Iraq News
























مواقع إخبارية

سي أن أن

بي بي سي

الجزيرة

البشير للأخبار

إسلام أون لاين



الصحف العربية

الوطن العربي

كل العرب

أخبار اليوم

الأهرام

الوطن

القدس العربي

الحياة

عكاظ

القبس

الجزيرة

البيان

العربية

الراية

الشرق الاوسط

أخبار العراق

IRAQ News




فضائيات



قناة طيبة

قناة الحكمة

قناة اقرأ

قناة الشرقية

قناة بغداد الفضائية

قناة البغدادية

قناة المجد

وكالات أنباء

وكالة أنباء الإمارات

وكالة الأنباء السعودية

المركـز الفلسطينـي

وكالة أنباء رويترز

وكالة الانباء العراقية


تواصل معنا من خلال الانضمام الى قائمتنا البريدية

ادخل بريدك الألكتروني وستصلك رسالة قم بالرد عليها

Reply

لمراسلتنا أو رفدنا بملاحظاتكم القيمة أو

للدعم الفني

راسل فريق العمل

إنظم للقائمة البريدية


اخي الكريم الان يمكنك كتابة تعليق وقراءة آخر عن ما ينشر في شبكة أخبار العراق من خلال مساهماتك في التعليقات اسفل الصفحة



Website Hit Counter
Free Hit Counters

السبت، 3 نوفمبر 2007

صحيفة العراق الالكترونية الافتتاحيات والمقالات 2-11-2007


نصوص الافتتاحيات والمقالات
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
1
أهي (مساهمة كردية) في نشر الفوضى البناءة؟!
جواد البشيتي
الوطن عمان
الأزمة الجديدة (المتفاقمة) في العلاقة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني (التركي) الذي لبعض من مقاتليه وقياداته وجود حصين لأسباب طبوغرافية في المقام الأول في المنطقة الحدودية من شمال العراق، والتي تنذر بالتحول إلى عمل عسكري واسع وكبير يقوم به الجيش التركي هناك للقضاء على هذا الوجود، ودرء مخاطره عن جنوب شرق تركيا المهم استراتيجيا والذي تقطنه أقلية قومية كردية، يمكن ويجب فهمها، في جانب من أهم جوانبها، على أنها امتداد للصراع الذي تخوضه (القوى العلمانية) التركية، وفي مقدمها الجيش والأحزاب المعارضة لما تسميه (أسلمة) الدولة التركية ومؤسساتها، ضد حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية والذي يحكم سيطرته على البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، فهذه القوى (العلمانية) المغلوب على أمرها، والتي أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة تضاؤل وزنها الشعبي، ترى في تفاقم الأزمة مع من تصفهم بأنهم (متمردون وانفصاليون) من أكراد تركيا تهيئة لمناخ سياسي داخلي، تشتد فيه وتقوي الروح أو العصبية القومية التركية، فيتغير ميزان القوى الداخلي لمصلحتها بعدما فشلت في تغييره على هذا النحو في مناخ (العصبية العلمانية)، وكأن الحرب مع حزب العمال الكردستاني (التركي) هو النافذة التي قد تتسع لتصبح في حجم باب، تعود عبره إلى السلطة التي قبلت على مضض انتقالها إلى خصومها.
ولا شك في أن تلك القوى العلمانية المغلوب على أمرها تتمنى وتريد وتتوقع أن تظهر حكومة أردوجان عجزا أو ضعفا سياسيا، يترجم بشيء من الإخفاق العسكري في الصراع ضد (المتمردين والانفصاليين) الأكراد الأتراك في شمال العراق، فيزداد الثقل السياسي الداخلي للمؤسسة العسكرية التركية، فيؤدي هذا مع تنامي الروح أو العصبية القومية لدى الشعب التركي إلى تغيير ميزان القوى الداخلي بما يسمح بـ(تحرير) الدولة ومؤسساتها من قبضة حزب العدالة والتنمية، الذي لا يملك من خيار، في الوقت الحاضر، إلا أن يكون، في موقفه من حزب العمال الكردستاني، قومياً أكثر من القوميين الأتراك الأقحاح.
وحزب أردوجان يحاول أن يستثمر موقف إدارة الرئيس بوش من تلك الأزمة، وطرائق حلها، بما يقويه في صراعه المستتر مع المؤسسة العسكرية والأحزاب التي تؤيدها وتدور في فلكها العلماني ـ القومي؛ ولسوف يحرص أردوجان في اللقاء الذي سيعقده مع الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض في الخامس من نوفمبر الحالي، على أن يجيء موقفه وقراره النهائي منسقاً قدر الإمكان مع الولايات المتحدة بوصفها القوة الدولية المسيطرة في العراق، وبما يلبي لحكومته حاجتين، الحاجة إلى أن تظهر نفسها أمام شعبها الغاضب قوميا على أنها قد فعلت الأفضل لدرء مخاطر حزب العمال الكردستاني عن الأمن القومي لتركيا، والحاجة إلى أن يأتي حل هذه الأزمة بما لا يترتب عليه تغيير في ميزان القوى الداخلي لمصلحة المؤسسة العسكرية والأحزاب التي تشاطرها وجهة النظر والموقف.
ولا شك في أن إدارة الرئيس بوش لن تتخلى عن ورقة حزب العمال الكردستاني بما يرضي حكومة أردوجان ويقويها في مواجهة خصومها الداخليين (الجيش والأحزاب المؤيدة لموقفه) إلا إذا عدلت تلك الحكومة وغيرت سياستها بما يرضي تلك الإدارة في بعض من ملفاتها الاستراتيجية الإقليمية، فقد سبق لأنقرة أن وقفت مواقف بدت فيها راغبة عن التعاون العسكري الذي تريده واشنطن.
إذا جاء أردوجان إلى البيت الأبيض بما يرضي الرئيس بوش فإن الولايات المتحدة يمكنها، عندئذ، أن تنسق مع تركيا ومع الحكومة العراقية في بغداد والحكومة الكردية الإقليمية حل الأزمة مع حزب العمال الكردستاني بما يرضي حكومة أردوجان، فهذه الأزمة إنما أريد لها أن تكون أزمة لحكومة أردوجان في المقام الأول، وأن تجعلها واقعة بين مطرقة المؤسسة العسكرية والأحزاب المتحالفة معها وسندان إدارة الرئيس بوش التي تستعد لمزيد من الصراع الإقليمي، ويهمها، بالتالي، أن تطمئن إلى أن حكومة أردوجان لن تقصر عن مد يد العون والمساعدة لها.
أما إذا لم تحل تلك الأزمة بما يقنع أنقرة (وأنقرة العلمانية ـ القومية في المقام الأول) بانتفاء الحاجة إلى عمل عسكري كبير يقوم به جيشها هناك فإننا سنشهد عما قريب مساهمة كردية في نشر مزيد من (الفوضى البناءة) على المستوى الإقليمي، وليس في داخل العراق وتركيا فحسب.
لقد اقترح رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، والذي فيه من سلطات وصلاحيات وخواص (الدولة) ما يجعله (حكماً ذاتياً) في الشكل ليس إلا، ما يشبه الحل؛ ولكن اقتراحه وقع على أسماع تركية لا تشبه سمعه. كان اقتراحه، الذي رفض فيه رفضا باتا تسليم أي عضو من أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى السلطات التركية، يقوم على منع مقاتلي الحزب من القيام بأعمال عسكرية عبر الحدود ضد تركيا، فإذا قاموا يقوم بـ(طردهم) من الإقليم. وكان ممكنا أن يكون اقتراحه إيجابيا أكثر (بالمعيار التركي على الأقل) لو أنه ضمنه استعدادا لـ(التفاهم) مع حزب العمال الكردستاني على نقل قياداته ومقاتليه من تلك المناطق الحدودية الجبلية الوعرة الحصينة إلى مناطق من الإقليم بعيدة عن الحدود مع تركيا، وأن يصبحوا في أحوال تحول بينهم وبين القيام بأعمال عسكرية ضد الجار التركي. وقبل هذا الاقتراح أعلن البرزاني، وغيره من القيادات الكردية، أن البشمركة ستقاتل الجيش التركي، دفاعا عن إقليم كردستان، إذا ما أرسل إلى شمال العراق للقضاء على الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني في حصونه الحصينة هناك. ومن الوجهة العسكرية الصرف، لا يستطيع الجيش التركي الوصول إلى حيث يتحصن مقاتلو الحزب من غير أن يحاصرهم في تلك الجبال الوعرة؛ ولا يستطيع القيام بهذا الحصار من غير أن يخضع لسيطرته مناطق مجاورة تسيطر عليها الحكومة الكردية.
وإذا حدث ذلك، واحتل الجيش التركي أجزاء من إقليم كردستان، توصلاً إلى القضاء على الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني هناك، فإن هذا (الاحتلال الجديد) سيكون لأراضي دولة (العراق) يحتلها حليف تركيا وهو الولايات المتحدة. أما عاقبة هذا الاحتلال التركي فقد تكون تفجير صراع جديد بين تركيا وأكراد العراق، مع احتمال تفجر صراع في داخل تركيا نفسها بين الحكومة (والأتراك) وبين نحو 15 مليون كردي (هم غالبية الشعب الكردي) يقطنون منطقة جنوب شرق تركيا ذات الأهمية الاقتصادية الاستراتيجية. ثم أن مدينة كركوك ذات الأهمية النفطية الاستراتيجية يمكن أن تكون هدفا من الأهداف غير المعلنة للحملة العسكرية التركية.
وإذا بدت الولايات المتحدة، مع المجتمع الدولي، غير قادرة على فعل شيء لمنع أنقرة من القيام بمثل هذا العمل العسكري الكبير مع ما يمكن أن يتمخض عنه من نتائج فإن طهران يمكنها، مستقبلا، أن تحارب (المتمردين) من أكرادها، والذين أسسوا وجودا لهم في داخل الأراضي العراقية، في الطريقة التركية ذاتها.
في محادثاته المهمة مع الرئيس بوش في البيت الأبيض في الخامس من تشرين الثاني المقبل قد يتنازل أردوجان عن مطلب تسليم أعضاء من حزب العمال الكردستاني إلى السلطات التركية؛ ولكنه لن يتخلى عن شروط أخرى للعدول عن خيار الحرب، فهو سيصر على إبعاد مقاتلي (الحزب) عن معاقلهم الجبلية القريبة من الحدود، وعلى التزام الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان منع مقاتلي (الحزب) من القيام بأي عمل عسكري عبر الحدود ضد تركيا، وطردهم من الإقليم (ومن العراق عموما) إذا هم لم يلتزموا، وعلى قيام قوة عسكرية مشتركة من الولايات المتحدة والعراق وإقليم كردستان ببسط سيطرتها على حدود العراق مع تركيا.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
2
شجاعة تحت النار.. يحكين حقيقة العراق لمن يجهلها
ترودي روبين
الوطن عمان
التصورات الموجودة لدى الأميركيين عن العراق غالبا ما تأتي مرسومة داخل إطار مشاهد العنف المريع والقليل هم الذين يشغلهم صور الشجاعة والإنسانية للعراقيين الذين يعيشون جحيم الحرب.
وكم اتمنى لو استطاع الملايين أن يشاهدوا الحفل الأخير الذي نظمته مؤسسة الإعلام الدولية للمرأة عندما قدمت جوائزها لعام 2007 لـ(الشجاعة في الصحافة) وحصلت عليها ست صحفيات عراقيات ممن خاطرن بحياتهن بالعمل في مكتب مؤسستنا الصحفية في بغداد (كما تم تكريم صحفيات من إثيوبيا وزيمبابوي أيضا).
بيد أنه لم يجر بث حفل التكريم أو نشر صور له وذلك خشية ان يتم التعرف على وجوه هؤلاء الصحفيات عند عودتهن إلى بغداد ومن ثم يصبحن هدفا مؤكدا للارهابيين لعملهن مع الأميركيين. وكان زوج إحدى الصحفيات وابنتها البالغة من العمر خمس سنوات قد لقيا مصرعهما بعد أن تعرضا لإطلاق النار للسبب نفسه وهي تعيش الآن في الولايات المتحدة. وصحفية أخرى من بين اللاتي تم تكريمهن تعيش مختبئة لأنها كزميلاتها تحت التهديد.
وأنا أعرف الصحفيات الست حيث أنني أعمل معهن في مكتب الصحيفة هناك عندما أكون في زيارة لبغداد. وأغتنم الفرصة لأخبركم قليلا عن إحداهن وهي سحر عيسى التي تسلمت الجائزة للمجموعة. فهي تتمتع بقدر عال من الإعتزاز بالنفس والهدوء كما انها تجيد اللغة الإنجليزية بسلاسة. وعندما عملت معها في يونيو الماضي في بغداد لم أستطع أن أستوعب قدرتها على المثابرة والاستمرار.
فخلال الحرب والعنف فقدت ابنها عندما كان يمر بدراجته في شارع كان يشهد اشتباكات دامية كما فقدت أخاها أيضا. وهي تكافح لرعاية أسرتها وسط المعاناة من الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربي طول اليوم فيما عدا ساعتين الى جانب عدم توفر المياه. وتضطر أن تظل مستيقظة في الليل تحاول أن تلطف درجة الحرارة على الصغار أثناء نومهم بالتهوية اليدوية. وفي كل يوم مع ذهابهم الى المدرسة ينتابها شعور بالقلق أنهم قد لا يعودون.
وفي أوائل العام الجاري كان عليها الذهاب الى المشرحة للتعرف على جثمان ابن أخت لها حيث ان النساء يذهبن في الغالب لأنهن أقل عرضة للخطر عن الرجال. وكان عليها مع والدة الصبي وخالته أن يبحثن بأيديهن وسط الأشلاء المتناثرة لكي يعدن بجثة الصبي.
وعلى الرغم من كل تلك المعاناة الا انها حزمت رأيها ان تعمل كصحفية خلال فترة الحرب وهي المهنة التي تجعلها وزملاءها أكثر عرضة للمخاطر خاصة إذا ما عملوا مع الأميركيين. ووفقا لما تذكره لجنة حماية الصحفيين فقد لقي 121 صحفيا عراقيا مصرعهم خلال تأديتهم لعملهم في العراق منذ 2003.
وقبل أيام سألت سحر عن السبب الذي دفعها لتجشم عناء تلك المخاطرة وكان جوابها: الامر يمثل الشيء الكثير بالنسبة لي فليس كل الأميركيين يعرفون المجتمع العراقي وعلينا أن ننقل صوتنا وان نثبت لهؤلاء الذين يمكنهم التأثير في صنع القرار اننا بشر وأن جميع البشر سواسية.
ومن خلال كتابتها في موقع الصحيفة تأكد لديها من خلال التعليقات التي تقرأها ان الاميركيين لا يعرفون سوى القليل عن العراق. وهم لا يعرفون مثلا أن العراق كانت في يوم مضى رائدة العالم العربي في تعليم المرأة قبل الحروب وقبل العقوبات وان الاحتلال الأميركي قد أعاد المرأة الى الوراء. وكل من سحر ووالدتها حاصلتان على مؤهل جامعي وهي مكاسب أدارت لها الاحزاب الدينية الحالية ظهر المجن.
وقالت إنها تريد أيضا من الأميركيين أن يدركوا ان العنف الطائفي في العراق ليس محوره هو الدين ولكنها السياسة. ولتصحيح مثل تلك التصورات الخاطئة تتمسك سحر بعملها في الصحافة التي تؤكد أن أحدا لن يقوم بذلك لهم سواهم. وعلى الرغم من أن أبناءها فخورون بها إلا أنها عندما غادرت الى الولايات المتحدة أوصاها ابنها ألا يتم التقاط صور لها.
وأثناء الاحتفال سألها مراسل الـ(سي ان ان) عن كيفية تعاملها مع الخوف فأجابت: كل يوم قد يكون هو آخر يوم في حياتي. والعيش وسط الخوف بات امرا معتادا في العراق وهو امر لا يقتصر على الصحفيين. فعندما نذهب لزيارة الأقارب او الى المدرسة او المتجر لا نعرف ما إذا كنا سنعود أم لا. ودائما يكون حالي أنني عندما اذهب الى عملي أفكر في أنني قد أديت الصلاة التي قد تكون الأخيرة لي.
والشيء الذي لم تذكره سحر أن شجاعة الصحفيين العراقيين نساء ورجال تلعب دورا جوهريا للمراسلين الأميركيين الذين يعتمدون عليهم للوصول الى الأماكن التي لم يعد بوسع الاميركيين الوصول اليها. ومع أن سحر ترغب في البقاء في العراق إلا ان الصحفيين العراقيين الآخرين يجدون أن الخطر أصبح يفوق الاحتمال. ومما يثير الدهشة ان عددا قليلا للغاية منهم هم الذين تمكنوا من الحصول على اللجوء السياسي في الولايات المتحدة. والمؤكد ان أميركا مدينة لشجاعة هؤلاء الصحفيين الذين قدموا لنا أكبر المساعدة. والتكريم الأخير من مؤسسة الإعلام الدولية للمرأة لهؤلاء الصحفيات على شجاعتهن يستحق التهنئة.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
3
مصير العراقيين الذين يسعون إلى ملاذ آمن يزداد كآبة
حنا علام
الوطن عمان
اعلنت وكالة اللاجئين التابعة للامم المتحدة هذا الاسبوع ان نحو 4.5 مليون عراقي قد غادروا العراق الى بلد اخر او نزحوا داخله. واعلن احدث تقرير للوكالة ان ألف عراقي لا يزالون يغادرون منازلهم كل يوم سواء من اجل الامن النسبي للمنطقة حسب الطائفة التي تقطنها داخل العراق او لتجريب حظهم في العبور الى سوريا او الاردن اللتين يوجد بهما بالفعل ما يقدر بـ2.2 مليون لاجئ عراقي الان. بمعنى اخر ان الانخفاض الاخير في الهجمات الكبيرة لعناصر المقاومة لم يعمل الكثير في وقف تدفق اللاجئين العراقيين.
وتأتي الاخبار الاكثر سوءا بشأن العراقيين الذين يسعون بشكل يائس للحصول على ملاذ لهم من سوريا التي كانت حتى عهد قريب هي البلد العربي الوحيد الذي يسمح بدخول العراقيين دون تأشيرة.
اما الان فتفيد تقارير بان سوريا تغلق حدودها امام اغلب العراقيين وتفرض قواعد تأشيرة جديدة يمكن ان تسفر عن ترحيل نحو 1.5 مليون ونصف المليون لاجيء. ويحاول كثير من اصدقائي العراقيين في دمشق ان يظلوا متفائلين بان سوريا يمكن ان ترضخ لضغط الامم المتحدة وتحجم عن البدء في عمليات الترحيل في الوقت الذي يذكر فيه اخرون ان التذكرة في اتجاه واحد الى بغداد من السهل الغاؤها من خلال العبث بها.
في هذا الاسبوع لمست الذعر الكبير الذي ينتاب اغلب العراقيين بشأن ما يمكن ان يعملوه اذا وجدوا انفسهم مجبرين على البقاء في بغداد او تم اعادتهم قسرا الى وطنهم الجريح من دمشق او عمّان. وعلى مدى أربعة ايام أسمع من عدد من اصدقائي الذين يسعون الى سبل للخروج من العراق.
وهؤلاء الاصدقاء الذين يسعون للخروج من العراق باي سبيل هم من خلفيات مختلفة سنة وشيعة، اغنياء وفقراء ومهنيين وعمال، غير ان فحوى الحوار كان واحدا. حيث يبدأون بالتهنئة بالعيد واستفسارات مهذبة عن طقس القاهرة ثم المناشدات والاستغاثات السكلى بالدموع بما اذا كنت تستطيع ان تساعدهم في الحصول على تأشيرات بحيل ملتوية لمصر.
والمثير للحزن ان الاجابات تكون بلا. وابلغتهم باني قد حاولت عمل ذلك لفريق عملنا في بغداد. حيث زرت انا وزميلي المصري وزارة الخارجية وتم ابلاغنا بان مصر تغلق حدودها امام العراقيين حاليا لان الكثير منهم قد دخلوها عن طريق تأشيرات زيارة ولم يغادروها. وان ضواحي القاهرة مثل 6 اكتوبر ومدينة نصر يغمرها اللاجئون العراقيون والذين اغلبيتهم من السنة الذين غادروا العراق مبكرا باموالهم ومدخراتهم.
وفي قليل من حالات لجأنا الى طرق غير رسمية.. حيث عرض صديق حميم وهو رجل اعمال عراقي ثري يعيش في القاهرة منذ 16 سنة عرض توفير رعاية لعدد من زملائنا العراقيين من خلال ادراجهم كموظفين في شركته للبناء بغية جعلهم يحصلون على تأشيرات عمل. ولجأ الى سبل ملتوية وقام باختلاق مسميات وظيفية للموظفين الذين لم يلتق بهم ابدا.
لكن للاسف كان الطريق مسدودا حيث انه يتعين على الشركات الكبيرة العاملة في مصر ان تملأ حصة معينة من العمال المصريين قبل ان تستطيع جلب عمالة من الخارج وانه ليس لرجل الاعمال هذا ما يكفي.
ومرة اخرى حكيت هذه القصص هذا الاسبوع لاصدقائي على الجانب الاخر من خط الهاتف من العراق.. حيث خلال جلوسي في مكتبي الفخم كنت اشعر بالاصوات الذاهلة وهي تثير الحزن في اذني عندما كنت اصغي لوليد ومصعب ورنا ومحمد وكثيرين غيرهم. (اتمنى لو كنت استطيع عمل شيء. فانت تعرف انني لو استطيع عمل اي مساعدة بعد المساعدة الكبيرة التي قدمتها لي في بغداد ما تأخرت عليك بها. ونحن لم ننساك صدقني. واذا وجدت اية فرصة...)
وكان لهؤلاء الناس فضل كبير في مساعدتنا في نقل الاخبار لمؤسستنا الصحفية في اميركا من الخطوط الامامية. ولم يكن هناك غضب على الاطلاق على الطرف الاخر من خط الاتصال سوى مقولة (لا) التي تأبى ان تفارق العراقيين حاليا وذلك بترديد لا أمن ولا كهرباء ولا مدارس ولا سنة ولا شيعة. وتنتهي المحادثة بشكل لا يتغير بالتنهيدات الطويلة والتعبير العراقي المشهور(شي نسوي؟ الله كريم).
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
4
المشكلة الكردية ليست مشكلتهم
افتتاحية
لوس انجليس تايمز
جرت العادة على ان المشكلة الكردية هي مشكلة تخص كلا من تركيا وسوريا وإيران والعراق. لكن الغزو الامريكي للعراق جعلها تتحول الى مشكلة امريكية وأصبحت مشكلة مزعجة في الآونة الاخيرة.
ومن المؤكد ان الفشل في اخماد الارهاب الكردي قد يؤدي في نهاية المطاف الى انهاء 50 عاما من العلاقات القوية بين الولايات المتحدة وتركيا. ولا شك ان الولايات المتحدة تحرص جيدا على هذه العلاقة لما لتركيا من اهمية لواشنطن في الشرق الاوسط والدولة المسلمة الوحيدة في حلف الاطلسي (الناتو) وهي حليف مهم في افغانستان وطريق رئيسي
الى العراق. ان تركيا تشعر بالغضب الشديد من الولايات المتحدة حتى قبل موافقة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب على مشروع قرار يدين تركيا عن اعمال الابادة الجماعية للارمن في الحرب العالمية الاولى. ومن المستحيل ان تعطي واشنطن على الارجح لانقرة كل ما تريد ولكن هذه فرصة طيبة لإعطاء تركيا شيئا ما. صحيح ان البرلمان التركي رفض السماح للقوات الامريكية باستخدام اراضي تركيا اثناء غزو العراق.
وصحيح ان الاتراك الذين كانوا ذات يوم اقوى الحلفاء اصبحوا حسبما تشير استطلاعات الرأي هناك اكثر سكان الشرق الاوسط مناهضة للولايات المتحدة .
وصحيح ان القمع التركي التاريخي للاكراد جعل الامور تتفاقم تماما بسبب رفضها التفاوض مع الارهابيين مما افسد الحلول السياسية. لكن المخاوف التركية مشروعة. فقد كثف متمردو حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه وزارة الخارجية الامريكية على انه منظمة ارهابية من الهجمات على تركيا من معاقله في شمال العراق . واستشاطت تركيا غضبا من ادعاءات الجيش الامريكي بانه لا يملك شيئا
لمنعهم . وكان الرئيس الامريكي جورج بوش وعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في عام 2004 ببذل جهود اكبر لمنع حزب العمال الكردستاني من دخول كردستان العراق. ولكن في الشهر الماضي وحده تمكن
حزب العمال الكردستاني من قتل 25 جنديا تركيا على الاقل الى جانب 12 مدنيا.
ويمكن اعطاء العذر لانقرة في شكواها بان طلب بوش للدول (بان تكون اما معنا او ضدنا) في الحرب ضد الارهاب ليس اجراء متبادلا.
ولهذا فعندما وافق البرلمان التركي الشهر الماضي على التفويض باستخدام القوة العسكرية في العراق لم ينكر المسؤولون الامريكيون حق تركيا في ذلك.
لكنهم تمنوا بصوت مرتفع ان تقرر تركيا انه ليس من مصلحتها غزو شمال العراق. لكن صبر تركيا تجاه الوعود الامريكية بدأ ينفد. لقد عارض الجنرال ديفيد بتريوس قائد القوات الامريكية في العراق مرارا تحويل القوات الامريكية الاضافية في العراق (30 الف جندي) للقيام بمهمة ربما محكوم عليها بالفشل ضد متمردي حزب العمال الكردستاني المتحصنين منذ عقود بين سكان يقدمون الدعم لهم في اكثر المناطق وعورة بالشرق الاوسط. لكن الولايات المتحدة تستطيع على الاقل الضغط على الزعماء الاكراد لتطهير مناطقهم او تجنب نشر قوة خاصة امريكية مهمة المشاركة في عملية مطاردة لاعتقال قادة حزب العمال الكردستاني فهل ستكون سلطات اقليم كردستان اكثر رغبة في التحرك اذا علمت ان الولايات المتحدة وتركيا تخططان لعملية مشتركة ضد الملاذات الامنية للحزب؟ هذا ما سوف تكتشفه واشنطن .
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
5
القطة الكردية على الصفيح الساخن
محمد المختار الفال
الوطن السعودية
ظلت القضية الكردية جمرة حية تحت رماد القوة والتقاء مصالح الجيران لكنها تتقد حرارتها ويزداد وهجها عندما تهب رياح خلافات المنطقة حين تغذيها المطامح الإقليمية والمطامع الدولية.
كان الأكراد - على مدى عقود - يتطلعون إلى الوحدة الكردية والدولة الحلم .. بذلوا في ذلك الجهد والعرق والدم، وكانت تصد طموحاتهم مصالح الجوار والخوف من قيام كتلة متجانسة صماء في منطقة غنية وعرة وتأثير ذلك على الكيانات المجاورة ووحدتها.. ولم يجد الأكراد كثيرين يؤيدون هذا الحلم لأنه معارض لطبيعة الدولة الحديثة التي لا تقوم على العرق أو الدين.. ومنذ تقليم أظافر نظام صدام حسين، بعد حرب الخليج الثانية، وبروز إقليم شمال العراق الكردستاني كوحدة سياسية تتمتع باستقلال غير مكتمل عادت "روح" الاستقلال إلى نفوس الكثير من الأكراد ومرة أخرى تراءى الحلم القديم وزاد من حرارته رعاية الدولة الكبرى، التي أرادت أن تجعل من هذا الإقليم نقطة تتحرك منها وعليها أجهزتها الاستخباراتية وعناصرها العسكرية بالتعاون مع الحليف الاستراتيجي إسرائيل الذي ضخ الأموال وجلب التقنية وتولى الإشراف على تدريب العناصر الأجنبية والمحلية التي تمكنه من تنفيذ مخططاته حتى أصبح هذا الإقليم "دولة" لها علاقاتها ومصالحها خارج إطار "العراق الموحد".. وازدادت هذه البرامج وشاعت علانيتها بعد دخول القوات الأمريكية بغداد عام 2003 وبعد صدور دستور "بريمر" وما تلاه من انتخابات واستفتاءات كرست مبدأ استقلال الإقليم على أرض الواقع حتى وإن ظل يعلن تمسكه بوحدة العراق الفدرالية.
وفي هذه الأيام تدخل القضية الكردية مرحلة جديدة من حياة "الحلم" فهناك "دولة" تتمتع بشبه الاستقلال في شمال العراق تشكل للأكراد، جميعاً، عمقاً لوجستياً ورافداً روحياً وغطاء سياسياً، وهناك محيط يتآكل: العراق بفعل المحتل وبرامج التقسيم وتدمير الإرهاب، وسوريا التي تواجه مشاكل داخلية وضغوطاً خارجية هي ثمرة لسلسلة من الأخطاء ليس هنا المجال لتفصيلها.. وهناك إيران ذات الطموح الإقليمي المتحرك بصورة ديناميكية تتفاعل مع الأحداث بنفعية مكنتها - حتى الآن - من التعامل مع خصومها الاستراتيجيين متى كانوا قادرين على تحقيق مصالحها أو جزء منها. وأفضل شاهد على هذه السياسة النفعية تعامل عناصرها الأمنية في العراق مع القاعدة رغم التعارض الكبير بين الطرفين.
إذا الأكراد - في عمومهم - يعيشون في هذه المرحلة من تاريخهم مرحلة الحلم أو التطلع بحماس للامساك برأس خيط نسيج هذا الحلم والالتفاف حول "عمود" القومية الكردية رغم ما تسمعه من كلام دبلوماسي يصدر عن ساسة أكراد.. وأبلغ ما سمعته من كلام يعبر عن الإحساس بالقومية والدفاع عنها واستدعاء قيمها ومفاخرها ونخوتها كلام الرئيس العراقي جلال طالباني في رده على الصحفيين في معرض حديثه عن النزاع التركي الكردي،حين قال إن تسليم عناصر حزب العمال الكردي "حلم لا يمكن تحقيقه" . وقال باللغة الكردية "نحن لن نسلم رجلاً كردياً إلى تركيا .. بل لن نسلم حتى قطة كردية" .. وقد حرص على أن يتحدث باللغة الكردية رغم أن الصحفيين لم يكونوا أكراداً كلهم وكأنه أراد أن يسمع كل الأكراد رجالاً ونساءً وأطفالاً هذا التصريح "الرجولي" الذي يعبر عن روح الممانعة ورفض الخضوع ووقوف كل الأكراد صفاً واحداً ضد من يهدد سلامتهم وكيانهم. فهل يتمكن الأكراد من استثمار واقع الإقليم لتوسيع دائرة الدولة الحلم والوقوف خلف أدواتهم العسكرية، حزب العمال الكردستانيPKK ، بعد أن أصبح الجزء الكردي العراقي في مأمن؟ وما هي الصعوبات والعقبات أمام هذا الحلم الذي يراه بعض دول الجوار كابوساً يقلق المنام؟.
أولى العقبات أمام طموح الأكراد تتجلى في مواقف المستفيدين من دخول القوات التركية إلى شمال العراق لسحق عناصر حزب العمال والقضاء على قوته ومن هؤلاء المستفيدين يمكن الإشارة إلى:
1. المستفيدين المحليين من الأحزاب الكردية في شمال العراق التي ضاع صوتها وتعاني من سطوة وسيطرة حزب البارزاني وحزب طالباني اللذين أصبحا من القوة والنفوذ ما جعل الناس يعتقدون أنهما القوتان الوحيدتان الموجودتان على أرض كردستان العراق و كسر شوكة حزب العمال الكردستاني فيه إضعاف معنوي وعملي لهاتين القوتين اللتين تعلنان صراحة رفضهما لتسليم العناصر المحاربة لتركيا.
2. سوريا التي يؤرقها تنامي القوة الكردية في شمال العراق ويزيد من قلقها نشاط حزب العمال الكردستاني الذي قد يستخدم من أطراف أجنبية (الولايات المتحدة الأمريكية) لدفع أكراد سورية إلى المشاغبة على وطنهم في حالة اتخذت الولايات المتحدة أو حليفتها إسرائيل قرار زعزعة الأمن في سوريا، ثم الهاجس الاستراتيجي الذي تقاومه دول الجوار ووقوفها في وجه احتمال قيام دولة كردية.
3. الإيرانيين الذين بدأوا، منذ أسابيع، يوجهون ضربات عسكرية إلى الأكراد في شمال غربي إيران دون ضجيج.. ورغم أن إيران تعلن رسمياً عدم تأييدها لتوجيه ضربة عسكرية تركية للأكراد في شمال العراق، إلا أنه لا يزعجها تحجيم النشاط والطموح الكردي، وقد يفهم هذا الموقف الإيراني المعلن ضمن حسابات مرحلية لها علاقة بسياستها ونفوذها في العراق الذي ينصب، في مجمله، على التنازع مع الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى الإقليم.
4. العشائر العربية (شيعة وسنة) المناهضة لتقسيم العراق التي ترى في تحقيق الحلم الكردي مشروع انفصال شمال العراق عن بقية أجزاء الوطن الأمر الذي سيدفع عناصر أخرى لها طموحات محلية بدعم قوى إقليمية، إلى المضي قدماً في تفتيت الدولة العراقية ذلك الحلم الذي تخطط له قوى دولية ترى في تفتيت دول المنطقة أسلوباً للسيطرة عليها وارتهان الكيانات الناشئة إلى قوى إقليمية توفر لها الحماية ويوفرون لها السيطرة والأسواق المفتوحة.
إذا كان ما أشرنا إليه بعض العقبات فما هي المحفزات المشجعة على الاستمرار في هذا الحلم واستثمار الظروف لتحقيق بعض أجزائه؟.
لعل الولايات المتحدة تأتي في مقدمة الحريصين على إبقاء الحلم حياً وحتى يكون كذلك لا مانع من تحقيق بعض أجزائه أو، على الأقل، إبقاء إمكانية تحقيقه حية في نفوس الأكراد ليكونوا جزءاً من أدوات ووسائل "الإمبراطورية" وخططها لترتيب أوراق المنطقة، وبشكل محدد لا ترى الولايات المتحدة دخول حليفتها تركيا في شمال العراق لسحق حزب العمال الكردستاني وإضعاف روح الاستقلال لدى الأكراد لأن ذلك يؤثر سلبا على مشروع " تقسيم" العراق الذي بات مطروحاً بصورة علنية في أروقة السياسة الأمريكية وربما يكون من أهدافه الضغط على بعض الأطراف الإقليمية لتسهيل القضايا العالقة والمرتبطة بالحالة العراقية .. ويلتقي الموقف الأمريكي المساند لتقوية روح الاستقلال لدى الأكراد، مع موقف إسرائيل وما تمثله من موقف الصهيونية العالمية التي من استراتيجياتها العمل على تفتيت المنطقة على أساس الأعراق والأديان والطوائف حتى يفقد المناوئون لها اتهامها بالدولة العنصرية القائمة على وحدة الدين.
هل تنجح المخاوف والهواجس من قيام الدولة الكردية في مقاومة عوامل تحفيز وتشجيع النشاط الكردي على المسرح الإقليمي أم أن تعارض المصالح بين دول الإقليم يضعف مقاومتها للخطط الأمريكية التي يبدو أنها لا ترى الضغط - إلى قدر معين - على الأكراد في هذا الظرف؟.
الذي يمكن قوله من واقع المتابعة أن الموقف الأمريكي يحرج الحليف التركي ويضعف احتمال قيام تحرك فاعل من دول المنطقة لمواجهة" الطموح" الكردي في هذا الظرف ، لكن اللافت للنظر ارتفاع بعض الأصوات العربية تعارض دخول تركيا إلى شمال العراق، ليس لأنها حدود دولية لا يجوز الاعتداء عليها ولكن بحجة أن ذلك يضعف إقليم كردستان العراق، وهذا يعني زيادة حالة الانقسام والهشاشة التي تمر بها الدولة العراقية. فهل هذه أصوات عربية أم هي أصداء تعكس منظومة الدعاية الأمريكية؟
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
6
قديم وجديد الغزو والتقسيم
راكان المجالي
الدستور الاردن
لم تخرج المجاميع العربية عن بكرة ابيها او امها ، منددة بقرار الكونجرس الامريكي المعلن ، وغير الملزم للادارة السياسية بتقسيم العراق.. ولم تشجب الحكومات العربية بشكل جدي قرار الكونجرس العتيد ، ولم تحرق المعارضات العربية الارض تحت اقدام الغزاة الرافعين راية التقسيم لقطر عربي موحد.. باختصار لم يحدث شيء من كل القوى المنظمة وغير المنظمة في الوطن العربي ، بيسارها ويمينها ، بارهابييها ودعاة سلمها.. بمعنى ان القاعدين في مكاتبهم في الكونجرس الامريكي في واشنطن لم يصلهم اي رد فعل حقيقي بالممانعة..
ما معنى ذلك؟ بل واكثر من ذلك: كيف يمكن الادعاء بان الامريكيين مخطئون؟ من السهل الادعاء بان الامريكيين لا يفهمون المنطقة وثقافة شعوبها. ومن الاسهل التبجح لتبرير ذلك بالاتكاء على اشكال من الفشل الجزئي للسياسة الامريكية ولقواتها العسكرية بل وربما الاكثر مأساوية وحزنا هو التواكل على يقين ثابت لا يتغير مهما تغيرت الاحداث حول مصائر المنطقة ، في حين ان الطامحين واصحاب المصالح فيها يغيرون سياساتهم كل يوم مستفيدين من اخطائهم ، مهما بلغت كلفتها.
ما زلنا مطمئنين الى يقين صاحب «شخصية مصر» وعبقرية المكان والجغرافيا ، والى قدرتها على ابقاء مصر «اما للدنيا».. لم ندرك بعد ان جمال حمدان ، حين كان يكتب عبقرية المكان المصري جغرافيا واجتماعيا وانثرولوجيا ، كان السودان ينفصل عن مصر ثمنا لاستقلالها ، يشكل في عالم ما بعد الحرب العظمى الثانية اخر جنوب للعرب في افريقيا.. ليتلهى الجميع بعدها بمفهوم نحت على عجل: «الشرق الاوسط» بعد ان ازاح البريطانيون من طريق هذا المفهوم مفهوما اقدم «الشرق الادنى» وذلك ببساطة وفقط استنادا الى تحديد المنطقة العسكرية التابعة لقيادة الجيش البريطاني في القاهرة ، والتي كانت تشمل المنطقة التي تقطنها شعوب عربية تمتد من مصر الى العراق ، ومن سوريا الى شبه الجزيرة العربية.. هذا هو الشرق الادنى وهو ما تم اعادة تسميته بعد الحرب العالمية الثانية يضم البلاد التي يشكل المسلمون معظم سكانها: من مراكش حتى افغانستان لتشمل دول الشمال الافريقي العربي ودول بلاد الشام والعراق وايران ودول الخليج العربي.
ليست المسألة حرب مفاهيم بقدر ما هي حرب وصراع مصالح ، يتلوها رسم خرائط سياسية وبشرية وبالتالي عالم جديد ، بقوى ومصالح جديدة. فبين الحربين العالميتين الاولى والثانية ، تم اعادة تأسيس واقتسام كل نفط المنطقة بين القوى المنتصرة ، تنقيبا واستخراجا ونقلا وتوزيعا ، وهو ما انتج كارتلات احتكارية عالمية ومصاريف عملاقة ، اعادت بالحرب اقتسام مصالحها ثانية ، وهو ما استمر حربا باردة لاكثر من خمسين عاما.
في تلك الفترة ، كانت القوة الامريكية الطامحة من أعالي البحار تتعرف على العالم العربي من خلال علمي: الانساب «الانثرولوجيا» والاجتماع «السوسيولوجيا» وتوصلوا حينها ، ومنذ اكثر من خمسين عاما الى ان الشرق الاوسط منطقة ثقافية قائمة بذاتها ، وانها ذات مركز ومحيط والمدنية التي تميز هذه المنطقة ، في اشكال اقليمية متعددة ليست انها وحدة واحدة فحسب ، ولا انها فحسب متوسطة بين مدنيتي الشرق والغرب ، بل انها من نواح عديدة ام لهاتين المدنيتين ولم تكن مجرد وسيط ، بل كانت ايضا مدنية مبدعة خلاقة.
كل ذلك حقائق ادركها الساسة الامريكيون عن المنطقة منذ زمن بعيد ، وعن طريق علمائهم الذين جابوا المنطقة ذهابا وايابا ، ومباشرة. وقبل ان يستعيروا من البريطانيين خبرتهم في المنطقة وبعض علماء اجتماعهم من هاملون جب الى برنارد لويس ، غير ان هذه المعرفة شيء وتحقيق المصالح بالسياسات والمشاريع طويلة الامد شيء اخر.
ولعل اخر ما أنتجته المعارف الامريكية الموازية عن بلادنا هو ان المحك لمتانة نظام اجتماعي ما انما يكون في تعريضه للتوتر ، ومشاهدة ما يحصل له آنذاك.. أوليس هذا ما حدث ويحدث ويستمر في الحدوث في العراق والمنطقة؟
ثمة عالم قديم يموت بعنف وحشرجة عالم تنهار مفرداته وخرائطه وبناؤه وشعوبه في كل مكان في هذا الكون ، وبدرجات متفاوتة ، لعل أشدها توترا في بلادنا ، وثمة عالم اخر يولد او يستولد بعمليات قيصرية شاقة. والمؤكد ان ملامح العالم الجديد غير مكتملة الوضوح في ذهن احد ، سواء كانوا اقوياء ام ضعفاء ، واننا نحن في هذا «الشرق الاوسط الحزين» من يدفع الثمن لتلك الولادة ولا عجب..
لا عجب ان تاريخ العلاقة مع الغرب كان مسلسلا من الصدمات والخيبات كان العرب متحالفين مع الغرب في الحرب العالمية الاولى وساعدوهم بشكل خاص بالاسراع في انهاء الامبراطورية العثمانية.. لكن الغرب آنذاك بقيادة بريطانيا وفرنسا تنكر لوعوده وتحالفه ونظر الى العرب كاعداء مهزومين وليس كحلفاء منتصرين معهم او شركاء لهم في النصر.. وكما هو معروف فقد كان وعد بلفور في عام 1917 هو احدى نتائج الحرب العالمية الاولى كما كانت اتفاقية سايكس بيكو هي ثمرة لتلك الحرب. وبالاضافة الى زرع بذرة اسرائيل الاولى في المنطقة فقد كان تقسيم بلاد الشام واجهاض حلم الوحدة العربية ابرز اهداف التمدد الاستعماري في المنطقة وفي كافة ارجاء الوطن العربي من اقصاه الى اقصاه وبما يخدم غرس نبتة الشر «اسرائيل» وتحويلها تدريجيا الى قوة وحيدة ومركزية.
ورغم كل ما حدث في التسعة عقود الماضية ظل العرب اصدقاء وحلفاء للغرب قديما بزعامة بريطانيا وفرنسا وحديثا بزعامة امريكا التي باتت القطب الوحيد في العالم.. وليس سرا ان تمزيق بلاد الشام بموجب اتفاقية سايكس بيكو كان له هدف اساسي وهو تفتيت الطوق العربي المحيط مباشرة باسرائيل في المشرق العربي.. لكن القلق الغربي الاسرائيلي استمر لوجود كيان كبير وقوي ومتماسك في الشرق العربي وهو العراق الذي تأجل تمزيقه وتفتيته اسوة ببلاد الشام 90 عاما.. ولذلك فان قرار الكونجرس الامريكي بتقسيم العراق بما يتضمنه من وقاحة وصلافة واستهتار بالعرب هو سايكس بيكو جديد وفصل اخر من المؤامرة الاستعمارية.
والفرق اليوم ان سايكس بيكو كان اتفاقا سريا بين بريطانيا وفرنسا ولولا قيام الثورة البلشفية لظل زمانا اطول قبل الكشف عنه ، اما اعلان تقسيم العراق اليوم فهو اعلان صريح وصارخ واستفزازي واهانة مباشرة للعرب ، وتكريس لكل الوقائع العملية الامريكية على الارض العراقية ، وهو قرار لم تكن ملامحه خافية منذ اليوم الاول لاحتلال العراق الا ان الامر احتاج الى اربع سنوات ونصف من التعميق المستمر لحالة التمزق في العراق عبر كيان كردي في شمال العراق وبلورة كيان شيعي في جنوبه وترك حالة وسط العراق تتقرر كأمر واقع مع الزمن.
واذا كان صحيحا ان العراقيين اليوم في قبضة الاحتلال العسكري وسلطة مجموعة من الدمى غير قادرة على مقاومة تقسيمه فان المؤكد ان العرب مجتمعين ومنفردين تطالهم اخطار التوجهات الامريكية الصهيونية والنتائج الكارثية لهذا القرار تحديدا.. خاصة ان امريكا تعلن صباح مساء انها تريد ان يكون العراق مختبرا للمنطقة وانها مصممة على تعميم النموذج العراقي. وعدا خطر انتقال الحريق العراقي لدول الجوار فان قرار التقسيم هو نموذج لنهج سياسي في المنطقة عنوانه المعلن ادارة رسم خرائط المنطقة وتفكيكها تمهيدا لاعادة تركيبها اما ما هو غير معلن فالمخفي اعظم وعسى الله ان يلطف بنا.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
7
للاحتلال طعم واحد
حسن ناصر الظاهري
المدينة السعودية
إبان الاحتلال البريطاني لأمريكا تم أسر الشاعر الأمريكي «فيليب فرينو» من قبل القوات البريطانية، ولم يفرج عنه إلا بعد أن احترقت ودمرت كل المزارع والمراعي والحقول في المنطقة التي ولد وترعرع فيها مدينة «مونماوث»، عندئذ أحس بوطأة الحرب وضراوتها بأسلوب عملي. وكان ذلك إيذاناً بنذر حياته كلها من أجل الثورة، وتضاعفت كراهيته وحنقه على الاستعمار البريطاني بسبب المعاملة الوحشية التي عانى منها سجناء الحرب، ولذلك أقسم على أن يجعل من قصائده التهكمية المريرة سهاماً مسمومة إلى صدر البريطانيين، وكان دائم البحث عن الشخصية الأمريكية التي يمكن أن تقف بالمرصاد لكل محاولات الاستعمار البريطاني لتمييعها وتخطيها، وتطرف «فرينو» في عدائه لكل ما هو بريطاني لدرجة أنه أحال بعض قصائده إلى مواقف مباشرة تنضح بالمرارة والكراهية والعداء لبريطانيا.
وكم كنت أتمنى لو أن الحياة امتدت (لفرينو) ليشاهد بأم عينه كيف فعل مواطنوه بشعب العراق وجعلوه يتجرع مرارة الكأس الذي أذاقهم إياه البريطانيون من قبل، وكيف تحولت أرض العراق إلى (مونماوث) جديدة، أكلت أدوات الحرب المتقدمة الأخضر واليابس، يتسلى رماة «بلاك ووتر» بالتصويب على أهداف بشرية لا حول لها ولا قوة بدم بارد، وكأنهم يصوبون رشاشاتهم على «علامات» اختبار التخرج.
لقد مورس مع سجناء العراق ما لم يمارس مع سجناء النازي ودول المحور، وما لم يمارس مع سجناء أكثر الأنظمة دكتاتورية، لقد انتهكت حرياتهم وأعراضهم وسفكت دماؤهم على أرضهم.
لو امتد بك العمر ستجد أيها الشاعر الذي ذاق مرارة الاحتلال، أن العراق أصبح يتمثل في قصيدتك التي جاءت بعنوان «مقبرة الهنود»، وأنه تحول مثل ذلك الصياد الذي دفن بعد موته في وضع جالس محاطاً بلحم الغزال.
وما لا تعلمه هو أن رائحة الدم الذي سُفك وشربته الأرض، قد جذبت إليها «أُفّاق وشواذ» الإنس من كل جنس، والكل هناك أضحى هدفاً. والمستقبل ينذر بالشؤم، ستصبح المدينة دولة ومن بعدها ستصبح «الحارة» دولة، وتختتم بأن ستصبح «الدار الواحدة» دولة.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
8
من يحمي المضطهدين.. واللاجئين؟
مجد الهاشمي
الراي الاردن
أين المفر أين اذهب إذا أردت الخلاص من عرين زوجي الذي أذاقني مر العذاب وخلف لي عاهة مستديمة جراء عنفه المتواصل معي. أهلي باتوا يتذمرون من استضافتهم المتكررة لي ومرات عديدة يشجعونني على أن أصالحه وأعود ذليلة لان زوجي هو الذي يؤويني ويطعمني.
القضاء بطيء في إعادة حقوقي المسلوبة ودوائر حماية الاسرة تحاول مساعدتي للحد من العنف الواقع عليّ لكن لا تستطيع أن تؤويني فهي لا تملك منزلاً لايواء النساء المعنفات ؟ الزوجة العاقلة تصبر فلا عزاء لها أكثر من عرين الزوج في الحياة وتبدأ رحلة المعاناة من جديد.؟ حال هذه المرأة المنكوبة تشابه حالة اللاجئ الذي فر من موطنه جراء الحرب والعنف لكن الفرق الوحيد بينهما أن الأخير قرر الفراق وطلاق وطنه المنكوب بالثلاثة! وقصة اللاجئ طويلة ومعقدة بدءاً بالقرار الفوري لمغادرة بلده لأسباب معروفة تاركا بيته وذكرياته مغامرا برحلة مجهولة مليئة بالصعاب.مثالا اللاجئ العراقي الذي فر من بلده لتغير الأجواء الطبيعية عليه حرب وعنف وتهديد وتهجير ومفخخات وانعدام الآمان والخدمات الصحية والماء والكهرباء وتذبذب التعليم والغلاء المعيشي وحرب العصابات والمليشيات وقصف الطائرات الأمريكية لدورهم وانتهاك حرماتهم وزج الآلاف من الناس في السجون والمعتقلات تصوروا أن مسؤولا عراقيا رفيع المستوى قال لأحد المعتقلين أن حياتك في المعتقل امن لك من الحياة في شوارع بغداد؟ وتتعقد حكاية اللاجئ فهو ينتظر أن تحن عليه الدول التي ربما ستفتح له أبوابها وينتظر مع الطوابير الطويلة أمام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي باتت غير قادرة على تأمين الطلبات لتلك الأعداد الكبيرة لحمايتهم وعلاجهم وتوطينهم في بلاد أخرى فحالات الرفض واردة بالنسبة للكثيرين ولا حلول سريعة لمعاناة اللاجئين العراقيين ووحده البلد الضيف يعاني من هذه المأساة الإنسانية الأردن وعمل الأردن وأهله بأصلهم العروبي وتقبلوا الآلاف من العراقيين وتقاسموا رغيف الخبز معهم وتمكنت وزارة التربية والتعليم بقرارها الشجاع من استيعاب الطلبة العراقيين دون شرط الإقامة وافتتحت منظمة الهلال الأحمر الأردنية العديد من المستشفيات لمعالجة العراقيين مجانا وشجعت المرافق الاعلامية في افتتاح مكاتب إعلامية للعديد من الصحف والقنوات الفضائية العراقية لتأمين تواصلها مع الجمهور والجالية العراقية في الخارج لمعرفة أخبار الوطن.
وفتحت المؤسسات الثقافية الأردنية أبوابها للمثقفين العراقيين في اقامة أمسياتهم الثقافية وعرض إبداعات الفنانين التشكيليين واستضافتهم في معارضها الوطنية والدولية.
وشجعت الأردن المستثمرين العراقيين على اقامة العديد من المشاريع التنموية وقدمت التسهيلات الممكنة لإنجاحها واصبحت العديد من المؤتمرات السياسية والاقتصادية تعقد وتوفر الحماية لضمان استمرارها.
وماذا تفعل الحكومة العراقية لهولا اللاجئين سوى الوعد بحل معاناتهم التي تتزايد يوميا لتتركهم في مهب الريح بلا مأوى وبدون مصدر رزق ثابت لتمكينهم على مواصلة الحياة التي لم يختاروها وأتساءل هل تنتهي أزمة اللاجئين العراقيين إذا كان العراقيون في داخل بلدهم نازحين ومهجريين ومحصورين بين الجدران العازلة لا يعرفون مصيرهم في ظل الاحتلال والتناحر السياسي بين قادتهم الذي ادى بمصير العراق والعراقيين الى هذا المستوى من التدهور وسيزداد أعداد اللاجئين وربما الآن من الأكراد لان طبول الحرب تدق على الحدود التركية الكردستانية! فلتستعد المنظمات المعنية بشؤون اللاجئين لتحمل مسؤولياتهما.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
9
اشتعال الحريق الكردي
د. أحمد القديدي
البيان الامارات
منذ أسابيع عاد الملف الكردي إلى سطح أحداث الشرق الأوسط وبقوة وبشكل دموي بعد مصرع خمسة عشر جنديا تركيا وكذلك بشكل دبلوماسي منذر بالمخاطر بعد دخول قوات تركية إلى شمال العراق وتهديد الإقليم الكردي العراقي بالرد، ثم بشكل دولي مع اقتراع لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي في العاشر من أكتوبر على لائحة تورط الدولة التركية في ما يسمى إبادة الأرمن عام 1915 ما أثار ظلالا من الريبة والتوجس بين أنقرة وواشنطن.
هذه الأحداث توجت الأسبوع الماضي باندلاع مظاهرات نظمها حزب العمال الكردي في قلب اسطنبول، وذهبت صحيفة تركية يوم الأحد الماضي إلى حد التساؤل عن دور الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي في رعاية وتحريك حزب العمال الكردي لغايات استراتيجية بعيدة تهدف لعزل تركيا وإضعاف جانبها في وقت تقوم فيه أنقرة بمهام دبلوماسية حثيثة لحلحلة الكثير من معضلات الشرق الأوسط بطريقة قد تكون بعض العناصر لدى المحافظين الجدد في واشنطن غير مرتاحين لها!
يجب القول أول الأمر إن القضية الكردية ليست مسألة تركية داخلية لأن الشعب الكردي موزع على دول عديدة منذ عقود، والأكراد يشكلون نسبا متفاوتة من شعوب تركيا وإيران وسوريا والعراق وأرمينيا، ويجمع بينهم تراث واحد ويتكلمون لغة كردية عريقة وقد دخل شعبهم الإسلام عام 18 هجري في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقدم هذا الشعب للتاريخ الإسلامي بطلا عظيما هو صلاح الدين الأيوبي محرر بيت المقدس من الصليبيين وعددا من القادة والعلماء على مر التاريخ.
وليس من مصلحة أية دولة في اقليم الشرق الأوسط أن تتعقد الأزمة الكردية وتتدول وتتجاوز الإرادات الإقليمية لتشكل في المستقبل أخطر بؤرة صراع في المنطقة وأكبر مأساة عرقية لدى الشعوب التي تضم جانبا كرديا في صلبها وأبرز حجة تتيح للقوى العظمى المزيد من التدخل السافر في تحديد مصير الشعوب المتجاورة في هذه الرقعة المتفجرة من العالم والتي يكفيها ما يدور في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان وما يهدد إيران من سوء العواقب.
المشهد اليوم يبدو أكثر وضوحا من ذي قبل بعد احتلال العراق وإعلان الاستقلال الفعلي لإقليم كردستان العراقي بحكومة وبرلمان وعلم، خاصة وأن رئيس الجمهورية العراقي هو كردي وزعيم سابق لحركة كردية سياسية وعسكرية في العراق أيام حكم البعث. وهذا الواقع الجديد لا بد أن يجعل أكراد تركيا وسوريا وإيران يفكرون في عمل مماثل كخطوة تراها الأحزاب الكردية الانفصالية ضرورية للوصول إلى إنشاء دولة كردستان مستقلة.
وبالطبع فإن تصريحات الرئيس بشار الأسد المؤيدة منذ شهر لقرار البرلمان التركي تخويل الحكومة التركية استعمال القوة في شمال العراق لملاحقة المتمردين الأكراد أثارت تصريحات قوية للرئيس طالباني الذي اعتبرها تجاوزا للخط الأحمر.
أثناء مشاركتي في المؤتمر الدولي الذي انعقد في ألمانيا الشهر الماضي بمبادرة من معهد شيلر العالمي للعلاقات الدولية والذي شارك فيه 500 شخصية من 50 دولة لاحظت شبه اجماع حول تحرك بعض الأوساط الأميركية والإسرائيلية لخلق متاعب لأنقرة من أجل زعزعة دورها الإقليمي وتحجيم قدراتها الدبلوماسية الجديدة منذ انتخاب عبدالله غول رئيسا لتركيا.
فالقيادة التركية تريد اليوم ربط علاقات مع إيران بعد إبرام عقد نقل البترول الإيراني إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وتريد أيضا التوسط بين إسرائيل وسوريا لإيجاد خيوط اتصال مبدئية بين الدولتين بعد أن تقابل وزير الخارجية التركي علي باباجان مع شيمون بيريز.
ولاحظت كذلك تأكيدا أميركيا على صعوبة الاستغناء عن القاعدة العسكرية الأميركية بتركيا (أنجرليك) في الظرف الراهن، وهي القاعدة التي تنطلق منها أغلب العمليات الأميركية في العراق وأفغانستان وربما في المستقبل في بلدان أخرى.
هذا هو المشهد اليوم: تناقض في التحركات والمواقف الأميركية باتجاه أهم حليف لا يزال عضوا في حلف الناتو وتقليديا توكل له دول الحلف مهمات حساسة في اقليم المشرق الإسلامي وتناقض أيضا بين دول الاتحاد الأوروبي أمام رغبة تركيا الانضمام للاتحاد منذ عقود وتناقض أخيرا بين دول المنطقة بسبب الجرح الكردي النازف منذ 1924 .
الأهم من كل شيء في هذه المرحلة الدقيقة هو عقد مؤتمر اقليمي يجمع بين كل الدول التي لديها أقليات كردية للتشاور والتنسيق حتى لا تنفلت الأمور من الأيدي الإقليمية لتتحول قضية كردستان إلى أخطر حريق في مطلع القرن في منطقة لا تنقصها ألسنة اللهب الصاعدة هنا وهناك! alqadidi@hotmail.com
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
10
رسالة ابن العلقمي!
جمال زويد
اخبار الخليج البحرين
هذه مقالة كتبتها ابنة الرافدين دجلة الناصري في شبكة البصرة وددت إطلاع القراء الكرام عليها كتكملة لموضوع الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير المنشور يوم أمس بعنوان «لصوص بغداد«. المقالة عبارة عن رسالة تمت صياغتها على لسان ابن العلقمي نفسه، جاء فيها: «أنا الوزير مؤيد الدين محمد بن حمد بن أبي طالب المشهور بابن العلقمي وزير الخليفة المستعصم بالله آخر خليفة بني العباس في عاصمة الخلافة بغداد. وقفت الآن على مشارفها وإذا بي أرى أن التاريخ يعيد نفسه! فإن هولاكو عصركم يرمقها من بعيد
بنظرة حقد ملؤها الانتقام من تاريخها وحضارتها وتفوح من أرجائها رائحة الموت والدمار والأشلاء والغدر، لهذا قررت أن أبعث إليكم بهذه الرسالة لأني خفت عليكم من نهايتي وسوء مصيري أحذركم فيها فلقد رضيت بهولاكو التتري غازيا وكنت ساعده الأيمن في غزو بغداد على أمل أن أكون نائبه في حكم الخلافة في بغداد ولكنه انقلب علي شر انقلاب، كنت مدة أربعة عشر عاما، كنت الوزير المفضل لدى الخليفة، بزغ نجمي وعلا شأني، أصبحت مكانتي لا تضاهيها مكانة أبدا. وأصبحت صاحب الحلّ والربط والأخذ والرد. ولكني كنت أضمر لبني العباس شيئا عظيما بداخلي كنت أتمنى زوال ملكهم وزوال عطرهم وريحهم وإبادة خلافتهم، فكاتبت هولاكو ملك التتار وأطمعته في البلاد ورغبته وأبديت له استعدادي وقدرتي في القضاء على الخلافة والإسلام وسهلت عليه في ملك بغداد. وحينما أكملت مكيدتي أرسلت إلى هولاكو لأطلعه على أدق الأسرار والتفاصيل وطلبت منه أن أسلمه بغداد على طبق من ذهب على أن أكون نائبه في البلاد. فوعدني هولاكو بذلك قائلا إن عساكر بغداد تبلغ أكثر من مائة ألف فارس من أشجع المقاتلين فإن كنت يا مؤيد الدين صادقا فيما قلته لي؟ فرّق عساكر بغداد أولا فإن في قلتهم وضعفهم نصر لنا وبحوافر خيولنا سنحضر ندك عاصمة بلد الرشيد. فخرجت من وقتي مسرعا إلى الخليفة وزينت له قائلا: مولاي أموال الخزينة تذهب هباء في هؤلاء الجند فوفر معلومهم لخزينتك. فأجابني المستعصم لما طلبت، فمحوت أسمائهم من سجل العسكر ومنعتهم من الإقامة في بغداد حتى صار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس. ولما بلغ هولاكو ما فعلت ركب وقصد بغداد في جحفل عظيم من جيشه كان مطمئنا من النصر. ولأن الحرب خدعة فقد أشعت بين العباد أن الجن والعفاريت جيش آخر يقاتل مع جيش هولاكو؟ وفي ذلك عادة كان يتبعها جنود التتار أثناء مسيرهم إلى بغداد، كانوا يصفرون بآلة صغيرة تخرج ألحانا مخيفة متزامنة مع أصوات حوافر خيولهم فيكون اللحن مرعبا. فحال وصول أصواتهم إلى القرى والمدن تفر الناس فزعة مرعوبة لأنهم قد آمنوا بأن للتتار جيشا آخر من العفاريت والجن يسير معه وهذا ما أشعته أنا. ولم اكتف بذلك كان معسكر جند الخليفة مطّلا على سد منيع على نهر دجلة فزحفت ليلا على السد المنيع وفتحته حتى غرقت خيامهم وخيولهم وأسلحتهم وهم نيام ومن نجا منهم كان لهم السيف بالمرصاد. لقد هيأت لكل أمر عدته وأردت أن يظفر هولاكو ببغداد ولم تهمني الأرض ولا العباد وفرشت له ولجيشه النصر والظفر. نزلت جحافل جيش التتار من جهة البر الشرقي وضرب هولاكو سورا بعسكره وأحاط ببغداد فكانت مكيدتي الأروع هي إقناع الخليفة بمصانعتهم وتوجهت إلى قصر الخليفة قائلا: يا مولاي أخرج أنا إليهم في تقرير الصلح وأعرف نيتهم وخطتهم وأعرف عدد جنودهم وأعود إليك بالخبر اليقين؟ فخرجت لملاقاة هولاكو والتوثق بنفسي من التتار، هل مازالوا على العهد باقين فأطمأن قلبي إليهم فرجعت إلى دار الخلافة قائلا يا مولاي إن هولاكو ملك التتار قد رغب أن يزوج بنته الأميرة الصغيرة بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة وتدعوا له فقط وتكون من الحامدين الشاكرين بنعمته ولا يريد إلا الطاعة وينصرف عنك بجيوشه فحقناً لدماء المسلمين افعل ما يريد؟ واستدعي أمراءك وفقهاء الأمة وعلمائها وأكابرها وشيوخها ليحضروا عقد القران؟ فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان إلى خيمة هولاكو. وأوعزت لهولاكو أن يطلب من الخليفة المستعصم مفاتيح كنوزه وخزائنه وثروة بني العباس أجمعها التي آلت إليه منذ آلاف السنين. وذهبت بالمستعصم إلى قصر الخلافة ودلني على كنوزه السرية وحملني كنوزا وذهبا ما لا يعقله عقل من ندرة وروائع الخزين حملتها جميعا إلى خيام هولاكو حتى أصبحت لا تتسع من كثرة صناديق الذهب والفضة ثم دخلت على الخليفة الذليل وطلبت منه أن يستدعي الفقهاء والعلماء والكتاب والوجهاء ليحضروا عقد الزواج؟ فضربت أعناقهم طائفة بعد طائفة. حيث كانت هناك نبوءة تقول: «إن دخول هولاكو لعاصمة الخلافة بغداد ستكون شرا وبالاً عليه وأن سفك دم الخليفة سيكون نهاية ملكه وضياع عرشه«..! تردد هولاكو بقتل المستعصم فأصبحت كالمجنون فأوعزت إلى ابن الطوسي بأن يصدر فتوى تحلل قتل الخليفة وتحرم النبوءة اللعينة التي يخافها هولاكو وكان ما كان وضعوا المستعصم في كيس وداست حوافر الخيول عليه حتى لا يسيل دمه على الأرض وبذلك تخلصت من تلك النبوءة اللعينة. حللت بعدها استباحة بغداد أربعين يوما أردت المزيد من القتلى والدمار لتفرغ لي بعدها.. نُودي بعد الأربعين يوما بالأمان ولما استتب الأمر لهولاكو فيها دعاني إليه وقال لي: «كل ما أملك لا خير فيه لك لأنك خُنت صاحبك مولاك الذي كانت كل هذه الثروة له فبماذا تريد أن أكافئك به«؟ وأصدر أمراً بقتلي أيقنت بأني ضربت ضربة ضرائب الإبل لم أملك منها نفعا بل أصابتني بالضرر والكمد. وسرعان ما غيّر رأيه بعد وساطتي ابن الطوسي منجمه ومستشاره لي وقال لي: سأجعل مكافأتك بقدر عملك فقبل أن أكون خادم لوزير أرتقى إلى سدة وزارة هولاكو كان يشتغل خادما في قصر الخليفة سابقا.. وأن أركب حمارا في وقت الظهيرة وأمشي به في شوارع وأزقة وأسواق بغداد يجرني جند من جنوده. كان الأطفال يركضون وراء موكبي ويرمونه بالحجارة والنساء تقذفني بأبشع السباب والرجال يلعنون خيانتي حتى كان يوما رأتني امرأتي فيه وأنا على حماري هذا فأوقفتني وقالت: «أبهذا أبدلت عز الخليفة المستعصم وبصقت في وجهي«. لم تمض ثلاثة أشهر على سقوط بغداد حتى متّ كمداً وحسرة لقد أدخلت هولاكو على يدي إلى دار الخلافة والحضارة لعظم حقدي عليهم ولم أكن أظن أنني بدلت دار الخلافة ببيت العنكبوت. حققت لهم نصرا وظفرا ولكن النصر الوحيد الذي حققته لي هو إنني جعلت اسمي خالدا في صفحات الخيانة. كانت الخيانة رسالة وليست صفة وقد قدمت لها نفسي قرباناً هذا هو مصيري وسيكون مصير كل الخائنين أيضا فاتعظوا قبل فوات الأوان. وكما قالوا «العاقل من اعتبر بغيره ولم يعتبر به غيره«.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
11
العرب... والصراع التركي - الكردي
محمد السماك
الاتحاد الامارات
ما هي العلاقة بين مشروع الكونجرس الأميركي بإقرار "المذبحة الأرمنية" في تركيا وإدانتها، وبين مشروعه بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات كردية في الشمال، وسُنية في الوسط، وشيعية في الجنوب؟ هذا السؤال يفرض نفسه بقوة على طاولة مؤتمر الدول المجاورة للعراق، وهو الثاني من نوعه الذي يُعقد هذا العام للبحث في تداعيات انفجار الوضع العراقي، الذي بلغ مستويات خطيرة للغاية في ظل الاحتلال الأميركي ونتيجة له. وتأخذ هذه التداعيات مداها في ضوء التدهور المتسارع في العلاقات الأميركية- التركية بعد أن قرّرت تركيا مطاردة قوات "حزب العمال الكردستاني" إلى داخل العمق العراقي، بعد أن فشلت في القضاء على العمليات العسكرية التي يقوم بها في العمق التركي. لقد وجدت تركيا نفسها بعد الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية اللتين جرتا مؤخراً مُخيَّرة بين أمرين: إما حرب أهلية داخلية، أو حرب على المتمردين الأكراد داخل العراق. ومن الواضح أنها اختارت الأمر الثاني. تعرف تركيا أن قيام دولة كردية في شمال العراق هو المدخل إلى اقتطاع مناطق واسعة من جنوب وجنوب شرق تركيا لتكون جزءاً من كردستان. ذلك أن حوالي عشرة ملايين كردي تركي يعيشون في هذه المناطق، وبعضهم قد يتطلع إلى الانفصال عن تركيا والانضمام إلى كردستان. ويرى البعض أن الأكراد قد تعرضوا لظلم لعقود طويلة، أو إلى ما يمكن تسميته بانتهاك مشاعرهم القومية. فقد كانت هويتهم الوطنية مطموسة. وكانت لغتهم ممنوعة من التداول. وكانت حقوقهم كأقلية (عدد سكان تركيا يزيد على سبعين مليوناً) منتهَكة. ولا يقتصر هذا الأمر على أوضاعهم في تركيا. ولكنه يشمل الدول الأخرى التي يتواجدون فيها وهي العراق وإيران وإلى حد ما سوريا.
ومن هنا فإن استقواء الأكراد في كردستان العراق قد يعزز محاولات إخوانهم في هذه الدول للانضمام إليهم في دولة واحدة وفي وطن واحد. من أجل ذلك فإن دول جوار العراق، وخاصة الدول التي يتواجد فيها الأكراد، توافقت قبل الحرب الأميركية على العراق، وأثناء الحرب وبعدها، على أمر أساسي واحد. وهو أنه لا تقسيم للعراق بحيث تقوم "حالة" كردستانية في الشمال. أما الآن وقد أصبحت هذه "الحالة" أمراً شبه واقع، (ولكن غير المعلن رسمياً) ويتمتع بدعم أميركي عسكري وسياسي، فإن التصدي له يعني التصدي للولايات المتحدة. يؤكد ذلك ما أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش من "أن أي عمل عسكري تركي ضد إقليم كردستان، لن يكون في مصلحة تركيا". وكأنه يوجه بذلك إنذاراً إلى تركيا بعدم التدخل العسكري. وقد أكدت هذا الموقف وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التي دعت تركيا أكثر من مرة إلى "وجوب ضبط النفس".
انفجار القضية الكردية سواء جاء من البوابة التركية أو الإيرانية، يقع في إطار برنامج إعادة النظر في خريطة المنطقة العربية، عرقياً ودينياً ومذهبياً.
ولكن العمليات العسكرية التي يقوم بها الأكراد داخل تركيا، وانطلاقاً من شمال العراق، لم تترك أي مجال لضبط النفس التركي. ثم إن تركيا تعرف أن ضبط النفس على الجبهة الكردية، يعني انفجار أزمة داخلية مع الجيش التركي الذي لم يعد يطيق صبراً على الانتهاكات الأمنية التي تسيء إلى سمعته الوطنية والدولية. ولقد حاول قادة الجيش الحصول على إذن من البرلمان لمطاردة الميليشيات الكردية إلى داخل العراق. ولكن حكومة الرئيس أردوغان كانت تعرف أن دون ذلك مشكلة سياسية خطيرة مع الولايات المتحدة التي تعتبر كردستان أهم إنجاز حققته في العراق! وبالتالي فإن ضرب كردستان يعني ضرب هذا الإنجاز الأميركي. ولذلك تريَّثت في اتخاذ القرار إلى أن "بلغ السيل الزُّبى". وفي الواقع فإن الأزمة التركية- الأميركية لم تبدأ هنا. لقد بدأت مع قرار الولايات المتحدة اجتياح العراق، وذلك عندما رفضت تركيا الاشتراك في الحرب. ثم عندما رفضت حتى مجرد السماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها وأجوائها في العمليات العسكرية. وبذلك لم تتمكن الولايات المتحدة من استخدام قاعدة إنجرليك الكبيرة في جنوب تركيا لتعزيز عملياتها العسكرية التي اضطرت إلى الانطلاق من جبهات أخرى. منذ ذلك الوقت ساءت العلاقات الأميركية- التركية. واستمرت على هذا الوضع السيئ حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن. فالحرب التركية على الأكراد، قد تتطور إلى اشتباك مسلح بين القوات التركية والقوات الأميركية المتواجدة في كردستان في شمال العراق، الذي تهدد تركيا باقتحامه. وعلى رغم كل هذه المحاذير السياسية والعسكرية لم تتراجع الحكومة التركية عن طلب موافقة مجلس النواب على اقتحام شمال العراق لتعقُّب الميليشيات الكردية. ولم يتردد مجلس النواب في منح الحكومة هذه الموافقة. ولم يتردد الجيش التركي في التحرك الفوري نحو الحدود. فالجيش والحكومة والبرلمان كلها أطراف تلتقي على أمر واحد. وهو الاعتقاد بأن تنامي النزعات الانفصالية في إقليم كردستان من شأنه أن يفتح أبواب جهنم على تركيا. وهو شعور يشارك فيه أيضاً كل من إيران والعراق وسوريا.
ومن هنا كانت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى أنقرة ووقوفه إلى جانب تركيا. ومن هنا أيضاً التفاهم الإيراني- التركي، الذي يضاعف من القلق الأميركي. وعلى رغم أن هذه التفاهمات تفرضها المصالح الوطنية المباشرة للدول الثلاث، فإن الولايات المتحدة تعتبر نجاح أو إنجاح تجربة كردستان في شمال العراق مصلحة وطنية لها. ولعل هذا ما يفسر القانون الذي أقرّه الكونجرس الأميركي بتقسيم العراق. وهو التقسيم الذي كانت رسمته خطوط العرض التي حددتها الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الأولى. منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى والاتفاقات الدولية تتعثر في معالجة القضية الكردية في المنطقة. بل إن هذه القضية كانت على مدى أكثر من سبعة عقود مثار استغلال من هنا، ومساومة من هناك. كان الأكراد يدفعون ثمنها غالياً جداً. ولذلك فقدوا ثقتهم بكل الأطراف الإقليمية، وألقوا بأنفسهم في حضن الولايات المتحدة على رغم أنها لم تقصِّر أبداً في استغلال قضيتهم والمساومة على حقوقهم (مبادرة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي في عام 1974 بعد الاتفاق العراقي- الإيراني الذي تم التوصل إليه في الجزائر بين الشاه محمد رضا بهلوي وصدام حسين). حتى إسرائيل لم تكن خارج تلك اللعبة السياسية القذرة.
ولكن ما هو سيناريو الاقتحام التركي المتوقع لشمال العراق؟ يمكن استشفاف هذا السيناريو في ضوء السيناريو المشابه الذي اعتمدته إسرائيل في جنوب لبنان، مع الاحتفاظ بكل الفوارق. وإن كان اللاعب الدولي الوحيد الذي تغيّر دوره هو الولايات المتحدة. فقد كانت دائماً تقف وراء العمليات التي تقوم بها إسرائيل داخل لبنان بحجة مطاردة القوات الفلسطينية، آنذاك. وهي تقف اليوم ضد تركيا في قرارها مطاردة القوات الكردية "حزب العمال الكردستاني" داخل العراق. غير أن الولايات المتحدة تحرص الآن على إقليم كردستان وتدافع عنه حتى على حساب المصالح الاستراتيجية لحليفتها تركيا، العضو الأساس في حلف "الناتو". علماً بأن الولايات المتحدة ذاتها كانت تشجع تركيا في عهد صدام حسين على عملياتها العسكرية ضد الأكراد في عمق المناطق الشمالية من العراق! ولكن من أين لتركيا اليوم الحماية الأميركية لو اجتاحت شمال العراق؟ أين "الفيتو" الأميركي الذي يعصمها من إدانة مجلس الأمن الدولي؟ بل إن الموقف الأميركي يوحي بأن الولايات المتحدة قد تكون وراء إصدار قرار الإدانة، إذا ما أصرّت تركيا على اجتياح شمال العراق. ولاشك في أن تركيا تتمتع بتفوق عسكري كبير على العراق. ولكنها تفتقر إلى الغطاء الأميركي. طبعاً لا تستطيع الولايات المتحدة أن تبرر معارضتها لرد الفعل التركي على قاعدة أن رد الفعل هذا ينتهك سيادة العراق. فالسيادة العراقية منتهَكة حتى العظم بالاحتلال الأميركي. ثم إن الاحتلال الأميركي لأفغانستان يجسد رد فعل أميركياً يتمثل باجتياز المحيطات والقارات وصولاً إلى متهمين بالاعتداء على أمنها القومي. وثمة مفارقة أخرى في أية مقارنة بين الاجتياحين المذكورين. وهي أن إسرائيل عندما اجتاحت لبنان في عام 1982 تحت ذريعة ضرب المقاومة الفلسطينية، كانت في الواقع تريد ضرب وحدة لبنان وتمزيقه بين الطوائف ليكون هذا التمزيق مدخلاً إلى تنفيذ "استراتيجية إسرائيل في الثمانينات". أي تقسيم كل المنطقة العربية إلى دويلات دينية ومذهبية وعنصرية. وكادت إسرائيل تنجح في ذلك لو لم يستعد اللبنانيون وحدتهم في اللحظة الأخيرة. لقد استعصى لبنان على مشروع التقسيم. فاضطرت إسرائيل إلى الارتداد، ولكنها لم تتخلَّ عن المشروع. وها هي تطلّ به من جديد من البوابة العراقية. من هنا يختلف رد الفعل التركي. فهو لا يقع في إطار مشروع تجزئة المنطقة، ولكنه على العكس من ذلك، ربما يُفشل مشروع التقسيم بإفشال مشروع قيام نزعة انفصالية في كردستان.
ومهما يكن من أمر، فإن انفجار القضية الكردية سواء جاء من البوابة التركية أو الإيرانية، فإنه يقع في إطار برنامج إعادة النظر في خريطة المنطقة العربية على أسس عرقية ودينية ومذهبية. وبالنتيجة فإن الأكراد الذين اضطُهدوا، بشكل أو بآخر، على مدى عقود طويلة من الزمن، لن يتمكنوا من النوم على وسادة الاطمئنان الذي ينشدونه.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
12
قرار التقسيم منتظر قص الشريط
ممدوح إسماعيل
الراي الكويت
قرار الكونغرس الأميركي المعنون بأنه غير ملزم بتقسيم العراق قرار يكشف لنا أن الأميركيين فاض بهم الكيل من تحمل تبعات احتلالهم وحدهم للعراق. فرغم مشاركة دول كثيرة في التعاون بالدعم المادي للاحتلال، إلا أن تبعات الاحتلال على الأرض جسيمة وتداعياتها على العسكرية الأميركية خطيرة جداً، إذ اجتمعت تصريحات المسؤولين العسكريين الأميركيين على خطورة الوضع في العراق.
فقد صرح الجنرال جيمس كونواي في كلمة ألقاها أمام مركز الأمن الأميركي الجديد، الإثنين16 أكتوبر بأنه «يشعر بالقلق إزاء القدرة على خوض حروب في دول أجنبية»، إذ أصبحنا «أثقل كثيراً مما كنا عليه من قبل بعد الحرب على العراق». وقد اعترف الجنرال ريكاردو سانشيز - في تصريحات صحافية - بأن القادة السياسيين الأميركيين يتسمون «بضعف الكفاءة والفساد»، مضيفاً: «أن هؤلاء القادة السياسيين كانوا سيواجهون محاكمة عسكرية بتهمة التقصير في أداء الواجب لو كانوا يعملون في صفوف الجيش».
وتابع سانشيز: «إن أفضل ما تستطيع قوات الاحتلال الأميركية القيام به في الوقت الراهن هو تجنب الهزيمة».
وقد تأثرت العسكرية الأميركية بشدة وارتفع عدد القتلى الأميركيين وعاد شبح فيتنام للظهور، وقد تأثر الداخل الأميركي شعبياً وسياسياً أيضاً، إذ كثرت وتضاعفت الأصوات المطالبة بالانسحاب، وانهزم الجمهوريون في الكونغرس وفاز الديموقراطيون المطالبون بجدولة الانسحاب.
لذلك كان لا بد للمحتل الأميركي أن يخرج من الكابوس، ولقد فشلت جميع الخطط لهزيمة المقاومة المسلحة داخل العراق:
1 - عن طريق إشعال الحرب الطائفية والعرقية.
2 - عن طريق زرع الخلافات والشقاق بين فصائل المقاومة.
صحيح أن الحرب الطائفية اندلعت ولم تتوقف وأن الخلافات اشتعلت وقتل العراقيون بعضهم البعض، لكن لم تتحقق النتائج المرجوة، إذ لم تتوقف المقاومة للقوات الأميركية.
فكان لا بد من الخروج من كابوس العراق الذي يبدأ بقرار تقسيم العراق فهو ليس كما يظن البعض مخرجاً من الأزمة العرقية والطائفية للداخل العراقي، بل هو مخرج وخطة للإدارة الأميركية، وذلك للآتي:
أولاً: التقسيم تم إعداده عملياً على أرض الواقع عبر إعطاء الأكراد المعاونين للاحتلال مطلق الحرية في الشمال العراقي وتشجيعهم والسكوت على تهجير العرب والتركمان من الشمال العراقي، وتكوين كيان منفصل سياسياً في كردستان «شمال العراق»، وإنشاء برلمان منفصل، وانتخاب رئيس، وعلم مستقل عن العراق، وإدارات مستقلة عن جنوب ووسط العراق تماما.
أما الجنوب العراقي فقد عمد الاحتلال على تقوية نفوذ المتعاونين والسكوت على وقائع قتل غامضة، وإطلاق العنان للتصريحات باستقلال الجنوب، وقد أصبح الجنوب تحت سيطرة الميليشيات ومنها «جيش المهدي».
أما الوسط العراقي فهو أكبر ضحية والمتضرر الأكبر من مخطط التقسيم، حيث تتمركز فيه المقاومة ويشتد فيه الصراع، وقد عمد المحتل إلى تكوين حلفاء له وتقديمهم إلى الإعلام وتقويتهم بالدعم المالي والعسكري ليكونوا أولاً في مواجهة المقاومة، وهم الذين تم إعدادهم للمشاركة في لعبة التقسيم.
ثانياً: التقسيم لم يكن وليد اليوم، بل هو خطة قديمة فعلتها الولايات المتحدة قي صراعها مع الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، إذ عمدت إلى إشعال وتغذية النعرات العرقية وتقويتها للانفصال بحيث لا يبقى كيان قوي متحد فتفككت تلك الدول إلى دويلات، وهي خطة وضعت مسبقاً للعراق ولبعض الدول العربية لتفتيت المنطقة العربية وليتأمل القارئ ما يحدث في السودان في الجنوب ودارفور.
ثم ما يحدث في الصومال، ثم ها هو لبنان على طريق التقسيم، وما يحدث حتى في فلسطين المحتلة من انقسام بين التيار الإسلامي والعلماني «حماس» في غزة و«فتح» في الضفة كان وراءه مخطط «أميركي - صهيوني» عبر تقوية التيار العلماني «فتح» وإمداده بالسلاح والمال فحدث الاقتتال الداخلي، ثم الانقسام وحتى الآن تلك الدول هي الظاهرة على سطح الأحداث وما خفي كان أعظم.
ثالثاً: إعلان التقسيم يعني إعلان تكوين دويلات يتم إمدادها بالدعم العسكري تتولى هي التصدي للمقاومة وتخفف العبء على القوات الأميركية، ومن ناحية أخرى إعلان التقسيم سوف يدفع طوائف كثيرة وطنية تنادي بوحدة العراق وترفض تقسيم العراق إلى التصدي لطائفتها التي ارتضت التقسيم وتندلع حروب أهلية تخفف من ضغط المقاومة على القوات الأميركية المحتلة.
رابعاً: تكوين دويلات في هذه المنطقة الحساسة سوف يدفع بدول الجوار إلى حلبة الصراع وأتون النار الذي طالما ابتعدت عنه، وتركت القوات الأميركية المحتلة وحدها تواجه القتل.
فطالما طلبت الإدارة الأميركية من الدول العربية والإسلامية المساهمة في التواجد العسكري داخل العراق، ولكنها دائماً كانت تخاف وترفض، وإقامة دولة في الجنوب يعني أن المنطقة المحيطة بها سوف تشهد قلاقل.
وبالتالي سوف تدخل دول عربية حلبة النار العراقية التي طالما وقفت تتفرج عليها وتشاهدها على شاشات الأخبار. أما تكوين دولة كردية في الشمال فسوف يقوي أحلام الأكراد بإنشاء دولتهم الكردية الكبيرة الممتدة داخل إيران وتركيا وسورية، وهو ما يشغل تلك الدول ويقلقها ويدفعها إلى النزول إلى حلبة الصراع سريعاً، وظهر التحالف «السوري - التركي» سريعاً، ودخل الأتراك سريعاً حلبة الصراع وقاموا بعمليات عسكرية ظاهرها ضد حزب «العمال الكردستاني»، وحقيقتها ضد الطموح الكردي في الأراضي التركية، وهو دخول علني وسريع للأتراك في حلبة النار العراقية بعد صمت وسكون طويل.
خامساً: لماذا حتى الآن القرار غير ملزم ولم يوافق عليه الرئيس الأميركي سريعاً مع أنه مخطط مرسوم؟ الإجابة: إن إقامة الدويلات الطائفية والعرقية محفوف بالمخاطر على المصالح الأميركية.
والإدارة الأميركية تعيش حالة تخوف من تنامي القوة الإيرانية في المنطقة، وهي لن تفرض التقسيم إلا بعد الانتهاء من الملف النووي الإيراني تماماً.
وأخيراً قرار تقسيم العراق هو إعلان ضعف أميركي على القدرة على المواصلة وحدهم في دفع فاتورة الاحتلال، ورغبة أميركية في تقسيم «كابوس العراق» على الجميع وإدخال المنطقة كلها حلبة الصراع لإضعافها لتفكيكها وإعادة تقسيمها من جديد، ولكن يبقى ذلك كله رهن قص شريط الافتتاح رسمياً.
elsharia5@hotmail.com
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
13
الحقيقة التي يتعين إيصالها إلى الأميركيين: الفشل في العراق كان محتماً
روجر أوين
الحياة
ما زلت أتابع محاضرات وندوات لأكاديميين ومستشارين سياسيين وصحافيين أميركيين ينتقدون السياسة المتبعة في العراق في جوانبها كافة، ويصرون على أن تبني سياسات أفضل كان سيأتي بالنتائج المتوخاة.
حضرت أخيراً ندوة في جامعة هارفرد لكاتب في صحيفة «واشنطن بوست» هو راجيف شاندريسيكاران، حول كتابه الشهير «الحياة الإمبريالية في مدينة الزمرد: داخل المنطقة الخضراء في العراق». عنوان الكتاب خير دليل على مضمونه: جملة من القصص تروي الحماقات التي يقترفها موظفون إداريون يعملون لصالح قوة احتلال، ويعيشون حياةً بعيدة كل البعد عن حياة الشعب الذي يحاولون حكمه.
ليس من الصعب الاستهزاء بالفكاهات حول المنطقة الخضراء التي يبتدعها هؤلاء الشبان والشابات الذين يُطلق عليهم اليوم في واشنطن لقب «فرقة أولاد المحافظين الجدد»، وهم شبان في العشرينات من العمر لا يملكون من الخبرة سوى العمل في مكتب ديموقراطي يميني أو في حملة دعاية سياسية. من الواضح أن الوجود الأميركي في العراق كان خطأً فادحاً. لكن لو أقدمت - أو أقدم شخص غيري في القاعة - على طرح سؤال في منتهى البساطة هو «هل كان الاجتياح سينجح حتى ولو استند إلى خبرات أبرز الإداريين في العالم؟»، لبدا المحاضر وكأنه لم يفكر في الموضوع إطلاقاً.
ذلك قد يعني أنه انطلاقاً من الفرضية الأولية حول ضرورة التخلص من صدام حسين وترسانته المزعومة من أسلحة الدمار الشامل، كان من الممكن، لا بل كان كان يجب تنفيذ العملية على نحو أفضل. لكن ماذا لو افترضنا أنه على رغم مصادر أميركا وقدراتها كافة على تسوية المشاكل، كان من المستحيل النجاح في عملية مماثلة؟ وإن ثبتت صحة فرضيتنا، فما هي الأسباب وراء هذا الفشل المحتم؟
بدا لي حديث شاندريسيكاران وكأنه يقدم بداية جواب على هذا السؤال. فمن جهة، سلط الضوء على فكرة أساسية هي أنه في حين كان باستطاعة الجيش البريطاني وموظفيه الإداريين المتمركزين في البصرة الاستفادة من عدد أكبر من الأفراد الناطقين بالعربية، ويتمتعون بخبرة أوسع من الأميركيين في إدارة أراض محتلة، ولم يعيشوا قط في منطقة مماثلة من حيث حجمها وعزلتها عن المنطقة الخضراء، فرغم كل ذلك لم ينجز هؤلاء مهمتهم بصورة أفضل من الجيوش المنتشرة في بغداد، تاركين جنوب العراق يعج بالميليشيات المسلحة التي يزيد عددها عن 140 ميليشيا في البصرة وحدها، بحسب مصادر في واشنطن.
من جهة أخرى - وهي الفكرة الأهم في رأيي - يقدم تاريخ المنطقة الخضراء نفسه مفتاح اللغز حول السبب الذي يحتم فشل عمليات الاحتلال المعاصرة أو على الأقل سيرها على نحو مختلف تماماً عما هو متوقع. وما تم إنشاؤه في المنطقة الخضراء كان مجرد نسخة عن السياسات البيروقراطية والخلافات القائمة داخل الإدارة في واشنطن نفسها، مع كل ما تنطوي عليه من عدم تنسيق وغياب توجيه مركزي موحد. أضف إلى ذلك افتقار المنطقة الخضراء إلى الإشراف المباشر القائم في واشنطن وزيادة عدد الافراد العاملين فيها. وما زاد الأمور تعقيداً هو وجود إدارة مصغرة مزدوجة بين بوش ورامسفيلد وتشيني تصدر أوامر يومية، لم تكن دائماً متماسكة، إلى الحاكم بول بريمر، الذي كان بدوره يأمر مرؤوسيه داخل بغداد وخارجها.
وكأن ذلك لم يكن كافياً، فقد قضت متطلبات السياسة الديموقراطية المعاصرة بتبرير التكاليف الباهظة للاجتياح والاحتلال أمام الرأي العام الأميركي، وبقدر أقل، أمام الرأي العام البريطاني، بأنها أتت نتيجة مشروع طموح إلى أبعد حدود يتمثل في تحويل نظام سلطوي تسيطر عليه الدولة إلى نظام تعددي وديموقراطي، وهو مشروع كان لا شك يتخطى قدرات الأميركيين على تنفيذه وقدرة العراقيين على استيعابه، لا بل يمكن القول بأنه «يهزم نفسه». ولم يتطلب المشروع بالصيغة التي وضعت له أعداداً هائلة من الفرق غير المتجانسة والمتنافسة المؤلفة من مستشارين غير أكفاء فحسب، بل تطلب أيضاً رزمة من الأدوات: جداول زمنية صارمة، وتوازناً إثنياً وطائفياً، ودستوراً ذا طابع تقسيمي - تسببت في الواقع بإضعاف الأهداف نفسها التي كان من المفترض إنجازها.
وأخيراً، فإن العراق الذي تمَ احتلاله سنة 2003 كان مختلفاً تماماً عن ذلك الذي احتله البريطانيون سنة 1914. آنذاك، كان العراق مجتمعاً بدوياً يعتمد على الزراعة الى حد كبير، وكان يحكمه العثمانيون بطريقة أقل ما يقال عنها إنها كانت سهلة. وبعد مئة سنة، تحولت البلاد إلى مجتمع أكثر تعقيداً وحضرياً بمعظم أجزائه وخضع لسلسلة من الأنظمة السلطوية وخاض تجربة مريرة شابتها الحروب والعقوبات والحرمان الاقتصادي. وفي الواقع، كان العراق مجتمعاً يجهل نفسه، ويجهل ما كان يريده وكيفية قيام نظام جديد، لربما باستثناء ذلك الذي أتى بضربة عصا سحرية أميركية.
إن الفكرة أن أشكال الاحتلال المعاصر تقاوم عادة من بعض شرائح سكان البلد المحتل واقع من وقائع الحياة. أما الشرائح الأخرى، وهي أكبر حجماً، فتحجم عموماً عن إبداء رأيها في ما يحدث، وتفضل الانتظار من دون تعليق آمالها على هذا الفريق أو ذاك، أو هذه الخطة أو تلك، ريثما تعود الأمور إلى مجراها. لكن الجميع يعلم، وهذا وجه آخر من وجوه الاحتلال المعاصر، أن المحتلين سيغادرون البلاد في المستقبل القريب.
ومع ذلك فإذا كانت فكرتي صائبة، فالمشكلة الحقيقية لا تكمن هنا، لأن التجربة بينت أنه من الممكن إدارة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لفترة محددة من الزمن بمزيج من القوة العسكرية وتعزيزات أمنية متواصلة وتحسين مستمر في الظروف الاقتصادية، وكوسوفو والبوسنة خير دليل على ذلك. إلا أن ما لا يمكن لهذه الشعوب تحمله هو الارتباك والاعتباطية والعجز الفادح الذي سيتأتى حتماً من «ظاهرة» المنطقة الخضراء.
من الواضح أن استخلاص العبر من هذه المعطيات هو أمر في غاية الأهمية. لكن إذا استمر أفراد النخبة الأميركية في الاعتقاد أن احتلال أرض أجنبية يمكن ان ينجح إذا ارتكز على خطة ملائمة ونفذ بالوسائل المناسبة وبفضل خبراء كفوئين، فستبقى فكرة احتلال بلدان أخرى مطروحة، وستؤدي دائماً إلى النتائج السلبية ذاتها. وبالتالي، يبقى التخلي عن الترسانة الأميركية، وهو ما أتمناه، واستبدالها بأساليب أخرى أكثر مرونةً للتعبير عن قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الخارج، رهناً باقتناع هؤلاء بأنه مهما كانت الخبرات والقوى المستخدمة، لا يمكن ان يحقق مشروع الاحتلال الخاص بهم أهدافه أبداً.
\

ليست هناك تعليقات: