاومة المحتلين وتحقيق الانتصارات الواحد تلو الاخر؟.
لهؤلاء وغيرهم من معشر المحتلين نقول ، ان المقاومة واعية تماما لطبيعة الصراع وتتبع مجراه الرئيسي المؤدي الى طرد قوات الاحتلال الامريكي وتطهير ارض العراق من رجسها ، وان من يملا الفراغ في العراق الان او بعد التحرير هي المقاومة العراقية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ولا مكان فيه لايران واتباعها من الخونة والمرتزقة والافاقين.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
16
وكلاء السيستاني والقتل المنظم

عبدالزهرة الركابي
الراية القطرية
..في خضم مراحل احتلال العراق طفت علي سطح الأحداث ظواهر إجرامية منظمة تمثلت باستهداف شرائح نخبوية ونوعية في المجتمع العراقي، وقد حامت الشكوك في جرائم القتل المنظم حول ميلشيات طائفية وجهات إقليمية وكذلك حول جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد ، وعلي هذا المنحي فإن أكبر ظاهرة إجرامية هي التي استهدفت العقل العراقي من خلال اغتيال العلماء والأكاديميين والباحثين والمثقفين بما فيهم أصحاب المهن الهندسية والطبية.

ومن هذه الظواهر الإجرامية تلك التي طالت الطيارين العراقيين الذين شاركوا في حرب الخليج الأولي ناهيك عن القتل المتقابل علي الهوية الطائفية وفق ظاهرة الجثث المجهولة الهوية ، وعلي هذا المنحي بدت ظاهرة جديدة وهي استهداف معتمدي ووكلاء المرجع الشيعي علي السيستاني في المناطق والمدن الشيعية بشكل لافت ومنظم، الأمر الذي يوحي بأن الجهة التي تقف وراء هذه الظاهرة الأخيرة لم تكن بعيدة عن هذه الساحة، خصوصاً وأن الفترة الأخيرة شهدت ايضاً عمليات اغتيال منظمة أيضاً إستهدفت مسؤولين في الجماعات الشيعية وقد كان اغتيال محافظي الديوانية والسماوة في منطقة الفرات الأوسط الشيعية يدخل ضمن هذا الإطار والذي أعطي انطباعاً مفاده ان الحرب الأهلية لم تكتف بإطارها الطائفي المتقابل وإنما امتدت الي الطائفة الواحدة وفقاً للأحداث المذكورة.

لذلك يعتقد المراقبون ان الظاهرة الإجرامية الأخيرة في البيت الشيعي الديني قد يكون لها بعد تنافسي حوّزوي في أكثر من جانب، ولربما لها علاقة بجهتين: الأولي تتمثل في الصراع الشيعي - الشيعي لاسيما وان جماعة الصدر تدعي إنها حوزة ناطقة وعلي العكس من الحوزة التي يمثلها السيستاني التي لم تجهر في معاداة الإحتلال، وهي من هذا الموقف حسب ادعاء التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدي الصدر تكون حوزة صامتة وسلبية ، ولم ينفك التيار الصدري عن اتهام هذه الحوزة بمحاباة خصمه ومنافسه في البيت الشيعي بشقه الديني، المجلس الأعلي للثورة الإسلامية مع التنويه بأن محافظي الديوانية والسماوة واللذين أُغتيلا في الفترة الأخيرة مثلما أسلفنا هما من المجلس الأعلي الذي يتزعمه عبدالعزيز الحكيم، كانت أصابع الاتهام تشير الي التيار الصدري الذي قام بدوره بنفي أي علاقة له بهذين الحادثين، علي الرغم من أن المجلس الأعلي لم يوجه مثل هذا الاتهام بصورة رسمية لكن مسؤوليه في المجالس والأحاديث الجانبية والخاصة لايخفون هذا الاتهام الذي يتواصل في مسلسل اغتيال معتمدي ووكلاء السيستاني في بغداد والبصرة ومنطقة الفرات الأوسط بما فيها النجف وكربلاء.

والجهة الأخري تتمثل في التنافس الحوزوي التأريخي إذا صحت التسمية بين حوزة النجف وحوزة قم في إيران، من واقع أن حوزة النجف يمثلها المرجع الشيعي الأعلي علي السيستاني، في حين أن حوزة قم يمثلها مرشد الثورة الإسلامية علي الخامنئي، حيث ان هذه الحوزة تعتمد في التقليد الشيعي ولاية الفقيه التي ابتكرها زعيم الثورة الإيرانية الإمام الراحل الخميني الذي يعتقد بعض المحللين، أن هذا الأخير نقل المرجعية الشيعية من فتاوي الحيض والنفاس الي آلية قيادية في الثورة والراديكالية التي كان لها الفضل في الإطاحة بنظام الشاه في إيران.

وصحيح أن علي السيستاني الذي يقود حوزة النجف هو من الجنسية الإيرانية التي بقي متمسكاً بها طوال حياته، فإن رجال الدين الإيرانيين لايخفون امتعاضهم من عدم اتباعه خط الثورة الإيرانية في التقليد الشيعي الفقهي خط ولاية الفقيه ، كما انهم يعتقدون ان موقفه حيال الاحتلال الأمريكي للعراق يظل موقفاً مهادناً، وهو نفس الاتهام الذي يوجهه له أتباع مقتدي الصدر، لكن أتباع السيستاني يرجعون هذا الموقف الي ان السيستاني يتبع مبدأ التُقية الذي يبدو فيه الموقف الظاهر علي عكس الموقف الباطن، وهو مبدأ اتخذه أئمة الشيعة في حقب تاريخية منصرمة، خشية علي أمنهم الشخصي وحفظاً للخط الديناميكي للمذهب الشيعي الإمامي في الحقب التي واجه فيها الكثير من التحديات والمخاطر وفقاً لماذكره الفقهاء والمؤرخون الشيعة في مؤلفاتهم وتوثيقاتهم التي حفل بعضها

برؤي متقدمة ومتباينة عما هو حاصل في التقليد الشيعي المعاصر ولاسيما في خط ولاية الفقيه الذي تتبعه حوزة قم الإيرانية.

ومن هذا يتضح ان هذا التنافس الحوزوي تحول الي تنافس دموي عبر استهداف وكلاء المرجع السيستاني بشكل منظم هذا أولاً، وثانياً ان أحداث كربلاء كانت موقعة دموية مكشوفة لها علاقة بهذه الظاهرة، من واقع ان مرقدي الحسين وأخيه العباس كانت تحت حراسة وحماية ميلشيا السيستاني وقوات الشرطة والأمن التي هي من ميلشيا فيلق بدر التابعة للمجلس الأعلي، بينما الطرف المقابل في هذه الموقعة كانت ميلشيا جيش المهدي التابعة للتيار الصدري، وبالتالي فإن ظاهرة استهداف معتمدي ووكلاء المرجع السيستاني تخللتها أحداث دامية بين الميليشيات السالفة الذكر، وهي صورة دموية تفصح عن المدي الذي وصل إليه الاقتتال الشيعي - الشيعي علي صعيد الصراع علي الساحة الشيعية العراقية تخصيصاً والساحة المعنية بالعمل الشيعي الحوزوي تعميماً.

المفارقة في السياق الآنف هي ان الاحتلال راح يعمل علي أن يكون طرفاً في الاقتتال الشيعي - الشيعي بشكل غير مباشر، وهو من هذه العلاقة أخذ يعمد الي تغذية هذا الصراع الدموي، وقد كشفت صحيفة اميركية ان قادة أمريكيين اجتمعوا مؤخراً مع المجلس الاسلامي الأعلي في العراق وأعطوا الضوء الأخضر لميليشيا بدر التابعة له للسيطرة علي الأمن في الناصرية وبعض المناطق الأخري في جنوب العراق، وبالتالي تحديد سلطة مقتدي الصدر وجيش المهدي ويقول أحد الضباط الأمريكيين، بأننا نقحم أنفسنا هنا في صراع شيعي داخلي بالكاد نستطيع فهمه.

لهذا لا نستغرب من الأمريكيين إذا ما راحوا في تغيير تحالفاتهم من خلال إشغال الميلشيات الشيعية في اقتتال دموي الي حد ان هذه الميلشيات أخذت تتنازع علي المؤسسات الإقتصادية والنفطية، حيث اشتبكت عناصر مسلحة تابعة للميليشيات الشيعية المتناحرة في ميناء أبو فلوس في البصرة بهدف السيطرة عليه، وقد بدأت الاشتباكات بإستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ولم تتوفر بعد أية إحصائيات عن الخسائر البشرية أو المادية كما لم يلحظ أي تدخل لقوات الأمن الحكومية لفض هذه الاشتباكات، علماً بأن هذه ليست المرة الأولي التي تقع فيها مثل هذه الاشتباكات المسلحة في هذا الميناء الذي يعتبر المصدر الرئيسي لعمليات تهريب النفط التي تقوم بها الميلشيات في البصرة وابتداء من شط العرب.

ان ماأسلفناه في ظاهرة الصراع الدموي في الساحة الشيعية واستهداف وكلاء ومعتمدي المرجع الأعلي لحوزة النجف علي نحو يقارب الثلاثة أشهر، متأت من تحليلات محايدة وهي علي مسافة واحدة من كلا المرجعيتين، بينما الأوساط القريبة من التيار الصدري و الحوزة الناطقة التي يتبناها مقتدي الصدر اعتماداً علي إرث والده المرجع الشيعي السابق لحوزة النجف محمد صادق الصدر، تري أن مثل هذا الصراع إنما هو صراع بين حوزة إيرانية يتولي أمرها السيستاني، وأخري عربية تتمثل في الحوزة الناطقة أي حوزة مقتدي الصدر الذي يتلقي دعماً إيرانياً مكشوفاً وكبيراً في السلاح والمال، كما إنه قام بالهرب الي إيران أكثر من مرة وكلما ضاقت به سراديب الكوفة، وإذا كانت ذريعة هذه الأوساط ترتكز علي ان السيستاني هو إيراني، فإن أسرة الصدر هي الأخري إيرانية الأصل وقداستوطنت في باكستان ولبنان والعراق بالإضافة الي موطنها الأصلي إيران.

وكدليل علي سذاجة وسماجة التوصيفات التي تشيعها هذه الأوساط التي هي تتشكل من أتباع الصدر أساساً نورد بعضاً منها: ويشير المراقبون الأوساط القريبة من الصدر الي ان الخلاف بين المرجعيين قائم الي الان وقد أخذا بعد التحولات السياسية في العراق بعداً سياسياً بعد ان كان لا يتجاوز حدود الدين ومسائل الاجتهاد والجدل القائم حول الاعلمية، وما مواقف الصدريين واليعقوبيين حزب الفضيلة المتشنجة من الحكومة العراقية التي تتشكل في غالبيتها من حزبي الدعوة والمجلس الأعلي المتهمين بولائهما لايران، ويعتقد هؤلاء ان استهداف وكلاء السيستاني ماهو الا رسالة مفادها القول بأن التيارات الدينية الشيعية المصنفة علي المرجعية العربية لن تقبل بسلطة مطلقة للتيارات المنقادة للمرجعية الدينية الإيرانية، وهي وإن قبلت بذلك مؤقتاً فإنها سوف لن تقبل بها علي طول المشوار السياسي المقبل.



ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
17
الابرياء الجدد
وليد الزبيدي
الوطن عمان


من الافضل اطلاق تسمية(الابرياء الجدد)،على اولئك الاشخاص، الذين يحصلون على البراءة من كبرى المحاكم الاميركية ، بعد ارتكابهم الجرائم بحق العراقيين، ومن هنا تبدأ المفارقة ، اذ ان البراءة بجميع تفاصيلها تقررها هذه المحاكم ، ويتباهى القضاة بنشر ذلك في وسائل الاعلام العالمية، وتصل الى عوائل الضحايا، الذين قتلهم هؤلاء(الابرياء) بدم بارد، بعد ان اقتحموا بيوتهم وامطروهم بوابل من الرصاص من اسلحتهم الحديثة ، وتضرج الجميع بالدماء ، ويسبح ببحرها الرجال والنساء والاطفال ، ولم يتردد هؤلاء في الانتقال إلى بيوت أخرى ، وقتل الناس وهم داخل غرفهم وفي فراش النوم .
هذه المقدمة، ليست صورة لمسلسل بوليسي ، او حديث عن قصة خيالية ، بل انها حقيقة يعرفها الكثيرون ، واضطررت للكتابة عنها ، وأنا أتخيل مشاعر ودموع ذوي ضحايا مجزرة حديثة، التي ارتكبها الجنود الأميركيون في التاسع عشر من نوفمبر2005، في تلك المدينة البسيطة، التي تقع على نهر الفرات في منطقة نائية غرب العراق ، وهم يتابعون قرار القضاء العسكري الاميركي في ولاية كاليفورنيا، الذي اوقف الملاحقات في حق الشخص الرابع الذي ارتكب مع جنود آخرين واحدة من أكبر المجازر ضد المدنيين العراقيين ، والتي توفرت فرصة لتداولها في وسائل الاعلام ، خلاف الاف الجرائم التي تم اخفاؤها والتكتم على تفاصيلها البشعة .
ماذا يقول المساكين من ذوي الضحايا ، وما هي مشاعر تلك الطفلة البريئة ، التي شاهدت الجنود الاميركيين وهم يقتحمون المنزل ، وبعد تفجير الابواب ، صوبوا اسلحتهم على والدها وامها واخوانها واخواتها وقتلوهم جميعا وهم في فراش النوم، بعدها انتقل هؤلاء(الابرياء) الى البيوت المجاورة ليقتلوا اكثر من عشرين عراقيا غالبيتهم من النساء والاطفال، وعاد الجنود ومعهم قادتهم، ولم يبلغوا أحدا بتلك الفعلة الشنيعة ، وقبل أن يتوجهوا إلى المنازل البسيطة ليقتلوا كل من كان نائما في فراشه ، كما وجهوا أسلحتهم إلى ركاب سيارة صادف مرورها في الطريق، وقتلوا جميع من كان بداخلها.
أما القضاء الأميركي فقد أصدر قرار براءة بحق عدد من المشاركين في هذه المجزرة ، وفي آخر قراراته أسقط التهمة عن الكابتن (لوكاس ماكونيل) ، وجاء في حيثيات القرار القضائي أن هذا (البريء)، سيتمتع بحصانة ، وأن ثمة إجراءات إدارية ستتخذ بحقه ، وتحاول المحكمة الاميركية اصدار قرار يبرئ الجميع ، وقد يكون أحد المارينز مذنبا اما المجموعة الاخرى فهم جميعا من(الابرياء) إن مجاميع (الأبرياء الجدد) ينتشرون في العراق ، وفي الولايات المتحدة، من الذين عادوا بعد أن ارتكبوا ما يكفي من الجرائم بحق العراقيين ، وما على عوائل وذوي القتلى من العراقيين ، إلا متابعة نزاهة وصدقية القضاء الاميركي، الذي يصدر شهادات براءة لمجرمين محترفين من الطراز الاول، والامثلة كثيرة واعداد الابرياء الجدد بالالاف.
wzbidy@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: