Iraq News
























مواقع إخبارية

سي أن أن

بي بي سي

الجزيرة

البشير للأخبار

إسلام أون لاين



الصحف العربية

الوطن العربي

كل العرب

أخبار اليوم

الأهرام

الوطن

القدس العربي

الحياة

عكاظ

القبس

الجزيرة

البيان

العربية

الراية

الشرق الاوسط

أخبار العراق

IRAQ News




فضائيات



قناة طيبة

قناة الحكمة

قناة اقرأ

قناة الشرقية

قناة بغداد الفضائية

قناة البغدادية

قناة المجد

وكالات أنباء

وكالة أنباء الإمارات

وكالة الأنباء السعودية

المركـز الفلسطينـي

وكالة أنباء رويترز

وكالة الانباء العراقية


تواصل معنا من خلال الانضمام الى قائمتنا البريدية

ادخل بريدك الألكتروني وستصلك رسالة قم بالرد عليها

Reply

لمراسلتنا أو رفدنا بملاحظاتكم القيمة أو

للدعم الفني

راسل فريق العمل

إنظم للقائمة البريدية


اخي الكريم الان يمكنك كتابة تعليق وقراءة آخر عن ما ينشر في شبكة أخبار العراق من خلال مساهماتك في التعليقات اسفل الصفحة



Website Hit Counter
Free Hit Counters

السبت، 2 فبراير 2008

صحيفة العراق الالكترونية الافتتاحيات والمقالات السبت 02-02-2008


نصوص الافتتاحيات والمقالات
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
1
الاعلام الامبريالي الاميركي ـ الصهيوني
وامكانيات الرد الثوري العربي
جورج حداد
مجلة الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب
اصبح الإعلام في الزمن الراهن من اهم الصناعات، اذا لم تكن الاهم على الاطلاق، التي توظف فيها عشرات ومئات مليارات الدولارات، ومن اهم الأسلحة الستراتيجية، لأي دولة، او منظمة دولية، او حزب، او قوة سياسية معاصرة.
صناعة الاعلام
ومع تعاظم دور وسائل الاتصالات نوعيا وكميا (بالمعنى التقني، وبمعنى الاتساع والشمول: ظهور الطباعة، ومن ثم الصحافة المكتوبة، ومن ثم الصحافة والاعلام السمعيين، ومن ثم السينما والصحافة والاعلام المرئيين، ومن ثم شبكة الانترنت ووكالات الانباء عبر الهاتف المحمول والانترنت الخ الخ.) اصبح الاعلام "سلعة" معتمدة من قطاع اوسع فأوسع من "المستهلكين". وهذا التوسع "الاستهلاكي" وجد انعكاسه على الاعلام كـ"صناعة" وكـ"مهنة". فبعد ان كانت هذه "الصناعة" و"المهن" و"الوظائف" المرتبطة بها تقتصر على عدد محدود من المؤسسات وبضعة الوف، او بضع مئات، او حتى بضع عشرات من الكتاب والصحفيين والاعلاميين في كل بلد، طبعا حسب حجم البلد، ومستوى رقيه، تضاعفت اعداد العاملين في هذا القطاع بنسب كبيرة جدا، تفوق بشكل ملحوظ نسب زيادة عدد العاملين في اي قطاع اقتصادي، صناعي، ثقافي وعلمي آخر. ومثل اي صناعة او مهنة، زادت "التخصصات" في داخل صناعة ومهنة الاعلام ذاتها. فبعد ان كانت الصحيفة القديمة، مثلا، تتضمن مختلف الصفحات: صفحة الخبر الدولي، والخبر المحلي، والصفحة الاجتماعية، والصفحة الثقافية، والصفحة النسائية، والصفحة الشبابية والرياضية الخ. اخذت تظهر صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية متخصصة. وهذا الاتجاه يزداد باطراد. واصبحنا نجد فروعا اعلامية متخصصة (برامج، مطبوعات، اقساما سينمائية، وقنوات تلفزيونية، متخصصة ومخصصة بالكامل لمواضيع او فروع علمية او فنية او تاريخية او عسكرية او سياسية معينة). واليوم يعد العاملين في قطاع الاعلام بالمئات والالوف، حتى في اصغر البلدان. وقد حدثت الطفرة الكبرى مع تطور وسائل الاتصالات السمعية والبصرية، من جهة، ومع محو الامية وارتفاع وتوسع مستوى التعليم عموديا وافقيا، ولا سيما بعد القضاء على الاستعمار التقليدي الذي كان يقف حجر عثرة امام التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلدان المستعمرة وشبه المستعمرة السابقة، التي كانت تعد عدة مليارات من البشر.
وقد ساعد في توسع وتطور صناعة الاعلام التوسع في مفهوم الاعلام ذاته. في البداية، لدى اكتشاف المطبعة والاحرف الطباعية، بدأت عملية الطباعة والنشر، التي حلت محل النسخ اليدوي. وبالطبع ان المطبعة احدثت "ثورة" او "نقلة" نوعية وكمية جديدة على صعيد المعرفة. ولكنها اعتبرت بحق امتدادا لعملية التأليف والتثقيف والتعليم. اما تعبير الاعلام (information) فقد ظهر لاحقا، وكان ذا مدلول او معنى ضيق، الا وهو "نقل الخبر". وكان في البداية مقتصرا على نقل اخبار الحكام وقرارات وبلاغات السلطات السياسية والبلدية والقضائية وغيرها. ومن ثم تطور ليشمل الاخبار والحوادث والاحداث الفردية والاجتماعية العامة، لوجوه المجتمع والحكام والحكومات، ومن ثم اخبار الحوادث والاحداث السياسية والاجتماعية والعلمية والطبيعية الخ، الداخلية والخارجية. ولذلك ارتبط اسم الاعلام منذ البداية بالصحافة (press)، واصبح ملازما له حتى ظهور الاعلام المسموع، اي الاذاعة. ولكن فيما بعد توسع مفهوما الاعلام والصحافة (information)
و(press)، ليشملا الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية والانترنت. الا ان مفهوم الاعلام (information) اتخذ مدلولا اوسع من مفهوم الصحافة (press). فاذا كانت "الصحافة" تعني: نقل الخبر السياسي وغير السياسي، والتعليق والتحليل والمقابلات، بما في ذلك نقل (نشر) الدراسات والاحصائيات والمعلومات؛ فإن "الاعلام" يشمل، فوق ذلك كله، صناعة السينما والنشر وتحضير البرامج للاذاعة والتلفزيون والانترنت وطباعة الاقراص المدمجة واجراء (انتاج) الابحاث والدراسات والاحصائيات وتنظيم الحملات الدعائية لمختلف المراجع واخيرا لا آخر: صناعة الصورة او السمعة (image) للحكام والاحزاب والزعماء والشخصيات والفنانين الخ.الخ.
وهذا التوسع في الاعلام، ادى ايضا الى توسع في الاعلان التجاري (التعريف والتشويق لتسويق السلع) والاعلان السوقي والاقتصادي (نشاطات البنوك والشركات وعروض المشاريع الكبرى) والاعلان "الانساني": الفني والرياضي والسياسي الخ ("تسويق" الفنانين والرياضيين والسباقات والنوادي والعاهرات والشخصيات والاحزاب السياسية، بحيث اصبحت كل من هذه "الفروع" مهنة بحد ذاتها). واخيرا لا آخر "تشابكت" وتداخلت المصلحة المادية (العائدية) والمعنوية (الانتشار والنجاح) لثلاث صناعات كبيرة هي:
1 ـ الاعلام؛
2 ـ الاعلان؛
و 3 ـ وسائل واجهزة الاتصال التقنية (الهاتف النقال، الادوات السمعية والبصرية، اجهزة الكومبيوتر)؛
حيث اصبحنا نجد، مثلا، شركة تلفون نقال تطلب من (اي: توصي لدى) قناة تلفزيونية مشهورة، او بالعكس: "تشتري" منها، تنظيم او تغطية برنامج سياسي او اجتماعي ـ انساني او رياضي او فني كبير ومكلف (تقوم الشركة "الموصية" او "الشارية" بتغطية نفقاته كلها او الجزء الاكبر منها، ضمن اتفاقات معينة) مقابل ان تجري الاتصالات خلال البرنامج عبر الشركة الموصية، او مقابل القيام بالدعاية للشركة الموصية بأنها هي التى "ترعى" هذا البرنامج الخ.
وقاد هذا التطور النوعي والتوسع الكمي والتراكم الرأسمالي في الصناعة المتمايزة ـ المتشابكة (الاعلام ـ الاعلان ـ وسائل الاتصال) الى تحول الاعلام الى ـ اذا جاز التعبير ـ "وحش" اسطوري لا يشبع، يبحث عن "الخبر" و"الاثارة" في ادق التفاصيل. واصبح هناك جيوش من المخبرين والمراسلين والباحثين وحتى العلماء والمصورين الصحفيين والكاميرامان الخ، يرصدون على مدار الساعة كل ما يمكن تحويله الى خبر، ويسابقون رجال المخابرات الكلاسيكيين ورجال الشرطة والقضاء في التحقيقات حول اي جريمة او حدث او قضية او جماعة او شخصية، مما يمكن ايضا تحويله الى خبر. وبنتيجة ذلك حدث هنا ما يمكن تسميته "طفرتين":
الطفرة الاولى، تتجسد في تحول العلاقة بين الحدث والخبر: في الماضي (قبل الطفرة الاعلامية) كان الخبر يتبع الحدث. وبكلمات اخرى: كان الحدث يصنع الخبر. ولكن بعد الطفرة الاعلامية، فقد ظل الحدث ايضا يصنع الخبر. ولكن دخل عنصر نوعي جديد هو ان الخبر اصبح هو ايضا يصنع الحدث. (مثال: رئيس وزراء اسرائيلي (لنقل اسمه رابين) تدعمه كتلة صهيونية معينة ضد كتلة صهيونية اخرى. من اجل ضرورات التمويل و"المكافأة" يطلب منه ان يفتح حسابا صغيرا في بنك اجنبي. فتفتح زوجته حسابا بمبلغ تافه لا يتعدى 2000 دولار. ولكن بما ان اسرائيل ليست دولة عربية، وبالتالي فإن القانون فيها يطبق على "مواطنيها"، حتى لو كان احدهم على رأس السلطة، وبما انه حسب الدستور او القانون الاسرائيلي، يمنع على الشخصيات المسؤولة (وافراد عائلاتهم) فتح حسابات خارجية اثناء تولي الوظيفة، ولما كان رابين "تحت الرقابة الاعلامية"، داخليا وخارجيا، في كل ما يقوم به في ادق تفاصيل حياته العامة والشخصية، فإن احد الصحفيين الاسرائيليين او الاجانب، الذين يراقبون رئيس الوزراء الاسرائيلي، تلقف الخبر وحوله الى من يلزم لاذاعته. وسرعان ما تحول الخبر ـ الفضيحة الى حدث ـ فضيحة، مما ادى الى تقديم رابين استقالته، ومن ثم الى نجاح خصمه السياسي نتانياهو في الحلول محله. / مثال اخر: رئيس دولة عجوز متصاب (لنقل اسمه كساب او كتساف، رئيس اسرائيل السابق) كشف الاعلام بعض مغامراته الجنسية وتحرشه بعدد من النساء داخل اطار الوظيفة. فتحول النبأ ـ الفضيحة الى حدث ـ فضيحة، واضطر هو ايضا الى تقديم استقالته. ويمكن ايراد مئات والوف الامثلة كل يوم، من هذا القبيل وغيره. وفضيحة "ووترغيت" وفضيحة "كلينتون ـ لوينسكي"، اللتان نشأتا عن نشر اخبار معينة، واديتا الى ازمتين سياسيتين كبيرتين في اميركا، هما معروفتان تماما).
الاعلام والمخابرت
وفي اطار الاعلام كانت على الدوام تدخل ما يسمى "الحرب النفسية"، كجزء لا يتجزأ من الستراتيجية العامة للدولة او الطرف المعني، وخاصة كجزء من "الحرب الباردة" او "الحرب الساخنة" او ببساطة "الحرب" ضد العدو المعين.
وفي هذا السياق من الضروري الاشارة والتأكيد على الترابط العضوي الذي اصبح قائما بين الاعلام الرأسمالي المعاصر وبين المخابرات والجاسوسية. بحيث اصبح من الصعب الفصل بين هذين الجانبين. ولا نقصد هنا مسألة قيام بعض عناصر اجهزة المخابرات بانتحال الصفة الصحفية او بتجنيد بعض الصحفيين والاعلاميين والكتاب والمترجمين الخ، كجواسيس، للحصول على بعض المعلومات السرية من اطراف معينة، او التجسس على شخصيات معينة؛ وهو ما يدخل ضمن عملية انتحال صفة دبلوماسية او دينية، او ـ ايضا وبالمثل ـ تجنيد دبلوماسيين او رجال دين، لاهداف تجسسية. لا شك ان هذه الممارسة لا تزال قائمة. ولكن ما اردنا الاشارة اليه والتأكيد عليه ليس هو هذا "الجانب التجسسي" المباشر في الاعلام، حيث يكون الاعلامي المعين عميلا للمخابرات او "مخبرا"، ويمارس هذا "العمل" في الوقت نفسه الى جانب عمله "العادي، الامر الذي يبدو كسوء استعمال للوظيفة الاعلامية، بل نقصد الجانب الاعلامي البحت، الذي يوظف في عمل اجهزة المخابرات والجاسوسية ونكاد نقول "يحل محلها".
وفي هذه النقطة نجد ان هناك تلاقيا اساسيا بين عمل الاعلام وعمل اجهزة المخابرات والجاسوسية. ولتوضيح هذه النقطة نطرح سؤالا رئيسيا:
ـ ما هو الهدف الرئيسي لاجهزة المخابرات والجاسوسية؟
* انه خدمة الستراتيجية العامة للدولة او القوة السياسية المعينة، عبر "الحصول على المعلومات"!
وبكلمات اخرى: فإن احد جوانب العمل "الكلاسيكي" لاجهزة المخابرات والجاسوسية يقوم على: "الحصول على المعلومات" وتقديمها للمؤسسات الاخرى للدولة او الحزب او القوة السياسية. ومن ثم، فإن الاجهزة المعنية الاخرى لهذه الاطراف (الجيش، الشرطة، القضاء، وزارة الاعلام، وزارة الخارجية الخ.) تستخدم هذه المعلومات كل في حقل اختصاصها، بشكل منفرد، او بالتنسيق مع الاجهزة الاخرى.
وقد اشرنا فيما سبق الى ان الطفرة الاعلامية ادت الى حدوث طفرة في العلاقة بين الخبر والحدث. ولكن الاهم من ذلك والاخطر بكثير هو حدوث ايضا طفرة ثانية، وهي الطفرة في العلاقة بين الاعلام والمخابرات.
في السابق كانت المخابرات والجاسوسية هي التي "تكتشف" و"تحصل على المعلومات" ذات الاهمية و"تقدمها" الى المراجع المختصة. فتقوم تلك المراجع المعنية في الدولة او الحزب الخ، بتحويل هذه المعلومات الى من تشاء من المؤسسات الاعلامية لكشفها للعلن والتعليق عليها واستخدامها لمصلحة السياسة المرسومة للدولة او الحزب. الان اختلفت الامور. اصبحت المؤسسات الاعلامية، لا اجهزة المخابرات والجاسوسية، هي التي تحصل مباشرة على جميع انواع المعلومات، المهمة والعادية و"التافهة"، و"تعالجها مهنيا" اي تنشرها وتعلق عليها وتحللها الخ.الخ. ومن ثم اصبحت هي، اي المؤسسات الاعلامية، المصدر الاول للمعلومات. هذا لا يعني ابدا ان اجهزة المخابرات توقفت عن اداء وظيفة جمع المعلومات. كلا! بل يعني انه اصبح هناك "تكامل" بين اجهزة المخابرات والمؤسسات الاعلامية في جمع المعلومات. وهو "تكامل" اصبحت فيه المؤسسات الاعلامية تحتل المركز الاول، واجهزة المخابرات المركز الثاني. فأجهزة المخابرات تعتمد في عملية جمع المعلومات على ثلاثة مصادر:
1 ـ نشاطها الخاص بواسطة شبكة المخبرين والجواسيس والمتعاونين.
2 ـ رصد وسائل الاتصال المحلية والدولية والافادة من اجهزة التصوير والرصد الفضائية.
3 ـ رصد الكم الهائل من المعلومات الواردة يوميا وكل ساعة في اجهزة ووسائل الاعلام المعاصر.
ولقد اصبح المصدر الثالث هو المصدر الاكبر لجمع المعلومات لدى اجهزة المخابرات نفسها. ولا بد هنا من الاشارة ان تعبير معلومات لا يعني فقط "المعلومات الهامة"، بل ابسط وادق واتفه المعلومات واكثرها "عادية". بحيث ان اي معلومة "تافهة" على صعيد معين، قد يكون لها اهمية حاسمة على صعيد آخر. (مثلا: معلومة العلاقة الحميمة لاحد الزعماء العرب باحدى الصحفيات، لم تكن ذات اهمية في ما يسمى "الشارع" او "الرأي العام" العربي، ولم تهز طبعا مركز ذلك الزعيم ومكانته وشعبيته، بل ربما زادته "شعبية"، لانه يجوز للزعماء العرب ما لا يجوز لغيرهم. ولكن قيام الرسام الكاريكاتوري الفلسطيني المشهور ناجي العلي بوضع رسم يغمز فيه من قناة هذه العلاقة، كان كافيا للحكم على ناجي العلي بالاعدام واغتياله. وطبعا ان الذي نفذ "حكم الاعدام" بالرسام "الجاني" هو "مجاهد" كسب فيه اجرا في الدنيا وثوابا في الآخرة وسيكون مثواه الجنة. / مثلا آخر: ما هي الاهمية السياسية لمعلومة من وزن نوع الشوكولاته او القهوة او الشاي الذي يفضله احد الاشخاص؟ لا شيء! ولكن يقال ان المناضل الفلسطيني الاشهر د. وديع حداد، الذي دوخ الموساد والسي اي ايه وجميع اجهزة المخابرات المعادية، جرى تسميمه عبر "اهدائه" ـ طبعا بواسطة احد المقربين اليه ـ علبة شوكولاته من نوع سويسري معين يحبه. حيث قام احد العملاء بتأمين العلبة وايصالها بطريقة ملتوية الى صديق للد. وديع حداد).
ان المعلومات هي مستند رئيسي لاي دولة او حزب او بنك او شركة الخ، لتقرير سياستها العامة او المعينة في كل منطقة او بلد على حدة، وفي كل مرحلة على حدة. ونذكر هنا ان تقارير القناصل الغربيين في الاراضي العربية التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية هي حتى اليوم مصدر رئيسي لدراسة اوضاع تلك المناطق في تلك الفترة، حيث ان تلك التقارير لم تكن تتضمن فقط الحديث عن اتصالات القناصل وعن الحوادث الكبرى والتغيرات السياسية الكبرى والتعليق عليها، بل كانت تتضمن ايضا ادق التفاصيل الحياتية والاقتصادية والتقاليد الاجتماعية. ومن الامثلة التاريخية البارزة على هذا الصعيد هو ان نابوليون حينما قدم في حملته على الشرق في نهاية القرن الثامن عشر، لم يكن برفقته الجيش والقواد والخبراء العسكريون فقط، بل و"جيش" آخر من العلماء والمتخصصين في كل الحقول: التاريخ القديم والمعاصر، الاديان، الاداب، اللغة العربية، التربة، المياه، المناخ، الجغرافيا الخ الخ. وطبعا كان نابوليون يزمع على استخدام الابحاث والدراسات "البريئة" لهؤلاء العلماء في معرفة كيفية حكم البلاد التي هو قادم على فتحها. ولكن التاريخ حرمه من هذه الامكانية. الا ان الدراسات التي قام بها العلماء الذين رافقوا نابوليون افادت في جوانب منها محمد علي باشا في محاولة اقامة دولة عربية قوية، على انقاض السلطنة العثمانية. ولا تزال تلك الدراسات حتى اليوم احد اهم المراجع للابحاث حول مصر.
والتحول في العلاقة بين مؤسسات الاعلام واجهزة المخابرات، في السنوات او العقود القليلة الماضية، اعطى المؤسسات الاعلامية اهمية استثنائية اضافية، بحيث اصبحت تتقدم على اجهزة المخابرات حتى في مجال الحصول على المعلومات. وان الكثير الكثير من الابحاث والدراسات الضرورية لسياسة الدولة او الحزب الخ، يتم القيام بها بشكل "بريء" جدا عبر مراكز الابحاث والدراسات ومؤسسات الاعلام "العادية"، التي يمكن من خلالها دراسة مجتمعات معينة والاتجاهات السياسية للرأي العام في تلك المجتمعات. ويحضرنا هنا التذكير بمراكز الابحاث والدراسات والاعلام التي اسسها غورباتشوف، وسيرغيي ابن نيكيتا خروشوف في واشنطن، والدكتور سعدالدين ابرهيم في مصر وفخري كريم في لبنان وسوريا والعراق.
هذا مع العلم ـ خصوصا بالنسبة للدول الامبريالية الغربية والصهيونية العالمية ـ ان "التعاون" الاعلامي مع احد "الاصدقاء"، او حتى من غير "الاصدقاء"، ولكن الذي يمكن لـ"التعاون" معه ان يكون "مفيدا"، ـ ان هذا "التعاون" الاعلامي يبدو "اكثر براءة" بالتأكيد من التعاون معه عبر اجهزة المخابرات مباشرة. وفي حال تعرض هذا "المتعاون" الاعلامي للمضايقة، يمكن بسهولة اكبر الدفاع عنه وشن حملة هجوم معاكس تحت الشعارات الطنانة المعروفة، شعارات "حقوق الانسان" و"حرية الصحافة" و"حرية التعبير والضمير". بينما يصعب الدفاع عن اي جاسوس او مخبر او عميل مباشر، في حال انكشافه.
وهكذا احتل الاعلام مركزا مميزا في النظام الرأسمالي الاحتكاري الدولي المعاصر، واصبح يمثل المرآة الدائمة الملازمة لاي نشاط اقتصادي، فني، اجتماعي، ثقافي وخصوصا سياسي في هذا المجتمع. وصار الاعلام يشغل المرتبة الثانية في الاهمية، مرتبة الظل الملازم، بعد كل مركز من مراكز السلطة في تراتبية النظام السياسي القائم. وهذا شيء جديد في التركيبة السياسية للدول. فاذا اعتبرنا ان مركز الرئيس هو المركز الاول من حيث الاهمية في الولايات المتحدة الاميركية، فإن المرتبة الثانية في الاهمية ليست لنائب الرئيس كما قد يتبادر الى الذهن، بل للجوقة الاعلامية الخاصة بالرئيس. والشيء ذاته بالنسبة لنائب الرئيس، وهكذا دواليك، بالنسبة لكل شخصية ولكل مسؤول سياسي وعسكري الخ، وبالنسبة لكل مؤسسة اقتصادية وفنية ورياضية وسياسية الخ. في الماضي، في المجتمع الشرقي مثلا كان السلاطين وامراء المؤمنين يعبرون عن عظمتهم ببناء القصور الخيالية واقتناء جيش كامل من الحريم والغلمان والخصيان؛ اما في المجتمع الغربي، فكان القياصرة والاباطرة والباباوات يعبرون عن عظمتهم ببناء الهياكل والكاتدرائيات الاسطورية وتشييد ساحات المصارعة واقامة الاحتفالات الضخمة التي تشق فيها صيحات "عاش الامبراطور" عنان السماء. اما الان، فإن "العظمة" اتخذت شكلا اعلاميا، وهو ما يسمى احيانا "الشهرة"، وان اتفه موظف في وزارة الخارجية الاميركية، حينما يقوم بزيارة اي بلد عربي، حتى الصومال التي يموت فيها الناس من الجوع، يكون برفقته او في انتظاره او في وداعه او في اثره عشرات الصحفيين والمصورين، الذين يكلفون الوف وعشرات الوف الدولارات، كي يغطون تحركاته وحركات شفتيه ويديه وقعوده وقيامه وحتى ذهابه الى الحمام. كما ان اضخم الشركات الاستهلاكية الاميركية، مثل كوكا كولا وبيبسي كولا وماكدونالدز، لا يكفي ان سلعها ومحلاتها تملأ الشوارع في كل مكان، فيزيد على ذلك ان دعاياتها تطل على المواطن المعاصر في الكوكب الارضي في الصحف والراديو والتلفزيون والسينما والمسرح وملاعب الرياضة والمدارس وامام دور العبادة ذاتها، وفي كل حي وشارع وزاروب. هذا مع العلم ان هذا المواطن نفسه، الذي توضع هذه "الخدمة الاعلامية" اكراما "لخاطره" هو الذي يدفع عمليا كل هذه التكاليف الخيالية.
"الاعلام التضليلي" (desinformation)
وقد بلغ من اهمية سلاح الاعلام (information) وتأثيره في "صناعة" و"توجيه" الرأي العام، ان الكونغرس الاميركي قد شرّع مؤخرا لادارة الرئيس بوش الابن اللجوء الى سلاح "الاعلام التضليلي" (desinformation)، وخصص لذلك ميزانية تقدر بمئات ملايين وبمليارات الدولارات. ونذكر هنا محطات الاذاعة والقنوات التلفزيونية ومراكز الابحاث والدراسات ودور النشر والصحف والمجلات، في مختلف البلدان وبمختلف اللغات، التي تمول وتدار مباشرة من قبل المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية الاميركية (ولا سيما من قبل المخابرات المركزية الاميركية والمؤسسات المرتبطة بها). وهناك فيض من المراجع التي تفضح هذه السياسة "الاعلامية" التضليلية الاميركية. ومنها محاضرة قيمة حول الموضوع للكاتب الاميركي نوعام تشومسكي بعنوان "وسائل الاعلام تحت السيطرة ـ الانجازات المرموقة للبروباغنده" (القاها في 17 اذار 1991 في كينتفيلد، كاليفورنيا. ونشرت ترجمتها البلغارية في 2004 تحت عنوان "وسائل الاعلام تحت السيطرة"). وفي مقالة بعنوان "المتطرفون يحضرون حربا ضد ايران" بقلم س. س. هاريسون في اللوموند ديبلوماتيك (الطبعة البلغارية ـ تشرين الاول 2007) جاء ما يلي: "... والمزيد من العمليات السرية، الهادفة الى تقويض استقرار الجمهورية الاسلامية، والتي تمت الموافقة عليها بموجب التوجيه الرئاسي الصادر في نهاية شهر نيسان 2007. وهذه العمليات كانت تجري منذ عشرات السنين، ولكنها حتى الان لم يكن لها تغطية قانونية، وكانت المخابرات المركزية تعمل فقط بواسطة الوسطاء (ويسمي الكاتب خاصة باكستان واسرائيل). وتصريح الرئيس الصادر في نيسان يسمح بزيادة عدد العمليات "غير القاتلة"، التي تقودها مباشرة الوكالات الاميركية. وبالاضافة الى زيادة بث البروباغنده، وحملة التضليل الاعلامي وتجنيد اللاجئين في اوروبا واميركا، لتحفيز الانشقاق والمعارضة السياسيين، فإن البرنامج الجديد يعطي الاولوية الى الحرب الاقتصادية...". (انتهى كلام هاريسون).
وفي هذا السياق تدخل سياسة القمع ومنع الحريات الصحفية وحرية التعبير: قتل واغتيال واعتقال الصحفيين، إغلاق وحجب الصحف والمجلات والاذاعات والقنوات التلفزيونية والمواقع الالكترونية (في حرب تموز 2006 في لبنان، كانت علامة (press)، التي يحملها الصحفيون اللبنانيون بموجب الاتفاقات الدولية، لا مصدر حماية، بل مصدر خطر وعلامة للقتل بالنسبة للطيران الاسرائيلي الذي يأتمر مباشرة بأوامر "البيت الابيض" الاميركي، وقد تم حجب قناة "المنار"، وتدمير البناء الذي تقع فيه تدميرا كاملا. وقبل ذلك في حرب حلف الاطلسي ضد الجمهورية الاتحادية اليوغوسلافية في 1999، بهدف انتزاع اقليم كوسوفو وتحويله الى "الجمهورية “الاسلامية!!!” ـ الاميركية للمخدرات والمافيات والمخابرات"، كان التلفزيون اليوغوسلافي هدفا "حربيا" من الدرجة الاولى لارباب "العالم الحر" و"الدمقراطية الاميركية").
ولاعطاء فكرة تقريبية عن "التضليل الاعلامي" و"حرية الصحافة" الاميركية نكتفي بإيراد الاستشهاد التالي: في مقالة منشورة في موقع "المركز الدولي لدراسات اميركا والغرب"ICAWS بعنوان "من يمتلك إعلام اميركا؟" بقلم جوديث ماكلنتوك تقول: ان "الشركات الكبرى تملك معظم وسائل الإعلام الأميركية وتديرها بما يتبع مصالحها بغض النظر عن الحقيقة". وتضيف: "وفي ظل هيمنة عدد محدود للغاية من المؤسسات الإعلامية على عملية نقل المعلومات التي يستقيها غالبية الأميركيين، يشير الكثيرون إلى أن هناك مخاطرة تكمن في إمكانية عدم كشف تلك الشركات إلا عن المعلومات التي تختارها بنفسها.
"وبما أن جميع وسائل الإعلام تقريبا التي تصل إلى متناول الأميركيين تملكها مؤسسات ومنظمات تبغي الربح، فان هدف تحقيق الإرباح غالبا ما يتعارض مع الممارسة الإعلامية المسؤولة. حسب ما أعلنته مؤسسة "فير" وهي منظمة قومية معنية بمراقبة النزاهة والدقة في توفير الخدمات الإعلامية.
"وعلاوة على ذلك فان تلك المؤسسات العملاقة لا تعمل فقط في مجال الإعلام لكنها تملك مشاريع في قطاعات أخرى الأمر الذي يُعتبر تناقضا في المصالح – فعلى سبيل المثال وطبقا لما أوردته مقالة نشرتها صحيفة "سياتل تايمز" التي تصدر في ولاية واشنطن على الساحل الغربي وهي بقلم الشقيقين "ديفيد" و "آمي جودمان" فان شبكة "سي بي اس" كانت ولا تزال ملكا لشركة "وستنجهاوس" وشبكة "ان بي سي" كانت ولا تزال أيضا ملكا لشركة "جنرال اليكتريك" إبان حرب الخليج في أوائل التسعينات.
"وفي هذا الوقت كانت شركتان من كبريات منتجي الأسلحة النووية ملكا للشبكتين الرئيسيتين – وكانت شركة "وستنجهاوس" و " جنرال اليكتريك" تصنعان معظم قطع الأسلحة التي استخدمت في حرب الخليج الأولى.
"وقال الصحفيان الشقيقان أن هذا الوضع جعل تغطية الحرب على الشبكتين كما لو كانت تغطية معرض للأسلحة والمعدات. وأضاف "ديفيد" و"آمي": "لقد شاهدنا صحفيين داخل كابينة قيادة الطائرات الحربية أثناء مقابلاتهم مع طياريها وكانوا يسألونهم عن مشاعرهم وهم يسيطرون على الطائرة – لم نر أبدا صحفيين يسألون المستهدفين بالضربات الجوية عن مشاعرهم وسط أجواء الحرب."
"وجاء في الدراسة التي استدعت مقابلة ما يزيد على 200 صحفي أن 15% ممن شملتهم الدراسة قالوا إن المؤسسات الإعلامية التي يعملون لديها تدخلت في مناسبة أو أكثر في تحرير مواد للنشر وإنهم لم يصدقوا الحالة التي أصبحت عليها تقاريرهم عند نشرها في نهاية المطاف.
"وأضافت الدراسة أن حوالي 42% ممن استطلعت آراؤهم انه طُلب منهم عدم نشر صور فوتوغرافية لقتلى من الجنود الأميركيين – فيما ابلغ 17% أنهم مُنعوا من ذلك. كما أوردت الدراسة أن 36% من المشاركين تلقوا تعليمات من شبكاتهم بعدم نشر صور للرهائن". (انتهى كلام جوديث ماكلنتوك).
ومن أبشع الارتكابات الاخيرة على هذا الصعيد هو حجب موقع "الحوار المتمدن" الالكتروني في السعودية والامارات العربية المتحدة وتونس وغيرها، بالتواطؤ بين الحكومات العفنة في تلك البلدان وبين الادارة الاميركية واصحاب القرار في مراكز "الخدمة" الالكترونية العالمية، بالرغم من كل التبجحات حول "حرية التعبير" وتطبيق معايير "الاقتصاد الحر". والهدف هو الضغط على الموقع و"تليينه" وحرفه عن اتجاهه التقدمي واليساري المعادي للامبريالية والصهيونية، ودفعه نحو مستنقع الاتجاه "الليبيرالي" المبتذل.
ان الاعلام الغربي اصبح كمن يكذب كذبة لا يصدقها احد من المستمعين، ولكن لكثرة تردادها صبحا ومساء فإن صاحب الكذبة نفسه يأخذ في ان يصدقها، ويقع في حالة من الهذيان اللامعقول. واسطورة "الارهاب الدولي" هي خير مثال على ذلك. فالاعلام الغربي يتحدث عن الارهاب الدولي بشكل مطلق ومعمم: قناة "المنار" ارهاب دولي. طفل فلسطيني يرمي دبابة اسرائيلية بحجر: "ارهاب دولي". مظاهرة لامهات المعتقلين في سجن ابو غريب في العراق: "ارهاب دولي". صلاة المؤمنين في المسجد الاقصى في القدس: "ارهاب دولي". ولم يبق الا ان يقولوا لنا ان حمل النساء العربيات وولادة الاطفال العرب هو ايضا: "ارهاب دولي"، لأن هؤلاء الاطفال سيكبرون يوما ويهددون "الامن القومي" لاميركا، و"الامن الجماعي" لحلف الناتو، وطبعا "الوجود المشروع" للاحتلال الاميركي والاسرائيلي. واولئك الازواج والزوجات العرب، حينما يقدمون على ممارسة الجنس، فإنهم يهددون مصير "العالم الحر" و"النظام العالمي الجديد" بقيادة اميركا.
ولم يعد من مجال للمقارنة بين السي ان ان و"الجزيرة"، او غيرها من المؤسسات الاعلامية العربية، حتى ابسطها. فقد فشلت الاجهزة الاعلامية الغربية فشلا ذريعا في الوسط العربي والاسلامي، وهي غير قادرة على اقناع غير "المقتنعين سلفا" في الدول الغربية ذاتها.
ان تشريع وممارسة "الاعلام التضليلي"، في الدولة "الدمقراطية" الاولى في العالم، وزعيمة ما كان يسمى "العالم الحر"، يضع تحت الاستفهام المشروع صناعة الاعلام الرأسمالي بأسرها، بل وينزع عن الإعلام الرأسمالي ككل اي صفة اخلاقية، ويكشف تماما ان الانسان في المجتمع البرجوازي المعاصر ليس "اثمن رأسمال في العالم" وليس ـ ذاتا وموضوعا ـ "السيد السامي" للاعلام، الذي هدفه ـ اي الاعلام ـ خدمة وتنوير وتثقيف هذا "السيد". بل ان الاعلام الرأسمالي يجعل من الانسان "مادة خاما"، "هدفا" و"عدوا مفترضا ومكروها"، يعمل الاعلام الرأسمالي ـ الامبريالي ـ الصهيوني على "تشكيله"، اي تشويشه وغسل دماغه وتفكيك واعادة تركيب وعيه بطريقة لا يملك فيها هذا "العدو" حرية اتخاذ الرأي الصحيح، لأنه ـ بواسطة "الاعلام التضليلي" (disinformation) ـ يتم حرمان الانسان من حقه الطبيعي في الاطلاع على الحقيقة ومعرفة الصورة الصحيحة عن الواقع.
الآلة الاعلامية في خدمة الجرائم
ضد الانسانية ولنهب الشعوب
ان الموقف من الامم المتحدة، كما يفترض ان تكون منظمة للسلام والامن والتعاون بين الدول والشعوب، هو في حالة حرجة: فمن جهة تزداد الحاجة لوجود هذه المنظمة وصنع وتعزيز دور ايجابي لها؛ ومن جهة ثانية تبرز اكثر فأكثر تبعيتها للولايات المتحدة وللصهيونية العالمية واسرائيل، بحيث تبدو احيانا وكأنها اداة مسخّرة لوزارات الخارجية والدفاع والمالية الاميركية ـ الصهيونية. ويبدو الامين العام للامم المتحدة ذاته كموظف اميركي صغير (مثال: اثناء العملية العدوانية التي شنتها اسرائيل ضد لبنان في نيسان 1996، وسمتها "عناقيد الغضب"، حيث قامت الطائرات اميركية الصنع بقصف وحشي للبنى التحتية والمستشفيات والمدارس والاحياء السكنية الآمنة، قام المئات من سكان بلدة قانا الجليل (التي ـ حسب الانجيل المقدس ـ حضر فيها السيد المسيح عرسا، حيث قام بأعجوبة تحويل الماء الى خمر) بالاحتماء بمركز الامم المتحدة في البلدة، الذي توجد فيه "القبعات الزرقاء" ويرفع علم الامم المتحدة بشكل واضح لا يخفى عن الانظار. وقد عمدت القوات الاسرائيلية الى قصف الموقع بشدة لمدة ساعات، غير مقيمة اي اعتبار لعلم الامم المتحدة ذاته. وقد سقط من جراء ذلك مئات الجرحى من المدنيين اللبنانيين، الذين كل ذنبهم انهم وثقوا بالحصانة الدولية لعلم الامم المتحدة. كما سقط اكثر من مئة قتيل بينهم اكثر من ثلاثين طفلا. وابيدت عدة عائلات بأسرها. وقد قدمت اسرائيل "اعتذارا" كاذبا، بأن القصف كان نتيجة "خطأ". ولكن الامين العام للامم المتحدة حينذاك، العربي المصري بطرس غالي (الذي هو قبطي مسيحي وزوجته يهودية، وهو بعيد كل البعد عن تأييد الارهاب والتطرف) لم يقتنع بـ"عذر" اسرائيل وطالب بإجراء تحقيق في هذه الجريمة. فما كان من الادارة الاميركية الا ان ضغطت لاقالته من منصبه، ولم يجر تحقيق في هذه الجريمة. وبعد سنوات من ذلك، في السنة 2003 قامت الدبابات والجرافات الاسرائيلية بتدمير وجرف مخيم اللاجئين الفلسطينيين في بلدة جنين، فوق رؤوس السكان البائسين ومنهم النساء والاطفال والعجزة والمرضى، وجبلت اجساد عشرات الضحايا بالانقاض. وقد قتلت حينذاك ايضا احدى ناشطات السلام الاميركيات، وتدعى راشيل كوري، التي وقفت بوجه الجرافة الاسرائيلية لايقافها، فجرفتها. وقد اجتمع مجلس الامن بطلب من الامين العام كوفي عنان، وقرر ارسال لجنة تحقيق دولية الى مخيم جنين. ولكن اسرائيل رفضت اجراء التحقيق، فعاد الوفد ادراجه. ولاذ كوفي عنان بالصمت، تحت الضغط الاميركي، والا لـ"طار" كالعصفور الصغير و"حط" على الغصن الذي سبقه اليه بطرس غالي). فماذا كان دور آلة الاعلام الاميركية التي تصم الآذان بالزعيق حول "حقوق الانسان" و"الدمقراطية"؟! ـ لقد عملت الآلة الاعلامية الاميركية ـ الصهيونية لتبرير الاكاذيب الاسرائيلية، وللتعتيم على هذه الجرائم الكبرى بحق الانسانية، جاعلة سمعة الامم المتحدة في الحضيض). (مثال: ان البنك الدولي، الذي هو مبدئيا مؤسسة تابعة للامم المتحدة، مهمتها مساعدة الدول المحتاجة للتنمية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط الاستعمار التقليدي، هذا البنك اصبح اداة بيد الاحتكارات الاميركية والمالية اليهودية، لتخريب اقتصادات البلدان التي "يساعدها"، ولتنظيم "الانقلابات" واعمال التخريب السياسي والامني والقضاء على استقلال البلدان الضعيفة، لمصلحة اميركا والصهيونية العالمية، تحت لافتة "المساعدات" و"الدمقراطية" و"اقتصاد السوق" و"حرية التجارة" و"الخصخصة". وقد سخرت الآلة الاعلامية الاميركية ـ الصهيونية العالمية كل امكانياتها لاجل تضليل شعوب اوروبا الشرقية، بالاضافة الى شعوب البلدان النامية، وحتى ما كان يسمى "النمور الآسيوية"، حول دور البنك الدولي وما يسمى "اقتصاد السوق" و"العلاج بالصدمة"، مما ادى الى تخريب اقتصاديات هذه البلدان ونهبها بشكل فظيع).
"الثورات" و"المظاهرات الشعبية" المشهدية المأجورة
امام تعاظم دور الاعلام المعاصر، تلجأ اجهزة المخابرات الاميركية والصهيونية العالمية والتابعة لبعض الدول المعنية، الى التعاون مع اجهزة الاعلام لـ"إخراج" مظاهرات وحركات "شعبية" مفتعلة ومأجورة، تقوم على تمويلها الاجهزة المخابراتية والشركات متعددة الجنسية ذات المصلحة. وتعتمد هذه اللعبة "الاعلامية ـ السياسية ـ النفسية" على اهمية الدور الذي يلعبه الاعلام المعاصر في توجيه الرأي العام والتأثير عليه. ونقدم فيما يلي بعض الامثلة على هذا "الدور الجديد":
1 ـ من ابرز الامثلة "الناجحة" على هذا الصعيد ما سمي في حينه "الثورة التلفزيونية" في رومانيا في 1989: ان النظام "الشيوعي!!!" السابق في رومانيا، بزعامة نيقولاي تشاوشسكو كان بدون شك نظاما دكتاتوريا، الا انه كانت لديه انجازاته النسبية، واهم شيء انه كان يحافظ على استقلالية وطنية نسبية لرومانيا ـ تجاه الاتحاد السوفياتي في حينه، كما تجاه الغرب ـ وهو الدولة "الاشتراكية" الوحيدة التي رفضت في 1968 ارسال قوات مسلحة مع حلف فرصوفيا لقمع "ربيع براغ". وقد وافق ذلك النظام في حينه على اجراء انتخابات حرة واشاعة الدمقراطية واجراء اصلاحات في النظام السياسي. ولكن "المعارضة"، وخاصة الجناح المرتبط بالغرب، رفض ذلك وطالبوا بتنحي تشاوشيسكو وباستلام السلطة من قبل المعارضة بدون انتخابات ومصالحة وطنية الخ. وللتوصل الى اسقاط نظام تشاوشيسكو بطريقة غير شرعية، تولت اجهزة المخابرات، بالتعاون مع اجهزة الاعلام، تحضير ما سمي لاحقا "ثورة تلفزيزنية"، حيث جرى تنظيم مظاهرات مفتعلة ومدفوعة الاجر ومغطاة اعلاميا على نطاق واسع، وفي الوقت ذاته نظموا انقلابا بوليسيا ـ عسكريا، تعاونت فيه السي آي إيه الاميركية مع الكا جي بي الروسية، من اجل قلب نظام تشاوشيسكو بالقوة. وقد تم القاء القبض على تشاوشيسكو وزوجته ايلينا واعدامهما بعد اجراء "محاكمة" صورية مخجلة لهما، عرضت ايضا في شريط تلفزيوني، ولم يظهر فيها وجه حتى "القاضي"، ناهيك عن عدم وجود اي مدعي عام، واي محامي دفاع الخ. وقد عمل الاعلام الاميركي ـ الصهيوني المسيطر على تغطية هذه "الثورة" بشكل مكثف الى درجة انها سميت بحق "ثورة تلفزيونية"، وذلك لهدف "تبليع" الرأي العام العالمي هذه المسخرة المنافية لابسط قواعد الحرية والدمقراطية، على انها مثال للحرية والدمقراطية. لا شك ان تشاوشيسكو كان دكتاتورا. ولكنه كان مستعدا لادخال الدمقراطية تدريجيا، وهو قتل بهذه الطريقة البشعة ليس لدكتاتوريته، بل لانه كان يمثل احدى الضمانات لاستقلال رومانيا. وهو ما لا تريده الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية. وقد انهارت رومانيا بعد قتله وتحولت الى انقاض دولة فقيرة معدمة منهوبة مستباحة تملأ شوارعها جيوش من الشحاذين وبائعات الجسد والاطفال المتروكين والمشردين (ظاهرة اطفال الشوارع التي اتخذت في رومانيا احجاما مأساوية). ولكن المصير المفجع لرومانيا بعد اغتيال تشاوشيسكو لا يقلل من اهمية "الانجاز" السياسي والاعلامي الذي حققته تلك "الثورة التلفزيونية" في رومانيا.
2 ـ حينما تم تفكيك الاتحاد السوفياتي وفصل دوله المختلفة عن روسيا في 1991 ـ 1992، جرت في مختلف البلدان الاوروبية "مظاهرات عفوية!!!" تطالب بـ"استقلال" هذه الجمهوريات. وقد جرت في وسط العاصمة البلغارية صوفيا مظاهرة من هذا القبيل تطالب باستقلال جمهوريات البلطيق الثلاث: لاتفيا وليتوانيا واستونيا. وكنت بالصدفة أمر بالمكان مع صديق كردي هو الدكتور ف. خ. (من حزب الـPKK ويعيش الان في موسكو). ولفت نظرنا العدد الكبير جدا من الكاميرات، التي يحملها مختلف المصورين و"المراسلين"، بالاضافة الى عدد من "المصاطب" المحضرة سلفا لاخذ "صور جميلة" لهذه "المظاهرة العفوية!!!"، كما لفت نظرنا التنظيم الدقيق للمظاهرة، والهتافات المنسقة تماما، مما لم اعهده في المظاهرات البلغارية الاخرى، وكانت تلك الفترة موسم مظاهرات متوالية للمعارضة "الدمقراطية!!!" في بلغاريا. فخطر لي فورا انها مسرحية "مظاهرة تلفزيونية"؛ فتقدمت انا والدكتور ف. من رجل في منتصف العمر، وسألته بجدية "كم دفعوا لك اجرة اليوم؟"، فأجاب بتلقائية "مبلغ كذا" (لم اعد اذكر الرقم)، فقلت له بمزيد من الجدية "ولكنهم دفعوا لغيرك مبلغ كذا؛ إسأل هذا الشاب" وذكرت اعتباطيا رقما اكبر وانا اشير الى شاب كان واقفا بالصدفة امامنا، وللحال بدأ نقاش بين الاثنين وذهبا سوية للتفتيش عن شخص ثالث هو المسؤول عن الدفع. وانتهزت انا والدكتور ف. الفرصة للانسحاب من هذه المظاهرة التلفزيونية الاميركية "الدمقراطية!!!" جدا.
3 ـ وقد تكرر شبه لـ"الثورة التلفزيونية" و"المظاهرات التلفزيونية" فيما بعد في اكثر من بلد، بما في ذلك في لبنان بما سمي "ثورة الارز"، واخراج المظاهرات المدفوعة التي رافقتها، والتي يتبين الان بمزيد من الوضوح ان الهدف منها لم يكن "كشف الحقيقة" حول اغتيال الرئيس اللبناني الاسبق رفيق الحريري وتحقيق "سيادة لبنان" تجاه النظام السوري، بل كان الهدف نقل لبنان من تحت وصاية النظام السوري، التي لم تعد تفي بالمتطلبات الاميركية، الى تحت الوصاية الاميركية ـ الاسرائيلية المباشرة. وربما كان لهذه المظاهرات المأجورة في لبنان احدى "الحسنات"، وهي اعادة جزء من "الدين العام" المنهوب، الى الناس العاديين.
الشمولية الجديدة
كنتيجة للتطور السريع والكبير لوسائل الاعلام، يتحول العالم اكثر فأكثر الى قرية كبيرة، ويزداد انتقال الافكار والناس والسلع، بين جميع بلدان العالم، بالرغم من النزاعات الاقليمية والدولية، والسياسة العدوانية لاميركا واسرائيل ضد العالم العربي والاسلامي، والعنصرية والصهيونية وبقايا الاستعمار. وهذا ما يشجع المؤسسات الانتاجية في العالم بأسره على اللجوء الى الاعلان بشكل متزايد، وذلك بالاعتماد على المؤسسات الاعلامية. واننا نرى ان الاعلام والاعلان اصبحا يسيران جنبا الى جنب. وهذه العملية تساعد على ترويج السلع، وفي الوقت نفسه تساعد على تطوير وسائل الاعلام. ولكن من زاوية نظر معينة، فهذا يحد من حرية الاعلام، لانه يجعله رهينة بارداة المعلنين وسياستهم. على هذا الاساس يبرز اكثر فأكثر الاختلاط بين العناصر الثلاثة التالية:
1 ـ السياسة (الاتجاهات والاهداف السياسية، الكامنة خلف كل مؤسسة اعلامية، وخلف المعلنين: الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية والتجارية).
2 ـ الإعلام (سينما ـ مسرح ـ تلفزيون ـ نشر ـ صحافة ـ اذاعة، بكل ما تنتجه بدءا من ألعاب الاطفال البريئة، وانتهاءا بالادب الكلاسيكي والقواميس والموسوعات (الانسيكلوبيديات)، مرورا ببرامج الالعاب والفنون الهابطة و"ادب" البورنوغرافيا، حيث ـ مع الخدمة بحد ذاتها ـ يقصد الوصول الى الجمهور المعين لايصال رسالة معينة او لاصابة هدف آخر لا علاقة له بالاساس بالمادة الاعلامية المقدمة اوليا كـ"طعم").
3 ـ الإعلان التجاري (من قبل مختلف الشركات والمؤسسات، ونجد ان شركات معينة تعمد عن طريق الاعلان الى دعم برامج اعلامية (ترفيهية ، تثقيفية ، سياسية وغيرها) معينة، كما والى دعم مؤسسات اعلامية معينة تلتقي معها في الاتجاهات والاهداف السياسية).
وهذا الثلاثي، التابع لهذه الدولة او تلك، هذه القوة او تلك، يعمل المستحيل للسيطرة على "السوق الاعلامية" و"السوق التجارية" و"الحياة السياسية" معا. وهذا ما يهدد المجتمع المعاصر بالوقوع تحت رحمة الشموليات الجديدة (totalitarianism) التي هي اخطر بكثير من شمولية الانظمة الدكتاتورية (الستالينية والهتلرية الخ) السابقة التي كانت تعتمد على القمع والاجهزة البوليسية. اما الشموليات الجديدة فهي تعتمد على "معالجة" (manipulation) و"تضليل" (disinformation) الرأي العام باسم الدمقراطية وحرية الصحافة والحرية التجارية وغير ذلك من الخرافية (mythicism) المعاصرة التي هي اخطر من الخرافيات القديمة، الدينية والايديولوجية والقومية والعنصرية، لان الخرافية البرجوازية المعاصرة تتخذ طابعا شكليا من "العلم" و"الحرية" و"الفردية".
واذا جمعنا القدرات المادية والاعلامية والسياسية (بما في ذلك القمع غير المباشر، كالتضييق في العمل على الاعلاميين "غير المطواعين" وتجويع المبدعين "المعارضين" الخ) للثلاثي المشار اليه، مع الرغبة المسبقة في التضليل الاعلامي (disinformation) كما سبق واشرنا، نجد انه اصبح هناك ارضية واسعة جدا لتضييع وتحريف وتشويه الحقيقة، وتقديم الوقائع ذاتها بأسلوب تأويلي (interpretation)، من شأنه عرض الوقائع بشكل مقلوب تماما احيانا، يعكس وجهة نظر المراجع الاعلامية والقوى السياسية والتجارية التي تقف وراءها. ومن اخطر اشكال هذا الاتجاه، لا سيما في السياسة الخارجية للدول، هو تنميط (stereotypy) وشخصنة (personalization) الاتجاهات السياسية الكبرى والجماعات الدينية الكبرى والشعوب والدول، سواء بشكل سلبي مشيطن (demoniacal)، كما بالنسبة للعرب والاسلام بشخص "بن لادن" و"الزرقاوي"، او بشكل ايجابي مؤسطر (mythical) كما بالنسبة لاميركا والغرب بشخص "بوش".
القطيعة مع التاريخ والحضارة العالميين
من اخطر اتجاهات الاعلام المعاصر في عصر "النظام العالمي الجديد" ومحاولة اميركا بالاخص فرض هيمنتها على كل شيء، هو "السيطرة على الوعي الذاتي التاريخي للشعوب"، و"تفكيك" (dislocation) و"اعادة تركيب" اعتباطي (arbitrary reconstruction) او "اصطناع مزيف" (simulation) للتاريخ بما يتلاءم مع اتجاه الهيمنة الاميركية. (مثال: طمس الحقيقة التاريخية حول نشوء المسيحية بوصفها ـ قبل الاسلام ـ هي اول ديانة قومية جامعة لشعوب الامة العربية. فيوحنا المعمدان قد غادر المدينة اليهودية ولجأ الى وادي نهر الاردن. وهناك كان "يعمـّد" المؤمنين في نهر الاردن (كرمز للاغتسال من ادران وانحطاط المدينة اليهودية ومعتقداتها الباطلة). والانصار الاولون ليوحنا المعمدان هم بدو نهر الاردن (ولا تزال طائفة يوحنا المعمدان "الصابئة" (او مسيحيو يوحنا المعمدان) موجودة الى الان في العراق، وهي طائفة عربية كلية. ويوحنا المعمدان قتله الرومان بالتآمر من قبل الكهنة اليهود والراقصة سالومي وامها هيروديا عشيقة هيرودوس حاكم فلسطين الروماني. والعائلة المقدسة (يوسف ومريم ويسوع الطفل) هربوا من فلسطين الى مصر عبر شاطئ غزة ورمال سيناء على مسافة مئات الكيلومترات، الى مصر، وذلك بمساعدة صيادي السمك الفلسطينيين وبدو سيناء وفلاحي مصر، العرب جميعا، في حين ان الرومان واليهود كانوا يطاردون عائلة الطفل يسوع لقتله. وبعد ان بدأ المسيح بالدعوة الى الدين الجديد (وكان يتكلم ويبشر باللغة الآرامية ـ العربية القديمة)، فإن الرومان قتلوه بطلب من القادة والرعاع اليهود، وطاردوا جميع تلامذته وانصاره واضطهدوهم شر اضطهاد. فمن حمى هؤلاء التلامذة والانصار، ومن تبنى الرسالة السماوية الجديدة؟؟ انهم العرب الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون والمصريون الخ. ففي الاراضي العربية بالذات نشأت الكنيسة المسيحية الاولى، ومنها انطلق المبشرون الى كافة انحاء العالم القديم للتبشير بالدين الجديد. والغالبية الساحقة من شهداء المسيحية الاوائل هم من العرب الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين الخ. ولكن رغم نف كل وقائع التاريخ المسيحي الحقيقي، فإن "المسيحية الغربية المتصهينة" (بواسطة سيطرتها على الاعلام الموجه) تعمل المستحيل لطمس "عروبة" الديانة المسيحية، وللادعاء بأن العرب هم فقط مسلمون، وان الاسلام هو معادٍ للمسيحية التي تعطى طابعا "يهوديا ـ غربيا". / مثال آخر: قام العثمانيون باستعمار منطقة شبه جزيرة البلقان، بما فيها بلغاريا، لمدة 500 سنة. ولولا العراقة الحضارية والمقاومة المسلحة والسياسية والثقافية للشعوب الاوروبية الشرقية، لاضمحلت شخصياتها القومية ولحل بها ما حل بالهنود الحمر على يد الغزاة البيض المتوحشين في اميركا. والشعب البلغاري يفتخر بشخصيات تاريخية تمثل وجدان وحضارية هذا الشعب، وعدالة قضيته، مثل فاسيل ليفسكي وخريستو بوتيف وحاجي ديميتر الخ. ومع ذلك فإن هناك في بلغاريا "الدمقراطية!!!" اليوم، من يستغل حرية الاعلام كي يحاول (بدعم اميركي وتركي) ان "يعيد تركيب" التاريخ بشكل "مصطنع" (simulation) ويدعي انه لم يكن يوجد "عبودية" او "نير تركي" في التاريخ البلغاري، بل انه كان يوجد "حضور تركي" (presence). وهذا التزوير التاريخي ليس مسألة اكاديمية واعلامية فقط، بل هو مسألة خيانة وطنية وقومية، الهدف منها التمهيد لتحويل بلغاريا الى "محمية تركية"، والا.... فإن "سيناريو كوسوفو" جاهز للتنفيذ في بلغاريا (منطقة الرودوبي والبوماك)، او على الاقل "سيناريو البوسنه والهرسك" الدموي، او "سيناريو مكدونيا" السلمي (بقصد نزع الصفة القومية البلغارية عن بلغاريا، وتحويلها الى "دولة جغرافية" تعيش فيها "قوميات" متعددة. وطبعا في هذه الحالة فإن "القومية التركية" ستكون هي الاقوى، نظرا للتواصل الجغرافي بين المنطقة التي يقطنها الاتراك ـ البلغار وبين تركيا، وللدعم الاميركي غير المشروط لتركيا، ولعجز اوروبا الغربية عن الوقوف بوجه المخططات الشيطانية "الاميركية ـ الصهيوينة ـ التركية"، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة، وخاصة في الحرب الظالمة على صربيا). واذا لم يع الوطنيون البلغار الاخطار التي تتهدد وطنهم، فإن شعبهم سيكون في مهب الريح، وهو قد يهزم إعلاميا قبل ان يهزم بأي معركة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى، خاصة وان بلغاريا بلد صغير، وهي الان بعيدة نسبيا، سياسيا، عن روسيا، العمود الفقري للشعوب السلافية ووعيها الذاتي الحضاري والتاريخي.)
"البلقنة" من جديد!
كانت كلمة "البلقنة" في الماضي تعني التفكك الاتني والديني والقومي لشعوب شبه جزيرة البلقان، التي تلتقي عندها او هي نقطة تقاطع للثقافات المتعددة الاوروبية الشرقية والاوروبية الغربية، المسيحية، والتركية ـ الاسلامية. وفي السابق كان البلقان يسمى "برميل بارود". وقد ارتبط هذا التعبير بالحروب البلقانية في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، عشية الحرب العالمية الاولى، ومن ثم في الحرب العالمية الاولى التي اندلعت شرارتها تحديدا من البلقان، على اثر قيام القوميين الصرب باغتيال ولي عهد امبراطورية النمسا ـ المجر في سرايفو. وقد حاول المارشال تيتو (الكرواتي الاصل) تجاوز "البلقنة" عن طريق تشكيل جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية. وقد طرحت في اعقاب الحرب العالمية الثانية فكرة "الكونفدرالية البلقانية"، التي وافق عليها الزعيم التاريخي البلغاري غيورغي ديميتروف، وعارضها ستالين بشدة وافشلها. وقد انعكس ذلك في الانشقاق في صفوف "الكومنفورم" الشيوعي، والنزاع العنيف بين ستالين وتيتو، الذي وجد انعكاسه على اليونان وبلغاريا. وهذه الظروف اعاقت اعادة بناء دول البلقان بشكل موحد. وبعد نهاية الحرب الباردة وزوال حلف فرصوفيا، اتيحت فرصة تاريخية لاعادة توحيد كل بلد بلقاني ومختلف دول وشعوب البلقان، على اسس دمقراطية حقيقية، تحفظ فيها حقوق جميع الاتنيات والاديان والقوميات، على اساس مبدأ "التنوع في الوحدة"، على مثال "الاتحاد الاوروبي". وفي هذا السبيل جرت لقاءات وحوارات عديدة بين مختلف المثقفين وممثلي الرأي العام في البلدان البلقانية، ولا سيما على صعيد الاحزاب الاشتراكية واليسارية والشيوعية السابقة والحالية. ولكن هذا الاتجاه الحواري والتوحيدي ضعف امام الستراتيجية الاميركية، القاضية بمتابعة اللعب التاريخي على "البلقنة"، من اجل منع وحدة وتأديب شعوب البلقان التي سبق لها واختارت "الاشتراكية الواقعية" وسارت في تحالف مع الاتحاد السوفياتي السابق، ومن اجل اضعاف وتفكيك البلدان والشعوب السلافية خاصة، والمسيحية الشرقية عامة، ولتعزيز دور "الاسلام التركي ـ العثماني الجديد"، الذي هو عدو تاريخي لروسيا والشعوب المسيحية الشرقية، من جهة، وللعرب من جهة ثانية، ولايران من جهة ثالثة، وهذا ما يتفق تماما مع المصالح والتوجهات الاميركية ـ الصهيونية. وضمن هذا السياق تمت المؤامرة الدولية على يوغوسلافيا وتم تفكيكها، ثم استكملت فصول المؤامرة ضد صربيا، التي جرى ضربها وتفكيكها وانتزاع كوسوفو منها وتحويلها الى قاعدة تخريب سياسي واقتصادي واخلاقي (تجارة المخدرات والرقيق الابيض والمسروقات) ضد شعوب البلقان وشعوب الاتحاد السوفياتي السابق. وتم كل ذلك تحت حملة دعاية عنصرية عالمية ضد الصرب ونظام ميليسوفيتش، الذي تم اعتقاله واحالته الى المحكمة الدولية. وحينما وجدوا ان المحاكمة ستنقلب عليهم، وانه يمكن ان يترشح للانتخابات الرئاسية ويفوز على المرشح الموالي لاميركا، وهو في السجن، عمدوا الى تسميمه داخل السجن. وفي حين تعمل السياسة الاميركية (بمساعدة منظمة "المجتمع المفتوح" لجورج سوروس، ومنظمة "النادي الاطلسي" الذي يراسه السيد سولومون باسي ـ الصهيوني، وزير خارجية بلغاريا السابق) على اضعاف استقلال دول وشعوب البلقان، فهي تعمل في الوقت ذاته على دعم تركيا و"الاسلام التركي" في البلقان، والهدف الابعد هو: تحويل البلقان الى "منطقة نفوذ: تركية ـ صهيونية ـ اميركية". ويتم انفاق عشرات ملايين الدلارات على الاعلام الاميركي ـ الصهيوني ـ التركي في منطقة البلقان، الذي يصب في هذا الاتجاه.
وبفضل هذه السياسة الخرقاء تحول البلقان من جديد الى "برميل بارود" يهدد سلام العالم اجمع!
الأمـركة!
ان هيبة ما يسمى النظام العالمي الجديد في الثقافة السياسية الكونية، في الزمن الراهن، انما هي مبنية على عنصرين:
الاول والاهم هو الرهبة، او الخوف، من مواجهة القوة الساحقة لاميركا والصهيونية العالمية، ماليا واقتصاديا و"ثقافيا" وعسكريا الخ. وتتبدى هذه الرهبة في اوروبا الغربية والشرقية خصوصا، نظرا للارتباط الكبير للبنى التحتية والفوقية في اوروبا الغربية، باميركا، من جهة، وهيمنة اليهود الصهاينة على الكثير من القطاعات، من جهة ثانية. ونظرا لهزيمة النظام الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري، الذي كانت تمثله "الاشتراكية الواقعية"، بالنسبة لبلدان اوروبا الشرقية.
والعنصر الثاني لهيبة "النظام العالمي الجديد" هو وجود شرائح اجتماعية "مستفيدة" من التغييرات التي تحدث، وخاصة في القيادات الحزبية والسياسية وفي قطاع الاعلام و"الثقافة" (بمعناها المؤسساتي ـ الجهازي ـ المصلحي، لا بالمعنى الحضاري للثقافة). وهذه الشرائح هي اشبه شيء بحصان طروادة داخل البلدان الاوروبية ـ الشرقية والغربية ـ وينطبق عليها تشبيه "الطابور الخامس" الاميركي ـ الصهيوني. وفي ظروف طبيعية لهذه البلدان، فإن هذه العناصر ستنكشف تماما بكونها "يوضاسيين" باعوا "مسيحهم" للفريسيين، وباعوا انفسهم للشيطان بـ"ثلاثين من الفضة".
وللوصول الى غاياتها الانانية الضيقة، تحاول الاحتكارات الاميركية ـ الصهيونية الكبرى، والشرائح العليا السياسية والثقافية والاعلامية المرتبطة بها، ان تمسخ التراث والتاريخ والثقافة والشخصيات القومية المستقلة لجميع شعوب العالم، وتفتيتها وتفكيكها من الداخل وضرب بعضها ببعض، لاضعاف الجميع واظهار "لا جدوى" و"ضرر" الخصائص الوطنية والقومية، ولتحويل العالم الى قطعان ضائعة من البشر عديمي الملامح الانسانية، واختزال البشر الى كائنات حية (في المستوى الحيواني) ذوي حاجات جسدية فقط، تمهيدا لفرض "النمط" الاميركي عليهم جميعا، من المأكل والملبس واللغة واسلوب الحياة والمفاهيم والقيم. وهذا ما نسميه "الأمركة". علما ان هذه الأمركة ـ حتى بالحسابات الاقتصادية البحت ـ لا تعني رفع المستوى الحياتي والمعيشي لمختلف شعوب العالم الى المستوى الاميركي، بل العكس هو الصحيح: اي نزع الارادة الحرة لدى مختلف شعوب العالم، لتحويلها الى قطعان من الخدم ـ الروبوتيين، عديمي الشخصية الاجتماعية والقومية والانسانية، في خدمة الهيمنة الاميركية، وبالتالي رفع مستوى اميركا على حساب كل من يسير وراءها وفي خدمتها. ومثال بلغاريا هو خير دليل على ذلك. فقد سارت بلغاريا، بعد ما يسمى "التحول الدمقراطي!!!" خلف "النمط" الاميركي. فماذا جنت؟ ان بلغاريا اليوم، في مطلع القرن الواحد والعشرين هي، بفضل "الأمركة"، وبكل المقاييس المعيشية والاجتماعية والثقافية والصحية، أسوأ مما كانت عليه في اواخر القرن التاسع عشر. و"القيم" الوحيدة التي ربحها الشعب البلغاري العريق من "الأمركة" هي: العلكة، والماكدونالدز والـKFC، والمخدرات، والبورنو، والايدز، والفساد والجريمة المنظمة، بالاضافة طبعا الى انتشار عادة تربية القطط والكلاب بدلا من تربية الاطفال. وتحت شعارات "الدمقراطية" و"حقوق الانسان" و"حقوق الاقليات" يجري ـ في وقت واحد ـ تقليص عدد البلغار (السلافيين) و"غجرنتهم" (اي إفقارهم وتخفيض مستواهم الاجتماعي والثقافي ووعيهم وعنفوانهم القومي، ليصبحوا في مستوى الغجر)، وزيادة عدد الغجر و"بلغرتهم" (اي رفع مستواهم المعيشي والثقافي ووعيهم "القومي" البلغاري ـ الغجري، ليحلوا محل البلغار السلافيين).
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
2
شيعة ولاية الفقيه.. ومصالح إيران الوطنية
نجيب غلاب
الشرق الاوسط بريطانيا
تشكل الدول العربية المشرقية في الاستراتيجية الإيرانية، أهم مجال حيوي لنفوذها، وهي من جانب آخر ترى في قوة تلك الدول من المخاطر المهددة لأمنها، لذا فإن أمنها القومي، مرتبط بقدرتها على أضعاف دول المنطقة لفرض مصالحها وحماية نفسها من بروز أي قوة إقليمية عربية، ومن أهم الاستراتيجيات الفاعلة، كما هو واضح على مستوى الواقع في ظل وجود قوى عظماء تتصارع على المنطقة، هو خلق قوى مؤيدة لها في تلك الدول، ترتبط ايديولوجيا بالدولة الإيرانية.
وهذه الحركات التابعة لإيران ايديولوجيا وليس مذهبيا، تعمل إيران على تحويلها إلى أدوات تهدد من خلالها مصالح الدول العربية والقوى الدولية في حالة عدم تفهم مصالح إيران في المنطقة، ووظيفتها الأكثر أهمية هي عسكرية وأمنية ففي حالة تهديد النظام الإيراني من أي قوة فإن الحركات التابعة لها تصبح مصدرا أساسيا يسند موقفها ويدعم قوتها في حالة المواجهة.
وهذه الحركات بعضها يعمل في العلن والآخر سري، فمنذ بداية الثورة تبنت إيران تصدير أفكارها وقيمها وعقيدتها عبر الدعاية والاتصال المباشر مع القوى الإسلامية المعارضة والقوى الشيعة الموجودة في العالم، ونجحت في تكوين جماعات تابعة لها في أغلب الدول التي يوجد فيها شيعة، وقد جلب لها ذلك عداء إقليميا وعالميا، فطورت إيران استراتيجية تصدير الايديولوجيا، فتخلت عن التبني الرسمي من قبل مؤسسات الدولة ونقلت المهمة إلى المؤسسات الأهلية داخل إيران التي تقوم بعملية التنسيق مع القوى الشيعية، سواء كانت قوى سياسية أو مراجع شيعة دينية والرسمي فيها أن هذه الاستراتيجية تتم برعاية الولي الفقيه، وبإشراف مخابراتي حذر.
والتطور الجديد في استراتيجية تصدير الايديولوجيا الخمينية، يتمثل في جعل القوى الشيعية العربية التي لديها حرية الحركة والفعل والمرتبطة بولاية الفقيه؛ هي أداة تصدير الثورة إلى العالم العربي، فقد استطاع حزب الله مثلا ان يسند قوة إيران، ويحسن من صورتها في المنطقة العربية، وشكل الحزب نموذج للقوى الشيعة وتلعب أذرعه الفكرية والإعلامية، دورا فاعلا في داعم الثورة الإيرانية وفكرها السياسي والديني.
وسيشكل العراق أهم المراكز القادمة لتصدير ايديولوجية الثورة إلى العالم العربي من ناحية فكرية وثقافية وحتى عسكرية على مستوى التدريب والدعم اللوجستي، وهذا ربما يفسر طرح الفدرالية من قبل عبد العزيز الحكيم، فأحد أهدافها هو الحصول على منطقة شيعية خالصة، حتى تتمكن من نشر ايديولوجية الثورة وتحويل الجنوب إلى قاعدة لحماية النظام الإيراني، ونشر ايديولوجيته في العالم العربي.
وبتتبع الحركات الشيعية المرتبطة بإيران، نجد أن بناء قوى سياسية مؤيدة للثورة، تمر بمراحل عديدة ومتداخلة تقوم في بداية الأمر على بناء نخبة قليلة العدد يتم إعدادها وتدريبها بشكل جيد وظيفتها الأساسية نشر الفكر السياسي المناضل ضد الأعداء، كما تصفهم أدبيات الثورة الإيرانية، والعمل على إعادة بناء المذهب الجعفري في الأوساط الشيعية وفق الرؤية الخمينية ونشر الأفكار والعقائد المرتبطة بها.
ثم تأتي المرحلة الثانية، حيث يتم تأسيس حركات دينية حزبية علنية أو سرية حسب البيئة المحيطة، هذه الحركات لها اذرع عسكرية وإعلامية وفكرية تعمل في بداية تكوينها على التأسيس لصراع قوي مركب يأخذ أبعادا فكرية وطائفية، يعبر عنه من خلال ايديولوجية سياسية تحمل رؤية ثورية انقلابية، ويشكل العنف بجانبيه الفكري والمادي في الصراع، وسيلة فاعلة ليسهم في تطوير البناء الذاتي على المستوى الحركي.
وفي مرحلة لاحقة عندما تصبح الحركة الطائفية من القوة فإنها تعتمد على خطاب عقلاني متزن عندما تخاطب الرأي العام، ولكن خطابها يحمل نزوعا ثوريا في مواجهة الأعداء كما تحددهم الثورة الإيرانية، وتجاه القوى الوطنية التي ترى ان مصالح أوطانها يمكن تحقيقها بإقامة علاقات مع من تراهم إيران أعداء لها، ولكنها في الوقت ذاته تقوم باعتماد خطاب طائفي متعصب غير متداول، إلا بين أبناء الطائفة، هذا الخطاب عادة ما يعلي من دور إيران في حماية الطائفة وتحقيق مصالحها.
ويتم تفعيل قوة القوى الشيعية المرتبطة بإيران، من خلال تبني استراتيجية المواجهة مع القوى المعادية للأمة الإسلامية، والهدف من ذلك هو تعبئة الأنصار وكسب المؤيدين، ومواجهة النظام السياسي في حالة وقوفه ضد أنشطة الحركة في توسيع قاعدتها الفكرية والبشرية، من جانب آخر يمكن للحركة استغلال ضغط القوى الخارجية والداخلية على الأنظمة والتعاون معها في تفكيك الأنظمة وإضعافها، ثم الانقلاب على تلك القوى لاحقا، بما يخدم مصالح الحركة ومرجعيتها في إيران.
وإضعاف الدولة في حالة العجز عن السيطرة عليها، يمثل جوهر استراتيجية أي حركة تابعة لإيران، فالدولة القوية تمثل عائقا أساسيا، ويتم إضعاف الدولة وفق مسارات ثلاثة متداخلة، يشكل إضعاف النظام السياسي المسار الأول من خلال تشتيت طاقته في فتح جبهة صراع معه، وإبعاده عن حل قضايا التنمية، وتأليب المجتمع عليه باستغلال مشاكل الواقع، ويشكل التحالف مع أعدائه حتى وان كانوا أعداء لإيران من الأمور المقبولة، والمهم هو إضعاف النظام وتقوية الحركة.
أما المسار الثاني فيتمثل في تشتيت طاقة القوى السياسية الفاعلة في المجتمع من خلال مواجهتها أو عزلها عن الصراع أو محاولة توظيف قوتها لصالح خدمة قضايا الحركة الشيعية.
أما المسار الثالث فهو تأسيس صراع في المجتمع يقوم على أساس طائفي، فالصراع الطائفي يسمح بعملية الفرز داخل المجتمع، وهذا يسهل للحركة تعبئة الوسط الاجتماعي المؤيد على أساس طائفي، لتصبح الحركة هي ملجأه لحماية نفسه، وهذه الاستراتيجية تعمل على بعث الروح الطائفية لدى جميع الأطراف، والهدف أضعاف الولاء للدولة الوطنية، لتصبح الطائفية هي الأصل، وتتحول الدولة إلى أداة تديرها الطوائف من خلال زعاماتها.
والحركات الشيعية التابعة لمنهجية الخميني لا تهتم بالدولة الوطنية بالمفهوم المتعارف عليه بالفكر السياسي الحديث، فالأولوية للطائفة وتقويتها، ودفاعها عن الدولة التي تنتمي إليها، مرتبط بمدى توافقها مع مصالح أبناء الطائفة ومع مصالح الدولة الشرعية دولة نائب الإمام في طهران.
وهدف إيران من خلق قوى داخل الدول العربية، هو جعل تلك القوى، مشاركين فعليين في صناعة القرارات داخل دولهم، بحيث تكون قادرة على تهديد النظام في أي وقت قد تحاول النخب تهديد مصالح القوى الشيعية أو مصالح الدولة الإيرانية، وهذا يساعد إيران على أن تصبح لاعبا رئيسيا ويمنحها نفوذا حقيقيا وقدرة على فرض إرادتها، أو في أقل تقدير، إجبار الدول على أخذ مصالح إيران على محمل الجد.
ومن جانب آخر تشكل تلك التكوينات، قوة دفاعية لحماية نظام الثورة الإيرانية من أي هجوم خارجي، من خلال التهديد بتفجير المنطقة في حالة تحدي أمنها القومي من قبل الدول العربية أو الدول الأجنبية، وهذه المسألة في الوقت الحالي مهمة جدا، فالنخبة الإيرانية الحاكمة بحكم تكوينها الفكري، وتجربة إيران التاريخية، جعلت الهاجس الأمني يسيطر على كل تفكيرها وله الأولوية على أي قضايا أخرى.
وما يدفع الحركات الشيعية في الدول العربية التابعة لولاية الفقيه، الى مولاة الدولة الإيرانية، هو الايديولوجيا الدينية التي تؤسس لاعتقاد بأن إيران هي الدولة الأم المعبرة عن عقائد الشيعة، وهي دولة الإمام الغائب ودور القوى المنتشرة خارجها من المؤمنين، هو دعم وحماية المركز، وهذا ما يجعل تشتيت قوة الدول المحيطة بالدولة الأم، وتحويلها إلى مجال حيوي لدولة الإمام وحمايتها من الأعداء أشبه بالسلوك التعبدي.
في نهاية التحليل يمكن القول، بصرف النظر عن الرؤية الوطنية التي قد تحملها الحركات الشيعية التابعة لإيران في مواجهتها للقوى الغربية، إن استراتيجية إيران تتشابه مع الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية فيما يخص تفكيك الدول والمجتمعات العربية، وجعلها منطقة رخوة ضعيفة، تحكمها دول هشة ومجتمعات مفككة، غير قادرة على تجميع قوتها للحفاظ على مصالحها الوطنية والقومية، والهدف في نهاية الأمر هو السيطرة على المنطقة، واستغلال إمكانياتها، بصرف النظر عن مصالح العرب.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
3
مجالس الصحوة في العراق والمستقبل المجهول!
د. خالد نايف الهباس
عكاظ السعودية
مجالس الصحوة في العراق هي شاهد آخر على فقدان العراق بوصلته السياسية. لأنها تعزيز للسياسة المجزأة التي وصمت الممارسة السياسية في العراق منذ وقوعه تحت الاحتلال. كما أنها في نفس الوقت مرحلة زمنية سيأتي اليوم الذي تجد نفسها خارج سياق العملية السياسية المأزومة أصلاً. وهنا يكمن الخطر, لأن رموز الصحوة سوف لن ترضى بالتهميش أو النسيان مما يجعلها تقع في مواجهة مع الحكومة أو قوات الاحتلال.
عندما تكونت قوات الصحوة كان الهدف منها طرد القاعدة من بعض المناطق التي عانت من وجود هذه العناصر القاعدية فيها, مما حول مناطقها إلى بحيرة من الدم, افتقدت خلالها إلى التنمية والاستقرار وأصبح التفجير والدمار عنوان الحياة اليومية في ربوعها. بينما لم يكن بوسع القوات الحكومية الهزيلة فعل شيء ولم يكن لدى القوات المحتلة الإرادة والعزيمة على فعل شيء, ولم تكن ترغب الدخول في معارك عصابات تفقد بموجبها الكثير من قواتها. كان الحل الأمثل استخدام العناصر القبلية لانجاز المهمة. وكان التجنيد العسكري والسياسي للرموز العشائرية في هذه المناطق, في سبيل توفير القوات المطلوبة من أبناء القبائل لتكوين قوة عسكرية تقوم بالمهمة, هو الوسيلة إلى تحقيق ذلك. فكانت مجالس صحوة الأنبار الخطوة الأبرز على صعيد التحالف مع القوات الأجنبية ضد القاعدة. وقد وصل عدد مكاتب الصحوة إلى 125 مكتباً, أصبحت بموجبه آخر صرعات الموضة السياسية في العراق. وإذا كان تحقيق الاستقرار أحد أهم الأهداف الذي جعل زعماء العشائر يوافقون على الدخول في هذا المضمار السياسي فإن الدافع الاقتصادي هو الهدف الآخر ويشكل البروز الإعلامي والسياسي الدافع الثالث. فحتى الآن دفعت السفارة الأمريكية لمجالس الصحوة نحو 150 مليون دولار كمرتبات وهبات, فقوات الصحوة مثلها مثل غيرها تريد مقابلاً إزاء عملها, وهذا حق مشروع. بينما حصل بعض الرموز العشائرية على مبالغ مالية مجزية أيضاً, وهم هنا لا يختلفون عن الساسة الرسميين في العراق الذين جعلوا العراق من أكثر دول العالم فساداً وفقاً لمؤسسة الشفافية الدولية. في نفس الوقت الذي تمتعوا بحضور ملفت في الحياة العامة, كما في زيارة الرئيس الأمريكي لمنطقة الأنبار ولقائه بعض الزعامات العشائرية هناك, ودعوتهم إلى واشنطن.
مجالس الصحوة هي وسيلة تستخدم لغاية محددة, وسوف تجد نفسها عاجلاً أو آجلاً منتهية الصلاحية, وسوف يدرك رموزها أنهم غير مؤهلين سياسياً للعب دور بارز في مستقبل العراق السياسي, كما أن المنافع الاقتصادية التي يحصلون عليها والظهور في الحياة العامة هي أيضاً مؤقتة مما سيدفعهم لخلاف مع الحكومة العراقية أو قوات الاحتلال. وهنا تكمن المشكلة في ما يتعلق بمستقبل مجالس الصحوة. وسوف يكون هناك, إذا جاز التعبير, صحوة عكسية, تدرك من خلالها هذه المجالس أنها كانت في سبات عميق في وقوفها إلى جانب قوات الاحتلال. الخطأ في مسيرة مجالس الصحوة أن يقتصر دورها على الجانب العسكري لأن ذلك يجعل مستقبلها محدودا بغاية قصيرة الأجل. أما إذا كانت قوة سياسية ترتكز في أسلوب عملها إلى التنظيم السياسي والتخطيط الإستراتيجي فهذا شيء ايجابي وأتمنى أن يتم. لأن السياسة هي عصب الحياة في أي مجتمع, وهي المحرك لقوى المجتمع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. لكن هل سيتم السماح لها بذلك؟ وهل سيتم استيعابها في النسيج السياسي العراقي المشرذم والقائم على الاعتبارات الطائفية والمذهبية والنفعية؟
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
4
كيف نجعل العراق آمنا للعملية السياسية
فردريك كاجان،جاك كين
مايكل أوهانلون
واشنطن بوست
بدأ البعض في واشنطن بالفعل ينادون بأن تلتزم الإدارة الأمريكية بإجراء المزيد من الخفض في مستويات القوات لكي تصل إلى مستويات ما قبل عملية التجييش، وقبل أن ننتهي من مهمتنا. لا شك أن هذه النداءات تعوزها الحكمة.
مرر البرلمان العراقي خلال الشهر الماضي مشروع قانون جديد لتصفية حزب البعث. هذه المشروع ينتظر الموافقة المتوقعة من الرئاسة قبل أن يصبح قانونا. وعلى الرغم من أن أمورا كثيرة ظلت معلقة، إلا أن هذه خطوة هامة على طريق المصالحة السياسية- فضلا عن أنها تدعم قضية محافظة الولايات المتحدة الأمريكية على التزامها بهذه المهمة الحيوية في العراق خلال الأشهر والسنوات المقبلة.
كان الحال كما يلي في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فإذا أردت الحصول على وظيفة مرموقة، فكان ينبغي عليك الانضمام إلى حزب البعث. بيد أن هذا ليس هو الحال بالنسبة لأكثر من مليون عراقي ممن انضموا إلى الحزب، ولا يعني أنهم شاركوا بشكل مباشر أو تورطوا أو تغاضوا عن جرائم الدولة. لقد كان صدام حسين مصابا بانفصام في الشخصية لدرجة أنه لم يكن يثق إلا في دوائرة الداخلية الذين كان لهم اطلاع على خططه وسياساته.
إنه لمن حسن الطالع أن التشريع الجديد لن يعاقب إلا البعثيين السابقين الذين كانوا في الدوائر الثلاث العليا في هيكل السلطة لدى النظام السابق. ولن يزيد عدد هؤلاء عن بضعة آلاف. وسيتم السماح للآخرين بالاندماج مرة أخرى في المجتمع العراقي، والتمكن من الوصول إلى الوظائف والمناصب الفدرالية التي كانت متاحة لهم، كما أن التشريع الجديد لا ينص على محاكمتهم عن الجرائم السابقة التي ارتكبتها الدولة. تجدر الإشارة إلى أنه بموجب اللوائح السابقة، التي يرجع تاريخها إلى القرارات التي اتخذها بول بريمر خلال فترة عمله كرئيس للإدارة المدنية بالعراق إبان الغزو في عام ،2003 تم نفي الدوائر العليا الأربع بدون محاكمة. هذا يعني أن عشرات الآلاف من الأفراد قد تأثروا من هذه القوانين واللوائح بشكل مباشر بالفعل- وتأثر مئات الآلاف من الأفراد بشكل غير مباشر، بمن فيهم أفراد أسر أولئك الأفراد. أدى ذلك إلى الحيلولة دون مشاركة العديد من الاختصاصيين والمهنيين والسياسيين العراقيين الموهوبين في عمليات إعادة بناء بلدهم- كما أنه أدى في نفس الوقت إلى نشر المرارة فيما بين السنة، الذين يشكلون غالبية أعضاء حزب البعث، وجعلهم يشعرون أن الحكومة الشيعية الحالية لن تعطيهم حقوقهم العادلة في العراق الجديد.
هذا التشريع يعوزه الكمال بالتأكيد. والأهم أن القانون قد يبقي على كافة البعثيين خارج المؤسسات القضائية والأمنية العراقية. وبينما ندرك بأن هذا الإجراء يعتبر وسيلة لتخفيف المخاوف الشيعية من إمكانية حدوث ولادة جديدة للبعثيين والسنة، إلا أنه يتجاوز ذلك بكثير. فهذا الإجراء يمكن أن يتعارض مع الجهود الرامية إلى جلب المتطوعين من السنة إلى قوات الأمن العراقية. وبالتالي ينبغي حل هذه المشكلة المحتملة الحدوث. لكن، إذا ترك العراقيون هذه المشكلة لكي تحدث، فسوف ينبغي اتخاذ خطوة كبيرة جدا من أجل بناء الثقة الطائفية.
إن هذا التشريع الجديد الخاص بالبعثيين يشكل واحدة من ست قضايا سياسية مهمة حددها الرئيس بوش والكونجرس خلال العام الماضي كأمور متوقعة من القادة العراقيين معالجتها. أما المسائل الأخرى التي تم تحديدها فتتضمن تشريع الهيدروكاربون، وقانون سلطات المحافظات (الذي يوضح أدوار المحافظات العراقية الثماني عشرة تجاه الحكومة المركزية)، وقانون انتخابات المحافظات الذي يهدف إلى تسهيل الجولة التالية من الانتخابات المحلية، وعملية تنظيم استفتاء على المستقبل السياسي لكركوك، المدينة النفطية الشمالية المتنازع عليها (وتعويض أصحاب الممتلكات والجماعات الطائفية التي ستخسر في الاستفتاء)، بالإضافة إلى إجراء عملية أكثر شفافية وأكثر مصداقية تستهدف عزل المتطرفين الطائفيين من المراكز الحكومية.
إن هذه القضايا والحدود الدنيا للتقدم التي حددتها الإدارة الأمريكية والكونجرس للقيادة العراقية هي بمثابة أهداف معقولة. ومن المؤسف أنه لم يحدث إلا تقدم طفيف في القضايا الأخرى باستثناء التقدم البطيء الخاص بعزل المتطرفين من الوظائف الرسمية. إلا أن الأمر المهم بحق هو أن ينظر العراقيون إلى أنفسهم على اعتبار أنهم شعب واحد يعمل معا يدا بيد لبناء دولة جديدة، ومعالجة خلافاتهم بصورة تشريعية وليس بالعنف. وبقدر تنفيذ تلك الأسس والحدود الدنيا، فإننا نؤيد استخدام قائمة أطول من القضايا تتضمن اقتسام الإيرادات النفطية بين بغداد والمحافظات الأخرى، وتعيين المتطوعين السنة في قوات الأمن، وفي الأجهزة المدنية للحكومة، وإجراء تحسينات في النظم القضائية والجزائية، كما ينبغي بمرور الوقت إجراء إصلاحات في النظام الانتخابي لإضعاف دور الأحزاب الطائفية. وقد تم إحراز تقدم كبير في كافة تلك القضايا خلال العام الماضي باستثناء القضية الأخيرة.
لقد جاء هذا التقدم السياسي الكبير نتيجة لجهود كبيرة بذلت خلال العام الماضي لتقليل العنف في العراق. كان مؤيدو زيادة القوات الأمريكية في العراق المعروفة باسم التجييش يقولون على الدوام بأن وضع العنف تحت السيطرة يشكل شرطا أساسيا لتحقيق المصالحة وليس العكس. وقد اكتملت عملية التجييش، ودخلت حيز التنفيذ منذ ستة أشهر، كما انخفضت وتيرة العنف بدرجة كبيرة في كل أنحاء الدولة. إن إنجاز مثل هذا التشريع الهام الذي يتطلب من كافة الأطراف قبول المخاطرة والتصالح مع الناس الذين كانوا يقاتلونهم منذ بضعة أشهر لهو أمر في غاية الأهمية. وما كان لهذا الإنجاز أن يتحقق بدون تغيير الاستراتيجية الأمريكية وإرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى العراق للمساعدة في خفض أعمال العنف.
إن التقدم الذي أحرز خلال العام الماضي كان يحتاج إلى ضغط سياسي أمريكي أيضا. فضلا عن أن الجهود المستمرة التي يبذلها السفير الأمريكي لدى العراق ريان كروكر، وقائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس وآخرون من أجل استمالة القادة السياسيين العراقيين وحملهم على التوصل إلى حل وسط على كافة الخطوط الطائفية، كان في غاية الضرورة ليس لتمرير قانون البعثيين الجديد فحسب، بل لطرد المتطرفين الشيعة من الحكومة العراقية، وإقناع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالعمل تدريجيا، وبشجاعة يحسد عليها، على تجنيد المتطوعين السنة في قوات الأمن.
وقد مارس القادة السياسيون الأمريكيون من الحزبين الضغوط في بعض الأحيان، عندما أوضحوا أنهم يركزون على العراق، وأنهم مصرون على ضرورة أن يتصرف القادة العراقيون بقدر من المسؤولية، وأن الولايات المتحدة لن تتغاضى عن العنف الطائفي أو أعمال القمع. لكنهم، أي السياسيين الأمريكيين، تصرفوا بشكل خاطئ ومضر عندما هددوا بسحب القوات الأمريكية بسرعة بدون أي نظر إلى الظروف، وبدون أي اهتمام بما إذا كان القادة العراقيون يحاولون التوصل إلى حلول وسط على الخطوط الطائفية.
وكما قال كروكر خلال الربيع الماضي، »كلما زاد أمد المناقشة وعلا صوتها، كلما زاد الخطر من أن العراقيين سوف يستنتجون أننا سنغادر بلدهم،« الأمر الذي يؤدي إلى »تشديد المواقف فيما بين الفصائل الطائفية.« إن المؤسسات العراقية تتسم بالضعف الشديد، ومازالت جروحها نازفة ولم تلتئم بعد، وبالتالي لا ينبغي علينا أن نتوقع أن تستمر المكاسب التي تحققت خلال العام الماضي إذا ما أقدمنا على انسحاب أمريكي سريع وكامل من العراق.
إن عدد القوات الأمريكية في العراق له أهمية كبيرة. وعلى الرغم من أن التغيير في الاستراتيجية الأمريكية التي تم الإعلان عنها في يناير الماضي، والتغيير في المواقف فيما بين العرب السنة كانا في غاية الحيوية بالنسبة للنجاحات التي تحققت خلال عام ،2007 إلا أن إضافة خمسة ألوية مقاتلة تابعة للجيش الأمريكي وثلاث كتائب تابعة لمشاة البحرية الأمريكية كان في غاية الأهمية أيضا. يعرف كل من الجنرال ديفيد بترايوس والجنرال راي أوديرنو القيود التي فرضتها عملية التجييش على الجيش كما أنهما يؤمنان بأننا نستطيع خفض عدد قواتنا إلى مستويات ما قبل التجييش بحلول الصيف الحالي بدون تهديد المكاسب التي حققناها. وبالنظر إلى الخطوات الكبيرة التي اتخذتها قوات الأمن العراقية، إلى جانب جهود الشعب العراقي في مواجهة تنظيم القاعدة في العراق، والتمرد البعثي السني، والجماعات الخاصة التي تدعمها إيران، والعناصر المقاتلة بجيش المهدي، يمكن القول إن لهذا الاعتقاد ما يبرره، لكننا لا نستطيع أن نقول ذلك على سبيل التأكيد.
إن مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق يبذلون قصارى جهودهم لكي يعيدوا تنظيم أنفسهم مرة أخرى، كما أن جنودنا يقاتلون بجد للحيلولة دون حدوث ذلك. علاوة على ذلك، فإن أنشطة الجماعات الخاصة التي تدعمها إيران تصيبنا بالقلق. ويبقى الكثير من الجهود التي ينبغي بذلها على الصعيد السياسي، وعلى المستويين المحلي والقومي لتأمين المكاسب التي تحققت والمحافظة عليها.
وقد بدأ البعض في واشنطن بالفعل ينادون بأن تلتزم الإدارة الأمريكية بإجراء المزيد من الخفض في مستويات القوات لكي تصل إلى مستويات ما قبل عملية التجييش، وقبل أن ننتهي من مهمتنا. لا شك أن هذه النداءات تعوزها الحكمة. لقد ارتكبت الولايات المتحدة هذه الغلطة في العراق من قبل- حيث قررت الانسحاب المبكر من العراق وحاولت تسليم مسؤوليات الأمن إلى القوات العراقية غير القادرة على توليها ولا قبولها، وافترضت تحقق السيناريوهات الجيدة. لا ينبغي على الولايات المتحدة ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى. ومن غير المناسب أن نحاول تقييم إمكانية خفض القوات إلى أقل من مستويات ما قبل التجييش قبل أن يكون لدينا الوقت الذي يمكننا من دراسة الوضع بعد استكمال المهمة. لذلك، لا ينبغي على الكونجرس ولا على الرئيس جورج بوش ولا على الشعب الأمريكي أن يتوقعوا من الجنرال بترايوس أن يتحدث في مارس عن جدوى خفض المزيد من القوات، بل عن استمرارية الخفض الذي بدأ بالفعل.
إن الضغوط التي تجري ممارستها حاليا على الجيش الأمريكي كبيرة بالفعل، ونحن جميعا نشعر بالقلق. لكن بقاء 15 لواء أمريكيا في العراق لمدة ستة أشهر أخرى أو عام آخر لن يؤدي إلى إضعاف القوات المسلحة الأمريكية. كما أن خفض القوات الأمريكية في العراق بسرعة كبيرة، حتى وإن كان ذلك يتضمن لواء واحدا أو لوائين اثنين، يمكن أن يعرض للخطر ذلك النجاح البسيط الذي تحقق حتى الآن. ولا ينبغي علينا أن نقدم على هذه المخاطرة بأي حال من الأحوال.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
5
أبدا لم يكن الحكيم حكيما..
امين مطر
السياسة الكويت
عشرات المقالات كُتبت حتى اللحظة تؤبن الدكتور جورج حبش الأمين العام التاريخي للجبهة الشعبية لتحرير فسطين الذي وافته المنية يوم السبت الماضي في عمان عن عمر ناهز الثانية والثمانين عاما. كثير من تلك المقالات أسهبت كثيرا في شرح وتسليط الضوء على المزايا النضالية والوطنية الكبرى التي تحلى بها الحكيم في مسيرة حياته التي عاشها متنقلا من محطة الى اخرى من دون ان يتغير في الحكيم شيء رغم كل المتغيرات التي عصفت بالقضية الفلسطينية ومحيطها الاقليمي وكذا المتغيرات الهائلة والكبيرة على الصعيد الدولي .
الذين ارادوا ان يؤبنوا الحكيم رفعوه الى مرتبة الانبياء والرسل والشخصيات العظيمة جدا التي تركت أثرا عظيما في حياة شعوبها وشعوب العالم, دون ان يوضح احد منهم أي أثر ايجابي وعظيم تركه الحكيم لشعبه وقضيته اللهم الا اذا كانوا يقصدون خطف طائرات الابرياء, في المرحلة الاولى من عمر الجبهة الشعبية, أو ربما يقصدون مشاركة الجبهة بفعالية في جبهة الرفض ولا حقا في جبهة الانقاذ وبعدها وجود الجبهة في مجموعة الفصائل العشرة, وكل هذه التجمعات كانت عائقا بوجه مسيرة النضال الفلسطيني الذي بدأت تتعقلن كثيرا وتأخذ بالحسبان الواقع وما يسمح لها هذا الواقع بالحصول عليه وخاصة بعد قبول منظمة التحرير الفلسطينية بمبدأ الدولتين وخطاب عرفات في الامم المتحدة, كما ان هذه التجمعات مكَنت انظمة عربية عدة وخصوصا النظام السوري من التلاعب بالقضية الفلسطينية والتعامل معها كورقة تلعب بها وتساوم عليها في معاركها مع الاخرين, أو ربما قصد هؤلاء المؤبنون الاف الخطب الطنانة والرنانة ومنها الحارق والخارق والمتفجر الذي صدع رأسنا بها الحكيم في حياته وكانت وبالا على شعبه وقضيته الوطنية, وخاصة تصريحه الشهير بأن جبهته ستفجر الارض تحت اقدام قوات التحالف الدولي الذي تشكل عقب غزو الدكتاتور المعدوم صدام حسين لدولة الكويت.
قلة قليلة جدا من تلك المقالات التي كُتبت أتت وبخجل على السيئات الكبيرة التي ارتكبها الراحل بحق شعبه وحق شعوب المنطقة وخاصة الشعب الاردني اولا واللبناني ثانيا والكويتي والعراقي ثالثا, وهو ماجاء في مقالة السيد خير الله خير الله المنشورة في صحيفة »ايلاف« الالكترونية بعنوان "هل يتعلم الفلسطينيون من تجربة جورج حبش" أما باقي المقالات وهي كثيرة جدا فانها صورت لنا الراحل قائدا مقداما وحكيما معصوما لا يخطئ أبدا ولا يمكن أن يخطئ فيما سيرة الراحل تمتلئ بالاخطاء الكبيرة وهي من عينة "غلطة الشاطر بألف" وهي اخطاء ما زال الفلسطيني يعاني من آثارها السلبية حتى اللحظة, فيما وصفه الزميل توفيق الحاج بالشمس في مقالته التأبينية " غربت شمس لتشرق اخرى" ولا أعلم تماما أي نوع من الدفء أشاعته شمس الحكيم على شعبه باستثناء ربما الدفء الحارق جدا الذي تركته أفعال الحكيم في جسد شعبه وقضيته.
ذات يوم كنت في زيارة لاحد مواقع الجبهة الشعبية العسكرية في منطقة جبل لبنان, وحدث ان فتح احدهم نقاشا بخصوص الاوضاع في الساحة الفلسطينية, وما ان وجهت نقدا خفيفا جدا لشخص الحكيم وكان نقدا موضوعيا حتى بادر احدهم الى تلقيم سلاحه وتصويبه نحوي مهددا اياي بعدم الاقتراب من شخص نبيه المدعو جورج حبش. كان هذا الشخص وغيره من عناصر الشعبية وغيرها من التنظيمات أو بالأحرى "الدكاكين" ضحية لعملية غسيل دماغ مارستها تلك التنظيمات مع عناصرها, وهدف تلك العملية هي عبادة شخص الامين العام وتحويله الى رمز ومركز تتمركز في شخصه كل الصلاحيات وكل الافعال الحميدة وكل الاعمال النضالية الجليلة التي حصلت, وهو مبدأ عملت عليه كل دكاكين اليسار الفلسطيني في برامج عملها الداخلية.
مفارقة عجيبة ان تحتضن عمان الحكيم في سنوات عمره الاخيرة وهي المدينة التي عانت كثيرا من جراء أفعال الحكيم الطائشة والصبيانية المدمِرة, وبغض النظر عن الموقف تجاه القيادة الاردنية فان مافعلته عمان تجاه الحكيم هو فعل عظيم تستحق عليه عمان كل الشكر وكل الاعتذار طالما ان الحكيم قد رحل من دون ان يعتذر منها ومن ابنائها, وهي مناسبة ايضا لتقديم الاعتذار لشعوب لبنان والكويت والعراق جراء سياسات فلسطينية طائشة ومتهورة كان الحكيم الراحل في مقدمة صُناعها.
بقي شيء واحد وهو المديح الذي لاقاه الحكيم نتيجة لتخليه عن منصب الامين العام للجبهة الشعبية وهو الشيء الذي لم يسبقه اليه أحد آخر, والمطلعون على كواليس الوضع الداخلي للجبهة الشعبية يعلمون تماما ان الحكيم كان أمينا عاما فعليا للجبهة الشعبية حتى آخر يوم في حياته وتخليه الشكلي عن الامانة العامة يشابه الى حد كبير تخلي الرئيس الباكستاني برويز مشرف عن قيادة الجيش الباكستاني.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
6
انتهت المهلة
محمد عبد الجبار الشبوط
الوطن الكويت
تنتهي اليوم المهلة التي قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان مجلس الرئاسة منحها اياه لتشكيل حكومة جديدة او اجراء التعديل الوزاري. قبل اسبوعين قال المالكي في مقابلة تلفزيونية ان مجلس الرئاسة منحه هذه المهلة التي "انقضى منها اسبوع".
ربما لم يكن من الصحيح ان يلتزم المالكي باعلان رسمي علني عن موعد لتحقيق خطوة من هذا النوع، لصعوبة الالتزام باي موعد او جدول زمني في العراق بسبب الطبيعة المتغيرة والمتقلبة للاوضاع السياسية المضطربة فيه. لكن للمالكي سوابق في "الاستعجال" في اعلان امور او الادلاء بتصريحات يتضح لاحقا عدم دقتها او عدم صحتها او عدم سلامة البوح بها في وقتها. لكن يبدو ان الرجل لا يجيد الصبر على مثل هذه الاعلانات التي قد تكون مثيرة من الناحية الاعلامية، لكنها تصبح محرجة حتما له من الناحية السياسية.
تنتهي المهلة اليوم، دون ان تلوح في الافق امكانية تحقيق شيء ملموس على صعيد ترميم الحكومة العراقية فيما تبقى من اليوم السبت. وليس من الصعب معرفة سبب تعذر ذلك. فقد أخذ بعض الساسة العراقيين يتحدثون بصراحة الآن عما كانوا يحجمون عن كشفه في الماضي، وهو تسمية ذلك السبب، المتمثل بنظام المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية في اطار التوافقية التي اعتمدتها الطبقة السياسية، ضمن مفهوم الاستحقاق الانتخابي، وادت في نهاية المطاف الى اصابة الحكومة بالشلل والعملية السياسية بالجمود.
لن يكون من السهل تشكيل حكومة في العراق، بل قد يكون من العسير ذلك اذا بقيت الطبقة السياسية مصرة على ما تسميه استحقاقها الانتخابي، وهو مفهوم غير موجود في الانظمة الديموقراطية العتيقة بالشكل المطبق حاليا في العراق. تخضع عملية اختيار الوزراء الى شروط كثيرة، ليس في مقدمتها الكفاءة والنزاهة، ويكون في اغلب الاحيان من الصعب الجميع بين الشروط الكثيرة التي تضعها الكتل السياسية والخاصة بترجمة الاستحقاق الانتخابي ـبتصورهاـ الى تشكيلة حكومية. ولعل الحل الوحيد يكمن في التخلي عن نظام المحاصصة التوافقية في تشكيل الحكومة من جهة، والفصل بين الحكومة وبين التمثيل السياسي من جهة ثانية، والاكتفاء بالبرلمان باعتباره هيئة التمثيل السياسي الوحيدة من جهة ثالثة، او تشكيل مجلس توافق منتخب على اساس المحافظات لتحقيق هذا التمثيل.. يؤدي القيام بهذه الخطوات الى تحرير الحكومة من اي وظيفة سياسية وتحويلها الى هيئة ادارة وخدمات للبلد، مهمتها القيام بالوظائف التقليدية المهنية والتقنية للحكومات في اطار الدستور. وهذا يعني تشكيل حكومة تكنوقراط واختصاصيين، وليس حكومة سياسيين، حتى وان اصر البعض على ان الوزارة منصب سياسي قبل ان يكون منصبا فنيا. وحتى لو صح هذا القول في بلدان العالم، الا ان التجربة برهنت على ان الوضع مختلف في العراق، وان تسييس الحكومة يؤدي الى اعاقتها في وقت يكون البلد فيه احوج الى حكومة فاعلة وقادرة على الاشتغال.
يبقى على المالكي ان يتصرف اليوم. فاما ان يعلن للملأ صراحة لماذا لم يستطع ان يلتزم بالمهلة المحددة له، ويكشف الاطراف التي حالت دون تشكيل حكومة جديدة او ترميم الحكومة القائمة، او ان يطلب علنا تمديد الفترة، او ... ان يعلن استقالته واتاحة الفرصة لغيره للتصرف! تنطوي هذه الخيارت على احترام للمواطنين العراقيين الذين كانوا ينتظرون الحدث السعيد اليوم، والذي لم يتحقق. وهؤلاء يستحقون شيئا من الاحترام!!
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
7
: إلى متى يبحر العراق في بحر الدم؟
افتتاحية
الدستور الاردن
تفجيرات يوم امس ، والتي اودت بحياة العشرات ، هي جريمة تضاف الى الاف الجرائم التي وقعت في العراق ، خلال السنوات القليلة الماضية ، والتي اثمرت عن بحر من الدم ، بعد مقتل مليون عراقي ، خلال خمس سنوات ، هي عمر الاحتلال الامريكي للعراق.
هذه المذابح التي يتعرض لها العراق ، تأتي لتدمي وجه العراق وشعب العراق ، الذي يتعرض الى ابشع مذبحة دموية ، حيث ادت هذه المذابح الى تهجير الملايين ، وتجهيل ملايين الاطفال عبر حرمانهم من التعليم ، حتى وصل عدد الارامل في العراق الى مليوني ارملة ، جراء الحروب المتواصلة ، منذ عام 1990 ، وحتى يومنا هذا ، ويعني هذا الرقم ، ملايين الايتام الذين تم حرمانهم من حياة ، امنة طبيعية ، ومن حقوقهم ، مما يعني ان الاجيال المقبلة في العراق ، ستكون اجيالا محطمة نفسيا ، متضررة ، على كافة الصعد ، في بلد تحول فيه كنز النفط ، الى نقمة ولعنة ، حين تقتتل الامم على هذا الكنز ، ويدفع اصحابه الاصلاء ، اي الشعب العراقي ، الثمن من حياتهم واستقرارهم.
هذه المذابح ، ليس لها تبرير ، ولا يجوز ان يفكر احدنا ، ان لها تبريرا قوميا او شرعيا ، فما ذنب الابرياء في العراق ، ان يتعرضوا لهذه المذابح ، واي ارهاب يواجهه العراقيون اليوم ، وهل نسف البيوت والمحال التجارية ومراقد الصالحين من اهل البيت والحسينيات والمساجد ، هل في هذا خدمة للدين ، او للاسلام ، والله عز وجل في حديث شهير يقول ان هدم الكعبة الف مرة اهون على الله من قتل نفس بريئة ، فكيف والحال حين تؤدي هذه التفجيرات الى ذبح الشعب العراقي وسفك دمه واثارة الضغائن داخل مجتمع عربي ومسلم ، حتى اننا لم نعد نصدق ان هذه اليد التي تقتل هنا وهناك ، هي يد عربية او يد مسلمة ، فكيف تكون كذلك وهي تترك الاحتلال وقواته ، وتقوم بقتل الشعب العراقي ، تحت تفسيرات مختلفة ، والارجح ان غالبية هذه التنظيمات ، هي واجهات وهمية ، لجهات اخرى ، تريد الانتقام من العراق ، وان يستمر القتل والخراب ، وفي حالات اخرى يقوم الجهلة الضالون والمضلون بتبرير القتل تحت تفسيرات شرعية ، الاسلام منها براء.
اننا نحزن بشدة لما يجري في العراق ، من مذابح دموية ، فكل يوم تتحدث الاخبار عن عشرات القتلى والجرحى ، حتى بلغ عدد القتلى مليونا خلال سنوات ، حتى ان احد الجهلة اعتبر ان هذا طبيعي وان "الله ينتقم من العراقيين لانهم سمحوا للاحتلال بالدخول" وهو جهل لا جهل قبله ولا بعده ، فهل سمح العراقيون للاحتلال بالدخول ، ام كان للشعب العادي اي قدرة على رد آلته العسكرية ، او مقاومته ، واننا ما زلنا نغرق في بحر الغيبيات والاساطير والاوهام ، حين لا يفسر كل شيء ، كما يجب ان يفسر ، ونلجأ الى مهارب بعيدة كل البعد عن العقل ، وهذا البعد هو الذي اورثنا كل هذه المصائب والهزائم.
اننا نعلن تضامننا الشديد مع اهلنا في العراق ، سنة وشيعة ، عربا وكردا ، ولا نتمنى لهم الا الاستقرار والرفاه وان يخرجوا من بحر الدم هذا الذي ابحرت فيه مركبتهم ، وان يرفع الله الاحتلال عن العراق ، وان يعمل العقلاء في العراق على مقاومة هذا الارهاب الاعمى ، وان يتوقف كل عراقي عن قتل عراقي اخر ، وان لا يسمح العراقيون لاي قدم غريبة بجر العراق الى مذابح وتصفيات ومجازر ، وان يحنو العراقيون على بعضهم البعض وان يتذكروا دوما انها ارض العراق الواحدة الموحدة ، ارض العرب والمسلمين ، وان كرامة من رحلوا لا تكون الا بحفظ كرامة من هم على قيد الحياة ، وان الدم العراقي حرام.. حرام.. حرام ، على كل واحد فينا ، فما هو ذنب العراق وشعبه العظيم ان يتعرض لكل هذه الفوضى والظلم ، ايا كان مصدر هذا الظلم.
نحييكم ، اهلنا وشعبنا في العراق ، وان هذه المحنة لن تدوم طويلا ، فبعد الليل ، الفجر ، وعندها ستبزغ شمس العراق من جديد ، عظيمة ، مضيئة ، عربية ، على البيت العربي ، الذي عليه ايضا واجب نصرة العراق ومساعدته للخروج من هذه المحنة.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
8
من قال أن أميركا ( نمر من ورق)؟
محمد خرّوب
الراي الاردن
'على أميركا ان تحقق النجاح في العراق حتى لا يقولوا ان الولايات المتحدة ''نمر من ورق''، قال الرئيس الأميركي جورج بوش حرفياً قبل يومين في معرض استعراضه للوضع في بلاد الرافدين..
ولأن العبارة تلك، مثقلة بالمعاني والدلالات وخصوصاً التاريخية منها وبما تستدعيه من مواقف وسياسات واقوال وتصريحات حفلت بها حقبة الحرب الباردة وتحديدا في المعارك السياسية والدبلوماسية وايضا العسكرية التي دارت بين ''الامبريالية'' بما هي اعلى مراحل الرأسمالية في المرحلة ما قبل العولمة وبين الاشتراكية التي كانت برأسين (بكين وموسكو) ولكل منهما قراءتها الخاصة بكيفية تطبيق الاشتراكية وطرق المواجهة مع الرأسمالية فان منظري ''المدرستين'' ذهبا في طرق متباينة وسلوكات متنافرة لتحقيق الانتصار ''الاشتراكي'' الكامل على الرأسمالية والحاق الهزيمة النكراء بها كما قال ذات يوم نيكيتا خروتشوف..
ماوتسي تونغ، اطلق عبارته الشهيرة ''الامبريالية الاميركية نمر من ورق'' التي غدت شعارا للماويين طوال عقود طويلة، حتى استحضرها الرئيس ''التبشيري'' جورج دبليو بوش، وكأنها كانت تطارده في كوابيس الاحلام التي تؤرقه في منامه بعد الفشل الذريع الذي لحق بمشروعه ''الأممي'' الحرب على الارهاب ونظرية الضربات الوقائية، ومحاربة الارهابيين والدول الفاشلة على ارضهم حتى لا نضطر لمحاربتهم على الارض الاميركية.
الاتحاد السوفياتي لم يعد موجودا، انتصار الاشتراكية لم يتحقق، جزء كبير من التراث ''السوفياتي'' ذهب الى المتاحف.. كذلك هي الحال مع ماوتسي تونغ والاشتراكية الصينية التي رأت في نفسها الجدارة والأهلية لتطبيق الماركسية اللينينية بعيدا عن ''تحريفات'' موسكو وقراءاتها ومواقفها المهادنة للامبريالية.
والذي كان في عرف بكين ''نمر من ورق''، فتحت له الصين ''ابوابها'' من خلال دبلوماسية ''البينغ بونغ'' وخصوصاً في عهد ''ماو'' الذي استقبل بنفسه ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر، فيما كانت اميركا تلملم جراحها والهزيمة النكراء التي الحقها بها الفيتناميون في أقسى وافدح خسارة تلحق بالامبراطورية الاميركية بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، حيث كانت الحرب الباردة في اكثر فصولها سخونة واشتعالاً.
لكن الرئيس بوش يستعيد عبارة ماو من ''الكتاب الاحمر'' ويستدعيها للمثول بين يديه في بغداد.. وكأني به يقرأ النهاية التي لا يريد الاعتراف بها بل يريد ان يتركها قنبلة ''متكتكة'' في يد من سيخلفه (أو تخلفه) في البيت الابيض بعد عام من الآن.
فهل صحيح ان ثمة قناعة باتت سائدة الان في اروقة البيت الابيض وفي الدوائر الاميركية السياسية والحزبية ومراكز الابحاث والدراسات والمؤسسة العسكرية وغيرها من المؤسسات العملاقة ان اميركا هي بالفعل وبعد ما لحق بها من هزائم واهتزاز صورتها العنيف منذ الحادي عشر من ايلول هي نمر من ورق؟.
من المبكر نعي الامبراطورية الاميركية على هذا النحو التبسيطي والساذج والاعتقاد ان هزيمة لحقت - او هي في طريقها الى ذلك - بالولايات المتحدة في العراق وافغانستان وانهياراً كاملاً في مشروعها لدمقرطة الشرق الاوسط الكبير هو وحده الذي سيسقط واشنطن عن رأس الهرم الدولي وقيادتها المتفردة للعالم.
ليس كذلك الركود الذي يتسارع في اقتصادها وعدم تفاؤل الاقتصاديين والمحللين بأن خطة الانعاش الذي اقرها الكونغرس بمجلسيه وحزبيه الديمقراطي والجمهوري، كفيلة بتسريع لحظة الانهيار الامبراطوري الاميركي، وبالتأكيد ليس عجز الموازنة أو حجم المديونية الهائل الذي يكاد ان يقصم ظهر الاقتصاد الاميركي - والمصادفة التاريخية بأن صين ''ماو وحزبه'' هي اكبر دائن (او مشتر) للسندات الاميركية التي تمنح الاكسجين للاقتصاد الاميركي وتسهم - للمصادفة ايضا - في تمويل حروب بوش) هي التي ستحكم في القريب الوشيك على ان الولايات المتحدة الاميركية هي نمر من ورق.
لا احد يقلل من اهمية كل هذه القضايا في التعجيل بانتهاء ظاهرة القطب الواحد التي سمحت لواشنطن منذ العام 1991 بقيادة العالم على هذا النحو الطائش والارعن والاكثر فظاظة وتخل من منظومة القيم والمثل التي حاولت الادارات الاميركية المتعاقبة وخصوصا قبل وصول جورج بوش الى البيت الابيض، تسويقها في العالم في رداء من الدفاع عن حقوق الانسان والحريات العامة وحق تقرير المصير للشعوب ورفض التعذيب والاصطفاف الى جانب القانون الدولي والشرعية الدولية واتفاقية جنيف.
لكن كل ذلك سقط وانكشف، ولم تعد ادارة بوش قادرة على توفير البضاعة وهي باتت بلا رصيد سياسي أو أخلاقي او احترام عبر العالم كله، بعد ان جلبت كل هذا الخراب والدمار واطاحت بكل ما هو انساني واخلاقي وشرعي ومارست التعذيب على ابشع صوره وحصدت من كراهية شعوب العالم لسياساتها على نحو لم تكن عليه طوال قرن من الزمان، بل ان استطلاعات الرأي العام العالمية تقول ان الولايات المتحدة - ثم اسرائيل - تشكلان التهديد الاول للسلام والاستقرار في العالم اجمع، ولم يكن تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الاميركية يوم اول من امس، حول استمرار الولايات المتحدة في انتهاك حقوق الانسان الاساسية من خلال الابقاء على مراكز اعتقال سرية في الخارج واعتقال اشخاص بطريقة غير شرعية ومبررة استخدام التعذيب.. سوى بعض ما باتت عليه صورة الادارة الاميركية الحالية من بشاعة ولا انسانية ناهيك عن ''الكذب'' الذي يلازم ويطبع كل تصرفاتها ومواقفها.
لا احد يقول الآن ان اميركا ''نمر من ورق''، فما تزال تتوافر على قوة عسكرية ضخمة وغير مسبوقة في التاريخ، ولكن ''عمياء وغبية'' وما تزال تتوافر على اقتصاد وثروات وثقافة وامكانات علمية هائلة ومراكز جذب للاستثمارات والعقول وفرص عمل لكنها في طريقها الى الهزيمة ثم الانهيار على غرار ما حدث لكل الامبراطوريات عبر التاريخ التي لم تؤمن بغير القوة العسكرية طريقا لتحقيق اهدافها والتي لم يعرف قادتها ان للقوة حدودها وان ارادة الشعوب المستضعفة والفقيرة اقوى من كل الاسلحة والبوارج والغطرسة والاستعلاء وان لا طريق للبقاء على القمة سوى تطبيق مبادئ العدالة والمثل الاخلاقية والانسانية واحترام القانون الدولي وثقافات الشعوب وخصوصياتها.
Kharroub@jpf.com.jo
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
9
العنف في العراق وانسداد الأفق السياسي
افتتاحية
الاهرام مصر
عاد العنف ليضرب العاصمة العراقية بغداد مجددا‏,‏ وليلقي بظلال من الشك علي مدي فعالية الاستراتيجية الأمريكية الراهنة لمواجهة العنف‏,‏ والتي تعتمد بالأساس علي زيادة عدد القوات الأمريكية في بغداد والعراق عموما‏.‏ ويؤكد التفجيران الانتحاريان اللذان قامت بهما سيدتان أمس واسفرا عن مصرع‏72‏ وإصابة‏149‏ آخرين‏,‏ ان الورقة التي يلوح بها الرئيس الأمريكي جورج بوش علي الدوام والخاصة بنجاح قوات الاحتلال في خفض معدل العنف‏,‏ لم تعد تحظي بالمصداقية‏,‏ خصوصا مع تحذيرات عديد من الخبراء بأن العنف الذي كاد يودي بالعراق الي حافة الحرب الأهلية يمكن ان يعود من جديد ما لم يتم التعامل مع الأوضاع الراهنة في إطار أكبر يكون للبعد السياسي الدور الرئيسي فيه‏.‏
وإذا كان الرئيس بوش يفاخر في كل خطاباته وتصريحاته بما تحقق من تراجع للعنف في بغداد إلا أن ما لا يريد ان يعترف به هو أن الأفق السياسي مازال مسدودا تقريبا‏,‏ حيث تبدو عملية المصالحة السياسية بين الفئات المكونة للشعب العراقي بعيدة المنال‏.‏ ثم إن الإدارة الأمريكية‏,‏ في ذروة نشوتها بتراجع معدلات العنف‏,‏ تتغافل عن ان السبب الحقيقي للأزمة هو الاحتلال الأمريكي الذي لابد ان يكون هناك جدول زمني لإنهائه‏,‏ وهو ما ترفضه الإدارة بالطبع‏..‏ ويبدو ان الرئيس بوش ليس من الوارد اتخاذ قرار استراتيجي بشأن الوضع في العراق‏,‏ وانه سيظل يتمسك بموقفه الراهن الرافض لجدولة الانسحاب تاركا للرئيس الأمريكي المقبل مسئولية اتخاذ القرار‏.‏ وهذا يعني ان الاحوال في العراق ستظل هشة ويمكن ان تتعرض لنكسة عنيفة في حالة تكرار التفجيرات وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا نتيجتها‏.‏
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
10
الاحتلال.. نمر من ورق
افتتاحية
الجمهورية مصر
أعلن الرئيس الأمريكي بوش أمس أنه يسعي لتحقيق النصر في العراق حتي لا تتحول الولايات المتحدة الأمريكية الي نمر من ورق. متجاهلا انه دفع قواته لغزو الدولة العربية الكبري تحت مبررات غير مشروعة وأدلة مزيفة. وتسبب في قتل نحو مليون عراقي وتشريد أربعة ملايين آخرين وتدمير مدن بأكملها وسرقة ثروات الشعب العراقي بالاضافة الي مقتل وإصابة عدة آلاف من القوات الأمريكية والسائرة في ركابها.
يريد الرئيس بوش أن يثبت للعالم انتصاره في العراق بينما كل الدلائل تشير الي هزيمة منكرة ان لم يكن علي المستوي العسكري فعلي مستويات أخري سياسية وانسانية. لأن المذابح في العراق أعادت للعالم الوجه الأمريكي القبيح المسئول مباشرة عن مذابح ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام لاتزال تثقل ضمير الشعب الأمريكي حتي الآن. ومذابح أخري شاركت فيها مع اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخري التي فقدت عشرات الألوف من ابنائها بالسلاح الأمريكي الذي مازال يمد اسرائيل بأدوات القتل والإرهاب.
يتناسي الرئيس الأمريكي. وغيره من صانعي الحروب. أن القوة العسكرية لا تقهر إرادة الشعوب طويلا. وأن المقاومة قادرة بالفعل علي تحويل الطغاة الي نمور من ورق.

ليست هناك تعليقات: