Iraq News
























مواقع إخبارية

سي أن أن

بي بي سي

الجزيرة

البشير للأخبار

إسلام أون لاين



الصحف العربية

الوطن العربي

كل العرب

أخبار اليوم

الأهرام

الوطن

القدس العربي

الحياة

عكاظ

القبس

الجزيرة

البيان

العربية

الراية

الشرق الاوسط

أخبار العراق

IRAQ News




فضائيات



قناة طيبة

قناة الحكمة

قناة اقرأ

قناة الشرقية

قناة بغداد الفضائية

قناة البغدادية

قناة المجد

وكالات أنباء

وكالة أنباء الإمارات

وكالة الأنباء السعودية

المركـز الفلسطينـي

وكالة أنباء رويترز

وكالة الانباء العراقية


تواصل معنا من خلال الانضمام الى قائمتنا البريدية

ادخل بريدك الألكتروني وستصلك رسالة قم بالرد عليها

Reply

لمراسلتنا أو رفدنا بملاحظاتكم القيمة أو

للدعم الفني

راسل فريق العمل

إنظم للقائمة البريدية


اخي الكريم الان يمكنك كتابة تعليق وقراءة آخر عن ما ينشر في شبكة أخبار العراق من خلال مساهماتك في التعليقات اسفل الصفحة



Website Hit Counter
Free Hit Counters

الاثنين، 10 سبتمبر 2007

صحيفة العراق الألكترونية (المقالات والإفتتاحيات) الاثنين 10-9- 2007


نصوص الافتتاحيات والمقالات

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
1
العالم يفقد عقله
زهير ماجد

الوطن عمان

ليس من ينكر ان احتلال افغانستان والعراق كان وليد الصدفة او هو الرد المباشر على أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي نحتفل بمرور ست سنوات عليها. أي عمل استراتيجي كبير يحتاج لزمن من التجهيز والتعبئة وللدراسات والتمحيص وتهيئة المناخات اللازمة له ، خصوصا إذا كان في مستوى احتلال واجتياح .. عمل كهذا يبدأ بفكرة تسببه قضية أو أزمة أو حدث .. الولايات المتحدة صاحبة القوة الأعظم في هذا العالم لاتبني خطوتها الاستراتيجية على ردة فعل .. ان الفعل لديها يكون سباقا على فعل يقوم به عدوها او من لاتأتمن لهم او من لن تكمن لهم شرا ، لكن امر تحركها يتعلق بسر مفضوح يجر وراءه مجموعة اسرار مخبأة.
قبل الحادي عشر من سبتمبر أظهرت الاسرار غير المعلنة ان دراسات مكثفة جرت حول احتلال العراق بعدما أدعت الولايات المتحدة ومن إلى جانبها قضية السلاح المدمر لدى العراق .. كانت الادارة الاميركية تعاين من بعيد ضرورة البت بأية وسيلة بوجود هذا السلاح لدى صدام حسين ، ولأنه لم يكن موجودا بالفعل فقد ادعت وجوده بالقوة ، وكان واضحا أن ثمة مايستعد الاميركي لتنفيذه .. كان يجب حصول تحول دولي من أجل إنجاح الخطة الأميركية . عند وقوع أحداث سبتمبر أخرجت الولايات المتحدة من حواسيبها نقاط التحرك والهيمنة والتقدم ، فكان العراق لقمة سائغة ، ولو ان النظام العراقي البائد تمكن من الدفاع عن بغداد على الاقل لكانت الحرب لما تنته حتى الآن كما هو الاعتقاد ..
احتلال العراق وقبله افغانستان أسس لاستنفار المنطقة والعالم . لم يكن لاحد ان يتوقع عودة الاستعمار القديم بعدما تم دفنه على ايدي الكثير من الكتّاب والمحللين الذين اتحفونا دائما بزوال عصر هذا الاستعمار ، اي الاحتلال المباشر ، امام السياسة الدولية الجديدة القائمة على الاستعمار الجديد القائم على الاقتصاد والثقافة وغيرهما.
وبدل ان يصحح الاميركي الوضع في العراق وفي المنطقة عموما ، أخرج نذر الشر إلى العلن وأمعن في رسم سياسات تخص ماحول العراق ، فوقعت سوريا في الحصار ، وسقط لبنان في قبضة الازمات ، وسقطت فلسطين في لعب جهنمية داخلية ومع اسرائل ، وبرزت محنة اكبر حين اصبحت ايران هدفا معلنا ليس لضرب سياسستها النووية بل لإسقاط النظام من اساسه.
منطقتنا اليوم يطلق عليها لقب " الحائرة " ليس لحظها العاثر بل لان بناها تهتز امام وقع الضغوط عليها . لكأنما جاء احتلال العراق كنقطة ارتكاز طال حراكه محيط العراق واصبحت المنطقة بالتالي خليطا من الفوضى والشكوك والاثارة المذهبية والطائفية ، وهي مازالت تذهب في هذا الاتجاه دون أمل بتصحيح المسار وإعادة الهدوء إلى مكامنه.
كل شيء تغير بعد الحادي عشر من سبتمبر ، ست سنوات كانت كافية لإحداث هذا الشر المتطاير والمعقد والمطل على نوافذ صعبة لايمكن الخروج منها بعد الآن الا اذا جرى تصحيح ذلك بتوافقات تثيرها اميركا مع المحيط العراقي لاخراجه من التعقيد الى التبسيط من ثم الى الحل الدائم والثابت.
قال المفكر العربي عبدالله القصيمي ذات يوم ان العالم يفقد عقله . لايمكن للصغار او الذين لايملكون قوة التغيير احداث هذا الفقدان .. الدولة العظمى وحدها مسؤولة عن الشر المستطير الذي يتوزع على قوى المنطقة ونظمها واحوالها . كما ان الرد الاميركي على الحادي عشر من سبتبمر لم يغلق باب " الارهاب " الذي شن حروبه من اجله وانما افتتحه على مداه واعطى قوى " الارهاب " تلك القدرة والقوة على ان تترعرع وتصمد وتتحول إلى قوى عالمية تسعى لتأكيد اهدافها في كافة المجالات.

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
2
بوش في الأنبار


وليد الزبيدي

الوطن عمان


رسالتان رئيسيتان حملتهما زيارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش إلى محافظة الأنبار العراقية ، هذه الزيارة التي أثارت جدلا واسعا بين الأوساط السياسية والإعلامية ، وقرأ الكثيرون هاتين الرسالتين من زوايا مختلفة ، ومن الواضح ان قراءة موضوعية دقيقة ، لهذه الزيارة،تحتاج إلى رؤية عميقة ومعرفة بمتغيرات السياسة الاميركية ، ومن خلال هاتين الرسالتين،التي حملتهما زيارة بوش،يمكن الوصول الى تلك الرؤية.
الرسالتان هما:
الاولى:أن بوش لم يذهب إلى مدينة الرمادي،التي شهدت معارك عنيفة بين القوات الاميركية والمقاومة خلال السنوات الثلاثة الاخيرة ، واستخدمت فيها القوات الأميركية مختلف أنواع الاسلحة وتعاملت بمنتهى القسوة والعنف مع أبناء المدينة ، فاعتقلت الآلاف وقتلت عشرات الالاف ودمرت الاف المنازل والمحال التجارية ، واقترفت ابشع الجرائم بحق أبنائها، ومن الشواهد الشاخصة في الذاكرة مجزرة حديثة ، التي وصلت تفاصيلها إلى الرأي العام ، وهناك آلاف الجرائم ، التي لم يعرف العالم عنها شيئا،ورغم كل مايقال عن استتباب الامن في مدينة الرمادي،الا ان بوش لم يجرؤ بالوصول الى هذه المدينة،وقد اختار قاعدة(عين الاسد)في منطقة صحراوية تبعد اكثر من مائتي كيلومتر عن الرمادي،وانتشرت القوات الاميركية على مساحات واسعة في محيط هذه القاعدة الامريكية الضخمة،كما امتلأت اجواء مناطق الرمادي بطائرات التجسس والرصد والمراقبة،والطائرات المقاتلة،وتم استنفار جميع القوات الاميركية العاملة في العراق ، وهذا يدلل على ان هاجس الخوف عند القادة الاميركيين وفي مقدمتهم جورج بوش مازالت على اشدها وبأعلى درجاتها،وفحوى الرسالة التي اراد ايصالها بوش من هذه الزيارة،هو طمأنة الرأي العام الأميركي،بأن خطته التي طرحها مطلع العام الحالي،حققت أهدافها،وهاهو يزور واحدة من أكثر مناطق العراق سخونة،وهي مدينة الرمادي،في حين كانت الزيارة إلى قاعدة أميركية وسط الصحراء وجرت وسط الإجراءات الامنية العالية وهذه الرسالة تصل على غير حقيقتها لكل من يجهل الجغرافية العراقية.
الثانية:ان بوش لم يذهب إلى بغداد العاصمة،حيث تتواجد السفارة الأميركية وكبار المسؤولين الاميركيين والعراقيين،واضطر إلى استدعاء هؤلاء جميعا إلى القاعدة الأميركية وسط الصحراء،وبذلك أراد إعطاء تصور إلى الرأي العام في أميركا وخارجها ، بأن ماتحقق في محافظة الأنبار،أفضل مئات المرات من محاولات حكومة المالكي،التي فشلت في تحقيق أي من المطالب، التي أرادها بوش ووضعها امام المالكي منذ لقاء عمان مطلع هذا العام والتي كررها خلال اتصالاته عبر الدوائر التليفزيونية المغلقة الكثيرة،كما انه هاجس الخوف يلازمه بقوة خاصة ان طائرة وفد الكونغرس قد تعرضت للنيران عندما اقلعت من مطار بغداد قبل ثلاثة أيام من زيارة بوش.
إن خلاصة هاتين الرسالتين ، هو القول بأن أميركا قادرة على سحب قواتها من بعض المناطق مثل الرمادي،لتهيئة الرأي العام الأميركي لقبول الانسحاب بأي طريقة كانت.
كاتب عراقي wzbidy@yahoo.com
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
3
استقالة متأخرة عن فضائح مبكرة!

كاظم الموسوي

الوطن عمان

تتواصل سلسلة الاستقالات من قبل أركان في الإدارة الأميركية، او الهروب من السفينة الغارقة في وحولها قبل انتهاء فترتها بأشهر معدودة، وتفقد هذه الاستقالات بريقها أو دويها لأنها تأتي بعد انتشار رائحة فضائحها ارتقاء لجرائم بحق القانون والحقوق الانسانية والعدالة والكرامة البشرية. استقالات مفروضة او مجبر عليها من مناصب مهمة ، من وزارة الحرب إلى المستشار السياسي وقائد حملة الانتخابات للرئيس الحالي ، مرورا بأبرز شخصيات المحافظين الجدد ، أصحاب القرار السياسي الفعلي في الإدارة الأميركية الحالية. واعتبرت إعلاميا وسياسيا ضربات متوالية لسياسة الرئيس الأميركي بوش الثاني، فقد قبلها او تقبلها على مضض، كما أعلن من نطق باسمه فيما بعدها. وكل هذه الاستقالات الهزائم, سواء على صعيد شخصي او سياسي او قانوني اخلاقي، ترتبط مباشرة او بتداعيات مشاركات أصحابها في تصعيد ما تسميه الإدارة الأميركية بالحرب على الإرهاب، وغزو افغانستان والعراق واحتلال البلدين بغطرسة امبراطورية عمياء.
ليس آخر هذه الاستقالات استقالة وزير العدل، المدعي العام الاميركي البرتو غونزاليس من منصبه بعد محاولات عديدة للمراوغة والتملص من الاستحقاق الاعتيادي في مثل هذه الحالات هناك على الاقل، الا انه تشبث بمنصبه ورفض طلبات من مستويات متعددة بالاستقالة، وتحمله مسئوليات كبيرة في خرق القانون والعدل الذي يحمل وظيفته الرسمية. وقد فتحت الاستقالة المتأخرة مجالا واسعا لوسائل الإعلام للتأكيد على أنها دليل إضافي على ازدياد ضعف الرئيس الأميركي وإدارته في أشهرها الأخيرة والورط المعقدة التي وضعت فيها، وبالتأكيد تلاحقها معارك اخرى حول البديل الذي سيختاره الرئيس بوش الثاني. وكذلك الإشارة إلى اسماء اخرى مازالت في الادارة وتتحمل مثله او شاركت معه فيما ارتكب من فضائح وفظائع لم تعد مخفية. حتى ان صحيفة الاندبندنت البريطانية كتبت فى افتتاحيتها ان هذه الاستقالة هى مسمار اخر فى نعش الرئيس المحتضر وانها واحدة من الاحداث التى طال توقعها إلى درجة أنه عندما حدثت أخيرا بدت وكأنها مفاجأة. وأضافت إلى أن عهد غونزاليس تلطخ منذ بدايته بسلسلة من الفضائح التى قوضت الثقة بوزارته كذراع محايد فى الحكومة وحامية للدستور حيث بدت غالبا بأنها تخدم المصالح الحزبية للبيت الابيض. وعلق كثير من المعلقين والمراقبين على ولائه المطلق للرئيس بوش الثاني والإدارة الأميركية إلى درجة الإخلال بمبادئ القانون او تفكيك دولة القانون التي تدعيها الولايات المتحدة الأميركية، ولم يقبل فحسب بانتهاك حقوق الإنسان، بل ساهم أيضا في ذلك بادعاء حماية الولايات المتحدة من الإرهابيين الحقيقيين أو المفترضين.
ولم تنس جماعات الدفاع عن الحريات العامة في الولايات المتحدة لغونزاليس وصفه بعضاً من بنود اتفاقية جنيف التي تحظر تعذيب أسرى الحرب، بأنها "بنود عفا عليها الزمن"، إضافة إلى مسؤوليته عن إصدار مذكرة مكتوبة أباح فيها تعذيب المعتقلين في السجون الأميركية، فضلاً عن ضلوعه في عمليات إباحة التجسس على المواطنين الأميركيين من دون إذن قضائي، المشهورة في قضية التنصت، ودوره في وصمة العار او العلامة والشعار الجديد لاميركا، المعروف باسم معتقل غوانتانامو، ودفاعه عن احتجاز المشتبه بضلوعهم في الارهاب فيه دون أن يتمتعوا بالحقوق التي تنص عليها اتفاقية جنيف لمعاملة الاسرى، وتورطه في طرد تسع مدعين عموميين من وزارة العدل، والكذب في أسبابه امام الكونغرس. كما ذكر ان الاستشارات القانونية التي قدمها لبوش الثاني كانت السبب في اساءة معاملة وتعذيب معتقلي سجن ابو غريب في العراق على يد جنود اميركيين. ولهذا تمتع بلقب "حامي إدارة بوش"، ممارسا كل ما لديه من خبرة قانونية ومحاماة في الدفاع عن انتهاكات الادارة للدستور والقانون والحقوق العامة. لا سيما مع رفضه المطلق استجابة طلب مكتب المحاسب العام، بالكشف عن وثائق تتعلق بلقاءات جمعت نائب الرئيس ديك تشيني ومسئولين في شركة أنرون، التي ارتبط اسمها بواحدة من أكبر فضائح الإفلاس في أميركا، إضافة إلى دفاعه عن قرار بوش إخضاع غير الأميركيين من المشتبه بتورطهم في الإرهاب لمحاكمات عسكرية.
استقالة غونزاليس تفضح صدقيته والرئيس الأميركي معه، ولم تنفعه إشادات بوش الثاني به، وقد تفتح عليه ابواب العدالة التي شوه سمعتها، كما طالب مشرعون أميركان بذلك ورفضوا أن يكون ''كبش فداء'' للإدارة والرئيس الأميركي. وقال السناتور جون كيري "حتى بعد رحيل غونزاليس فان الكونغرس سيواصل جهوده لنحصل على الحقيقة ولكشف حسابات بشأن كل المسائل العالقة". ومن المتوقع ان يتمسك الكونغرس بطلبه الاستماع الى شهادة غونزاليس. كما ان المشرعين الديمقراطيين، وحتى بعض الجمهوريين، ينتظرون تعيين وزير جديد لمحاسبة جديدة مع الرئيس وادارته في هذا الشأن، حيث هذه فرصة أخرى يهتبلها الديمقراطيون تحضيرا للانتخابات القادمة. والبيت الابيض يعلم ذلك وقد عبر الناطق باسمه سكوت ستانزل عن الأمل في ان يقوم مجلس الشيوخ ''بتغليب مصالح البلاد (...) على السياسة الحزبية''. دون الاشارة إلى الانتهاكات القانونية والاخلاقية التي قام بها وزير العدل ورئيسه أو تصحيحها والاعتذار من الشعب الأميركي أولا وشعوب العالم التي صارت ضحية لتلك السياسات والاستشارات الغاشمة ثانيا.
قد تصبح هذه الاستقالة المتأخرة للفضائح المبكرة موضوعا اخر يشغل بال السياسيين الاميركان ووسائل الاعلام فترة ما، وقد تضغط على توجهات الادارة داخليا، ولكنها كما علق بعض المحللين قد تعطي انفراجة لسياسات بوش الثاني الحمقاء. وفي كل الأحوال تبقى الاستقالة مهمة ازاء قضايا انتهاكات حقوق الانسان والاستهانة بالقانون والاتفاقيات الدولية واحترامها والالتزام بها دوليا. لاسيما امام تصاعد المطالبات بالغاء معتقل غوانتانامو سييء الصيت، والغاء المحاكمات العسكرية وإعادة الاعتبار للقانون والاتفاقيات الدولية في معاملة الأسرى والمعتقلين في ظروف الحروب والغزو الأمبراطوري الجديد، وفي وقف الانتهاكات بكل أشكالها لحقوق الانسان والحريات العامة، سواء داخل الولايات المتحدة الاميركية او خارجها. واذا كانت أصوات كثير من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين مشغولة فيما يتعلق بالشئون الداخلية، فلابد أن تأخذ المنظمات الانسانية والمدافعة عن الحقوق المدنية بالمطالبة بشمول حقوق الانسان والحريات المدنية حيثما كانت واين وجدت، لا تفريق ولا ثلم لاسم الانسان فيها. فهل تشهد الايام القادمة كشفا واضحا اضافيا ورسميا لكل الانتهاكات والفضائح والفظائع التي ارتكبتها الادارة الاميركية الحالية وعصابات المحافظين الجدد، ام انها موجة وتمر من الاتهامات والانشغالات قبل فترة الانتخابات الرئاسية القادمة؟.

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
4
رجل الساعة يظهر في البصرة

كيم سينغوبتا

اندبنتت
الرجل الذي حمل على كتفيه مسئولية كل التوقعات القادمة هو الجنرال الشاب مهان الفريجي, وذلك في مراسم التسليم والتسلم التي تسلم بموجبها قصر البصرة من القوات البريطانية.

والجنرال الفريجي هو الذي أعلن انه لم تعد هناك حاجة لأن تبقى القوات البريطانية في آخر القواعد التي تبقت لها في المدينة, وأن بقاء تلك القوات سيؤدي ببساطة للتحريض على العنف. وهو أيضا الرجل الذي يعود إليه الفضل في تنظيم الهدنة مع المليشيات الشيعية في البصرة التي شهدت تناقصا دراماتيكيا للعنف مما مكن القوات البريطانية من الإنسحاب من قاعدة القصر باقل الإصابات.

والقائد العراقي الجنرال الفريجي, الذي أرسل من بغداد من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي, هو المسئول عن جميع قوات الأمن العراقية في الجنوب العراقي في الوقت الذي تتجمع فيه القوات البريطانية في آخر موقع لها في مطار البصرة استعدادا للمغادرة خلال شهر واحد.

وقد صار إسم الجنرال مهان الفريجي تعويذة في ألسنة المسئولين البريطانيين في لندن والبصرة بالإضافة لعدد كبير من العراقيين البارزين. وكثيرا ما تسمع هنا في البصرة عبارات مثل "الجنرال مهان سوف يتولى ذلك" أو " الجنرال مهان قد قرر هذا". هذا القائد ينظر إليه الآن بصفته رجل الساعة, الرجل الجدير بمواجهة أي خرق للقانون والنظام عندما تنهي المملكة المتحدة تدخلها في هذا البلد.

ويعتبر الجنرال مهان علماني, بصورة عامة, وسط الصراع في المشهد الطائفي. ورغم أنه لا يعتبر شخصية شعبية, إلاأن اسمه لم يتلطخ باتهامات الفساد.

لقد عبر المسئولون البريطانيون وهم يستعدون للمغادرة عن ثقتهم في القوات العراقية التي تحل محلهم. ومع ذلك فللجنرال مهان تقييم قاس لبعض من هم تحت قيادته. فقد قال: "الشرطة هي واحدة من اكبر المشاكل هنا. فلبعضهم ولاءات لبعض الجماعات والإشخاص بدلا عن الولاء للوطن. وقد حدث الامر بهذه الطريقة لان الولايات المتحدة وبريطانيا قد كونتا قوات الشرطة على عجل بعد سقوط صدام حسين. وقد أنضم إليها اناس من مختلف الاحزاب دون أن يتم فحص ولاءاتهم, فربما لم يكن هناك وقت لذلك. لكن هذا ما سوف نقوم به الآن".

- فهل يعني هذا أنك سوف تفصل العديدين من هذه القوات؟
- "نعم بكل تاكيد"
- دون اي تمييز؟
- "لا, فانا لست من البصرة ولا أدين لاي شخص بأي شيئ هنا"

لقد شهد يوم الأربعاء الماضي المراسم الرسمية لتسليم قصر البصرة من السيطرة البريطانية إلى السيطرة العراقية. وادعت الولايات المتحدة أن بريطانيا قد (فقدت) الجنوب وقد يكون من اللازم إرسال قوات أمريكية لملئ (الفراغ) الذي ينشأ عن الإنسحاب. وكانت ردة الفعل من جانب البريطانيين المحنقين قوية بصورة غير عادية وقد قاوموا الضغوط الأمريكية لتأجيل الإنسحاب من قصر البصرة.

وسط بقايا وليمة الغداء الضخمة, أثنى الجنرال القصير , متين البنيان وسهل الإبتسام, على الجيش البريطاني للتدريب الذي قام به للقوات العراقية وللطريقة التي تميز بها سلوك هذا الجيش. وبعدها, وبدون تلقين من احد, انتقد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لفشلهما في إعادة بناء البنية التحتية المهترئة للبلاد وتوفير الوظائف للمواطنين.

قال الجنرال مهان الفريجي في كلمته: "إذا تم عمل اللازم من اجل خلق الوظائف للشباب, لما كنا قد واجهنا الوضع الذي نواجهه الآن مع المليشيات. إنني لا أعتقد بأن البريطانيين والأمريكان قد فعلوا ما يكفي. لقد استغلت المليشيات الحاجة للمال وسط الشباب. وقد استجوبت أناسا نفذوا عمليات قتل مقابل 500 دولار وآخرين قاموا بأعمال إجرامية خطيرة مقابل 15 دولار. لهذه الدرجة من الرخص صار العنف وحياة الإنسان في هذا البلد."

كما هاجم الجنرال مهان الامريكان أيضا حيث قال: "ما رأيناه في أبو غريب , تلكم الصور, كان امرا صادما. لم نكن نتوقع هذا من بلد يقول عن نفسه أنه أرض الحريات, ويؤمن بالحرية".

ولهذا القائد الوالد لخمس من الاطفال, ذكرياته الحزينة مع أبوغريب حيث سجن لمدة أحد عشر شهرا من قبل نظام صدام حسين في منتصف التسعينات. كان التعذيب أمرا روتينيا ومحطما, كما قال. وأضاف: "إنني, وبقدر ما استطعت, لم أسمح بهذا في قواتي. أعرف أنه من السهل قول ذلك, لكنني أحاول أن اقوم شخصيا بالتحقيق في مثل هذه الحالات. وفي النهاية, فإن التعذيب امر لا معنى له. فالناس يعترفون بأي شيئ لتجنب الألم. أعرف ذلك لأنني قد فعلته. وكان كل الذي طلبته مقابل الإعتراف أن يوصلوا رسالة لأفراد أسرتي أقول لهم فيها لاي درجة أنا مهتم بهم قبل ان أموت".

قال ضابط بريطاني أن عبارة القائد الفريجي المفضلة هي: "لا تقل لي ما سوف تفعل, أرني ما فعلت"

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
5
وحكومة تكنوقراط في العراق

سلامة عكور
الراي الاردن


بعد انسحاب وزراء جبهة التوافق السنيَة والكتلة الصدرية والقائمة العراقية التي يتزعمها اياد علاوي ، اي بعد انسحاب 17 وزيرا من حكومة نوري المالكي ،اصاب الحراك السياسي شلل وعجز ملحوظان ..اضطر نوري المالكي للجوء الى المرجع الديني - الشيعي الاعلى علي السيستاني لعله يرشده الى حل معقول ومقبول لأزمته ولأزمة حكومته ..لا سيما وقد ايقن المالكي ان ادارة الرئيس بوش في البيت الابيض وفي البنتاغون ليست راضية عن مواقفه من استحقاقات المصالحة الوطنية ، او من الميليشيات الشيعية المسلحة التي تمارس الارهاب على اكثر من صعيد وتتدخل عمليا في شؤون الجيش والاجهزة الامنية بايعاز من حكومة طهران او من الحرس الثوري الايراني الذي يمدها بالمال والسلاح ..وقال المالكي ان السيستاني قد نصحه باستقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة جديدة من ''التكنوقراط'' اي حكومة ''تكنوقراط'' !!..وقد يأخذ المالكي بنصيحة السيستاني ويحاول تشكيل حكومة جديدة اذا ما حظي بتأييد الرئيس بوش طبعا ..وذلك على امل فك عزلة حكومته الحالية واخراج نفسه من المأزق السياسي والامني الذي تورط فيه بارادته وبصنع يديه عندما لجأ الى نظام المحاصصة بين الاحزاب والميليشيات الشيعية من جهة وبين الحزبين الكرديين بزعامة البرزاني وجلال الطالباني من جهة اخرى ...وذلك بمنأى عن اشراك الاحزاب والقوى السنيَة التي عانت من عمليات اقصاء متعمدة منذ بداية الاحتلال الامريكي - البريطاني حتى اليوم ..اللهم باستثناء جبهة التوافق السنيَية التي لم يستمع لرأيها ولم تحترم مواقفها سواء في المجلس التشريعي او في الحكومات التي شاركت فيها وحتى الان ..اما المقاومة الوطنية والاحزاب والقوى السياسية السنيًة التي تدعمها او تؤيد كفاحها فقد تم التعاطي معها على اساس انها ''ارهابية '' يجب مكافحتها بكل الوسائل ...ان لجوء المالكي الى السيستاني قد جاء بعد زيارة الرئيس بوش للعراق قبل ايام وبعد وقوفه على حقيقة الموقف الامريكي من حكومته الحالية التي تعرضت وتتعرض لحملة انتقاد واسعة من قبل جنرالات وخبراء سياسيين وعسكريين امريكيين وبريطانيين وغيرهم ..وحتى من قبل اعضاء الحزبين الديموقراطي والجمهوري ..خاصة وان الرئيس بوش قد لوح باحتمال اجراء مشاورات بشأن خفض القوات الامريكية في العراق ..مشيرا الى التقرير الذي من المتوقع تقديمه الى الكونغرس بعد عودة الجنرال ديفيد بتريوس والسفير الامريكي في بغداد ريان كروكر الى واشنطن حول الوضع الامني و السياسي في العراق ..والمعروف ان غالبية اعضاء الكونغرس غير راضين عن اداء حكومة المالكي ولا عن اداء القوات الامريكية في العراق بعد مدها بحوالي ''30'' الف جندي ..حيث ظل شلال الدم في تزايد وظل الوضع الامني في تدهور مستمر ...وظلت الحكومة ومعها القوات الامريكية عاجزة عن او رافضة لوضع برنامج مصالحة وطنية مقنع ومقبول ...وظلت ترفض تعديل الدستور رغم ادعائها اللفظي الدعائي بالموافقة على تأييده ..واذا كانت زيارة الرئيس بوش للعراق من اجل الوقوف حقا على حقائق الوضع الامني والسياسي في العراق وليس كحركة بهلوانية للدعاية او لكسب تأييد كل من الجنرال بتريوس والسفير كروكر في تقريريهما المنتظرين لدى عودتهما الى واشنطن ، فانه اي بوش ينبغي ان يكون قد لاحظ انه لا مخرج عمليا لادارته ولبلاده من المأزق القاسي والقاتل في العراق سوى بالانسحاب الكامل من اراضيه وترك الشعب العراقي بجميع مكوناته يقرر مصيره بنفسه .. اما استمراره في تأييد حكومة المالكي مرة وانتقاده لها مرة اخرى فلا يجدي فتيلا ابدا ..


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
6
رسالة من بغداد

توماس فريدمان
نيويورك تايمز
شاهدت العديد من الاشياء المتناقضة في زيارتي هذه للعراق. وهي من الكثيرة بحيث لا يمكن الإعلان عن أنها تمثل خطا معينا. عليه دعوني أشرككم في ثلاثة مشاهد كان لها تاثير عليّ شخصيا.

مشهد – 1:
ذهبت ضمن دورية في زيارة لإحدى قواعد الجيش الامريكي في حي العامرية ببغداد ومررنا بجانب "فرسان العامرية" وهذ ليس فريقا للركبي كما شرح لي الجنرال بتريوس

والعامرية هي حي سني كان سكنا للاطباء والمحامين والمهنيين الآخرين. ومن المخيف ان ترى كيف تمزقت هذه المدينة إلى أشلاء. فهذه المنازل التي من الواضح أنها كانت لصفوة الطبقة الوسطى, قد هجرت وامتلأت شوارعها بالقمامة والاوساخ. وقد تعرض هذا الحي أولا لاعتداء من المليشيات الشيعية, بعدها تعرض لاعتداء من السنة التابعين للقاعدة الذين جاؤا إليه بحجة حماية السنة من الشيعة, ثم اشاعوا الرعب والإرهاب وسط سكانه.

وفرسان العامرية هم فتيان من السنة العلمانيين القاطنين في الحي والذين تعاضدوا لهدفين, طرد القوات التابعة للقاعدة, التي تجذرت في هذه المنطقة باكثر مما تصورت, وحماية منازلهم من فرق الموت الشيعية. وقد قرروا ان يعملوا مع الامريكان لأننا نشكل لهم تهديدا أقل من كل من السنة التابعين للقاعدة ومن الشيعة.وقد بدى لي ان معظمهم من منسوبي الجيش البعثي السابق. فمعظمهم يلبسون الجينز وكل منهم يحمل سلاحا مختلفا عن الآخر.

عندما سألت أحدهم, ويدعى عمر نصيف, 32 عاما, لماذا تحولتم من إطلاق النار على الأمريكان إلى العمل معهم, قال: "رايت بأم عيني رجلا من القاعدة يحز رأس طفلة في الثامنة من العمر. إننا نريد الدعم الامريكي لأننا نقاتل أعنف منظمة في العالم هنا. إننى افضل العمل مع الأمريكان على العمل مع الجيش العراقي. فالأمريكان ليسو بطائفيين".

في مرحلة ما من جولتنا, سرنا على الاقدام متجولين في الحي ونحن ندوس على الغبار الناعم في درجة حرارة بلغت 126 درجة. وعندما حانت مني إلتفاتة, رأيت مشهدا سرياليا. فها هم المتمردون البعثيون السابقون وبنادقهم مشرعة في جميع الإتجاهات مكونين كردون حول ضابط أمريكي كبير لحمايته.

وهذه هي الاخبار الطيبة والاخبار السيئة من العراق:
الاخبار الطيبة: الزيادة في القوات تهدئ من العنف. الأخبار السيئة: هذا الهدؤ النسبي جاء نتيجة لحرب سنية – سنية دفعت بالسنين العاديين إلى معسكرنا لمحاربة السنة الجهاديين, وليس نتيجة لتقارب سني شيعي حقيقي.

إن السلام في العراق يجب أن يبنى على إجماع سني - شيعي وليس هو عملية توازن مستمرة من طرف الولايات المتحدة. وحتى الآن, فإن زيادة القوات لم تفعل أي شيئ قادر على البقاء بنفسه. وهذا يعنى أنه إذا انسحبنا خارجين, فإن هذا المكان بكامله سوف ينفجر في عشر دقائق. وسوف نعرف أن هناك تقدم إذا فعل الشيعة والسنة شيئا يدهشنا, إذا قاموا فعليا بمد أيديهم لبعضهم البعض. وحتى الآن, فإن كل الذي سمعته منهم هو إما "أنا ضعيف, فكيف أعقد تسوية؟" أو "أنا قوى, فلماذ أعقد تسوية؟". لا عراق مستقر بدون وسطية.

مشهد – 2
في طريقي إلى العراق تبادلت الحديث مع قائد خليجي حكيم. وقال لي شيئا لا يزال يرن في أذني. قال: "توماس, الجميع يريدون إبقائكم مشغولين في العراق. الروس والصينيون والإيرانيون والعرب يبقونكم مشغولين".

إنه على حق, فالجميع يحبون أن يروننا مربوطين هنا. وعلى المرء فقط ان يرى كيف أن فلاديمير بوتين يلقى بثقله حول أوربا وكيف ان الصين تصير أكثر نفوذا يوما بعد يوم وكيف تجرأت إيران وكيف ان جميع الدكتاتوريات قد تنفست الصعداء لان امريكا غارقة في العراق ولا تستطيع ان تضغط عليهم من اجل الديموقراطية, على المرء أن يرى ذلك, ليفهم أن هناك ثمنا باهظا لبقائنا هنا بلا تحقيق نجاح ولا استرتيجية للخروج.

المشهد – 3
إننى أزور الآن المستشفى الميداني الامريكي الجديد في بغداد وسط العراق. والجنون الكامل الذي هو العراق معروض هنا. جنود امريكيون جرحى إنفجارات, متمردون بجروح طلقات نارية في بطونهم, طفلة في شهرها الثاني بجروح ناتجة عن شظايا من قنبلة زرعها احد المتمردين. قائد المستشفى, الجنرال بيرت فيلد, ينظر إليها ويقول لي: "لا يوجد طفل عمره شهرين في هذا الكوكب, يعرف كيف يكره اي شخص. لكنهم يعلمونه ذلك".

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
7
الأمل الوحيد للعراق
إيفان إلاند

واشنطن تايمز
إن مستقبل العراق كدولة صالحة يتطلب حكومة جديدة تماما متفردة فيما يتعلق بهيكل اقتسام السلطة،فالحكومة لن تدوم وتبقى إلا إذا أقر العراقيون تلك الحيلة السياسية البارعة والمفيدة التي ابتكرها حاكم ولاية ماساتشوستس البردج جيري في عام .1812
مما لا شك فيه ان الوقت يمر بسرعة كبيرة. وربما تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من العراق في اوائل العام المقبل. بل والأرجح أن رجال السياسة سوف يتجهون مرة أخرى نحو توصية مجموعة دراسة العراق التي تقول بضرورة سحب نصف القوات القتالية الأمريكية واستخدام ما يتبقى من القوات الأمريكية في ملاحقة عملاء القاعدة، وتدريب قوات الامن العراقية، وحراسة الحدود.
لكن حتى تنفيذ عملية انسحاب متواضعة ربما يؤدي إلى المزيد من أعمال العنف، ويضع القوات الأمريكية المتبقية في العراق في خطر أكبر. أما الحل الافضل فهو إعلان خطط سحب كافة القوات الأمريكية، لأن ذلك سوف يقلل من عدد الضحايا الأمريكيين، ويعطي للحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة والأكراد فرصة جيدة للتعامل مع الواقع، الأمر الذي يحملها على التقدم بالتنازلات المطلوبة للسنة. ومن شأن ذلك أن يحول دون نشوب حرب أهلية شاملة يحصل المنتصر فيها على كل شيء.
أما التنازل الأهم فهو التوصل إلى اتفاق لإنهاء المركزية في العراق، وإنشاء ثلاث دول شبه مستقلة- دولة كردية في الشمال، وأخرى سنية في الوسط، وثالثة شيعية في الجنوب، وتتولى الحكومة في بغداد مسؤولية الشؤون التجارية والاقتصادية وإجراء السياسة الخارجية.
من شأن هذه الكونفدرالية أن تقلل المخاوف من تولي جماعة عرقية أو دينية واحدة السيطرة على الحكومة الوطنية ثم تبدا بعد ذلك في قمع الآخرين مثلما فعل الرئيس الراحل صدام حسين. على الرغم من أن الجماعات العرقية في العراق سوف تريد جميعها حكم البلاد، إلا أن أيا منهم ليس لديه إمكانية تولي السلطة بالقوة. لذلك، فبالاتفاق على حكومات إقليمية مستقلة وقوية- تكون كل منها مسؤولة عن أمنها، وعن معظم الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية، والأشغال العامة- سوف يعمل السنة والشيعة والأكراد على منع خصومهم من الفوز بالجائزة الكبرى.
وبفضل الثروة النفطية في الشمال والجنوب، لن يخسر الشيعة ولا الأكراد كثيرا من هذا الاتفاق. أما السنة فسيخسرون كثيرا لأن منطقة وسط العراق التي يسيطرون عليها لا تحتوي على احتياطات نفطية كبيرة. إذن كيف يمكن تشجيعهم على الموافقة على هذا الاتفاق؟
يكمن الحل فيما يسمى بعملية (جيريماندرنج) التي تعني «تقسيم المنطقة إلى وحدات سياسية لمصلحة السنة» وهذه حيلة تم تنفيذها منذ 200 عام تقريبا في ولاية ماساتشوستس عندما قرر حاكم الولاية البردج جيري إنشاء منطقة سياسية كانت تشبه السمندر (ومن هنا جاء تعبير جيريماندر). بمعنى آخر يتم في الخريطة الرسمية للعراق الجديد ترسيم الحدود بأسلوب خلاق ليعطي السنة عددا من حقول النفط، وهذا ترتيب أكثر عملية من مجرد الوعد بتقسيم العائدات النفطية.
يكمن أحد الانتقادات المهمة لعملية اللامركزية في أن بغداد وعدد من المدن العراقية الكبيرة يقطنها عدد من الجماعات العرقية المختلفة. وهنا يمثل أحد جماليات عملية التقسيم أو «الجيريماندرنج»: يمكن ترسيم الحدود الإقليمية بصورة تدمج الأقاليم الدينية والعرقية في المدن، مثل حي الكونجرس الرابع المحيط بشيكاغو والمعروف باسم حي غطاء الأذن الذي سمي كذلك بسبب شكله. لقد تم رسم المنطقة لتضم اثنين من الأحياء الأسبانية. علاوة على ذلك، فإن العراقيين أنفسهم، وليس أي قوة خارجية، هم الذين سيرسمون حدودهم مما يعطي فرصة ودعم كبيرين لنجاح النتيجة النهائية للترسيم.
ثمة شاغل آخر وهو أن إقامة كردستان عراقية تتمتع بالحكم الذاتي قد يتسبب في غزو تركي لأن تركيا تخشى من أن مثل هذا الكيان الكردي قد يدفع أكراد تركيا إلى الانفصال. إلا أن هذا السيناريو بعيد الحدوث. فالمعروف أن تركيا تسعى بدأب من أجل الدخول في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن أي غزو كهذا قد يعطي للأوروبيين سببا وجيها لرفض تركيا. علاوة على ذلك، فإن الأكراد كانوا قد قبلوا بعد حرب الخليج في عام 1991 كردستان عراقية بحكم الواقع، واستثمروا كثيرا في المنطقة. وبالتأكيد لن يرغب الأتراك تدمير كل تلك الاستثمارات أو خسارتها.
قضية ثالثة تختص بالنفوذ الإيراني في أي منطقة شيعية مستقلة. تتمتع إيران بنفوذ كبير على الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في العراق، والتي تتمتع بكافة الصلاحيات على كل ربوع العراق. إذا تم تقسيم العراق، سينحصر النفوذ الإيراني في منطقة الجنوب الشيعية وربما في داخلها فقط.
وعلى الرغم من حقيقة أنه ربما فات الأوان لكي تتمكن اللامركزية من إنقاذ العراق- لأن الطوائف العرقية والدينية متشتتة في كافة أنحاء العراق، وربما لا يستطيع زعماء تلك الطوائف تحقيق مطالب أتباعهم- ربما يكون هذا الحل هو آخر أمل للعراق، فهو الأفضل من بين عدد كبير من الخيارات السيئة.

كاتب المقال إيفان إلاند زميل بمعهد الاندبندنت، ومؤلف كتاب «الإمبراطورية بلا ملابس: كشف السياسة الخارجية الأمريكية»، وكتاب «إدخال الدفاع في السياسة الدفاعية الأمريكية مرة أخرى».




ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
8
حان الوقت لاتخاذ موقف
بول كروغمان
نيويورك تايمز
إليكم ما سوف يحدث قطعا عندما يقدم الجنرال بتريوس شهادته أمام الكونجرس هذا الاسبوع:
فسوف يؤكد ان زيادة القوات قد قللت من العنف في العراق, طالما إنك لا تحسب السنة الذين قتلوا بواسطة السنة والشيعة الذين قتلوا بواسطة الشيعة والعراقيين الذين قتلوا بالسيارات المفخخة والناس الذين ماتوا بأطلاق الرصاص على جباههم.

واليكم ما أخشى ان يحدث:
سوف ينظر الديموقراطيون إلى زي بتريوس العسكري وميدالياته فيسقطون في ذلهم المعتاد. لن يسألوا الاسئلة الصعبة خوفا من ان يتهمهم شخص ما بمهاجمة الجيش. وبعد الإستماع للشهادة, فسوف يحاولون يائسين حمل الجمهوريين على الموافقة على قرار يطلب من الرئيس بوش بكل احترام انه ربما , إذا امكن أن يسحب بعض الجنود, إذا رأى أن ذلك يناسبه.

هناك خمسة اشياء آمل أن يتذكرها الديموقراطيون في الكونجرس.
أولا, لا يوجد تقييم مستقل واحد توصل إلى ان العنف في العراق قد انخفض. بل على العكس, فالتقارير المستقاة من سجلات المشرحة والمستشفى والشرطة, تقول أن العدد اليومي للقتلى من المدنيين قد بلغ ضعفي معدله في العام الماضي. ولم يجد التقييم الاخير الذي اجراه مكتب محاسبة الحكومة, غير الحزبي, أية مؤشرات على انخفاض في متوسط عدد الهجمات اليومية.

إذن, كيف يستطيع الجيش ان يدعي غير ذلك؟ من الواضح أن لدي البنتاغون معادلة خارقة مزدوجة يستخدمها في التفريق بين القتل الطائفي (سيئ) وبين الأنواع الاخرى من القتل(ليست مهمة). فحسب التقارير الصحفية, فإن جميع الوفيات الناتجة عن السيارات المفخخة لا يشملها التعداد. بل ان أحد محللي الإستخبارات قد قال لصحيفة الواشنطون بوست أنه: "إذا خرجت الطلقة من مؤخرة الرأس, فإنه قتل طائفي. وإذا خرجت من الجبهة, فإنه قتل إجرامي". عليه, فإن عدد القتلى قد انخفض طالما أنك لا تعد سوى النوع الطائفي من القتلى.
وبالمناسبة, إن بغداد تتعرض لتطهير عنصري, حيث تقوم المليشيات الشيعية بطرد السنة خارج معظم أجزاء المدينة. ثم خمن ماذا بعد ذلك؟ عندما تتم تصفية جيب سني, ثم تنخفض أعداد الموتي في تلك الناحية, لأنه لم يتبق أحد ليقتل, فإن هذا يعد تقدما بمقياس بتريوس.

ثانيا, لدى بتريوس تاريخ طويل من إعداد التقييمات المبالغ في تفاؤلها حول التقدم في العراق لإراحة سادته السياسيين. فقد كتبت من قبل حول مقالة الرأي التي نشرها بتريوس قبل ستة اسابيع من إنتخابات عام 2004, يدعي فيها حدوث "تقدم ملموس" في العراق. خاصة وانه قد أعلن أن "عناصر الامن العراقية قد جرت إعادت بنائها" وانه "قد ظل هناك تقدم في الجهود الرامية لتمكبن العراقيين من تحمل المزيد من الاعباء تجاه أمنهم". وبعد عام من ذلك, أعلن بأنه "قد ظل هناك" تقدم ضخم مع قوات الامن العراقية"

لكن عامان آخران مرا الآن, وقد اوصت اللجنة المستقلة للعسكريين المتقاعدين,التي كونها الكونجرس لتقييم قوات الأمن العراقية بضرورة حل قوات الشرطة القومية الموبؤة بالفساد والنفوذ الطائفي. أما قوات الجيش, فإنها "سوف تكون غير قادرة على القيام بمسئولياتها الامنية الضرورية بمفردها خلال الفترة من 12 إلى 18 شهرا القادمة".

ثالثا, أية خطة تعتمد على اعتراف البيت الأبيض بالحقائق, هي مجرد خيال. فبحسب صحيفة (سيدني مورننغ هيرالد), أن بوش قد قال لنائب رئيس الوزراء الأسترالي: "إننا نركل المؤخرات في العراق". هذا قول كاف.

رابعا, إن الدرس المستقى من الأعوام الستة الماضية هو ان الجمهوريين سوف يتهمون الديموقراطيين بكونهم غير وطنيين, بغض النظر عما يفعله الديموقراطيون. فالديموقراطيون قد اعطوا بوش كل ما أراد في عام 2002, وجاءات المكافأة في شكل بوستر دعائي يهاجم ماكس كليلاند, الذي فقد كلتا رجليه في فيتنام, فصوروه في زي أسامة بن لادن وصدام حسين.

واخيرا, فالجمهور قد كره حربهم ويريد أن يراها تنتهي. والناخبون يتذمرون من الديموقراطيين, ليس لأنهم يرون ان قادة الكونجرس شديدي اللبرالية, لكن لأنهم لا يرون ان الكونجرس يفعل شيئا لإيقاف الحرب.

على ضؤ كل هذا, فإن على المرء أن يتساءل حول ما يفكر فيه الديموقراطيون الذين, حسب صحيفة نيويورك تايمز, يفكرون في تسوية تضع "هدفا" للإنسحاب بدلا عن جدول زمني. ومثل جميع هذه التسويات سوف تعطي الجمهوريين الذين يحبون ان يبدو معتدلين ولكنهم يصوتون دائما مع إدارة بوش عند المحك, سوف تعطيهم غطاءا سياسيا.

وبعد ستة او سبعة اشهر من الآن, سيعود الوضع على ما كان عليه في البداية. سيأخذ بوش صورة فوتوغرافية أخرى داخل القاعدة الجوية الضخمة التي لم يخرج منها خلال زيارته الأخيرة للعراق, وسوف تغير الإدارة موقع خشبات المرمى مرة اخرى, وسوف يخرج علينا الجيش بطرق جديدة لطبخ التقارير وإدعاء النجاح.

ثمة أمر وحيد مؤكد, فمثلما كانت إنتخابات 2004, فإن إنتخابات 2008 سوف تكون "إنتخابات كاكي", يصر فيها الجمهوريون على أن الصوت الذي يذهب لصالح الديموقراطيين هو صوت ضد القوات الأمريكية. والسؤال الوحيد هو ما إذا كانوا يستطيعون ايضا, ومرة اخرى, أن يدعوا أن الديموقراطيين ليس لديهم رأي ثابت, ولا يستطيعون إتخاذ موقف.

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
9
هزيمة بريطانيا فى العراق

أحمد منصور

الشبيبة عمان
تبدو المسافة بين إبريل 2003 وسبتمبر 2007 في عمر الأمم والشعوب مسافة بسيطة غير بعيدة غير أنها لم تكن كذلك بالنسبة للقوات البريطانية التى كانت تسيطر علي مدينة البصرة وجنوب العراق في تلك الفترة ، فالفارق شاسع بين مشهد إبريل 2004 حينما نجحت القوات الأمريكية والبريطانية فى السيطرة علي قصر صدام حسين فى المدينة ، ومن ثم التوجه شمالا إلي بغداد وإنهاء صدام حسين بها فى 9 إبريل 2003 ، وبين مشهد الجنود البريطانيين وهم ينسحبون من قصر صدام حسين فى البصرة إلي المطار آخر معقل لهم ، بعدما تحولت إقامتهم وسط المدينة إلي جحيم حيث كانوا يتعرضون لأكثر من ستين قذيفة وصاروخ كل يوم ، وقد وصف مراسل صحيفة الأنبدنت البريطانية فى العراق الصحفي البريطاني باتريك كوكبورن الأنسحاب البريطاني من البصرة ومن ثم الأستعداد للأنسحاب النهائي من العراق بأنه يعتبر " إحدي المهمات الأكثر فشلا فى تاريخ الجيش البريطاني " ، وأضاف كوكبورن فى تقريره الذي نشره فى 3 سبتمبر الماضي تحت عنوان " نهاية مخزية لعملية عسكرية أودت بحياة 168 بريطانيا " نقلا عن مجموعة الأزمات الدولية فى بروكسيل " "إن سكان البصرة ورجال المليشيا لا ينظرون إلى هذا الانسحاب على أنه انسحاب منظم وإنما على أنه فشل مخز. فالمدينة اليوم خاضعة لسيطرة المليشيا والتي يبدو أنها صارت أكثر قوة وانفلاتا مقارنة بما كان عليه وضعها فيما مضى."
وهكذا تحولت المهمة التى أعلنت بريطانيا وأمريكا أنها من أجل نشر الديمقراطية فى العراق واستبدال النظام الديكتاتوري في العراق بنظام يلتزم بالمواصفات الأمريكية والبريطانية إلي واحدة من أكثر العمليات فشلا وفوضي فى التاريخ المعاصر ، وسيطرت علي البريطانيين روح " سايغون " عاصمة فئيتنام حينما انسحبوا من آخر معقل لهم داخل المدينة إلي المطار تمهيدا للهروب الكبير من مطار البصرة فى الشهر القادم ، مخلفين وراءهم فوضي عارمة لا يعلم أحد إلا الله إلي أين يمكن أن يصل مداها ، وكانت صحيفة صنداي تايمز البريطانية قد نشرت تقريرا فى عددها الصادر في 19 أغسطس نقلت فيه عن ستيفن بيدل أحد المستشارين العسكريين لدي الرئيس الِأمريكي جورج بوش حذر فيه من أن القوات البريطانية فى العراق سوف تجبر علي الأنسحاب " بطريقة بشعة ومحرجة " ، وربما هذا ما تم جانب منه فى الأسبوع الماضي غير أن الجميع يترقب الفصل الأخير من عملية الأنسحاب الكاملة المتوقعة في الشهر القادم لخمسة آلاف وخمسمائة جندي بريطاني يعيشون الآن بين الخوف والأمل فى مطار البصرة ، ويصحبون وكل ينظر إلي وجه الآخر ويفكر من الذي سيعود علي قدميه ومن الذي سيعود في نعش ملفوف بالعلم البريطاني ، وقد أشار بعض العسكريين البريطانيين إلي النهاية المخزية للجيش البريطاني في العراق في عدد 19 أغسطس من صحيفة " صنداي تايمز قائلا " إن التاريخ العسكري سوف يحكم علي ما يجري فى البصرة علي أنه خطأ فادح إذا ستؤدي هجمات المسحلين إلي طرد البريطانيين من جنوب العراق " أما أحد الضباط الآخرين فقد قال لبي بي سي في استطلاع نشرته فى 24 أغسطس " لا أظن أننا نستطيع أن نحقق الكثير ، إنه مأزق أخلاقي صعب " ، أما غلاف صحيفة الأند بندنت فى 3 سبتمبر فقد كان لجنود بريطانيين منبطحين أرضا وهم في وضع قتالي وفوقهم عنوان كبير يتساءل " قضينا أربع سنوات فى البصرة .. فماذا حققنا ؟
هذا التساؤل يعود بنا إلي الوراء إلي نهاية مارس 2003 ونضع صور الجنود البريطانيين الذين كانوا يتحدثون عن النصر المؤزر إلي جوار تلك الصورة للجنود البريطانيين المذعورين المهزومين بعد أقل من خمس سنوات ، قد تبدوا الخمس سنوات طويلة فى عمر الناس لكنها ليست كذلك فى عمر الأمم كما أنها العلامة الفارقة بين النصر والهزيمة ، إنه الصبر .. صبر ساعة في عمر الزمن يمثل الفارق الكبير بين النصر المزيف والهزيمة الحقيقية .


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
10
العراق... و"أسطوانة" بيتراوس المُملَّة

بول كروغمان
الاتحاد الامارات
فيما يلي ما سيحدث -بدون شك- عندما سيمثل الجنرال ديفيد بترايوس أمام الكونجرس الأسبوع المقبل للإدلاء بشهادته: سيؤكد قائد القوات الأميركية في العراق على أن زيادة عدد القوات الأميركية هناك ساهمت في الحد من أعمال العنف في البلاد –طالما لم نحسب السُّنة الذي يُقتلون على أيدي السُّنة، والشيعة الذين يقتلون على أيدي الشيعة، والعراقيين الذي يقتلون في تفجيرات السيارات، والأشخاص الذين يُرمون بالرصاص في جباههم.



وفيما يلي ما أخشى وقوعه: سينظر "الديمقراطيون" إلى بدلة بترايوس والميداليات والأوسمة التي توشح صدره، ثم يستسلمون ويتذللون كالعادة. لن يطرحوا أسئلة صعبة خوفاً من أن يُتهموا بانتقاد ومهاجمة الجيش. وبعد الإدلاء بالشهادة، سيسعون جاهدين لإقناع "الجمهوريين" بالموافقة على قرار يطلب بأدب من الرئيس بوش، ربما، سحب بعض القوات، إن كان يرغب في ذلك.



ولكنّ، ثمة خمسة أمور آمل أن يتذكرها "الديمقراطيون" في الكونجرس. أولاً، لم يخلص أي تقييم مستقل إلى أن العنف في العراق قد تراجع. بل على العكس من ذلك؛ إذ تشير التقديرات، استناداً إلى سجلات مستودعات الموتى والمستشفيات والشرطة، إلى أن العدد اليومي لوفيات المدنيين يمثل الآن ضعف معدل العام الماضي تقريباً. وعلاوة على ذلك، فإن "مكتب المحاسبة" (التابع للكونجرس) لم يسجل أي تراجع في معدل الهجمات اليومية بالعراق.


سينظر "الديمقراطيون" إلى بدلة بترايوس والميداليات والأوسمة التي توشح صدره، ثم يستسلمون ويتذللون كالعادة. لن يطرحوا أسئلة صعبة خوفاً من أن يُتهموا بمهاجمة الجيش.


وعليه، فكيف يمكن للجيش أن يدعي خلاف ذلك؟ أغلب الظن أن "البنتاجون" يتوفر على صيغة سرية للغاية يستعملها للتمييز بين أعمال القتل الطائفي (السيئة) وأعمال القتل الأخرى (غير المهمة)؛ حيث يفيد عدد من التقارير الصحفية بأن الوفيات الناجمة عن تفجير السيارات يتم استبعادها. كما أن محللاً استخباراتياً أخبر صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً بأنه "إذا دخلت الرصاصة من خلف الرأس، فإنها طائفية؛ وإذا دخلت من الجبهة، فإنها إجرامية". وعليه، فإن عدد القتلى في انخفاض طالما أننا نحصي بعض أنواع القتلى فقط.



وبالمناسبة، فإن بغداد تعيش تطهيراً عرقياً، حيث تعمل المليشيات الشيعية على طرد السُّنة من معظم المدينة. وهل تعلمون؟ عندما يتم القضاء على منطقة سُنية وينخفض عدد الموتى في تلك المنطقة لأنه لم يبق هناك أحد للقتل، فإنه يُنظر إلى هذا الأمر باعتباره تقدما بمقاييس البنتاجون.



ثانياً، معروف عن بترايوس تقييمه المغرق في التفاؤل في العراق، وهو أمر يصب في مصلحة رؤسائه السياسيين.



فقد كتبت من قبل حول مقال رأيٍ لبترايوس نُشر قبل ستة أسابيع من انتخابات 2004، تحدث فيه عن حدوث "تقدم ملموس" في العراق؛ قائلاً إن "عناصر الأمن العراقية بصدد التشكل" وإن "تقدماً تم تسجيله في الجهود الرامية لتمكين العراقيين من تحمل مزيد من المسؤوليات الأمنية". وبعد عام على ذلك، أعلن بترايوس مرة أخرى أن "ثمة تقدماً هائلاً بالنسبة لقوات الأمن العراقية".



غير أن سنتين مرتا على هذا الكلام؛ واليوم توصي لجنةُ الضباط العسكريين المتقاعدين، التي عينها الكونجرس بهدف تقييم قوات الأمن العراقية، بتفكيك قوات الشرطة العراقية التي ينخرها الفساد والطائفية؛ وترى أن الجيش العراقي "لن يكون قادراً على الاضطلاع بمسؤولياته الأمنية الأساسية بشكل مستقل على مدى يمتد من الأشهر الإثني عشر، إلى الأشهر الثمانية عشر المقبلة".



ثالثاً، إن أي مخطط يعتمد على اعتراف البيت الأبيض بالواقع هو ضرب من ضروب الخيال. فحسب صحيفة "ذا سيدني مورنينغ هيرالد" ليوم الثلاثاء، فإن الرئيس بوش أخبر نائب رئيس الوزراء الأسترالي بـ"أننا فعالون" في العراق. وهو كلام يغني عن كل تعليق.



رابعاً، ما يُستخلص من السنوات الست الماضية هو أن "الجمهوريين" سيتهمون "الديمقراطيين" بالافتقار إلى الحس الوطني، وذلك مهما فعل "الديمقراطيون". فقد منح "الديمقراطيون" بوش كل ما يريده في 2002؛ وكانت مكافأتهم إعلاناً يهاجم السيناتور "الديمقراطي" السابق ماكس كليلاند، الذي فقد كلا ساقيه وذراعه في حرب فيتنام، وتظهر في الإعلان صورتان لأسامة بن لادن وصدام حسين.



وأخيراً، فإن الجمهور يكره هذه الحرب ويريد نهايتها؛ فالناخبون غاضبون من "الديمقراطيين"، ليس لأنهم يعتقدون أن زعماء الكونجرس ليبراليون جداً، وإنما لأنهم يرون أن الكونجرس لا يفعل شيئاً لوقف الحرب.



في ضوء كل هذه الأمور، علينا أن نتساءل بشأن ما الذي يفكر فيه "الديمقراطيون" الذين يبحثون، حسب صحيفة "نيويورك تايمز"، في إمكانية توافق يحدد "هدفاً" للانسحاب بدلاً من جدول زمني. والحال أن كل ما قد يحققه توافقٌ من هذا القبيل هو منح "الجمهوريين" الذين يحبون أن يبدوا معتدلين –والذين يصوتون دائماً مع إدارة بوش- غطاء سياسياً.



سيتكرر الأمر نفسه مرة أخرى بعد ستة أو سبعة أشهر من اليوم؛ وستُلتقط لبوش صور أخرى في "كامب كابكيك"، وهو الاسم الذي يطلقه جنود المارينز على القاعدة الجوية الضخمة التي لم يغادرها أبداً خلال زيارته الأخيرة للعراق. وستغير الإدارة الأميركية الهدف مرة أخرى، وسيأتي الجيش بطرق جديدة لتغيير الحقائق وادعاء النجاح.



الأكيد هو أن انتخابات 2008، وعلى غرار 2004، ستكون انتخابات يطغى عليها موضوع الحرب، وسيشدد فيها "الجمهوريون" على أن التصويت على "الديمقراطيين" إنما يمثل تصويتا ضد القوات. غير أن السؤال هو ما إن كانوا سيستطيعون أيضاً أن يزعموا مرة أخرى بأن "الديمقراطيين" متقلبون لا يقدرون على اتخاذ القرارات والبت في الأمور.

ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
11
ساعة «الشيخ بلا ريشة
جاسم الرصيف
اخبار الخليج البحرين
وانا اتأمّل مندهشا مستغربا منبهرا بصورة (رائعة) من صور العملية (البطولية) - حسب احمق من المعجبين به عبر «السي ان ان« - التي أنجزها عميد تجار الحروب في العالم، إذ حط بطائرته الخاصة في مطار معسكر لجنوده يبعد عشرات الكيلومترات عن المناطق الآهلة بسكان محافظة الرمادي، من دون انذار مسبق لمريديه في حكومة الاحتلال، واتمعّن بصورة (رائعة) اخرى له

مزهوا بمقابلة تويجر حرب كل مجده (الوطني) انه: (عربي سني) مدجج ببعض اعوانه الذين ينفذون حكم الاعدام الفوري (بأعدائهم) واعداء الاحتلال في آن، تذكرت اغنية كنا نتعاطاها في زمن الطفولة: (يا قشمر، ياعيوني، لابس قاط زيتوني) (لابس ساعة لماعة، تسوا كل الجماعة)... ومعناها بالفصيح: يا احمق يا عيني لابس بذلة زيتوني (اللون) لابس ساعة لماعة ثمنها يعادل كل الجماعة. وفي نفس الوقت ضربت وعيي بحدّة نكتة من الوزن الخفيف عن احمق كثرت ذنوبه سمع خطيب الجامع يحذّر الناس من (قيام الساعة) ويشرح ما يجري يومها، فبادر هذا لبيع ساعته بأبخس الأثمان فورا رعبا من (الساعة) التي يقابل فيها وجه ربّه. *** ردّدت وسائل الاعلام، اسم (الشيخ ابوريشة) اكثر من ترديدها أخبار مدينة (والت ديزني)، وصار الرجل مثلا يحتذى وينتعل من العرب السنة الذين خلق بالمصادفة منهم، بعد قبوله بوظيفة تابع لأقرب ضباط الاحتلال في محافظة الرمادي، وبعد ان تكررت غارات رجاله المدعومين بقوات الاحتلال على رجال المقاومة من اهل المحافظة وتنفيذ حكم الاعدام الفوري بكل من يقبضون عليه منهم، وبتهمة انهم من: تنظيم (القاعدة). ولأن المفردات طلّقت معانيها منذ اليوم الأول للاحتلال فقد صارت مفردة (القاعدة) اقرب الطرق لتنفيذ هذا النوع من الاعدامات الفورية بلا شاهد ولا مدّع ولا قاض غير فرق الموت. واصبحت التهمة المفضلة والأكثر رواجا للاحتلال وحكومته وتجار الحروب المحليين، لتسويق وشرعنة الابادة الجماعية للعرب السنة وذبحهم بخنجر مثلوم، حتى ان المرء ليخيّل له ومن خلال هذه الأكاذيب الاعلامية اليومية ان الغالبية العظمى من العرب السنة صاروا: اعضاء في هذا التنظيم. سئل واحد من اتباع (الشيخ ابي لؤلؤة العربي السني) من محافظة الأنبار من قبل قناة (الجزيرة) قبل اسابيع عن السبب الذي يجعلهم ينفذون احكام الاعدام الفورية بالناس، فتعاطى (كلمة حق يراد بها باطل) يمارسه : لا توجد محاكم ولا حكومة في المحافظة، ولا علاقة لنا بالقوات الامريكية المعنية بأمن المحافظة لنستدعيها، وليس لدينا سجون، ولهذا نقتلهم دفاعا عن النفس. وصدق الرجل في معظم ما قال الا علاقتهم بقوات الاحتلال، ودفاعهم عن النفس التي اعلنت خيانتها لوطنها ولأهلها، وقد كذب نقدا وامام ملايين من البشر من دون خجل ولا حياء عرِفا عن الرجال الحقيقيين من العرب السنة. وفي العودة الى (بطولة) عميد تجار الحروب في العالم ووالي نعمتهم في العراق فقد وافق الأوّل في الغباء على مقابلة (الشيخ ابوريشة)، وهذا كان يرتدي العقال والكوفية البيضاء رمزا لأصله، وله شاربان ولحية سوداء مشذّبة مؤطرة بعباءة عربية مذهّبة الصدر، وساعته تتلامع وتتلاصف في رسغه وهو يصافح عمّه ووالي نعمته عميد تجار الحروب في العالم مستظلا العلم الأمريكي، سعيدا بغارته (المعجزة) على خمسين خروفا ذبحها اكراما وتبركا بضيفه: (هدية الله) لمرضاه من تجار الحروب العراقيين. هذه كانت (اروع) صورة تعرفت من خلالها نمطا جديدا من المشعوذين باسم العرب السنة في العراق، الذي قبّله رفيقه في السلاح الطائفي الشهير (المالكي) قبل اشهر وهو يؤدّي (بطولة) زيارة محافظة الأنبار من تحت ظلال قوات الاحتلال التي لولاها لما جرؤ قط على المرور من ابعد حدودها الصحراوية، ولأن نجمه سطع وحظّه لمع كأوّل رجل يحمل السلاح علنا ضد اهله فقد لبّى وعلى غير مألوفه عميد تجار الحروب في العالم دعوة (الشيخ ابوريشة) لتناول الطعام في مضيفه العامر بخيانة الوطن والأهل. والأخير، طال عمره وقل قدره، صار نجما (محسودا) من رفاق سلاح ادّوا للاحتلال خدمات اكبر ممّا قدم هذا، ولكنه اجترح المعجزات في الخيانة فحق له (المجد) في الصور والتصوير الى جانب اغبى رئيس بلد في العالم، من دون مراجعة متعبة ولا بحث طويل في بطون الكتب، ولا شك عندي انه طيّر للمصورين حلمه بالإكثار من الصور ليتباهى بها في مضيفه العامر بالخونة، وليبتز العراقيين العزّل من السلاح لاحقا بجوازات مرور يعبر بها سيطرات وجدران العزل التي اقامتها قوات الاحتلال في محافظة الأنبار. ولأنه (الفلتة) من بين العرب السنة، لم يكتف عميد تجار الحروب في العالم بتشريفه بقبول دعوته، بل جامله ولاطفه، وربما ربّت على مرساة حنكه السوداء مداعبا، واخبره ان: ساعته جميلة. وعلى غير عادة العرب الأصائل لم يتنازل (الشيخ ابوريشة) ويهدي ساعته لولي نعمته لجملة من الأسباب حيّرت خبراء السياسة والاقتصاد الدوليين والمحليين، وهي بايجاز: ان (الساعة) ويومها بيد الله وليس بيد (الشيخ بلا ريشة). انها صارت من اثمن ساعات محافظة الأنبار بعد اعجاب سيد الأغبياء بها علنا. انها قرّبته من يوم القيامة يوم لا ينفع مال - ولا ريش - ولا بنون. *** فوجئت بطفل يتمنى الحصول على الف صورة من صور (ابوريشة) وعمّه والي نعمة تجار الحروب، فلما سألته: ولماذا الف صورة؟ اجاب: احتاج إلى كعبين جديدين لحذائي.





ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
12
الشي المفقود في بغداد

توماس فيردمان
نيويورك تايمز



أكثر الدروس إثارة للقلق من غزو العراق هو كم أن الديكتاتوريات العربية خاوية. فحالما تخترق قصر الرئاسة عن طريق الاطاحة بالديكتاتور حتى يأخذك المصعد مباشرة إلى المسجد. فليس هناك أي شيء ما بين الاثنين ـ لا مجتمع مدني، ولا نقابات عمالية، ولا جماعات خاصة بحقوق الإنسان ولا برلمانيين أو صحافة. لذلك فإنه ليس غريبا بروز رجال الدين باعتبارهم قادة سياسيين بالنسبة للمناطق الشيعية والسنية في العراق.

لكن ذلك ليس صحيحا بالنسبة لشمال العراق في كردستان. فعلى الرغم من أن الديمقراطية ما زالت في أول خطواتها هناك، فإن كردستان تطور عناصر أساسية للمجتمع المدني. لقد التقيت بعشرين مجموعة من هذا النوع في أربيل من منظمات لحقوق الانسان إلى صحافيين إلى منظمات نسائية. إنها ظاهرة تستحق الدراسة لفهم ما يمكننا القيام به وما لا يمكننا القيام به لتعزيز الديمقراطية في بقية أنحاء العراق والعالم العربي ككل.

لعبت الولايات المتحدة دورا أساسيا في كردستان. ففي عام 1998 ساعدنا على إنهاء الحرب الأهلية المشتعلة هناك وهذا ما ساعد لاحقا على تحقيق تقاسم السلطة عام 2005 من خلال إجراء الانتخابات آنذاك. ومع إزاحة صدام تمكنا من تحريك تدفق الاستثمارات إلى كردستان العراق.

لكن ذلك كل ما قمنا به. واليوم لا يوجد جيش أميركي هناك، مع ذلك تزدهر السياسة والاقتصاد في المنطقة لأن الأكراد يريدون الأمور أن تكون بهذا الشكل. وفي الجنوب نحن أنفقنا مليارات الدولارات لنشر الديمقراطية في المناطق السنية والشيعية ولم نحصد إلا الضئيل.

هناك ثلاثة دروس يمكن تعلمها من هذه التجربة: (1) الى ان ينتهي النزاع ما بين السنة والشيعة أنت لا تستطيع أن تؤسس سياسة مستقرة في جنوب العراق. (2) حينما يريد الناس المضي في طريق التقدم لن يتمكن أحد من إيقافهم وليست هناك حاجة لمساعدتهم. (3) القضايا الثقافية.

يتميز الإسلام في كردستان باعتداله وتسامحه حسبما قال سلام بواري، رئيس مركز بحوث حقوق الانسان والديمقراطية في كردستان: «نحن لدينا تعددية ثقافية. لقد عشنا 2000 سنة مع الناس المحيطين بنا». وفي الحقيقة هناك الكثير من الخلافات ما بين العرب والأكراد لكن هناك مبدأ للتسامح هنا لا تجده في أي مكان آخر من العراق.

أثناء زيارتي لكردستان، قرأت كتابا مناسبا للوقت الحالي عنوانه «الاسم الحسن للديمقراطية: صعود ومخاطر أكثر جبهات الحكم الشعبية في العالم» والذي كتبه صديقي مايكل ماندلباوم، الخبير في الشؤون الخارجية بجامعة جون هوبكنز. إنه كتاب مناسب جدا للمشروع الديمقراطي الأميركي للعراق ومنطقة الشرق الأوسط. ويجادل ماندلباوم بأن الديمقراطية تتكون من عنصرين: التحرر والسيادة الشعبية. ويشير الى أن «التحرر يخص ما تقوم به الحكومات»، أي حكم القانون وحماية الناس من انتهاكات سلطة الدولة والضوابط القانونية التي تعمل مؤسسات الحكومة بموجبها. أما السيادة الشعبية فتتعلق بالكيفية التي يقرر بها الناس من يحكمهم، عبر انتخابات حرة.

ويقول ماندلباوم ان ما تمثله بغداد هو ما يحدث عندما تكون لديك انتخابات دون تحرر. وتنتهي الى طغيان الأغلبية، أو ما يسميه فريد زكريا «الديمقراطية غير الليبرالية». ولدى كردستان، على النقيض من ذلك، فرصة بناء ديمقراطية متوازنة لأنها تنشئ مؤسسات التحرر وليس فقط اجراء انتخابات.

وما يوضحه تناقض بغداد ـ كردستان ايضا، حسب ما يلاحظ ماندلباوم، هو «اننا يمكن أن نساعد على خلق الظروف التي تؤدي الى ترسيخ جذور الديمقراطية، ولكن يتعين على الناس أن يطوروا مهاراتهم وقيمهم التي تجعلها تفعل فعلها». وقال هيمن ملا زاده الذي يترأس جمعية الصحافيين الأكراد انه في جنوب العراق «لديك اشخاص غير ديمقراطيين لديهم حكومة ديمقراطية. في كردستان لديك حكومة ديمقراطية لأناس ديمقراطيين».

ويقول ماندلباوم إن احدى الطرق التي يطور بها بلد ما برنامج التحرر هي عبر تنمية السوق الحرة. وتتمتع كردستان بمثل هذا. ويجادل بأن «اقتصاد السوق يمنح الناس حصة في السلام، وكذلك طريقة بناءة للتعامل مع الأشخاص الغرباء. وتعلم الأسواق الحرة الممارسات الديمقراطية الأساسية للتسويات والثقة».

ويمكن للديمقراطية ان تفشل بسبب اللاتسامح الديني، ولعنة النفط، وإرث الاستعمار، والدكتاتورية العسكرية، أو كراهية القيم الغربية، وهي منبع الديمقراطية. ويشير ماندلباوم الى ان الشرق الأوسط منطقة مصابة بكل هذه الأمراض. وذلك لا يعني ان الدمقرطة مستحيلة هنا، كما يظهر الأكراد. ولكنه يعني انها صعبة حقا. وقبل كل شيء يعلمنا العراق بأن الديمقراطية ممكنة فقط عندما يريد الناس ركيزتيها الاثنتين، أي التحرر والحكم الذاتي، ويبنون الركيزتين بأنفسهم. ونحن على بعد أميال من ذلك في بغداد.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
13
العراق: توافق اطراف اللعبة لكنهم نسيوا المقاومة

يحيي اليحياوي
: القدس العربي

قد لا يستطيع المرء، سيما ذي الثقافة العسكرية المتواضعة، إدراك المقصود من الانسحاب التدريجي من العراق ، أو من إعادة انتشار الجنود الأمريكان المرابطين به منذ آذار (مارس) من العام 2003، أو من إعادة التموقع خارج المدن والتجمعات البشرية ذات الكثافة العالية ، أو ما سواها. هي تعابير وعناوين هلامية بالقطع بالنسبة للعامة من بيننا، لكنها محيلة صوبا، بنظر مروجيها، علي ترتيبات عسكرية دقيقة، استوجبتها وتستوجبها ظروف ومعطيات وتداعيات المعركة علي الأرض، هناك بالعراق.
وبصرف النظر عن هذا العنوان أو ذاك، عن هذا التعبير أو ذاك، فإن واقع الحال بالعراق اليوم إنما هو واقع احتلال بامتياز، بقوة السلاح المباشر تأكيدا، بغطاء شرعي من الأمم المتحدة واضح، لا يقبل تأويلا، وباعتراف غير ممارئ من لدن دول الجوار، جوار العراق... لا تنفي الترتيبات العسكرية الداخلية إياها، ذات الواقع أو تنتقص من مداه، بقدر ما تتعامل معه بسياقات اشتداد المقاومة المسلحة، وتزايد نزيف القوات الأمريكية، وفشل العملية السياسية المزعومة، وعصي الحل النهائي ، الممهد لرحيل سلطات الاحتلال من هناك.
وإذا كنا علي قناعة تامة، بأن ذات الرحيل هو أمر حتمي طال الأمد أم قصر، وقد كان له أن يتم منذ مدة لولا مكابرة الرئيس الأمريكي، فإننا علي قناعة تامة أيضا بأن الأمريكان إنما يرتبون علي ضوء ذلك، أو لربما منذ اليوم الأول لدخولهم العراق، لـ بقاء دائم ليس فقط عبر سفارة ستكون هي الأضخم لديهم بالعالم، بل عبر بناء قواعد عسكرية تؤمن لهم مصالحهم في مرحلة ما بعد إنهاء الاحتلال رسميا.
وعلي الرغم من أن إدارة المحافظين الجدد تعمد إلي التكتم المطبق بهذا الجانب، فإن الجاري علي الأرض، وبما يصدر من تلميحات أيضا، إنما يشي بأن الأمريكان باقون بالعراق لآجال غير محددة... أعني غير محدودة، حتي وإن لم يجهروا صراحة بذلك.
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بهذا الخصوص (في شباط ـ فبراير من العام 2006): هناك أشخاص في واشنطن... لا ينوون أبدا سحب القوات الأمريكية من العراق، ويتطلعون إلي الاستمرار بالبقاء علي مدي 10، 20، 50 سنة القادمة...إن السبب الذي دفعنا إلي الذهاب للعراق هو إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في منطقة الخليج، ولم أسمع أبدا من أي من قادتنا يقول إنهم سيتعهدون لشعب العراق، الالتزام بسحب قواتنا علي مدي عشر سنوات من الآن، مع تصفية القواعد الأمريكية في العراق .
هو قول حق، تأكد علانية وبالملموس الحي، إذ باشر الجيش الأمريكي، ومنذ الأيام الأولي لدخوله العراق، في تشييد قواعد له جديدة (أو توسيع قواعد الجيش العراقي السابق) تجاوز عددها اليوم المائة قاعدة، يعمد منذ مدة إلي تجميعها بأربع عشرة قاعدة كبري بمنطقة كردستان، بمطار بغداد، بمحافظة الأنبار، بالمناطق الجنوبية الغربية من بغداد، وبغيرها.
هي قواعد ضخمة بكل المعايير، كاملة العدة والعتاد، مجهزة بمدرجات للطيران الحربي والمدني، بمآرب وطرق فرعية وتحصينات أمنية فائقة، وبمساكن عديدة للجنود، كما للمدنيين المصاحبين لهم، أو العاملين معهم، أو المعاضدين لعملياتهم.
وبغض الطرف عن العدد النهائي لهذه القواعد، أو جهة تمركزها، أو الوظيفة الموكلة إليها، فإن الفلسفة الثاوية خلف إقامتها إنما جعلها الدرع الضارب ، للدفاع عن أهداف لولاها لما كان من قيمة تذكر لغزو العراق أو احتلاله:
ـ فهي التي سيكون من شأنها، وبعين المكان، حماية احتياطي من أضخم احتياطات العالم غازا ونفطا، وتأمين انسيابه، وضمان وصوله للأسواق العالمية، وضمنها حتما السوق الأمريكي الواسع، والمتزايد الاستهلاك.
إن وضع اليد من لدن الأمريكان علي النفط العراقي، وقد شارف قانون النفط والغاز علي الاعتماد، إنما سيعطي لشركاتهم الكبري امتياز الاستغلال، ويمنحهم السلطة في تحديد الأسعار، ويعطي القدرة لإدارتهم في ابتزاز منافسيها (وضمنهم قطعا الصين الصاعدة) كما حلفائها سواء بسواء... من يا تري سيحمي الشركات إياها، ويؤمن لها الآبار، ومواقع التكرير، وطرق التصدير، إذا لم تكن القواعد العسكرية المرابطة بعين المكان، أو بمقربة منه؟
ـ وهي (القواعد أقصد) التي من شأنها الإشراف الميداني علي موقع جيوستراتيجي، يعطي الأمريكان القدرة العملية للتدخل المباشر والسريع، بمنطقة قابلة للانفجار بأي وقت، جراء تزايد الاحتقانات السياسية، والتطاحنات المذهبية، وارتفاع منسوب العنف الطائفي من بين ظهرانيها...كيف السبيل لاستباق الانفجار، إذا لم تتوفر بالقرب وبعين المكان، قاعدة عسكرية تكون أدوات التدخل لديها قابلة للتحرك دون انتظار؟
ـ وهي التي، فضلا عن كل هذا وذاك، القادرة علي درء أي نفوذ إيراني بمنطقة (منطقة الخليج) صنفتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منطقة نفوذ كبري، يحرم الاقتراب منها، أو المساومة علي ثرواتها، أو التهاون في الإطباق عليها إن هي تمنعت، أو راهنت علي تحالفات جديدة خارج المرسوم لها من خطوط.
إذا كان الأمر كذلك بالسابق من أزمان، فكيف سيكون الحال اليوم وإيران تسير صوب امتلاك أسلحة نووية، قد تستهدف بها حليف أمريكا الأول بالمنطقة (إسرائيل أعني) وتفسد عليهما حساباتهما بكل المنطقة، ولربما أيضا بجهات عديدة أخري من العالم.
هي كلها إذن وبالمحصلة، اعتبارات كبري (ودفوعات أيضا) تدفع بتصميم الأمريكان لإقامة قواعد عسكرية لهم بالعراق، إذا لم يكن بكل فضائه الجغرافي، فعلي الأقل بالمناطق ذات الأولوية الاستراتيجية القصوي.
لا تعدم الإدارة الأمريكية الأفكار والادعاءات لتسويغ ذلك، كل ذلك بالجملة والتفصيل، هي التي لم تخجل يوما من الجهر بالدفاع عن مصالحها القومية، ولم تتلكأ أو تتردد في استخدام القوة أو التلويح باستخدامها، عندما تتعرض ذات المصالح للتهديد، أو للمزايدة أو لما سواها.
لكن المستجد في المسوغات حقا، إنما قول الرئيس الأمريكي بـ وجوب البقاء في العراق طالما بقيت في الأفق نذر من الإرهاب تلوح، وبـ ضرورة البقاء هناك لمحاربة دعاته وممارسيه بعقر دارهم، والحيلولة دون إعادة توسيع مجال فعلهم ليطاول من جديد أمريكا، أو حلفاءها العرب بالمنطقة، أو باقي أصدقائها بشتي ربوع وأصقاع الأرض.
قد يتفهم المرء خلفيات رئيس أمريكي محبط، ضاقت به السبل وتلاشت من بين يديه، ولم يعد يلوي علي شيء يقدمه أو يؤخره (بعد هزيمة جيشه، وفشل حلفائه العراقيين ). قد يتفهم المرء ذلك، لكنه لا يستطيع فهم الآية من ربط البقاء الدائم بالعراق مع الحرب علي الإرهاب، إلا في سياق ترهيب مواطنيه من تبعات الانسحاب، وتخويف العراقيين من الفوضي القادمة إن هم انسحبوا، وتخويف دول المنطقة بالخطر الإيراني القادم، إن هم زايدوا علي الأمريكان بجهة نيتهم إقامة القواعد العسكرية...وهكذا.
لا يقتصر الأمر هنا عند ترهيب الشعب الأمريكي المناهض للتواجد العسكري بالعراق، أو عند تخويف الشعب العراقي المدمر أصلا من ذات التواجد (وتخويف حكومة الاحتلال القائمة من بين ظهرانيه بوجه التحديد)، ولا عند إثارة الخشية والهلع لدي حكومات الخليج الأخري، بل يتعداه لدرجة ابتزاز جورج بوش لغرمائه الديموقراطيين الذين اعتمدوا، أواخر حزيران (يونيو) الماضي، بالكونغرس قانونا يقضي برفض إقامة أية قواعد عسكرية دائمة للقوات الأمريكية بالعراق .
هو قانون محرج للرئيس دون شك، حتي وإن كان غير ملزم له، لكنه بالقطع من القوانين التي تظهر الحق بالشكل، لكنها تضمر للباطل بالمضمون. إذ ثمة بين الكونغرس والبيت الأبيض توافق راسخ، ومنذ قدم العهود، علي طبيعة السياسة الخارجية وخطوطها الكبري. وثمة عرف بينهما قائم مفاده أن الاختلاف لا يجب أن يطاول الجوهر، وليس ثمة من إشكال إن طاول الأدوات والوسائل.
يقول نائب ديموقراطي تعليقا علي القانون إياه، وتوضيحا لمسلمة قارية السياسة الخارجية: إن التأكيد في الكونغرس، أنه لن يكون هناك قواعد عسكرية أمريكية دائمة في العراق (إنما) يسهم في تخفيف الضغط علي جنودنا... ، وليس لاعتبار آخر، نضيف من جانبنا.
وإذا كنا علي يقين بأن مستويي السلطة بأمريكا، سينتهيان حتما بالنهاية، إلي اعتماد صيغة تضمن لهم تواجدا عسكريا دائما بالعراق ( باتفاق مع الحكومة العراقية تقول الإدارة الأمريكية)، فإن أطياف اللعبة السياسية بالعراق متوافقون، هم أيضا، علي تواجد عسكري من نوع ما بالعراق... دائم:
ـ فالأكراد لم يطلبوا من الإدارة الأمريكية البقاء بالعراق، وعدم الرضوخ للمطالب المتزايدة بجهة جدولة الانسحاب فحسب، بل كالوا لها أشد العتاب كونها لا تزال تتلكأ في اتخاذ قرار ببناء قواعد عسكرية دائمة لها بمنطقة كردستان.
هم لا يرون في إقامة ذات القواعد حماية لمنطقتهم من تهديدات الجيران فحسب، بل وأيضا أداة كبري من شأنها مساعدتهم في ترتيب الانفصال عن الوطن/الأم، عندما تسنح السياقات، وتتوفر الظروف الإقليمية للإعلان عن ذلك، دونما تداعيات عليهم أو علي المحيط.
ـ وشيعة الأحزاب الطائفية (من مجلس إسلامي أعلي، وحزبي الفضيلة والدعوة وما سواهم، دعك من التيار الصدري التائه) إنما يسترجون الإدارة الأمريكية إقامة قواعد دائمة تحميهم من سيناريو عودة احتكار السنة للسلطة ، وتضمن لهم (عندما يعمد إلي فدرلة البلاد عمليا) تأسيس إقليم لهم بالجنوب، مستقل، قابل للديمومة، قادر علي المزاوجة بين خدمة حماتهم من الأمريكان، وإرضاء ذوي نعمتهم من الإيرانيين.
ـ أما الطائفة السنية (سيما طيفها المندمج بالعملية السياسية الفاشلة)، فتراهن علي بقاء الأمريكان، ولا تتمنع ضمنا في إقامة قواعد لهم دائمة، إذا كان من شأن ذلك الحؤول دون استمرار تدهور مكانتهم، وتراجع كلمتهم بالسلطة ، والتجاوز علي دورهم في تقرير حال العراق ومآله.
الكل إذن يراهن علي تواجد عسكري أمريكي من نوع ما ولغاية ذاتية ما، لكن ذات الكل لم يستحضر فيما يبدو، موقف المقاومة العراقية من كل ذلك... ألم يكن لهم جميعا أن يستقرئوا رأيها قبلما يراهنون علي هذه الجهة أو تلك؟
لو كان من بين هؤلاء من تتوفر لديه البصيرة، ويتمتع بنور البصر، لما تجاوز علي فاعل من طينة المقاومة العراقية، بيدها سبل الحسم والفصل، وكلمة الحل والعقد بالعراق القادم.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
14
...الحرب على العراق والجانب الخطأ من التاريخ
محمود عوض
الحياة
من استراليا التي زارها الرئيس جورج بوش أخيراً أعلن بوضوح أن القوات الأميركية باقية في العراق. ومن قاعدة عسكرية أميركية حصينة في العراق زارها جورج بوش خطفا في الطريق إلى استراليا ألمح إلى احتمال سحب جزء من القوات الأميركية. لكنه في اللحظة نفسها شدد على أن الانسحاب لن يتم بضغوط من «سياسيين متوترين» في واشنطن، في إشارة واضحة لانتقادات الديموقراطيين للحرب والمطالبات المتكررة بالانسحاب. في الواقع إن الرئيس جورج بوش يعول كثيرا على تقرير عسكري - سياسي مشترك سيقدمه خلال أيام كل من الجنرال ديفيد بترايوس القائد الأميركي في العراق وريان كروكر السفير الأميركي هناك. تقرير من المفترض أن يوضح المدى الذي تقدمت إليه الأوضاع في العراق على ضوء زيادة القوات العسكرية الأميركية إلى 160 ألفا. بالطبع لن يستطيع التقرير تجاهل المأزق الأميركي في العراق، لكنه بالتأكيد سيقول إن تقدما جرى في أرض الواقع بما يبرر فكرة الرئيس بوش الأساسية بالمطالبة بالمزيد والمزيد من الوقت والصبر.

لقد تحدث أنصار الرئيس جورج بوش في الحزب الجمهوري الحاكم أخيراً عن أن القرارات المستقبلية بشأن «التمثيل العسكري» للولايات المتحدة في العراق يجب أن تأخذ في الاعتبار ضرورة ضمان الانتشار الدائم للقوات الأميركية في الشرق الأوسط «للمساعدة في تعقب قيادات تنظيم القاعدة وردع إيران» على حد تعبير السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل. أما بالنسبة للرئيس جورج بوش نفسه فقد أصبح ملفتا أنه كرر خلال الأسابيع الأخيرة الإشارة إلى دروس حرب فيتنام كمبرر وسبب أساسي لاستمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق. جاءت تلك الإشارات المتكررة خصوصا حينما قال الرئيس بوش الشهر الماضي مثلا أمام رابطة المحاربين القدامى: «إن من ضمن التركة التي خلفتها حرب فيتنام أن ثمن انسحاب الولايات المتحدة دفعه ملايين المواطنين الأبرياء الذين أضافت آلامهم ومعاناتهم مفردات وعبارات مثل لاجئي القوارب ومعسكرات إعادة التأهيل التي أقامتها الحكومة الفيتنامية عند انسحاب الولايات المتحدة». أما كارل روف مستشار جورج بوش والذي جرت التضحية به أخيراً فقد كتب يقول: «إذا جاءت المحصلة النهائية - في العراق - مشابهة لما حدث في فيتنام بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن حلفائنا وسادت الفوضى وأعمال العنف في المنطقة، فإن حكم التاريخ سيكون قاسيا. التاريخ سيعتبر الرئيس جورج بوش على صواب، ومعارضي سياسته على خطأ».

عند هذا الحد يحتار المرء. فلا يمكن لرئيس دولة عظمى، ولمستشاريه المقربين، أن يتعاملوا مع الجانب الخطأ من التاريخ على أنه الجانب الصحيح، خصوصا أن حرب فيتنام مثلت جرحاً غائراً في الشخصية الأميركية ما زال مستمراً حتى الآن. وبعد مئات الكتب وآلاف الوثائق أصبح الدرس الكبير هو أن تلك الحرب كانت باهظة الثمن (58 ألف قتيل أميركي ومليونا فيتنامي). وقامت من البداية على كل المبررات الخطأ والتصورات الأكثر خطأ. أول المبررات كان أن السماح لفيتنام الشمالية بتحقيق الوحدة مع فيتنام الجنوبية يعني سقوط الجنوب الرأسمالي في براثن الشمال الشيوعي، بما سيبدأ تفعيل نظرية «الدومينو»، فيتنقل التأثر إلى كل دول آسيا المجاورة.

أميركا اضطرت إلى الانسحاب المهين من فيتنام الجنوبية في سنة 1975، التي توحدت فورياً مع فيتنام الشمالية. والشعب الفيتنامي - جنوباً وشمالاً - اعتبر هذا التطور انتصاراً تاريخياً غير مسبوق وتتويجاً لنضاله التاريخي ضد قوى الغزو الأجنبي. لكن الأيام والسنوات مضت بغير أن تعمل نظرية «الدومينو» إياها أو أن تتحول دولة واحدة في الجوار الآسيوي إلى الشيوعية. بالطبع ساعدت في ذلك تطورات جذرية لاحقة في مقدمها نهضة اقتصادية غير مسبوقة في المنطقة، لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عنها. إنما المهم هو أن الأخطار التي جرى التحذير والتخويف منها طوال سنوات كمبرر لعدم انسحاب أميركا عسكريا من فيتنام الجنوبية ثبت أنها كانت تحذيرات كاذبة ومضللة من الأساس. والآن في 2007 يكرر الرئيس جورج بوش الإشارة إلى فيتنام من الباب الخطأ في التاريخ، سعياً إلى تبرير استمرار الاحتلال الأميركي للعراق، ولعقود طويلة مفتوحة مقبلة. ليس معروفاً عن الرئيس بوش سعة الاطلاع أو حب القراءة أصلا بما يتجاوز عناوين الصحف ومقدمات نشرات الأخبار. لكنه يستطيع على الاقل تكليف أحد مساعديه بأن يلخص له شهادة أكثر الأميركيين التصاقا بتلك الحرب وهو روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأميركي في إدارتي جون كينيدي وليندون جونسون إلى أن أقيل أو استقال في سنة 1968 بعد أن وصل إلى قناعة كاملة بأن على أميركا أن تنسحب من فيتنام، وبأسرع ما يمكن، تاركة فيتنام للفيتناميين.

شهادة روبرت ماكنمارا صدرت في مذكراته المطبوعة، وبصوته في فيلم وثائقي، وفي عشرات الندوات التي حضرها محذرا الأميركيين من أن يسمحوا لبلادهم بالتورط في أي فيتنام أخرى أو ما يشبهها، فغلطة واحدة يرتكبها جيل من السياسيين تكفي عشرة أجيال لاتخاذ الموعظة والعبرة.

المفارقة هنا، ولا ينكرها ماكنمارا نفسه، هي أنه تولى منصب وزير الدفاع وهو من أشد المتحمسين لاستخدام القوة العسكرية الأميركية الضاربة والطاغية في فيتنام الجنوبية ضد فيتنام الشمالية والتوسع فيها. وفي مرحلة تالية اشتهر ماكنمارا بمؤتمراته الصحافية التي كان يعقدها يوميا في واشنطن ليتم تصديرها إلى أنحاء العالم في التو واللحظة، ليتحدث فيها بالأرقام والرسوم التوضيحية عن أعداد القتلى - من الفيتناميين طبعاً - كمؤشر مؤكد على انتصار أميركا زعيمة «العالم الحر» ضد الشيوعيين الفيتناميين «العملاء».

بالطبع لم يشر روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأميركي في أي من مؤتمراته الصحافية تلك إلى قنابل النابالم الحارقة، والمحرمة دولياً، التي استخدمتها القوات الأميركية ضد المدنيين الفيتناميين، ولا إلى القصف الشامل الذي مارسته عشوائيا، ولا إلى القرى الفيتنامية التي جرى تدميرها بالكامل. وبالطبع لم يعلق مطلقا على مشهد الأسير الفيتنامي المقيد اليدين الذي جرى قتله برصاصة في الرأس أمام الكاميرات، ولا على مشهد الطفلة الفيتنامية التي سجلت الكاميرات صورتها وهي تركض عارية تماما باكية صارخة هاربة من الآثار التي طالتها من قنابل النابالم الحارقة التي طالت جسدها النحيل. أيضا لم يعلق روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأميركي في حينه على مشهد المظاهرات الغاضبة ضده، وفي المقدمة ابنه شخصيا، الرافضة لكل ما تقترفه أميركا في فيتنام. كلها مشاهد وصور تابعها العالم كله في حينه. لكن روبرت ماكنمارا اختار في حينه الصمت والتجاهل مفضلا الالتزام بالولاء المطلق لما يعتبره «المؤسسة» الحاكمة الأميركية.

هو اختار الصمت. لكنه، كما تبين في ما بعد، اختار أيضا أن يعود إلى اصل الموضوع وإلى الجانب الصحيح من التاريخ وينبش في الوثائق السرية لوزارة الدفاع الأميركية عن الأسباب والملابسات الحقيقية التي ذهبت بأميركا إلى فيتنام: كيف تطور التورط الأميركي في فيتنام الجنوبية من بعثة مستشارين إلى كتيبة مسلحة تحمي المستشارين إلى فرقة عسكرية تحمي الكتيبة حتى أصبحت الذروة هي وجود 550 ألف جندي أميركي مقاتل في فيتنام؟

روبرت ماكنمارا يسجل في مذكراته أن في مقدم الخطايا الكبرى لأميركا في فيتنام هو أنها ذهبت إلى هناك خوفا من شبح اسمه الشيوعية الدولية، وجهلا كاملا بشعب اسمه الشعب الفيتنامي، وبزعيم لهذا الشعب في الشمال اسمه هوشي منه. أميركا تصورت أن فيتنام الشمالية تعمل لحساب موسكو وبكين، ورفضت بالمطلق أن تصدق أن ما يمارسه الفيتناميون هو نضال وطني سعياً إلى الوحدة والاستقلال. ماكنمارا اكتشف كذلك أن أميركا تورطت في فيتنام جاهلة تماماً تاريخ وثقافة ذلك الشعب، وساعد على ذلك قيام البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية بالتخلص مبكرا من كل المتخصصين الأميركيين في شؤون فيتنام وتلك المنطقة من آسيا، وحدث ذلك قبل سنوات حينما اجتاحت أميركا حمى «المكارثية» التي وجهت الاتهام بالتعاطف مع الشيوعية لكل من لا تثق به «المؤسسة» الحاكمة بالكامل، ومن ثم جرى تطهير الحكومة الأميركية منهم عشوائيا بتهمة مسلطة هي النقص في الوطنية... إن لم تكن الخيانة.

قصة أميركا في فيتنام تطول وتطول. لكن بعد محنته الشخصية أراد روبرت ماكنمارا في خريف عمره أن ينبه شعبه إلى الدروس الحقيقية من ورطة فيتنام، وأهمية التعامل الأميركي مع الشعوب الأخرى من الباب الصحيح وليس من الباب الخطأ. فبين العراق وفيتنام اختلافات جوهرية عديدة. لكن من بين أوجه التشابه أن أميركا في غزوها للعراق اعتمدت على مشورة حفنة من «المعارضين بالمراسلة» الذين صوروا للأجهزة الأميركية أن غزو العراق سيكون نزهة، وأن الشعب العراقي سيستقبل الغزاة الأميركيين بالورود والرياحين. ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي قال ذلك، وأيضا دونالد رامسفيلد وزير الدفاع. بل إن الأخير رفض تماما إعادة العمل بنظام التجنيد الإجباري الذي أوقف العمل به منذ سنة 1975، أولاً لأن ذلك قد يذكر الأميركيين بفيتنام، وثانياً لأن غزو العراق واحتلاله والبقاء فيه لن يستلزم قوات كبيرة. تكفي فقط صواريخ كروز وطائرات الشبح وقوات برية محدودة لكي تكتمل «النزهة» العراقية.

هل كان الأمر يرجع إلى غرور القوة؟ أو ثقة في عملاء الاستخبارات الأميركية؟ أو جهل بالتاريخ؟ أو كل هذا معا؟

في تصريحات نشرت في لندن أخيراً تكلم الجنرال البريطاني تيم كروس الذي كان أعلى مسؤول في الجانب البريطاني الحليف لأميركا في غزو العراق ومعنيا بالتخطيط لما بعد الحرب إثر سقوط صدام حسين. قال الجنرال: «منذ البداية كنا قلقين جدا لنقص الدقة في خطة ما بعد الحرب، وليس لدي أدنى شك في أن رامسفيلد كان في صلب العملية». ويضيف الجنرال البريطاني: «تناولت الغداء مع رامسفيلد في واشنطن قبيل الاجتياح في 2003 وعبرت له عن قلقي لجهة ضرورة تدويل إعادة إعمار العراق والعمل في شكل وثيق مع الأمم المتحدة وكذلك لعدد القوات الضروري لحفظ الأمن والمساعدة على إعادة الإعمار». لكن «رامسفيلد لم يشأ الإصغاء لتلك الرسالة. فالأميركيون كانوا مقتنعين أصلا بأن العراق سيخرج بسرعة نسبيا من كل ذلك كديموقراطية مستقرة... أنا شخصيا وآخرين أكدنا أن الأمور لن تكون بهذه السهولة، ولكنه لم يأبه لتلك الملاحظات ورفضها».

مرة أخرى: هل كان الأمر يرجع إلى غرور القوة؟ أو ثقة في عملاء الاستخبارات الأميركية؟ أو جهل بالتاريخ؟ أو كل هذا معا؟

ثم إن أميركا بعد احتلالها بغداد بدأت بارتكاب خطايا متلاحقة، في مقدمها حل الجيش العراقي، وهو ما اعتبره حتى حلفاء أميركا حماقة كبرى. وأخيراً، في مقابلة مع مؤلف كتاب جديد عن جورج بوش، تنصل الرئيس الأميركي من أي مسؤولية عن حل الجيش العراقي قائلا: «إن السياسة الأميركية في العراق كانت تهدف إلى الإبقاء على الجيش سليما، لكن هذا لم يحدث». وعلى الفور خرج بول بريمر مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق وقت حل الجيش العراقي، ليكذب رئيسه. ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» خطابات متبادلة بين الرئيس بوش وبول بريمر تشير إلى أن بريمر أبلغ الرئيس بوش في ايار (مايو) 2003 بخطته لحل الجيش العراقي والاستخبارات العراقية، وحصل مسبقا على موافقة الرئيس في حينه.

مرة ثالثة: هل كان الأمر يرجع إلى غرور القوة؟ أو ثقة في عملاء الاستخبارات الأميركية؟ أو جهل بالتاريخ؟ أو كل هذا معا؟ أغلب الظن: كل هذا معاً.


ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
15
الفراغ .. المنشود في العراق

حمد الباهلي

اليوم السعودية
التبسيط المبتذل قد يكون ضروريا أحياناً . من ذلك مثلاً القول بأن العراق ليس جزءا لا من إيران ولا من السعودية ولا من أي دولة أخرى. العراق اليوم يمر بمأساة لابد أن تقود إلى انبعاث العراق من جديد كدولة مستقلة ذات سيادة بعد انسحاب قوات التحالف وهذا أمر سيقرره في يوم ما العراقيون . عراق موحد ، فيدرالي أو كونفيدرالي لن يكون شأناً عراقياً بحتاً وإنما بالتفاهم مع دول الجوار ومع ضرورات معايير الأسرة الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة .يجري الحديث في هذه الأيام عن دور إيراني لملء الفراغ الذي قد ينشأ من انسحاب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . مفهوم ملء الفراغ نشأ مع بداية أفول الحقبة الاستعمارية . في تلك الأثناء لم يفكر المستعمرون الإنجليز والفرنسيون والبرتغاليون بأن تملأ الفراغ الناجم عن انسحابهم دولة أجنبية ما . إلى من سيسلم الحكم من أبناء البلد المستقل . هكذا وجد زعماء التحرر الوطني أنفسهم أمام مهمة قيادة البلد ما بعد الاستقلال ، ولسنا بصدد مناقشة ماذا حدث . التصريحات الإيرانية التي وصفتها بعض وسائل الإعلام الخليجية بالغريبة حول رغبة إيران في ملء الفراغ الذي سينشأ في العراق جراء انسحاب قوات التحالف جديرة ببعض الملاحظات الأولية : -أولاً : الحديث عن انسحاب قوات التحالف بالشكل الذي ربما تتصوره القيادة الإيرانية وبعض المراقبين السياسيين سابق لأوانه ، فليست الولايات المتحدة وحدها معنية بترك فراغ في بلد يملك تاريخياً واستراتيجياً كل مبررات البقاء فضلاً عن مبررات التدخل الأمريكي المدعوم من كل الحكومات الغربية بغض النظر عن « مناكفاتها « وصولاً حتى إلى روسيا والصين . فراغ .. يفتح الله ? على حد تعبير إخواننا المصريين . ثانياً : في حالة حدوث نوع من الانسحاب الشكلي « إعادة انتشار « فإن كل دول الجوار العراقي ستكون معنية « بفراغاتها « . ثالثاً : لا بد من الاعتراف بأن إيران قد ملأت « فراغات « صممت مسبقاً على يد قوى مؤثرة في المشهد العراقي . لذلك ربما نشأ لدى القيادة الإيرانية نوع من التورم الذاتي في تقدير إمكانياتها خارج حدودها إلى درجة الاعتقاد بأنها - إيران - تكوين من تكوينات المجتمع العراقي له حق التدخل في دولته .رابعاً : إذا كانت الولايات المتحدة عاجزة عن إدارة الأزمة العراقية عبر المزج بين الديمقراطية والعنف .. فهل يمكن لإيران وعبر العنف صياغة مستقبل العراق ؟ هل يراود الإيرانيين تفكير كهذا ؟ .خامساً : لا بد من الاعتراف بأن الدول العربية المناوئة لتطلعات الإيرانيين في العراق لم تفعل غير استنساخ الحدود الدنيا للأسلوب التقليدي لمحاربة إسرائيل . سادساً : إيران ومنذ نشوء المشكل العراقي فعلت الكثير على مستوى المال والدعم اللوجستي لأنصارها . تقدر التقارير الموارد المالية لأنصار إيران بنحو من (7) إلى (10) ملايين دولار شهرياً غير ما يصرف على مؤسسات النفع العام .سابعاً : الدول العربية « الممانعة « للتدخل في الشأن العراقي وفق نظرية عدم التدخل في الشئون الداخلية حققت انتصارات تقوم على المبادئ، لكنها سهلت مهمة الإيرانيين بعدم دعمها للقوى الوطنية والديمقراطية المشاركة في العملية السياسية وبدت وكأنها تناصر جماعات القاعدة .لقد دخلت إيران إلى بلدان المنطقة عبر الشرعية الإسلامية لمساندة القضية الفلسطينية ولن توجد وسيلة لإيقاف سياسة « ملء الفراغ « الإيرانية سوى الوصول إلى حل نهائي بين العرب وإسرائيل يخرج المشاريع الإيرانية من أي محور عربي.
ت
عنوان المقالة او الافتتاحية
اسم الكاتب
مكان النشر
16
...لله وللتاريخ .. سلطان هاشم .. كما عرفته


د.علي الجابري

وكالة الاخبار العراقية
أود في هذا المقال أن أتحدث عن سجايا وزير الدفاع العراقي سلطان هاشم احمد ومهنيته وحرفيته العسكرية ودوره في الدفاع عن العراق منذ أن ارتدى بزته العسكرية وانخرط في صفوف الجيش العراقي الباسل وحتى وقوفه بصلابة وعنفوان وكبرياء بزيه العربي الأصيل أمام سجانيه وأمام من يطلقون على أنفسهم قضاة ينطقون باسم الشعب ؟؟ مع أن الشعب ذاته لا يعرف كيف أتوا ومن جاء بهم ؟ ومن خولهم أن ينطقوا باسمهم في عصر الاحتلال وسيادة شريعة الغاب التي لم تبقي ولم تذر ، في بلد وجد أرضه استبيحت في ليلة وضحاها ، حتى بات جهلاؤه قضاة وحكام ، وتحول عمداء القوم وسادة الرجال متهمون تلاحقهم أصابع اتهام من ساروا في ركب المحتل قبل المحتل نفسه ؟؟ فأي زمن اغبر هذا ؟ وأي انحطاط نحن فيه اليوم ؟ وأي مهزلة أتت على الأخضر واليابس من دون تمييز بعد أن القينا بأعرافنا وتقاليدنا وأصولنا جانبا مقابل حفنة دولارات رخيصة أو كراسي متهرئة ستقود الطامعين بها إلى ما لا يحمد عقباه وان طال الأمد وأرخيت الحبال ؟؟

أعود لأقول إنني عرفت اسم سلطان هاشم احمد أولا من مذكرات شوارتزكوف الذي كتب انه وقف أمام قائد عراقي محنك ومحترف أدار المفاوضات معه بحنكة وبراعة واعتداد بالنفس في ما أطلق عليه حينها " باجتماع الخيمة " في صفوان عام 1991 بعد الانسحاب العراقي من الكويت .. حتى انه – والقول لشوارتزكوف – لم يشعر انه أمام مقاتل منهزم كما كان يفترض هو ، بل أمام رجل يعرف تقاليد العسكرية وأصولها وعنفوانها ، إلى درجة انه رفض أن يسلم سلاحه قبل الدخول إلى طاولة المفاوضات في الخيمة إلا بعد أن يسلم القائد الأميركي سلاحه هو الآخر ؟؟ وأجبرهم على فعل ذلك !!

هذا الأمر دفعني إلى أن أسعى يوما من الأيام وبحكم عملي الصحفي إلى أن اجري مقابلة صحفية مع الفريق الركن سلطان هاشم احمد عندما أصبح وزيرا للدفاع .. ومن كان يعرفه جيدا وقتها يدرك انه رجل اعتاد أن يكون بعيد عن الأضواء والإعلام والمقابلات الصحفية حتى انه لم يدلي بأي حديث صحفي قبل ذلك الوقت على حد علمي..

حاولت مرارا وتكرارا حتى تمكنت من الحصول على موافقته لإجراء مقابلة صحفية يتحدث فيها عن ما جرى خلال اجتماع الخيمة في صفوان بعد سنوات عديدة من تلك الواقعة ، وهي أول مرة يتحدث فيها مسؤول عراقي عن تلك المفاوضات ونستمع إلى الجزء الآخر من الرواية التي سمعناها وقراناها من وجهة النظر الأميركية فقط طيلة السنوات التي مضت ..

ذهبت في الموعد المحدد في مقره بوزارة الدفاع العراقية ودخلت إلى مكتبه فإذا بي أمام رجل عربي يتقن أصول الضيافة العربية ، ويحمل من شمائل العرب وتقاليدهم وأخلاقهم الرفيعة ما يخجل القادم إليه .. وأمام هذا الترحاب والبساطة في التعامل التي قابلني بها ضيفي كان عيناي تدوران في كل محاور مكتبه لاستكشاف المكان الذي يدير منه وزير الدفاع العراقي اكبر واهم وزارة في العراق ، فإذا به بسيطا متواضعا عمليا كصاحبه .. قلت له أدرك أن وقتك ضيق وأمامك التزامات كبيرة إلا إنني أود أن أعيد ذاكرتك إلى الوراء وتحديدا إلى عام 1991 لتحدثني عن طبيعة المفاوضات التي دارت في اجتماع الخيمة .. بدأ محدثي وكأنه يتحدث عن واقعة حدثت البارحة وليس قبل سنوات .. شرح له كل ما دار من لحظة تكليفه بالمهمة حتى وصوله إلى مكان المفاوضات والى آخر تفاصيلها المعروفة التي نشرتها حينها في أهم وأوسع حوار صحفي أجريته مع مسؤول عراقي لأنه كان وقتها اخطر وأجرأ حوار تنشره صحيفة عراقية وقتها ..

اشد ما علق في ذاكرتي وأثار انتباهي أن هذا الرجل كان صريحا جريئا واضحا يقول ما له وما عليه من دون تزويق أو تحريف أو مغالطات ، بل انه لم يتحدث عن نفسه كما تحدث عنه شوارتزكوف (عدوه في ذلك الحين والمفاوض على الجانب الأميركي الذي لم يخفي إعجابه به)؟

وأنا استمع إليه أدركت جيدا لماذا أعجب به عدوه وتلك ميزة لا تجدها إلا في حالات نادرة .. أنا أمام رجل يحترم مهنته ويحافظ على تقاليدها ويحترم وينفذ أوامر سلطته التي وضعته في هذا المكان ويكون أمينا عليها .. فضلا عن ذلك فطبيعته وفطرته وتقاليد نشأته الأصيلة جعلت منه إنسانا صادقا يقول الحق ولو كان على نفسه ، بسيطا إلى درجة لم أكد استوعبها ، شامخا إلى درجة الكمال ، متسامحا إلى الحد الذي يفصل بين الطيبة وانتهاك كرامة الإنسان التي لا يقبلها مهما كانت النتائج ..

انتهى لقائي مع الرجل وخرجت منه فرحا فخورا به قبل أن افخر باني أول من اقنع سلطان هاشم الصامت إعلاميا أن يتحدث للتاريخ .. ومنذ ذلك الوقت لم أره وجها لوجه إلا في أثناء العدوان الأميركي على العراق 2003 عندما حضر إلى المركز الإعلامي في فندق فلسطين ميريديان في بغداد بصحبة وزير الأعلام محمد سعيد الصحاف ليتحدث للصحفيين عن مجريات العدوان وطبيعة العمليات العسكرية التي كانت تجري في مختلف ارض العراق .. استغرب كثيرون أن وزير الدفاع العراقي كان يتحدث بصراحة متناهية وقال انه يتوقع أن تصل القوات الأميركية إلى بغداد في غضون أسبوع ؟؟ وهو أمر أعابه عليه الكثيرون ؟؟ إلا إنني لم استغرب منه طرحه هذا .. فأنا أمام رجل مهني محترف يدرك ما يجري على الأرض وما هي النتائج التي ستترتب اثر ذلك ، فكان عفويا صادقا كعادته ، شجاعا صلبا يدرك أن خسارة معركة ليست نهاية العالم ، فهناك صفحات كثيرة لم تبدأ بعد ، ووصول القوات الأميركية إلى بغداد لا يعني أن أهل العراق يمكن أن يسكتوا على احتلال بلدهم وينثروا الورود في طريق الدبابات الأميركية !!

صدق ظنه وحصل ما حصل ؟؟ إلا أن ما لم يكن في الحسبان أن يحاكم هذا الجبل العراقي الأشم والنخلة الباسقة كمجرم حرب من مجرمي الحرب أنفسهم ، ومن خونة الديار وصغار القوم الذين لم يكن أمامهم إلا أن يلبوا إرادة أسيادهم طائعين أذلاء من دون أن يدركوا أنهم يوجهون اهانة لجيشهم الذي ذاد عن الديار سنوات طوال وقدم التضحيات الجسام من اجل أن يبقى العراق عصيا على الطامعين به منذ أن وجدت الخليقة ، ومنذ أن وجد العراق ، ومنذ أن ابتلاه الله بجار سوء قال عنه الرسول الأكرم "ما حن أعجمي على عربي قط " .

سلطان هاشم احمد رجل أرادوا له أن يدفع ثمن دفاع جيش العراق عن الأرض والعرض ، حاكموه على كل شظية وإصابة اخترقت جسده وهو يدافع ويذود عن ثرى العراق الطاهر ، وأرادوا من دون أن يشعروا أن يمنحوه شرف الاستشهاد من اجله ومن اجل شرف الجندية في العراق ..

فأي مهزلة تلك التي نحن فيها ، وأي عار سيلحق بالصامتين على اغتياله وغدره ؟؟ وأي مصيبة ستحل علينا أكثر مما نحن فيه ، ونحن نضحي برجالنا ونذبحهم من دون أن نذرف عليهم دمعة لأجل عيون جارة السوء اللعينة التي لن يهدأ لها بال إلا بعد أن يتم تصفية كل رجال العراق الذين تجرئوا على حمل السلاح من اجل الدفاع عن العراق ..

لن أطالب في هذا المقال أن يوقف حكم الإعدام عن سلطان هاشم ، فأنا آخر من يمكن أن تستمع له الحكومة ، إلا إنني أود أن أخاطبه في ساعاته الأخيرة وأقول له عشت رجلا وأسرت رجلا ووقفت رجلا أمام سجانيك وستموت رجلا بإرادة الله رغما عن أرادة سجانيك ، ويكفيك فخرا أن كثير من أعداءك قد اعترف بخلقك وشرفك وأمانتك ومهنيتك وطالب بوقف مهزلة محاكمتك وحكم الإعدام الصادر بحقك .. فكم أنت كبير يا أبا احمد ؟؟


ليست هناك تعليقات: